حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 772 - 2004 / 3 / 13 - 09:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"رأي فرد هامشي يكتب الشعر"
هذا النص من ثلاثة أقسام بتكاملها يتكون الرأي المقترح بوضوح تام .
من المحزن والمحبط أن يكون من يجلس على جوارك ،ويتكلم طوال الوقت لا يريد وربما غير قادر على سماعك ، وبعد ما يبدو عليه أنه استمع, يقاطعك قبل أن تكمل ويكرر عبارته السابقة ، التي مللت من سماعها عبر المدرسة والجريدة والتلفزيون الحكوميات ، ماذا بوسعك أن تفعل يا حسين عجيب سوى العودة إلى الأنترنيت ، إلى كيكا والحوار المتمدن وجهة الشعر وربما القنطرة ، حيث يتاح لك الكلام بعد 42 سنة من الإسكات القسري ثم تناشد المشاركة صديقك المشرد السوري المولود في الصين أحمد جان عثمان والذي طرد كأنه يحمل الطاعون ، وجرمه الوحيد أنه قادر على الإصغاء ثم الكلام . ليعذرني القارئ : فأنا جريح في الصميم وأكاد أغرق في اليأس ، لولا فسحة الأمل التي فتحتها لي المواقع المذكورة ، فأنا الآن بعمر 44 سنة ، بعد شبه الكتاب ( أشباه العزلة ) ومجموعتين ( نحن لا نتبادل الكلام ) و (ة ) المنجزتين سنة 2000 ، والممنوعتين من الرقابة ، لم يسمح لي بنشر كلمة واحدة في المطبوعات السورية والعربية التي بحكمها ، وجميع محاولاتي باءت بالفشل ، ذكرت شؤوني الخاصة كاعتذار عن انفعاليتي الزائدة خلال هذا النص للتفسير وليس للتبرير .
قاصدا أن أسقط صفة العربي ، لأنها كلمة (العربي ) كما تستخدم اليوم ، تتضمن مستويين من الدلالة ، المستوى الواقعي كأحد مكونات الهوية ليس في الدول العربية فقط ، بل ولجاليات وأفراد موزعين في العالم ، هذا المستوى لايحتاج للتأكيد أو الدفاع ، والمستوى الوهمي ( السائد للأسف ) الذي يحجب ويطمس الوجود الفعلي للدول والأفراد تحت صيغة أيديولوجية هي مصدر دائم للوعي الزائف ( اقصد بالأيديولوجيا كل ما يعيق أو يؤجل العيش في الحاضر ) . اسطورة العربي أشادها وجهاء و سياسيون أوصلت بعضهم إلى حكام بمصاف الآلهة ليس لدي ما أضيفه بصددهم ، سوى أنهم حولوا البلاد إلى مزارع شخصية والأفراد إلى رقيق ، وتوزع بعضهم الآخر في شتى المواقع ، ثم رسخها أدباء ومفكروا المستوى العمومي . حدث ذلك على امتداد القرن العشرين ، إذ بقيت الأغلبية المطلقة (الصامتة ) ممن لبستهم تلك التسمية في ظلال القرون الوسطى, من حيث الأمية والفقر والقمع بمختلف أصنافه . ليس بوسع سكير وشبه متشرد ، تفكيك ونقد ، الخطاب العربي السائد بشكل تفصيلي ، لكن من حقي وواجبي كذلك المشاركة في فضح وتعرية الميراث (الأخلاقي والفكري ) الذي وصلني ومازال يخنق المكان الذي أعيش فيه ، واقل ما يمكنني وصفه بالكريه . أحاول المساهمة في إنشاء وجهة نظر مضادة للتوجه الأيديولوجي العام والذي شارك فيه تيارات وشخصيات عارضت أنظمة الحكم في المستوى السياسي ، وشاركتها بالفكر والأخلاق ،وشكلوا معا واجهة عربية (تكاد تصبح هوية ) سماتها إنفصال الكلام عن التفكير و انفصال الكلام عن الفعل وانفصال الكلام عن المعنى ، وبشكل مباشر احتقار البشر واقعيا والاحتفاء بهم كأساطير . ذلك التوجه العام (النسق ) ينطلق من أفكار وتصورات متعالية وشديدة السمو ، تفصلها مسافات فلكية عن الدول ( سوريا ، الأردن ، العراق ، لبنان...) ناهيك عن الأفراد, أوصلنا ذلك التوجه إلى الفكرنة ، الانفصال التام بين الأفكار والتفكير ، وفقدان الواقع ، حيث صارت اللغة العربية مجرد تنويعات لنصوص مقدسة (دعوات ، بلاغة ) تخص أشباح وأساطير تجول في البلاد العربية خارج الزمان والمكان ، والملايين المكدسة فائض بشري مزعج ، ليس لنجوم السياسة والدين والرياضة والغناء والتهريب ، بل لنجوم الفكر والأدب فعليا . يتمثل ويتوضح كل ذلك في أخلاق التضحية التي عممتها السلطات والأدب الملتزم ثم دخلت بازار المزايدات حتى أوصلها الروائي الراحل عبد الرحمن منيف إلى السقف, من خلال اسطورة السجين السياسي . أخلاق التضحية بأبسط صورها دعوة الآخر ( العربي ) للموت وبالمقابل التمسك الكلبي بالمكاسب والامتيازات والمتع للذات والأسرة وبالأخص الأبناء ، هذه هي القاعدة العامة لأخلاق التضحية والتي تضمر لامبالاة واحتقار بلا حدود للجميع باستثناء الدائرة الشخصية .
