أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمه قاسم - محمود درويش قريب جدا ..بعيد جدا














المزيد.....

محمود درويش قريب جدا ..بعيد جدا


فاطمه قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 2736 - 2009 / 8 / 12 - 08:19
المحور: سيرة ذاتية
    


في منتصف السبعينات كنت من مواطني جمهورية الفاكهاني، وفي تلك الجمهورية الصغيرة مثل قبضة اليد، الكبيرة بامتداد حلم الثورة الفلسطينية، فإن كل الأشياء والأسماء والتفاصيل تبدو قريبة، قريبة جداً، وبعيدة، أبعد من مساحات الخيال.



ومن بين ألمع الأسماء وأكثرها بريقاً محمود درويش، الذي كان قد تحول وقتها إلى ما يشبه الأسطورة، ولكنها الأسطورة الحية التي هي جزء من تفاصيل حياتنا أيضاً، حيث كان محمود درويش حاضراً على مدار اليوم، في الاجتماع، والمهرجان، وندوة الشعر، وصدور الديوان، والمادة المنشورة في مجلة شئون فلسطينية، واللقاء العائلي، وجلسة شلة الأصدقاء، ومع ماجد أبو شرار، وبرفقة معين بسيسو الذي كان يتنافس معه على أيهما شاعر الشعب وأيهما شاعر الثورة؟وكنا نتحدث عن الاثنين معين ومحمود، أن معين، بصوته الأجش، لا بد أن يكون محمولاً على الأكتاف حين تقوم مظاهرة صاخبة، بينما حين تنتهي المظاهرة، ويتساقط العرق، وينتثر الدم ربما، وتبقى الظلال هناك، ويخيم الصمت، ويسكن الأسى في زوايا المكان، فإن محمود درويش هو الذي سيلملم ذلك كله في باقة من الشعر، جميلة إلى حد الذهول، إلى حد أنك تعثر على نفسك التي كانت تائهة منك، وترى لوجودك معنى في خضم المشهد الفلسطيني الطارئ جداً، العادي جداً، المكتظ بالاحتمالات، المتفجر بالمفاجآت، المشهد الذي خلفيته الحلم الملون، وأرضيته الموت والجنون.



ربما أكون قد التقيت مع محمود درويش ألف مرّة، فقد كنا معاً في جمهورية الفاكهاني، في الشارع الأخير، كما كنا نقول، في الطريق الجديدة، فلقد كنت أسكن في الطابق الخامس في البناية التي يوجد في بدرومها مقر "المجلس الثوري"، وأمامها مباشرة وكالة الأنباء، ومقر السينما الفلسطينية، ومقر الإعلام الموحد بقيادة ماجد أبو شرار، وعلى بعد بنايتين توجد الدائرة السياسية، وبالقرب منها عند ناصية الشارع مقر الإذاعة، إذاعة صوت فلسطين، ومقر الاتحاد العام للمرأة، وفي الخلف مقهى أبو على الذي أمامه مقر مجلة فلسطين الثورة، وعلى ناصية الشارع الموازي مكتب صلاح خلف "أبو إياد"، ودار القدس للنشر، وأمامها مسجد الإمام علي، ثم كلية الهندسة في جامعة بيروت العربية، ثم مقر الرئيس ياسر عرفات.



وفي كل يوم من تلك الأيام، لا بد أن يكون محمود درويش داخل واحدة من تلك التفاصيل، وقد اكتشفت بعد رحيله أنه ليس عندي صورة واحدة معه، ربما تكون هناك صور بحوزة آخرين، ولكن أنا ليس عندي صورة لصديق شغل الناس جميعاً، ربما تكون هذه ظاهرة في ذلك الزمن، ربما كنا نعتقد أننا سنبقى سوياً، قريبين جداً في جمهورية الفاكهاني، حاضرين معاً، وربما لم نكن نصدق أننا على أبواب الرحيل الذي يأخذنا إلى رحيل آخر، حيث ننتقل من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى على أجنحة الذهول وما فوق التوقع، ربما، ولكن محمود درويش المتوفر دائماً هو نفسه النادر دائماً، كانت له هذه الخصوصية، يعيش معك في اللحظة ذاتها، على كرسي في المقهى، على طاولة سفرة في البيت، ولكنه يسكن هناك خارج المقاييس، في مخاض القصيدة التي يتحضر لها عندما تبدأ إيقاعاتها، وتبدأ رياحها بالهبوب، فيسكن هناك في الإيقاع، في بقع القلق، قريب ولكنه بعيد، حاضر ولكنه غائب، متجلي بالفرح وغارق في الحزن.



محمود درويش من إنتاج عبقرية حالتنا الفلسطينية، حيث المعنى أكبر من المبنى، حيث الحلم أكبر من الممكن، وحيث الآتي هو الموعد أما الحاضر فهو ليس سوى بوابة الطريق.



وبين القريب والبعيد في محمود درويش، بين الأمل الذي نريده منه، والوجع الذي يكابده، كنا نعيش معه كأنه باقٍ أبداً، وحين رحل في لحظة استعصاء المسافات، شعرنا بحزن مضاعف، لأننا تذكرنا أننا لم نكمل بقية الحكاية معه.





#فاطمه_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور سمير غوشة قائد وطني مبدع بصمت
- د.سيد القمني شجاعة الحقيقة امام دهاليز الخرافة
- الذاهبون للمؤتمر
- الانقسام الفلسطيني حل من الداخل او حل من الخارج
- خالي ابو معاوية رحل مع زهر البرتقال
- هو..وهي وانتصار البوح
- اقتحام روح الأنسانية
- إيران من شريط التسجيل الى الهاتف النقال
- الثورة الايرانية من الخارج الى الداخل
- أطفال العالم أمل للمستقبل وضحية للطغيان
- الخامس من حزيران استنهاض للديمقراطية والارادة الوطنية
- الفقر ودروبه الخطرة
- غزة الان تحت الضغط أو تحت الخطر من جديد
- بسرى البربري مشوار طويل وقدرة مذهلة
- ذاكرة لا تنسى وحق لايموت
- حل الدولتين مفتاح السلم ام مفتاح الحرب؟
- حب على الطريقة الفلسطينية
- أقبل الليل
- وكالة الغوث وتعويضات أضرار الحرب على غزة
- لحظات للبكاء


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمه قاسم - محمود درويش قريب جدا ..بعيد جدا