أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سعد هجرس - خطاب ليس ككل الخطابات »2«















المزيد.....

خطاب ليس ككل الخطابات »2«


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2672 - 2009 / 6 / 9 - 08:13
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


ليس مفاجئا أن يختلف المصريون والعرب والمسلمون والأقباط - بل والأمريكيون أيضا - في تقييم خطاب الرئيس باراك أوباما الذي وجهه إلي العالم الإسلامي من تحت قبة جامعة القاهرة، حتي وان اتفقوا جميعا علي »كاريزما« الرجل التي مست شغاف القلوب.
وفي سياق هذا التباين الكبير في تقييم خطاب أوباما - الذي ألقاه عشية الذكري الثانية والأربعين لاندلاع حرب الساعات الست في 5 يونيه المشئوم - فإن اجتهادنا المتواضع هو أننا إزاء خطاب استثنائي يمثل - كما قلنا في مقالنا السابق - قطيعة مع خطاب الغطرسة والاستعلاء الذي سيطر علي السياسة الأمريكية خصوصا، والغربية عموما، خلال السنوات الثماني الماضية.
وأن تراجع هذا الخطاب المتغطرس ليس مجرد توجه »شخصي« للرئيس الأمريكي »الجديد« باراك حسين أوباما، وإنما هو توجه عام فرضته تحولات موضوعية في موازين القوي الدولية وتغيرات بنيوية في النظام العالمي، وأهم هذه التحولات وتلك التغيرات هي نهاية عصر انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة علي النظام العالمي، وبروز أقطاب جديدة إلي جانب الاتحاد الأوروبي، وبخاصة الصين والهند وروسيا والبرازيل.
كما أن المغامرات العسكرية التي قام بها صقور »المحافظين الجدد« الذين نجحوا في اختطاف مراكز صنع القرار في واشنطن طيلة السنوات الثماني الماضية، قد فشلت فشلا ذريعا، وكبدت الولايات المتحدة خسائر مادية ومعنوية فادحة في الخارج.
فضلا عن أن المغامرات الاقتصادية لهؤلاء »المحافظين الجدد« الذين طبقوا في الداخل أكثر طبقات الرأسمالية توحشا أدت إلي دخول الاقتصاد الأمريكي أزمة خانقة لم تشهد الولايات المتحدة مثيلا لها منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، سرعان ما قادت الاقتصاد العالمي بأسره إلي نفق مظلم.
إذن.. هناك أسباب »موضوعية« أدت إلي نهاية »عصر العجرفة« الأمريكية، أو علي الأقل إلي بداية نهاية هذا العصر الأمريكي.
وليس سعي أوباما إلي »بداية جديدة« مع العالم الإسلامي سوي أحد شواهد هذا التحول الكبير »الإجباري«، بل ان نجاح شخص بمسوغات ومؤهلات وتاريخ باراك أوباما نفسه في الوصول إلي رئاسة الولايات المتحدة - بكل تفاصيل خلفيته العرقية والاجتماعية - هو في حد ذاته شاهد من شواهد هذا التحول الدراماتيكي.
وهذه البداية الجديدة مع العالم الإسلامي بالنسبة لدولة كبري مثل الولايات المتحدة، لا يمكن أن تأتي منفصلة عن »خطاب كوني جديد« يستفيد من أخطاء الماضي ويتعامل مع مستجدات الحاضر وتحديات المستقبل، وكل هذا لا يمكن أن يخضع للمزاج الشخصي أو الاهواء الفردية في بلد مؤسسات »بحق وحقيق«، تتمثل إحدي نقاط قوته في مرونة نظامه السياسي وقدرة هذا النظام علي التكيف السريع و»البراجماتي« مع التطورات التي تحدث لا محالة مع تحرك عجلة الزمن التي لا يمكن إيقافها أو اعادتها إلي الوراء، وآخر الأمثلة علي ذلك استبدال جورج بوش الصغير وإدارته الأيديولوجية المتعصبة بإدارة مختلفة علي رأسها شخص بمواصفات أوباما الذي بهر العالم واستطاع بين عشية وضحاها أن يحول مشاعر كراهية أمريكا التي اجتاحت العالم إلي مشاعر إعجاب بالنموذج الأمريكي والحلم الأمريكي.