الحلقة المفقودة : الانفصال بين الفرد والقضايا المشتركة ( الكبرى ) صفة الكبرى بحد ذاتها حكم قيمة ، تحول إلى هوة سحيقة لايمكن ردمها إلا بإعادة تشكيل القضايا الكبرى ( الوطن ، المصير ، العولمة ) على قاعدة حقوق الفرد ( امرأة ، طفل ، مختلف ، رسمي ) لوصل ذلك الانقطاع بين الفرد والشأن العام ، وإيجاد الحلقة المفقودة من جديد ( سيبقى الاستغراب وحتى الإنكار لكيفية استقبال العراقيين للجيش الأمريكي بدخول بغداد ) ( احتفال في بغداد ومأتم في بقية العواصم !!؟؟ ) ستبقى الرطانة والكلام الأجوف مادام الفرد مقطوعا عن القضايا المشتركة . الحل المناسب هو الحوار ، يمكن للحوار أن يبدأ بين أفراد متساويين في الحقوق ، فلا العبيد بإمكانهم إقامة الحوار ولا الآلهة تحاور الأدنى . ما دام الحوار غائبا ليس في سوريا وجوارها إلا الخيارين إما أو : التهديد الخارجي بتلويناته ( الغزو ، العقوبات ، التهديد ) وما يستتبعه من دمار وإذلال حقيقي. أو الصمود والتصدي بتلويناته ( رص الصفوف ، لاصوت يعلو.. ، الجبهة الداخلية الواحدة ) وما يستتبعه من استباحة حقيقيه لوجود الفرد ، ما زالت ذاكرة الثمانينيات المرعبة ، تقف خلف الباب ، والكل يعرف أن الأسوأ هو حروب الاخوة الأعداء .
لدي الكثير من الأسئلة المقلقة وليس لدي جواب واحد ، وباعتقادي كل الأجوبة الموروثة من الماضي انتهت صلاحيتها ، ما أسلفت يبرر جرأتي وربما تهوري في نقد النسق الأيديولوجي السائد سوريا والذي اختزل الفكر والرأي في وجهي عملة واحدة ، الغزو الخارجي أو السجن الداخلي ، هما رأي واحد والأغلبية المطلقة في سوريا وجوارها ليست معنية بل هي في حالة لا مبالاة كاملة ، على السواء, في موقفها تجاه التهديد بالغزو أو الاستعداد للمقاومة ، هذا ما يراه الهامشي السوري حسين عجيب ويعمل للخروج منه ، ولا يوجد سوى طريق واحد شاق ومكلف ومؤلم واسمه الحوار . وشرطه الاعتراف بالنقص الذاتي واحترام الآخر ، وهنا أكرر التذكير بالحق في الخطأ الطبيعي,ضرورة الخروج من الأساطير والعيش في العالم الواقعي كما هو,بفقره وقسوته.
