أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - أوراق صدئة














المزيد.....

أوراق صدئة


ابتسام يوسف الطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2686 - 2009 / 6 / 23 - 09:16
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة*

كان صباحا نديا بالرغم من البرد القاسي الذي تراه على الوجوه وقد تغير لونها، اغلبها كان شاحبا ربما من الجوع وقد مر على صيامهم اربعة عشر يوما، لم يكن فطورهم يتعدى حساء العدس وبعض الكباب المقلي الذي يسمونه (عروق) مع الخضر الطازجة التي لا يستغنون عنها من الرشاد والمعدنوس وغيرها.
يومها لم اشعر بالبرد .. فرحتي بالعودة لبيتنا بالوشاش منحتني الدفء، او ربما هي الشمس التي اشرقت وان كانت شاحبة. كنت اتطلع لأمي في فستانها الازرق الذي منحها جمالا واشراقة لوجهها الابيض المدور.
قبلْنا خالي الذي كنا بضيافته والذي انتقل توا من العمارة حيث سكن حديثا مدينة الثورة التي كانت في طور البناء، فمازالت بعض البساتين تحيطها وتحميها من غضبة العواصف الترابية التي صارت تجول وتصول فيما بعد، حين حولوا تلك البساتين والحقول الى مساكن صغيرة وقد هب سكان بغداد من كل حدب وصوب ليسكنوا الثورة بدلا من بيوتهم الضيقة التي لا تدخلها الشمس في احياء بغداد القديمة مثل الفضل وغيرها.
كانت أمي الشابة الصغيرة فرحة بوجود اخيها في بغداد وصار يراودها حلم الانتقال لجواره وقد اوحى الكثير من الجيران انه بالامكان الانتقال في احدى الاراضي الخالية وبنائها. فقد اتعبها ايجار غرفة في بيت صغير يشاركهم مستأجرون كل يشغل غرفة واحدة ويستخدمون باحة الدار للطبخ ولاستقبال الضيوف صيفا.
خرجنا للباحة واذا بجار الخال يهتف من على سطح داره المطل على المساكن المحيطة :"شيخنا ..الى اين؟..ألم تسمع الاخبار؟..افتح الراديو بسرعة"! تطلع له الجميع بذهول وقد تملكهم الخوف وقبل ان يبادروا بالسؤال، صاح بانفعال وارتباك "هناك انقلاب ضد الزعيم..". ضرب خالي جبينه وهرع للراديو ..أمي وضعت أخي الذي كانت تحمله على الارض لتلطم خدها وتبكي.. وصرت ابكي معها دون ان افقه شيئا مما كان يقال في الراديو الذي زاد من غضبتهم وانفعالهم. انتقل الخوف لي وقد فهمت ان عودتنا اجلت بعد غلق الشوارع وقد احتلها الانقلابيون.. بكيت فراق جدتي وشارعنا الضيق وصاحباتي اللاتي لا أمل من اللعب معهن. وهم بكوا الزعيم الذي أحبوه ، بكوا الأمل الذي منحهم الصبر بانتظار القادم لعله يكون مشرقا يزيح عنهم عتمة الايام.
استولى عليهم الخوف من جحافل الزيتونيين الذي صاروا يجوبون الشوارع برشاشاتهم ونضراتهم المستهترة الحاقدة.
ماعاد خالي يجلسني بحجره ولا يحمل اخي الذي انتابته نوبات بكاء لايكف عنها حتى تحمله امي من جديد، صار الخال ككل رجال الحي يحتضن الراديو يقلب موجاته لعله يسمع اذاعة اخرى تكذب الخبر. لم يصعد لسطح الدار يؤذن بالناس ليصلوا المغرب وليتهيأوا للافطار كما اعتادوا عليه طوال شهر رمضان.
صار اغلبهم يستعجل الفطور ليرتشف كأس الشاي وليدخن سيجارته التي صارت هي الملاذ لعلها تخفف من وطأة القلق المتصاعد بصدورهم الضامرة.
