أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - السياسة في فضائها المنحني!















المزيد.....

السياسة في فضائها المنحني!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شتَّان ما بين "الصورة" و"الأصل" في عالم السياسة، فـ "عالم السياسة الواقعي الحقيقي الأرضي" يُظْهِر لنا، ويؤكِّد، في استمرار، أنَّ بينه وبين "صورة" السياسة في أذهاننا هُوَّة عميقة؛ ويكفي دليلاً على ذلك أنْ تُقْحِم "عالِماً" في السياسة، أو متضلِّعاً منها، محيطاً بمفاهيمها ونظرياتها، في العالم الواقعي للسياسة حتى تراه قاصِراً مقصِّراً، حائراً تائهاً، وكأنْ لا قيمة، ولا وزن، لـ "ثقافته السياسية الواسعة" حيث تُمارَس السياسة، وتُلْعب لعبتها.

لقد اعتدنا أن نفهم السياسة في عالمها الواقعي الحقيقي على أنَّها "المحرقة" لـ "وعود" الساسة، أكانت انتخابية أم غير انتخابية، ولـ "الالتزام المبدئي والأخلاقي"؛ وعلى أنَّها شيء شبيه بـ "نظام القضاء والقدر"، فالساسة، وفي مقدَّمهم "رجال الدولة"، وملاَّك القرار السياسي، هُم أكثر الناس قبولاً لحقيقة أنَّ "الإرادة الحُرَّة" وَهْمٌ خالص، فإنَّ أحداً منهم، ومِمَّن اشتغل بها (في عالمها الواقعي) من المهد إلى اللحد على وجه الخصوص، لا يملك إلاَّ أنْ يُقِرَّ بأنَّ ما أراده، ورغب فيه، وحاوله، وسعى إليه، لا يَعْدِل إلاَّ نزراً مِمَّا حَدَث وتحقَّق، وكأنَّ عالم السياسة الواقعي هو العالم الذي فيه تذهب "النتائج" بما "توقَّع" الساعي، وأراد؛ وكأنَّ "يداً خفية" هي التي تُسيِّر وتقود وتفعل!

والأزمة الكبرى، والمزمنة، في عالم السياسة الواقعي إنَّما هي الأزمة في العلاقة بين "المبادئ" و"السياسة"، فـ "المبادئ"، التي منها خُلِقَ "السياسي" قبل، ومن أجل، أن يَدْخُل عالم السياسة الواقعي، إمَّا أن تَظْهَر في هذا العالم كظلالٍ فَقَدَت أجسامها، وإمَّا أن تُمْسَخ سياسياً مسخاً يُعْجِز حتى ساحرات الإغريق عن الإتيان بمثله.

هنا، أي في عالم السياسة الواقعي، لا يمكن أن نَزِن الأمور بميزان المبادئ والأخلاق؛ ولقد أفادت معظم التجارب السياسية في إظهار وتأكيد أنْ لا أخلاق، ولا مبادئ، في السياسة، عند الهبوط بها من عالم أفلاطون إلى عالم أرسطو.

وهذا الانفصال، الذي يَظْهَر ويتأكَّد ويتَّسِع في استمرار، والذي يشبه "الانفصال الميتافيزيقي"، بين السياسة في صورتها المبدئية والأخلاقية وبين الهيئة التي تَظْهَر عليها في عالمها الواقعي، هو ما حَمَل "علماء" السياسة على البحث عن "قانون موضوعي" لها، لعلَّ إدراجها في "دنيا العلم" يصبح نهائياً، ولا ريب فيه، فوصف "السياسة" بأنَّها بنت العلم والفن معاً، أو بأنَّها فنُّ الممكن، ليس بكافٍ لفهمها وممارستها على أنَّها ضَرْبٌ من العلم.

كان عليهم أن يسعوا أوَّلاً في نزع السياسة، وإلى الأبد، من العالم الأفلاطوني، حيث تسمو "المبادئ" وتزدهر وتعيش في حرِّية تامة، وغرسها، من ثمَّ، في تربة "المصالح الواقعية الحقيقية التي لا تخالطها أوهام"، وفي مقدَّمها "المصالح الاقتصادية"، في صراعها وصلحها.

