أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - باسم محمد حبيب - ما بين بكاء الحسين على أخيه العباس وبكاء جلجامش على انكيدو














المزيد.....

ما بين بكاء الحسين على أخيه العباس وبكاء جلجامش على انكيدو


باسم محمد حبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2682 - 2009 / 6 / 19 - 08:28
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ليس هناك شك في أن لواقعة الطف الإسلامية تأثير كبير في الوجدان العراقي ، وهذا نابع كما اعتقد من تأثير الإرث الطقوسي والبكائي لحضارة وادي الرافدين القديمة ، حيث تمثل طقوس التعزية والبكاء جزءا أصيلا من ذلك الإرث المفجوع بتفاهة الحياة وعدمية الموت وهيمنة الفوضى والخراب على الكون ، تماشيا مع النظرة الرافدينية المتشائمة والتي لا تؤمن بمبدأ البقاء بل الزوال ، الأمر الذي لمسناها في الكثير من الملاحم الأسطورية الرافدينية ، التي مثلت التخريج الفكري الأسطوري لتلك النظرة التشائمية ، كملحمة نزول عشتار إلى العالم الأسفل وموت تموز وملحمة جلجامش وغيرها .

ونظرا لان حضارة وادي الرافدين لم تخرج من الوجدان الشعبي بعد ، ومازال لبعض عناصرها هيمنة كبيرة على العقل العراقي ، لذلك حصل تماهي بين واقعة الطف الإسلامية وبعض عناصر ذلك الموروث ، لان الواقعة قد ايقضت بمأساويتها ارث الفجيعة القديم وغدت الممثل الحي له ، ولذلك لا غرابة أن نجد تشابها كبيرا بين أحداث النسخة الشعبية من واقعة الطف وبعض عناصر الموروث القديم ، كما هو الحال بالتقليد الذي يجعل أمد الواقعة عشرة أيام ، الذي يشبه احتفال العراقيين القدماء بعيد الاكيتو ، الذي يبدأ مع بداية السنة ويستمر مابين عشرة إلى احد عشر يوما ، أو لاحتفال بعرس القاسم الذي يشابه الاحتفال بطقس الزواج المقدس لدى العراقيين القدماء ، وحتى تلاوة مصرع الحسين يوم العاشر يشابه إلى حد ما التقليد القديم بتلاوة قصة الخليقة والصراع بين قوى الخير والشر يوم العاشر من عيد الاكيتو ، واستذكار فرحة الزهرة الذي هو استعادة لفرحة عشتار ( الزهرة ) بعودة تموز من العالم الأسفل ، ونضيف إلى ذلك أيضا بكاء الحسين الشديد على أخيه العباس ، الذي هو استعادة لبكاء جلجامش على أخيه بالتبني انكيدو ، إذ نلاحظ اهتماما خاصا بموضوع حزن الحسين على أخيه العباس ، مع أن الحسين آنذاك كان مشرفا على اللحاق به ، فهذا الحزن هو قرين لألم الفقد الذي تمثله الصورة الرافدينية التي يمثلها حزن جلجامش .. هذا الحزن الذي كان مغروسا في الوجدان الرافديني ، وكانت نسخته الرافدينية ماثلة آنذاك ، إلى أنها طمست بعد أن تقمصتها الملحمة الجديدة ونزعت منها ردائها القديم .

