اقتصاد المعرفة: سلاح الأغنياء وأمل الفقراء (1)

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2665 - 2009 / 6 / 2 - 08:29
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

هل يمكن أن نتحدث عن »اقتصاد المعرفة« فى بلد يعانى من انتشار الأمية بمعدلات كبيرة، ويفتقر إلى الشفافية وحرية تداول المعلومات، ويرزح تحت نير منظومة تعليمية قائمة على الحفظ والاستظهار والتلقين ومحاربة الإبداع وملكة التفكير النقدى؟
هذا السؤال طرح نفسه بشدة بمناسبة تنظيم مكتبة الإسكندرية ورشة عمل تعليمية عن »تطوير استراتيجيات اقتصاد المعرفة لتحسين التنافسية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا«، بالتنسيق بين منتدى الإصلاح العربى بالمكتبة ومعهد البنك الدولى ومنتدى البحوث الاقتصادية ومعهد السياسة العامة والإدارة بكوريا الجنوبية والمجلس الوطنى المصرى للتنافسية.
وفى الحقيقة فإن هذا اللقاء الفكرى رفيع المستوى قد برهن على أنه أياً كان مستوى التنمية، فإنه يتعين على كل البلدان التفكير جدياً فى نمط تنموى قائم على المعرفة ومبنى على الإبداع والابتكار، حيث أصبحت المعرفة ــ فى عصر العولمة ــ المورد الرئيسى الدائم الذى لا ينضب للتنمية. ولذلك فإن استغلال واستثمار هذه المعرفة من أجل تحقيق التقدم الاقتصادى والرفاه الاجتماعى أصبح مركز اهتمام استراتيجيات التنمية بنحو متزايد.
وليس هذا بالأمر الجديد بالنسبة للبلدان المتقدمة، لأن الدور الرئيسى للمعرفة والابتكار فى النمو الاقتصادى لهذه البلدان معترف به فى هذه البلدان منذ أمد بعيد، بل إن هذه البلدان قد تقدمت بسبب اعتمادها على المعرفة والابتكار. وتراكم هذه الخبرات القائمة على المعرفة والابتكار هى التى أدت فى نهاية المطاف إلى »اقتصاد المعرفة«.
لكن الحال ليس كذلك فى البلدان »النامية«، الأمر الذى جعل الكثيرين فى »العالم الثالث« ينظرون إلى »اقتصاد المعرفة« كما لو كان أمراً لا يخصنا نحن فقراء العالم.
وبالعكس تماما من هذه الرؤية الضمنية جاءت أعمال هذا اللقاء الفكرى فى عروس البحر الأبيض المتوسط ليحمل عددا من الرسائل المهمة.
الرسالة الأولى هى أن المعرفة والابتكار قد لعبا دورا جوهريا فى التنمية منذ بدايات تاريخ البشرية.
لكن مع العولمة والثورة المعلوماتية والتكنولوجية فى العقود القليلة الماضية أصبحت المعرفة القاطرة الأساسية للتنافسية، والعامل الأهم فى إعادة تشكيل خريطة العالم وأنماط النمو الاقتصادى والنشاط الإنسانى على ظهر الكرة الأرضية.
وإزاء هذه التطورات الدراماتيكية أصبح من المتعين على جميع البلدان، متقدمة ونامية على حد سواء، أن تفكر مليا، وبسرعة لا تحتمل الإرجاء أو التسويف، فى مستقبلها فى ضوء اقتصاد المعرفة.
الرسالة الثانية: أن الوصول إلى اقتصاد المعرفة بنجاح يتطلب من جميع البلدان أن تفكر - وتعمل - فى أربع دعائم متلازمة ومتزامنة:
هذه الأعمدة الأربعة لاقتصاد المعرفة هى:
1- إطار مؤسسى يكفل التأسيس الكفء والاستعمال الجدى للمعرفة.
2- قوة عمل مستعلمة تعليما جيدا ومستمراً، وتطور مهاراتها بدون توقف.
3- نظام لتعزيز الابتكار والابداع سواء للأفراد أو الشركات أو المؤسسات الأكاديمية والبحثية التى توجد المعرفة وتشيعها.
4- بنية تحتية معلوماتية تتماشى مع ثورة الاتصال وتساعد على استيعاب ومعالجة المعرفة.
ويمكن إعادة صياغة هذه الأعمدة الأربعة على النحو التالى:
1- قاعدة تعليمية صلبة.
2- نظام كفء لتشجيع الابتكار
3- بنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصال
4- بناء نظام اقتصادى ومؤسسى كفء.
والسياسات التى يتم انتهاجها بالنسبة لكل من هذه الأعمدة متدرجة بالطبع وتعكس مستوى التنمية فى هذا البلد أو ذاك.
ومع ذلك فإن التجارب تبين لنا أن بعض اقتصادات المعرفة الناجحة استطاعت أن تحقق قفزات وطفرات مدهشة فى غضون سنوات معدودات اقل من عشر سنوات فى بعض الحالات.
الرسالة الثالثة أن العديد من البلدان، إن لم يكن كلها، التى حققت تقدما سريعا قد تبنت برامج للتغيير نحو اقتصاد المعرفة على المستوى الوطنى، ورغم تباين الخبرات بين هذا البلد أو ذاك فإن هناك قواسم مشتركة بين كل هذه التجارب الناجحة، وأهم هذه القواسم المشتركة هى:
1- ضرورة توافر التفاف وطنى حول برنامج الوصول إلى اقتصاد المعرفة، وهو الالتفاف الذى لا يمكن أن يتحقق بدون الثقة والتماسك.
2- ضرورة العمل لبناء الأعمدة الأربعة المشار إليها من خلال مجموعة مترابطة من الاصلاحات من أعلى إلى أسفل، والمبادرات من أسفل إلى أعلى.
3- ضرورة وجود »رؤية« شاملة لاقتصاد المعرفة.
فما الذى يتوافر لدينا - فى مصر - من هذه المقومات اللازمة لتطوير اقتصادنا من اقتصاد معتمد على الموارد إلى اقتصاد قائم على المعرفة.
وما الذى نفتقر إليه؟
وكيف نوفره؟
ومتى؟
إجابات الملتقى الفكرى المهم الذى شهدته مكتبة الإسكندرية فى الفترة من 17 إلى 21 مايو الحالى، هى موضوع مقالنا القادم.

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل