أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - ميلاد القارئ السوري















المزيد.....

ميلاد القارئ السوري


حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 834 - 2004 / 5 / 14 - 03:55
المحور: الادب والفن
    


كيف تتغير الذائقة الأدبية ؟

لنتخيل قليلاً ، معاصري حكايات ألف ليلة وليلة . كيف كانت استجابتهم للحكي الواقعي ، مقابل استمتاعهم بقصص مليئة بالجن والغرائب واللامعقول أساساً .

أثار لدي هذه التساؤلات ، مقال بعنوان " من هو شكسبير " . ويبدو منذ أكثر من قرنين ، الاهتمام المتزايد بهوية شكسبير على حساب أدبه .

ما يمكن ملاحظته بشكل عام ، في العقدين الأخيرين للقرن العشرين ، تصاعد وتيرة الاهتمام ، بالتفصيل اليومي والشخصي على حساب المتخيل والمتعالي . ويبدو جلياً هذا التغير في الذائقة ، على صعيد التلقي الأدبي في سوريا ، منذ ثمانينات القرن الماضي .

فقد شهد العقد المذكور غياب القاص عبد الله عبد والشاعر رياض الصالح الحسين ، وكلاهما كان اهتمامه بالتفاصيل بارزاً ، على حساب القضايا الكبرى ، المصيرية ، وجاء الاهتمام بأدبهما لاحقاً ، من قبل القراء ، ولم يصل إلى المؤسسة الرسمية بعد .

مع بداية العقد الماضي ، صار اليوم والغرفة والشخص العادي (رجل أو امرأة) ، سمة إيجابية في الأدب السوري ، الشعري منه على وجه الخصوص ، والذي كان حتى الثمانينات مرادفاً للابتذال والتفاهة فكانت تعبيرات : اليومي المبتذل ، والكتابة الذاتية ، تعتبر بحد ذاتها تقييماً نقدياً للعمل بمجمله . وبالتالي إحالته إلى غير المهم . وهنا تبرز مرحلة التلقي ، بعدما كان الاهتمام مقتصراً على المؤلف وموقعه الاجتماعي (الواقعية الاشتراكية) ، ليتحول الاهتمام إلى النص مع البنيوية ، ولنصل أخيراً إلى القارئ أو المتلقي . واعتباره مكوناً أساسياً للعمل الأدبي . مع حركة التغير في الذائقة ، وصل الأمر إلى حد ، أن الإشارة إلى فيلم : على أنه مقتبس عن قصة حقيقية ، من أهم عوامل التشويق . فما الذي تغير بالتحديد ؟

أبرز ملامح النص الأدبي السوري الجديد وخصوصاً الشعري ، يتمحور حول القارئ . التغير بدأ بالنظرة إلى اللغة ، ويمكن ببعض التعميم ، إجمال النظرة إلى اللغة في تيارين : الأول يتميز بضمور الجانب التواصلي في اللغة ، ويواصل تقليداً امتد مع أدونيس مروراً بسليم بركات (الذي انفصلت معه اللغة عن الحياة ، لتشكل ما يمكن تسميته واقع ثان) ، وصولاً إلى التجارب المتأخرة لما اصطلح على تسميته بتجربة ألف وبعدها كراس . ويمكن بشيء من القسر اعتبار هذا التيار ، امتداد طبيعي لقصيدة التفعيلة . ويبدو أنه مازال جاداً في محاولة تفجير اللغة ، وبعبارة مخففة ، يتوهم خلف لغة جديدة . ليبعث من جديد ، أوهام الفرد الخلاصي ، مع كل ما يجمعه بالنبي والقائد والثوري . الذي تقتصر مطالبه على الآخر . وكأن (كاتب هذا التيار) هبط فجأة من كوكب مجهول .

فيما التيار المقابل ، يتمحور حول النظرة التواصلية للغة ، ليواصل اتجاهاً بدء مع محمد الماغوط ، وصولاً إلى ما اصطلح عليه بالقصيدة الشفوية ، مروراً بجماليات النثر اليومي مع رياض الصالح الحسين وبندر عبد الحميد ومنذر مصري . ولعل ما يميز التيارين بوضوح ، تباين النظرة إلى موقع الكاتب . فقد تحول في الكتابة الجديدة ، من العارف والرائي ، ومن المعبر عن ضمير الجماعة ، إلى الفرد الطبيعي . الموجود في مكان محدد ، مدينة ، قرية ، والذي لديه عمل يؤطره كغيره من البشر ، والأهم من ذلك ، أنه شخص يعيش في الحياة الفعلية بما تحويه من نجاحات وإخفاقات صغيرة . ولم يعد ذلك الكيان المحلق مع المجد والحرية والموت . وبالطبع جل ذلك كان ومازال لغوياً . ظهور القارئ هو ما شكل التحول الأساسي . فبعد انفصاله المديد عن العمل الأدبي ، وما تبع ذلك من حجزه في نطاق التلقي السلبي ، يتم اليوم الاعتراف بدوره الجوهري في إنتاج المعنى الشعري . وهذا التحول يمثل رؤية جديدة يمكن ملاحظتها ، في تغير النظرة إلى المسلمات ، التي بدأت مكانتها المقدسة تهتز بالفعل .

يبدأ حضور القارئ في النص ، من وعي الكاتب نفسه . ففي الحد الأقصى لغياب القارئ ، تكون الكتابة اللاواعية ، أو الآلية ، فاللاوعي شخصي ودور القارئ فيه يقتصر على المرحلة التالية . التي تبدأ بعد إنجاز النص ، شفهيا كان أم كتابياً .

بالمقابل على صعيد المستوى الواعي ، يكون الآخر مكوناً أساسياً للأنا .

وكتابة الوعي تتضمن القصد ، ولا تقتصر عليه . وتشمل تجربة (الفرد الكاتب) في الحياة بمختلف مكوناتها ، الوجدانية والمعرفية والثقافية .

هل يمكن تحديد ، بعض صور ، القارئ الجديد ؟

القارئ في الكتابة التقليدية ، واحد ، تغيب فرديته ، عبر ذوبانه في الضمير الجمعي ، وهو محدد سلباً فقط . فهو من لا يخرج على الإجماع ، الديني أو الأخلاقي أو الوطني . وبما أن المؤسسات السائدة والراسخة ، هي التي تحدد الإجماع ، يبقى دور الفرد خارج القيمة والمعنى . لحسن الحظ ذلك الواقع بدأ بالتفكك .

معنى النص موجود بالقوة ، ولا يقوم بالفعل إلا بعد التقائه بالقارئ . وبالتوازي ، تبدأ النصوص بالتعدد والتنوع ، مع تعدد القراء . وربما هذا ما يفسر ، التنوع الذي بدأ يظهر في الكتابة السورية ، مع انحسار المنظومات الإيديولوجية ، منذ العقود الأخيرة للقرن العشرين .

فقد برزت أساليب جديدة ، وتجارب مختلفة ، منها ما سمي بظاهرة الشاعرات السوريات (مرام مصري ، هالة محمد ، رولا حسن ، هنادي زرقة) على سبيل المثال لا الحصر .

مجمل القول ، أن أحد الأسباب المهمة لذلك التحول ، ما يمكن تسميته ، ميلاد القارئ السوري ، الذي انتقل موقعه من المهرجانات والنصوص المدرسية ، إلى مكان وجوده الفعلي ، في المنزل أو الوظيفة . والقارئ السوري ، مفهوم ، يمثله بالقوة 17مليون شخص ، ويمثله بالفعل ، فرد ، من القلة السعيدة ، لحظة التقاءه بالنص .

ليس سراً أن المؤسسة الثقافية السورية ، من الجامعة إلى الجريدة والتلفزيون ، في حال لا يرضي ، أن لجهة كفاءة المؤسسة الثقافية ، أو كفاءة القائمين عليها . ومن هنا تعذر ، معالجة موضوع القارئ كما هو متحقق فعلياً . وبانتظار الفرج ، ليس أمامي سوى تجربتي الشخصية كقارئ ويمكن توصيفها بأنها اليوم تقوم على فكرة ، أنني أقراً أو أتلقى العمل بمفردي . لمتعتي الشخصية ، وأخضعه لمتطلباتي الشخصية أيضاَ . في حين كنت فيما سبق عنصراً ضمن جماعة أو فئة ، وكان العمل موجهاً لنا وليس لي . وبالتالي كان المحدد في قبولي أو رفضي ، ما يمكن تسميته ذائقتنا ، كنقيض لذائقتي ، بصفتي فرداً لي كياني الخاص . وهذا ما أظنه العامل الحاسم في تغير ذائقتي . حيث لا أتنازل اليوم عن مطالبة الكاتب بتجربته هو كفرد ، قبل أن يكون حاملاً لرسالة جمالية أو فنية تمثل قيماً عليا .

وهذا بدوره يفسر متعتي بقراءة عبد الله عبد وهو يصف أصابع الحمال في طلعة الطابيات . أيضاً المتعة مع رياض الصالح الحسين ، حين كتب عن رياض كفرد ، وليس رياض ضمير الأمة والشعب . كما كان سائداً في الأدب الرسمي .

ولا يعني هذا بأي حال ، تقييد موضوع الكتابة ، والاشتراط على المبدعين ، موضوعات بعينها ، بقدر ما يفترض معيار النزاهة ، بمعنى التخلص من الادعاء ، الذي لا يخرج عن حدي الغفلة والابتذال .



#حسين_عجيب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إطالة اللحظة العابرة - أيديولوجيا الموت
- الوهن النفسي يصير ذهانا جماعيا
- الثقة المفقودة بين المنطق والحوار والوهن النفسي
- الزيارة - إلى سوزان
- الحماقة
- لا تسامحهم يا إلهي
- الحداثة السياسية بين الضرورة والوهم
- الشرق الأوسط(نظرة من الداخل ) بمثابة الرد على مشروع الشرق ال ...
- الطريق
- الخوف والحب
- الأبلهان بين الثرثرة ومحاولة التفكير بصوت عال
- الدم السوري الرخيص
- اسطورة الوطن
- الفرد والحلقة المفقودة في الحوار السوري
- الأكثرية الخرساء من يمثلها!؟
- حلم العيش في الحاضر
- المريض العربي
- جملة إعتراضية
- ملاحظات على مقدمة لن لأنسي الحاج
- المسكوت عنه في سجن (شرق التوسط) رثاء أخرس


المزيد.....




- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- الذكاء الاصطناعي يختار أفضل 10 نجوم في تاريخ الفنون القتالية ...
- شباب سوق الشيوخ يناقشون الكتب في حديقة اتحاد الأدباء
- الجزيرة 360 تشارك في مهرجان شفيلد للفيلم الوثائقي بـ-غزة.. ص ...
- النيابة تطالب بمضاعفة عقوبة الكاتب بوعلام صنصال إلى عشر سنوا ...
- دعوات من فنانين عرب لأمن قطر واستقرار المنطقة
- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عجيب - ميلاد القارئ السوري