وهذه البداية الجديدة التي عبر عنها خطاب القاهرة مجرد جزء من »التغيير« الذي كان شعار الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي الأسود، وبالطبع فإنه تغيير لا ينقل الولايات المتحدة من اليمين إلي اليسار، أو يحولها من دولة إمبريالية إلي دولة ديموقراطية مسألة بين عشية وضحاها.. وأنما هو »بداية تغيير« لترشيد السياسات الامبراطورية الأمريكية في الداخل والخارج، فهو لا يعادي الرأسمالية كنظام اجتماعي واقتصادي وأنما يحافظ علي جوهرها بالتخلص من الأعشاب السامة للنيو ليبرالية التي انتصرت لما يسمي بالرأسمالية المتوحشة وقدست الحرية المطلقة والعمياء لقوي السوق دون رقيب أو حسيب وتنكرت لأسس ومرتكزات العقد الاجتماعي لدولة الرفاه بما تتطلبه من ضرورة الحفاظ علي حد أدني من السلام الاجتماعي والحريات المدنية والنقابية، وكان من جراء ذلك اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء بصورة مخيفة وتزعزع السلم الأهلي وتصارع حريات كانت من قبيل المسلمات في الحياة الأمريكية من قبل.
وهذا معناه أن التغيير الذي يريده أوباما - والنصف الأكثر عقلا من الأمريكيين الذين انتخبوه - هو ترشيد الرأسمالية الأمريكية وليس الانقلاب عليها، بمعني أنه تغيير داخل الرأسمالية وليس خارج نطاقها وفلسفتها وآلياتها.
وهذا التغيير »الداخلي« يستلزم بدوره تغيرات »خارجية« بعد أن أدت سياسات صقور المحافظين الجدد إلي الأضرار بالمصالح الأمريكية في الحقبة السابقة.
وهذا يعني أن التغييرات التي يسعي أوباما إلي تحقيقها علي الصعيد الدولي لا تحركها دوافع أخلاقية وأنما هي تستهدف بالتحديد تحقيق المصالح الأمريكية والدفاع عنها، فإذا كانت تجربة الأعوام الثمانية الماضية قد فشلت في الحفاظ علي هذه المصالح باستخدام القوة الغاشمة والهيمنة المنفردة والمتغطرسة علي باقي خلق الله، فإن إدارة أوباما قد تعلمت الدرس وأدركت ضرورة تغيير هذا النهج الفاشل، وذلك بالاعتراف أولا بأن القوة العسكرية لا تكفل وحدها تأمين مصالح أمريكا، والاعتراف بأن أمريكا لم تعد وحدها المهيمنة علي النظام العالمي.
وهذا يتطلب ادخال تعديلات علي آليات السياسة الخارجية الأمريكية والسلوك السياسي الأمريكي خارج القارة الأمريكية، بالاعتماد أكثر وأكثر علي »القوة الناعمة« للولايات المتحدة كلما أمكن بديلا عن القوة الباطشة، والتعويل قدر الأمكان علي توسيع التحالفات وتحييد أوسع قاعدة من الأعداء بديلا عن سياسة »من ليس معنا فهو ضدنا« التي سيطرت علي عقول صقور البنتاجون في العقد الماضي.
وبتطبيق ذلك علي الصراع العربي - الإسرائيلي فإن حدود التغيير لا تتخطي بأي حال من الأحوال حاجز التأييد الكامل لإسرائيل والعمل علي الحفاظ علي تفوقها العسكري علي العرب مجتمعين.
وأنما يتمثل التغيير الأمريكي الذي يقوده أوباما في الدفاع عن إسرائيل دون التورط في الدفاع عن »فتوحاتها«.
ولهذا فإن من حقنا - كعرب - أن ننظر إلي هذا التغيير - الذي عبر عنه خطاب القاهرة - باعتباره تغييرا ناقصا وغير متوازن وغير عادل.
لكنه مع ذلك يبقي تغييرا مهما يجب أن نتمسك به وننطلق منه إلي المزيد.
فمعارضة أوباما لسياسة الاستيطان الإسرائيلية تحول مهم، بل ومهم جدا.
وحديث أوباما عن عذابات الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبسببه، تحول مهم، بل ومهم جدا.
واعترافه بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته تحول مهم، بل ومهم جدا..
وإمساكه بملف الصراع العربي الإسرائيلي في بداية رئاسته تحول مهم، بل ومهم جدا، في موقف الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا علي البيت الأبيض منذ عام 1948 حتي الآن، حيث اعتدنا منهم أن يلتفتوا إلي هذا الملف في الأشهر الأخيرة لرئاستهم وليس في بدايتها مثلما فعل أوباما، بما يوحي بأن إدارته تدرك أن ملفات المنطقة مترابطة، وأن مصالح أمريكا في هذه المنطقة القلقة لم يعد ممكنا الحفاظ عليها مع استمرار - وتفاقم - الصراع العربي الإسرائيلي، ناهيك عن استمرار الانحياز المطلق والأعمي من الإدارة الأمريكية لأكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا وعدوانية.
صحيح أن مقاربة أوباما الجديدة تحاول طرح صيغة من التوازن بين مصالح إسرائيل و»مصالح الشعب الفلسطيني.
وصحيح أن هذا التوازن - حتي إذا كان ممكنا وهذا أمر مشكوك فيه إن لم يكن مستحيلا أصلا، يظل مختلا لأنه يساوي بين الظالم والمظلوم، بين لا أخلاقية الاحتلال وشرعية المقاومة..
وصحيح أن حديث أوباما عن »حل الدولتين« لا يزال حديثا عاما ويفتقر إلي التحديد والجداول الزمنية والآليات.
لكن هذا كله لا يعني أن »أحمد« مثل »الحاج أحمد«، أو أن سياسة أوباما لا تختلف عن سياسة بوش ورامسفيلد.
توجد فروق واختلافات بالقطع بين هذا وذاك، وحتي إذا كانت هذه الفروق غير جذرية وغير كافية فإن وجودها ليس كعدمه، فضلا عن أننا نتحدث عن »بداية« سيكون لها ما بعدها.
وهذا الذي يمكن أن يحدث بعد هذه البداية يتوقف علي عوامل كثيرة، من أهمها موقف الفلسطينيين والعرب وبالمناسبة.. فإنه كان من بواعث الاحباط والقرف ان يستمر الاقتتال غير المسئول بين الفلسطينيين بينما كان أوباما يلقي خطابه في القاهرة ويتحدث فيه عن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة!
ولايزال من بواعث الاحباط والقرف ان تتسابق النخبة العربية لاظهار تواضع اقتراحات أوباما وأوجه القصور المتعددة بها فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي - وهذا صحيح موضوعيا- بينما تزحف هذه النخبة العربية ذاتها علي بطونها ساعية للتوصل مع إسرائيل إلي ماهو أدني بكثير من هذه الاقتراحات الأمريكية خلف الأبواب المغلقة.
حتي ان المرء يتخيل أحيانا ان شرائح من هذه النخبة العربية الخائبة كانت تفضل استمرار سياسات بوش وأمثاله، لان مثل هذه السياسات الأمريكية الصريحة في انحيازها لإسرائيل والمتطرفة في هذا الانحياز لدرجة العمي كانت توفر لها - فيما تتصور- مبررا لعجزها خيبتها وتقاعسها أمام اسرائيل وعدوانيتها المتزايدة، حيث دأبت علي التعلل بهذا الانحياز الامريكي الأعمي الذي لا قبل لها بمواجهته.
أما في ظل سياسات بها »شبهة توازن« كتلك التي يطرحها أوباما.. فإنها تشعر بأن ظهورها وعوراتها، أصبحت مكشوفة. لذلك فإنها تسارع عبر أبواقها إلي التهوين من شأن هذه التحولات التي تبدأ في التبلور علي أيدي إدارة أوباما، مدعية أنه لا جديد تحت الشمس وبالتالي فإنه ليس مطلوبا منها هي الأخري أي جديد!
وإذا لم يكن »التهويل« هو الرد الموضوعي علي ذلك »التهوين« العربي، لأن أوباما لم يأت بالذئب من ذيله، ولأن خطابه مجرد بداية كما قال هو نفسه، ولأن رؤيته التي عبر عنها خطاب القاهرة مشوبة بالضبابية والغموض في بعض جوانبها والقصور والاختلال في جوانب أخري،..، فإن ادراك أهمية الجديد فيها - وهو ليس بالقليل- يتطلب منا- نحن أصحاب القضية- ان نسحب استقالتنا من التاريخ وان ننتقل من موقع »المفعول به« إلي موقع »الفاعل« ولو علي سبيل التغيير.
وهذا يعني - ضمن مايعني - ان نتعامل مع أوباما باعتباره رجل دولة ورئيس جمهورية يدافع عن مصالح بلاده قبل أي شيء آخر، وليس باعتباره »سانتاكلوز« أو »بابا نويل« الذي يوزع هداياه علي الجميع بلاحساب ودون مقابل.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب ليس ككل الخطابات (1)
- الحرب الأهلية الصحفية .. الجديدة!
- اقتصاد المعرفة: سلاح الأغنياء وأمل الفقراء (1)
- اقتصاد المعرفة: سلاح الأغنياء وأمل الفقراء (2)
- »الخصخصة« و»الفلفصة« »1«
- -استثمار- الموت
- دورة الزمان: من ترومان إلى أوباما!
- مصريون -مع- التمييز!
- مصريون ضد التمييز
- نبيل العزبى وجمال أسعد.. ثنائية النجاح فى عيد أسيوط القومى
- الطوفان.. قادم
- وهابيون.. حتي في الكنيسة القبطية
- -الست هدى- .. مرأة حديدية أقوى من فاروق حسنى!
- أدب السجون: كتابات تقشعر لها الأبدان!!
- عبدالملك خليل
- إعطنى هذا الدواء
- إمسك .. بهائى!
- سيادة النائب العام.. شكرًا
- هل نحتاج إلي قانون جديد لمكافحة الارهاب؟!
- انتبهوا أيها السادة: نتيجة امتحاننا في »النزاهة«.. ضعيف جدا


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - سعد هجرس - خطاب ليس ككل الخطابات »2«