فالي حد ما ربط العقل الشعبي بين فداء انكيدو لجلجامش وفداء العباس لأخيه الحسين ، فهناك أكثر من سبب لهذا الربط ، أولا رباط الأخوة ، لان انكيدو قد غدى أخا لجلجامش بالتبني بعد إعلان ننسون أم جلجامش أمومتها له " يا انكيدو القوي الذي ليس من رحمي : قد اتخذتك منذ الآن ولدا ، ثم قلدت عنقه بقلادة من الجواهر لتكون موثقا منه وقالت له : ها أنا أتمنك على ولدي فأرجعه إلي سالما " ( ملحمة جلجامش . طه باقر . طبعة بغداد .ص 104 ) ثم موقف كل من انكيدو والعباس اللذان اظهرا ولاء شديدا واحتراما كبيرا لرابطة الأخوة ، العباس عندما رفض أمان العدو له ، ورفض التخلي عن الحسين وقت الشدة ، بل وفدى الحسين بنفسه بعد أن تقدم أمامه إلى المعركة ، وهو شبيه بما فعله انكيدو ، الذي أشارت الملحمة إلى انه كان يتقدم جلجامش ويدرا عنه المخاطر أثناء سفرهما إلى غابة الأرز الخطرة . وأخيرا حالة الحزن التي أراد الراوي الشعبي أن ينطلق بها إلى تلك الواقعة القديمة ، فيجعل منهما نسقا واحدا ، فجلجامش كان يبكي انكيدو بحرقة "من اجل انكيدو خلي وصاحبي أنوح نواح الثكلى انه الفأس الذي في جنبي وقوة ساعدي والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرا عني وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي " ( المصدر السابق . ص 126) وكذا فعل الحسين عندما بكى أخيه العباس حسب الرواية المتداولة ، حيث كان يردد " الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي ... الخ "

وبالتالي قد لا نغالي إذا قلنا : أن هناك تشابها كبيرا بين الصورتين ، ولعل الراوي الشعبي قد ربط بينهما بعد أن لمس هذا التشابه ، وأدرك قيمته بالنسبة لموضوع روايته ، فواقعة الطف ليست محض حادثة تاريخية ، وليست مرتبطة بأحداث تلك الواقعة المأساوية فقط ، بل هي استحضار لإرث قديم كان لابد أن يعبر عن نفسه من خلال موضوع ما ، الأمر الذي أنتج هذا التخليد الذي امتازت به الواقعة ، والذي نبع كما قلنا من ذلك العمق الوجداني القديم وليس من مجرد التعاطف مع الواقعة ، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن هذه الواقعة ما كان لها أن تبرز بهذا الشكل وتتخلد على هذا النحو ، لولا وقوعها في هذه الأرض القديمة وتناغمها مع ذلك الموروث الموغل في القدم ، وإلا فان فواجع كثيرة حصلت لم تحض بما حضت به واقعة الطف من تخليد ، كما هو الحال مع مصرع عبد الله بن الزبير وواقعة فخ وقتل الأسرة الأموية على يد العباسيين .

وأخيرا لابد أن نشير إلى أن نمط الحزن المرافق لواقعة الطف ، هو النمط الرافديني المتشائم من الحياة والمؤمن بعدمية الموت ، وليس ذلك النمط الذي يرى في الشهادة تخليدا جسديا وحياة أخرى ، وهذا الأخير ليس مختفيا بالتأكيد عند استذكار هذه الحادثة ، بل هو المعبر عن قالبها الإسلامي ، إلا انه ليس غالبا كما في ذلك النمط المترسب في أعماق أعماق الوجدان للشخصية العراقية





#باسم_محمد_حبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النبي يوسف ... هل هو نسخة توراتية لشخصية جلجامش ؟
- هل للفساد دور في تضخيم ظاهرة المثلية في العراق ؟
- جمهورية أميركا الإسلامية !!؟
- مصر .. نعم ما اخترت يا اوباما
- عقدة الكهرباء أم عقدة الفعل العراقي
- حملات تستهدف الشباب في العراق
- معركة التاميل والجانب الإنساني
- الساكت عن الفساد شيطان اخرس
- من اجل مركز وطني لتوثيق معاناة العراقيين واضرارهم
- التدين والنبوة من منظور تاريخي
- ما حجم المسكوت عنه في واقعة السقيفة ؟
- هل تضررت ولم تحصل على تعويض ؟
- آثار حضارة وادي الرافدين بحاجة إلى حماية دولية
- ضوابط دولية لتدريس مادة الدين
- المسؤول العراقي أول من يستفيد وأخر من يضحي
- الديمقراطية في العراق مطلب تاريخي
- الدين في ذمة السياسة
- اختلافنا مع المثليين لايعني قبولنا بما يقع عليهم من عنف
- نوبل حلم عراقي كبير
- أول نشاط ناجح في تاريخ حقوق الإنسان


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - باسم محمد حبيب - ما بين بكاء الحسين على أخيه العباس وبكاء جلجامش على انكيدو