|
آينشتاين بين العلم و الدين :
عدنان عاكف
الحوار المتمدن-العدد: 2639 - 2009 / 5 / 7 - 08:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ولد ألبرت آينشتاين عام 1879 في مدينة ألمانية صغيرة ( اولم ) في عائلة من الفئة الوسطى، وبعد بضعة أسابيع من ولادته انتقلت العائلة الى ميونخ، ومنها الى ميلانو في إيطاليا، ليستقر به الحال في سويسرا، حيث التحق بالمعهد البوليتكنيكي ليتخرج منه عام 1900، بعد ان نال شهادة الدكتوراه في الفيزياء والرياضيات. عرف عام 1905 بالسنة المعجزة بالنسبة لاينشتاين. في هذه السنة نشر خمسة أبحاث علمية مهمة، أحدثت ثورة في الفيزياء وأدت الى القطيعة مع فيزياء نيوتن التي سيطرت على الفكر العلمي طيلة قرون عديدة. في عام 1909 عين بدرجة أستاذ في جامعة زيورخ، وبعد مضي عام انتقل للعمل في الجامعة الألمانية في براغ ( كانت تابعة آنذاك الى الإمبراطورية البروسية ). في عام 1914 يعود الى ألمانيا لتعهد اليه رئاسة معهد القيصر وليم للفيزياء في برلين. بعد عقد من السنين أمضاها في البحث المضني والتفكير يتوصل الى النظرية النسبية العامة، وقد كتب في رسالة الى ولده عام 1915 : " لقد انتهيت الآن من أروع الأعمال التي أنجزتها في حياتي ". ووصف تلك المرحلة لاحقا : " انها سنوات البحث المقلق في الظلام، مع إمداداتها وتبدلاتها بين الثقة والتعب المنهك ومن ثم الولادة النهائية في الضوء – لا يستطيع أن يفهم هذا ويحسه إلا من عايشه وجربه ".
نشأ ألبرت آينشتاين في عائلة يهودية علمانية، لم تكن تقيم اعتبار للتقاليد الدينية. في السادسة من عمره دخل مدرسة كاثوليكية ، وحصل على بعض الدروس والتوجيهات الدينية من خلال بعض أقاربه. بعد انتقاله الى مرحلة متقدمة أخذ يحضر الدروس الدينية المخصصة للتلاميذ اليهود. وقد كتب لاحقا يتذكر تلك المرحلة : " أول تجربة دينية مررت بها كانت في مدرسة كاثوليكية، لأن المدرسة التي كنت أتعلم فيها كانت كاثوليكية، وكنت الطفل اليهودي الوحيد فيها. وقد كان هذا الوضع، في حقيقة الأمر، يناسبني جدا، لأنه سهل علي العزلة التي كنت أحبذها، و كنت أجد راحتي في البعد عن بقية التلاميذ ". ويبدو انه بقي أمينا لطبعه الميال الى العزلة حتى النهاية، لا بل كان يقوى ويشتد مع مرور الأيام. وقد كتب لاحقا في " العالم كما أراه " حول هذا الشعور: " أنا في حقيقة الأمر رحالة وحيد، لم أشعر قط بأني أنتمي من كل قلبي الى أي بلد أو دولة أو حلقة أصدقاء، أو حتى الى أسرتي. وكنت دائما أشعر تجاه هذه الروابط بإحساس غريب، وبالرغبة في العزلة والانطواء على الذات؛ وهو شعور كان يتنامى على مر السنين.ومثل هذه العزلة مريرة أحيانا ".
في تلك المرحلة اجتاز دورة خاصة مكثفة في الثقافة الدينية.ويروى انه بدأ يعير للدين اهتماما أكبر مما سبق . ولكن هذا الوضع لم يستمر لفترة طويلة، ومع مرور الزمن أخذت اهتماماته بالمواضيع الدينيىة تتراجع تدريجيا، خاصة بعد تعرفه على الشاب اليهودي ماكس تالمود، وهو طالب فقير كان صديق لعائلة آينشتاين، دأب على زيارتهم كل أسبوع. وقد كان ماكس هذا شغوف بالقراءة، وراح يزود ألبرت بالكتب المتنوعة، وخاصة كتب الفلسفة، وما يتعلق بالعلوم الشعبية. ويقال انه أخذ يتردد بصحبة ماكس وبعض الأصدقاء على مقهى في مدينة بيرن ( كانت عائلة آينشتاين قد انتقلت من ألمانيا الى سويسرا واستقرت في مدينة بيرن )، كان من رواده المنفيون الثوريون الروس، من بينهم بليخانوف وتروتسكي. ويُعتقد ان الشك في إيمانه الديني التقليدي بدأ في هذه المرحلة من عمره. ويرى البعض ان الكتب العلمية والفلسفية التي كان يحصل عليها من خلال ماكس هي التي قادته الى بداية الشك في المعتقدات الدينية التقليدية التي تعلمها في المدرسة... وبدأ في تلك المرحلة يتساءل بشأن تباين المعلومات الواردة في الكتب المقدسة، وتضارب البعض منها . ويرى بعض الدارسين، ممن تابع مرحلة الصبا والشباب، ان مثل هذه الشكوك المتعلقة بالمعلومات الواردة في تلك الكتب، قد شكلت المحفز على استقلالية العقل، والمصدر الرئيسي التي قادته الى حرية الفكر . ومهما يكن فان تحديه الفكري لكل ما هو سائد، شكل سمة مهمة لتفكيره وشخصيته، وهي السمة التي لازمته طيلة حياته. وقد كتب عن تلك السنوات فيما