وقفت بعد ايام بباب الدار لعلي أجد من يلعب معي من الصغار وقد طال وقت الانتظار.. رأيت العشرات من الرجال شبابا وكهولا تجمعوا في مدخل الشارع وقد اضاف مظهرهم القاتم بدشاديشهم الحالكة ومعاطفهم القديمة التي يشترونها من اسواق البالات اي الملابس المستعملة..اضاف للجو المكفهر البارد كآبة وحزنا. وجوههم كانت كأغصان ناشفة انتزعت الريح وريقاتها، تلوح عليها ملامح القلق من بين غطاء الرأس -اليشماغ او الغترة- والذي زاد من احساسهم بالبرد الذي انتقل لي فركضت لأمي الوذ بها.
كان وقوفهم ذاك بمثابة تحد، وكأن مكوثهم في الدار هزيمة او خيانة للزعيم، مشاعر التحدي التي اججتها عواطفهم جعلتهم يحملون العصي والفؤوس للدفاع عن زعيمهم، يواجهون بها الدبابات والحرس القاتم برشاشاتهم التي يصوبونها عشوائيا.
غمرهم الفرح وتوردت وجوههم حين سمعوا ان الزعيم انتصر ودباباته صارت تجوب الشوارع وهي تحمل صوره.. بل اقسم البعض انه رأى الزعيم يلوح بيده يحيي الجماهير التي انطلقت تتضامن معه.
اطمأن اؤلئك (المقاتلون) العزّل، حينها فقط دخل كل منهم داره ليتذوق طعم الافطار مدافا بالخوف والقلق من الايام القادمة.. فقد عرفوا بعد عقود ان صور الزعيم تلك لم تكن غير تكتيك من قبل الانقلابيين الذين يعرفون حجم حب الناس للزعيم.
انقطعت اخبار الوشاش ومرت الايام بطيئة يشوبها التوتر فقد صرت اخاف ان اطلب من أمي أي شيء وقد اختفت النضارة عن وجهها وحلت محلها قتامة الحزن والقلق.. لو كانت جدتي معنا لهان الأمر كنت سألجأ لها اختبئ بحضنها.
حل العيد بعدها حزينا مهلهل الثياب لم يستقبله احد بفرح كما الأعياد السابقة. لكني طرت فرحا حين طلّت جدتي(حبوبتي) بطولها الفارع وابتسامتها العذبة التي تحولت بكاء وهي تحتضنني.. لمحت من تحت (شيلتها) الطويلة، قطعة قماش تشد بها وسطها، اجابت على نظرتي المتسائلة انها لبستها حزاما يعينها على قطع المسافات سيرا على الأقدام معظم الطريق بين وشاش الكرخ وثورة الرصافة!
فمعظم الشوارع كانت مغلقة ومازال الانقلابيون يحتلونها بالرغم من نجاح انقلابهم وقتل الزعيم .. اصرت جدتي على المجيء بالرغم من كل ذلك .. متحدية الخوف لتطمئننا ان أبي رحل مع بعض الرفاق للبصرة فصرت احلم باللحاق به هناك حيث بساتين النخيل تتهادى بينها مياه المد التي تنحسر عنها بعد حين كما لو كانت تلعب معها.
ازدادت فرحتي حين اخذت جدتي تلبسني ثوب العيد ذا الملمس الناعم بوروده المشرقة، كأنها اختارته لتتحدى زارعي الخوف والظلام، الذين اختاروا ذلك الشهر ليسرقوا منا فرحة العيد.

بغداد
شباط-2009

* نشرت في جريدة الصباح - 29 مارس 2009




#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين برلماننا وبرلمانهم!
- الاعلام العربي والمرأة العراقية
- مدارات.. حاقدة
- دوائرنا المستحيلة
- استغلال المسئولون لصبر المواطنين
- رواية خضر قد والعصر الزيتوني، وجائزة نوبل
- لماذا الكامل شياع؟
- ثقافتنا الاجتماعية
- من ستنتخب أيها العراقي؟
- ناقوس الخطر يدق! فهل حياة لمن ننادي؟
- هل السيد مقتدى ضحية لتياره؟
- ماذا تريد التيارات (الهوائية)?
- البرلمان العراقي وحصان(ة) طروادة
- عام كهرباء وضياء
- تراثنا من اساطير الحضارات العراقية
- لن تأتي حياة
- حلم جبار
- هل يصلح موزارت ما أفسده الارهاب
- مستقبل العراق مرهون بوحدة شعبه
- ما الخطورة التي تشكلها جبهة التوافق !؟


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - أوراق صدئة