ولقد لخَّصوا خير تلخيص نتائج "جهدهم العلمي" إذ قالوا وكأنَّهم يميطون اللثام عن "أُمِّ القوانين الموضوعية العلمية" للسياسة: لا أعداء دائمين، ولا أصدقاء دائمين؛ وحدها "المصالح"، بصراعها وتصالحها، هي الدائمة، الثابتة، الخالدة.

"المصالح"، وفي مقدَّمها "المصالح الاقتصادية"، ظهرت الآن على أنَّها "البنية التحتية الحقيقية" للسياسة، والتي منها تُشْتَق "الأهداف"، فليس من "هدف" في عالم السياسة الواقعي إلاَّ وتكمن فيه "مصلحة واقعية"، ليست دائماً بالمصلحة التي فيها من "الفضيلة" ما يشجِّع أصحابها على الجهر بها، فتشتد الحاجة لديهم، بالتالي، إلى أن يستروا "عورتها" بحجاب من "المبادئ السامية" و"القيم الأخلاقية والإنسانية والحضارية.."، فهذا "الضباب"، أو "التضبيب"، يحتاجون إليه كما تحتاج العامة من الناس إلى الوضوح، وإلى رؤية الحقائق عاريةً من الوهم والخرافة.

أمَّا "الوسائل"، التي يمكنهم وينبغي لهم استعمالها توصُّلاً إلى "الأهداف"، التي يلبسونها كل لبوس جميل، فقد اخترعوا لها عِلْماً إذ جعلوا "الميكيافيلية" أساساً للعلاقة بين "الوسيلة" و"الغاية"، فـ "الوسيلة" تستمدُّ شرعيتها من "الغاية" فحسب، ولو كانت "الغاية" لا تحظى بشيء من الشرعية التي يتواضع عليها، ويُجْمِع، البشر.

بفضل هذا "العلم" توحَّشت السياسة، في عالمها الواقعي، فالمصلحة الشخصية، أو الفئوية الضيِّقة، تعلو ولا يُعْلى عليها؛ ومنها يُشْتَق "الهدف"، الذي من أجله يمكن ويجب استعمال كل وسيلة، ولو أتى استعمالها بما يجعل من الصعوبة بمكان تمييز "السياسة" من "الجريمة"، أو من كل عمل قبيح وقَذِر ومذموم.

ولو سألتَ سياسياً مِمَّن ارتفع منسوب الجريمة في ممارسته السياسية عن رأيه وموقفه لأجابكَ بما يُظْهِره لكَ على أنَّه "الفضيلة" التي استعصى عليك رؤيتها، أو رؤية شيء منها، فهو "الملاك" الذي أُكْرِه، أي أكرهه عالم السياسة الواقعي، على أن يكون "شيطاناً رجيماً" في فعله وعمله، فكل الشرور التي ارتكب ما كان مريداً لها، أو راغباً فيها؛ ولكنَّ قوانين عالم السياسة هي التي أكرهته وأرغمته على أن يأتي بما لا يرضى عنه ضميره، ويناقِض "إرادته الحرَّة".

وربَّما يُقْنِعُكَ بصواب وصدق رأيه في ذاته إذا ما أخذكَ معه في جولة في عوالم أخرى، أي في العوالم البعيدة عن عالم السياسة، فهناك تراه وقد ارتفع منسوب "الملائكية" في شخصيته وسلوكه وتصرفه.

آينشتاين، على ما أفْتَرِض وأتوقَّع، تأمَّل، ذات يومٍ، السير في "خطوط الطول"، فاكتشف ما يصلح أساساً لبسط نظريته في "الجاذبية"، والمسمَّاة "النسبية العامة"، للناس، فسَيْر شخصين، انطلاقاً من خط الاستواء مثلاً، في خطَّين متجاورين من "خطوط الطول"، يجعلهما يتقاربان شيئاً فشيئاً حتى يلتقيان في نقطة القطب الشمالي مثلاً، مع أنَّ كليهما التزم الاستقامة التامة في خطِّ سيره.

