عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 2724 - 2009 / 7 / 31 - 09:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال العقود الثلاثة الماضية حققت الدول العربية إنجازات هامة في مجالات الإنماء والاقتصاد والتطور الاجتماعي، لكنّ المجتمعات العربية ما زالت تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية عميقة، تهدد حاضر العرب ومستقبل أجيالهم القادمة، تندرج ضمن مفهوم الأمن الإنساني، الذي قدمه تقرير التنمية البشرية الدولي لعام 1994 كعدسة كاشفة، يتفحص من خلالها عن كثب أوضاع التنمية الإنسانية في العالم. وقد أصبح المفهوم، الذي أصبح حاليا الشغل الشاغل للدول الحديثة، يركز على الظروف الداخلية التي يجب توافرها لضمان الأمن الشخصي والسياسي للأفراد, والذي يشمل المشاركة السياسية التنافسية ما بين القوى والفعاليات السياسية المختلفة, بالإضافة إلى حرية الوصول للطعام والعناية الصحية والتعليم والإسكان.
ومنذ العام 2002 وضع تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول قادة العالم العربي أمام مسؤولياتهم في التعاطي مع تحديات عصر العولمة والثورات المتسارعة في جميع المجالات، وبعد سبع سنوات صدر التقرير الخامس برعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومساهمة نحو 100 خبير وأكاديمي ( عرب وأجانب ) متخصصين في شؤون العالم العربي، تحت عنوان " تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية "، حيث عرّف أمن الإنسان بأنه " تحرر الإنسان من التهديدات الشديدة، والمنتشرة والممتدة زمنياً والواسعة النطاق التي تتعرض لها حياته وحريته ". وحدد عناصر سبعة رأى أنها سبب هشاشة البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في المنطقة العربية: أولها، الأمن الاقتصادي الذي يتهدده الفقر. وثانيها، الأمن الغذائي الذي يتهدده الجوع والمجاعة. وثالثها، الأمن الصحي الذي تتهدده أشكال الأذى والأمراض. ورابعها، الأمن البيئي الذي يتهدده التلوث واختلال التوازنات الأيكولوجية ونضوب الموارد. وخامسها، الأمن الشخصي الذي تتهدده الجريمة والعنف. وسادسها، الأمن السياسي الذي يتهدده القمع بكل أشكاله البدنية والمعنوية. وسابعها، الأمن الاجتماعي الذي تتهدده النزاعات الإثنية والطائفية وغيرها.
إذ تحدث عن تهديد للحريات العامة وممارسات تعذيب وبطالة وإساءة للمرأة وفقر وتصحر، حيث أكد أنّ " العلاقة بين الدولة وأمن الإنسان ليست علاقة سليمة، ففيما يتوقع من الدولة أن تضمن حقوق الإنسان نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدراً للتهديد ولتقويض المواثيق الدولية والأحكام الدستورية الوطنية ". وأفاد التقرير بأنّ هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، وفي ما يتعلق بالبطالة " في العالم العربي بلغت 14,4 % مقارنة بـ 6,3 % على الصعيد العالمي "، وأنّ اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير إلى أنّ الدول العربية " ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة ". ويعتبر التقرير أنّ من أبرز التحديات الضغوط السكانية، إذ أنّ عدد سكان الدول العربية سيرتفع " بحلول عام 2015 إلى 395 مليون نسمة مقابل 317 مليونا عام 2007 ".
إنّ ترتيب " الاحتلال "، باعتباره عاملاً مهدداً لأمن الإنسان العربي، جاء الأخير في التقرير الذي عرض تقييماً للأضرار الناجمة عن الانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق الإنسان، مع التركيز على آثار " التدخل " الأمريكي في العراق، واستمرار " السيطرة " الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك " الحملة " الأخيرة على غزة.
وأشار التقرير إلى تقصير كبير لدى الدول العربية، على صعيد أداء الدولة في ضمان أمن الإنسان. واعتمد التقييم أربعة معايير لتحديد ذلك هي " مدى قبول المواطنين لدولتهم، والتزام الدولة بالعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكيفية إدارتها لاحتكار حق استخدام القوة والإكراه، ومدى قدرة الرقابة المتبادلة بين المؤسسات على الحد من إساءة استخدام السلطة ".
وكما جرت العادة سابقا، فقد رافقت إصدار التقرير زوبعة من الاعتراضات والتحليلات الناقدة، والجديد في هذا التقرير أنّ من كان يفترض أن يكون " المحرر الرئيسي " له، الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أعلن إخلاء مسؤوليته عنه وعما يرد فيه وما يقال عنه. وبرر انسحابه بإسقاط الفصل المتعلق بصراعات الهوية، إضافة إلى التقليل من أهمية الاحتلال الأجنبي على أمن الإنسان العربي. كما شنت جامعة الدول العربية هجوماً على التقرير، حيث انتقده الأمين العام المساعد للجامعة عبد الرحمن الصلح في حفل إطلاق التقرير لأنه " يقلل بل يتجاهل تأثير الاحتلال الإسرائيلي على مسيرة التنمية في المنطقة العربية وعلى الأمن البشري لسكانها، ناهيك عن تقليل التقرير من أهمية تأثير التدخلات الأجنبية على الأمن البشري لمواطني العراق والسودان والصومال ". ورأى بعض الخبراء العرب أنّ التقرير لم يتعرض، بما يكفي من الجدية، لجدلية العلاقة بين الداخل والخارج في ما يتعلق بالمسؤولية عن الانكشاف الحالي لأمن الإنسان العربي.
وفي الواقع، لم يهمل التقرير مسألة الاحتلال والتدخل الأجنبي ولم يسقطه من اهتماماته، وقد اعتبر أنّ العديد من التهديدات لأمن الإنسان العربي مرتبطة بحالات الاحتلال والصراعات المسلحة في العراق وفلسطين والصومال، على اعتبار أنّ الاحتلال لا يتسبب في انتهاك القانون الدولي وحقوق الإنسان فقط، ولكن أيضا في ظهور حركات المقاومة وانتشار العنف والعنف المضاد. ثم أنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كعادته بالنسبة للتقارير السابقة، سوف يفسح في المجال لحوار واسع حول التقرير بين مؤيد ومعارض لتحليلاته وأطروحاته، من خلال اعتماد آلية جديدة لحوار ممتد على مدى ما يقرب من عام.
ولعل أبرز الدروس التي يجدر بنا استيعابها للتعاطي المجدي مع التحديات التي طرحها التقرير: التأكيد على أنّ التحديات الخارجية تفترض أصلا إصلاح أنظمة الحكم ومحاربة الفساد، وإعلاء شأن المواطنين في دولة القانون، وإعادة صياغة توجهات ومسار التنمية العربية بما يساعدها على الاستفادة المتبادلة من الإمكانيات والموارد المتوفرة لديها ككتلة إقليمية قادرة على الاستمرار والتواصل، وتطوير التعليم التكنولوجي وتضييق الهوة ما بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وفقا للتطور العلمي، وهذا يتطلب توفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة مستقرة، تحمي الطبقات الفقيرة وتحفظ حقوق الإنسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة، وتحفظ استقلال الوطن وأمنه وتؤمن مستقبله ومستقبل أجياله.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