معيقات الحوار : يمكن دمج معيقات الحوار في حزمتين : 1- معوقات فردية 2- معوقات مشتركة ( اجتماعية ) الحل المعروف الممكن والواقعي لتجاوز المعيقات الفردية هو الاعتراف بحقوق الفرد ( المرأة والطفل ، والآخر ، والرسمي ) كما تنص عليها المواثيق والقوانين الأحدث لحقوق الإنسان . أما المعيقات المشتركة إضافة إلى مؤسسات وعناصر الدولة الحديثة التي لم تؤسس بعد ، ثمة عائق متين وراسخ ويتغذى من منابع مختلفة عميقة ومستمرة ، هو النسق الفكري السائد في سوريا ، لا أدعي المقدرة الفردية على كشفه وتفكيكه ، لأنني اعتقد أن الفرد السوري بغض النظر عن موقعه ونواياه ، ما زال حتى اليوم يعمل لخدمة النسق وليس العكس . حسبي أنني أعمل على تفكيك ذلك النسق وأتحمل كل تبعات ذلك من تهم وحتى اعتداءات أتعرض لها من الغوغاء في بلدي, منهم من يكتب الشعر ومنهم من يكتب التقارير ، وما بينهما . النسق الفكري السائد يحجز التفكير في قالب أحادي ، وسمته الأساسية الانفصال بين اللغة والفكر والتفكير من جهة وبين العيش والواقع من جهة أخرى . بعض عناصر ومنابع النسق بنفس الوقت : 1- تهمة الفردية والخلاص الفردي 2- وهم المسلمات الأولى 3- اسطورة القضايا الكبرى والإنسان الصغير 4- أخلاق التضحية
الخلاص الفردي والجماعي , والتعارض بينهما ، هو نفس الخطاب الذي تكرره جميع السلطات الاستبدادية وبشكل مستمر . إيهام الفرد المنتهكة حقوقه ، بأن لمعاناته معنى عظيما أخلاقيا أو وطنيا . وفي الواقع الفعلي الجميع يعيش في الحياة الخاصة عكس ذلك والبعض يعلم أن الأمر على العكس ويشترك بالتواطؤ بسبب الكسل الفكري والأخلاقي . مستوى معيشة الفرد وحصوله على الحقوق العصرية ، معيار أساسي وجوهري لصحة الأفكار والتوجهات والبرامج ، والوعد الماضوي أو المستقبلي هو أكثر أدوات السيطرة والإخضاع وتبريرهما بنفس الوقت. الوعد هو موطن الشبهة دائما وهو كالموعظة يعمل على التغذية الراجعة ، للمشكلة المراد حلها .
ماهي المسلمات الأولى ! ؟ يتم التواطؤ ( المضمر ) على نظرية وجود مسلمات ، بدلا من الاعتراف بنقص المعرفة وبصعوبة الحصول على المعلومة وأيضا صعوبة الوصول إلى الوضع الفعلي المعاش للمرأة والطفل والمختلف ، يتم الإيهام بوجود مسلمات يعرفها ويتوافق عليها الجميع ، وهذا كذب صريح ، حقوق المرأة فقط ( على سبيل المثال ) الحق في التعليم ، الحق في العمل ، الحق في الاختيار والقائمة تطول وتطول . هل يوجد أي توافقات بشأنها ؟ لم أسمع بذلك . مازال السوري والسورية مجهولين لبعضهم البعض .
ماهي القضايا الكبرى والأخرى الصغيرة (التسمية الأكثر رواجا التافهة)!؟
المعرفة التي تدرس في المناهج الرسمية وتروج في وسائل الإعلام ، هي أن يعرف الأطفال عواصم كوبا والموزامبيق والزراعة والصناعة في اليونان بدلا من معرفتهم كيف يولد اخوتهم الجدد ، ومعرفتهم كذلك أن ليس من حق الكبار بمن فيهم أهلهم إهانتهم بالضرب والتحقير, بالضبط كما تتعامل الأجهزة المختصة مع سيء الحظ الذي يقع في طريقها ، القضايا الصغرى هي الحقوق والقضايا الكبرى هي الواجبات ، فتترك القضايا الصغرى للأسرة وتمنح القضايا الكبرى للأغلبية الخرساء . القضايا الكبرى يعرف منتجوها أنها خرافات وأساطير تستخدم بفعالية للمحرومين ، ولا يوجد أي مبرر ثقافي لاستخدامها سوى الغفلة أو الخداع . والنتيجة الطبيعية للقضايا الكبرى ، هي ترويج أخلاق التضحية ، ألا يعرف الجميع أن أغلب من كتبوا عن السجن ، لم يدخلوه ، ويكتب عن السجن أعضاء الاتحادات الكتابية العربية ، أكثر من الجميع ، ألم تساهم اتحادات الكتاب العرب في تحويل المواطنين إلي شعب وجماهير مناضلة !؟ مازال الطريق إلى الحوار بعيدا ، نحتاج لإدخال الجملة النقدية إلى اللغة والفكر العربي ، بعدها ونحن نحلم بتجاوز النسق يمكننا العيش بجواره .
اللاذقية_حسين عجيب
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