في هذا المثال، نقف على شيء من خواص وبنية "الفضاء السياسي"، فهذا الفضاء ينحني ويتقوَّس حيث تتركَّز "المصالح الاقتصادية"، فيغدو السير في مساراته مشابهاً لـ "السير المستقيم" في "خطوط الطول". إنَّ السائرين في "الفضاء السياسي (المنحني)" يتوهَّمون، قبل أن يبدؤوا السير فيه، أنَّ لديهم من "الاستقامة المبدئية"، ومن "الفَرْق المبدئي"، ما يجعلهم يسيرون في خطوط متوازية لا تلتقي أبداً؛ ولكنَّهم ما أن يبدؤوا السير حتى يتأكَّدوا أنَّ "التوازي المبدئي" أصبح أثراً بعد عين، وأنَّ "ثِقَل المصالح الاقتصادية" أنْتَج خطوط سيرٍ في "الفضاء السياسي" تشبه "خطوط الطول"، كلَّما تقدَّموا في "سيرهم المستقيم" فيها تقاربوا، وكأنَّ ثمَّة قوَّة خفية تشدُّ بعضهم إلى بعض، حتى تتقاطع مساراتهم أخيراً. إنَّهم لم يريدوا ذلك، ولم يسعوا إليه؛ وقد ظنوا أو توهموا أنَّ "التوازي المبدئي" هو قدرهم.

إنَّ للسياسة، أي لعالمها الواقعي الحقيقي، فضاءٌ مُنْحَنٍ (حَوْل الكُتَل من المصالح) يكفي أن تسير فيه بكل ما تملك من "استقامة مبدئية" حتى تَجِد نفسكَ في تقاربٍ، قد ينتهي بالالتقاء، حتى مع من تناصبهم، ويناصبونك، العداء المبدئي، فالسير في "خطوط مبدئية متوازية" لن يكون هنا، وإنَّما هناك، أي في الفضاء المنبسط المستوي الذي لم تُشوِّه هندسته "كُتَل المصالح".

هذا "الفضاء السياسي المنحني" هو الذي يقود السائرين فيه من الساسة، ومن القادة السياسيين، وإنْ توهَّموا أنَّهم قادة، وليسوا بمنقادين؛ وهو ما يفسِّر ظاهرة "الانتهاء إلى ما يناقِض الابتداء".



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما نتبادل مع إسرائيل القلق من إيران!
- لعبة ضارة تدعى -التدليس اللغوي-!
- مُثَلَّث أوباما!
- -عباريم- تَحُدُّه -الأوهام- غرباً و-الحقائق- شرقاً!
- ردٌّ من جواد البشيتي على ما نُشِر من تعليقات على مقالته -ويس ...
- ويسألونكَ عن -الجاذبية-..!
- أغْمَضوا أعينهم فرأوا -غموض- نتنياهو!
- ثقافة -الانحطاط الثقافي-!
- صحافتنا مصابة ب -أنفلونزا الرقابة الذاتية-!
- -أنفلونزا الخنازير- أم -أنفلونزا الرأسمالية-؟!
- -الشيزوفرينيا السياسية الفلسطينية-.. داء أم دواء؟!
- قنبلة صوتية من نوع -سيداو-!
- في فِقْه -السلام الاقتصادي-!
- نتنياهو في منتصف الطريق بين -لا- و-نعم-!
- حتى لا يتحوَّل العرب إلى -أقلية قومية-!
- شرط نتنياهو لقبول -حل الدولتين-!
- اكتشاف فلكي يُزَلْزِل -العقل السليم-!
- هذا -الإفراط القانوني- في تنظيم -حرِّية الصحافة-!
- عندما يختلف نتنياهو وأوباما -لغوياً-!
- لا تجريم لإسرائيل حتى تعترف هي بجرائمها!


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - السياسة في فضائها المنحني!