بعد : " من خلال قراءتي في الكتب المكرسة للعلم الجماهيري توصلت الى قناعة بان الكثير من القصص الواردة في الكتاب المقدس لا يمكن أن تكون واقعية. وكانت النتيجة المترتبة على ذلك هي تعزيز التفكير الحر الإيجابي. في نفس الوقت تبلورت لدي قناعة في ان الدولة كانت تسعى الى تضليل الشباب. وقد تبلور كل هذا في موقف ثابت ؛ الريبة والشك تجاه أي نوع من السلطة، موقف شكوكي تجاه القناعات التي كانت تسود في أية بيئة خاصة، موقف لم يهجرني فيما بعد أبدا...". كانت زوجته الأولى ميلفا مسيحية وتنتمي الى الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، وقد تم عقد زواجهما خارج إطار المؤسسة الدينية، وبدون طقوس الزواج التقليدية ، وقد كان الاختلاف في الدين سبب في تأخير زواجهما لعدة سنوات، وذلك لأن العائلتان كانتا ترفضان هذا الزواج ، من حيث المبدأ ،في البداية. غير ان هذا كله لم يشكل أي معضلة لآينشتاين على الإطلاق. كل ما في الأمر ان أولاده لم يحصلوا على أية تربية أو توجيهات دينية، فيما بعد. ولم يكن الزوجان يمارسان أية طقوس دينية فعلية في البيت، حتى الصلاة. ويرى البعض ممن كتب عن سيرة حياته ان هذا ما دفعه أن يطلب في وصيته بأن يحرق جثمانه ويذر رماده، خلافا للتقاليد اليهودية. ولكن البعض الآخر كان يرى ان السبب الحقيقي وراء طلبه، لم يكن دينيا، بل الخوف من أن يتحول قبره الى " مزار مقدس ". ولم يجد ضيرا في التصريح بانه لا يبالي ان كان يهوديا أو لا، وانه لا يعير أي اهتمام للمسألة الدينية. واعترف ان من دفعه الى التقرب من اليهود والديانة اليهودية هي الظروف السياسية في أوربا، وخاصة الموقف العدائي من اليهود، وخاصة في ألمانيا. وقد كتب حول هذا الموضوع : " عندما عدت الى ألمانيا قبل خمسة عشر عاما اكتشفت أول مرة بأني يهودي، وأنا مدين بهذا الاكتشاف الى غير اليهود أكثر من اليهود ". وكان آينشتاين يتحدث عن عودته الى ألمانيا قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 بعد ان أمضى سنوات من الغربة في سويسرا وايطاليا. وقد كانت الأوضاع السياسية في سويسرا مختلفة كليا عن الأوضاع في ألمانيا، خاصة ما يتعلق بالموقف من اليهود. وقد كتب يقول : " طيلة فترة وجودي في سويسرا لم تخطر على بالي يهوديتي، ولم يكن في هذه البلاد شيء يمكن أن يثير مشاعري اليهودية، بحيث يمكن أن يؤدي الى تأجيجها. ولكن تغير كل شيء منذ انتقالي الى برلين،إذ رأيت هناك المحنة التي كان يعاني منها الكثير من الشباب اليهود...".
بالرغم من آينشتاين كان ينظر بازدراء لبعض التقاليد والممارسات الدينية ، لكنه بقي يحافظ على احترامه وتعاطفه مع الإيمان الديني الحقيقي. وفي الواقع ان مواقفه من الدين بشكل عام كانت معقدة، وأحيانا غامضة ومتباينة. وله مقالات عديدة في فلسفة الدين وعن العلاقة بين العلم والدين، وعن أسباب التناقضات التي قد تحصل بينهما. ورد في رسالة مؤرخة في 24/3/ ما يلي1954: " بالطبع ان كل ما قرأته عن إيماني الديني مجرد من الحقيقة، وهو الكذب الذي يتكرر بشكل منتظم. أنا لا أعتقد بالإله الشخصي، ولم يحصل أن أنكرته على الإطلاق، بل سبق ان عبرت عنه بوضوح. واذا كان يوجد في داخلي ما يمكن أن تسميه ديني فهو الإعجاب الذي لا حدود له في بنية العالم، والتي هي أبعد من أن يكون باستطاعة علمنا أن يكشف عنها ". وفي مقالة سابقة، أعيد نشرها عام 1931 كتب عن نفس الموضوع : " ان معرفة كينونة الشيء الذي نعجز عن سبره وإدراكنا للفكر العميق والجمال المتوهج، الذي لا يكون سهل المنال لعقولنا إلا في أكثر أشكاله بدائية – ان هذه المعرفة وتلك الأحاسيس هي التي تشكل التدين الحقيقي؛ في هذا المفهوم، وفيه فقط، أنا رجل ذو إيمان عميق ". وقد كتب الى رابي غولدستين، من الكنيس اليهودي في مدينة نيويورك : " اني أؤمن باله سبينوزا الذي يكشف عن نفسه في النظام الهارموني لما هو موجود، وليس بالإله الذي يشغل نفسه بمصائر الناس وسلوكهم "... وقد لخص معتقداته الدينية على النحو التالي " ان ديني يشتمل على الإعجاب المتواضع بالإلهام الاستثنائي غير المحدود، والذي يتجلى في التفاصيل الدقيقة التي نستطيع ملاحظتها بواسطة عقولنا الحصيفة الواهنة ومن بين جميع الديانات عبر عن إعجابه بالديانة البوذية، وقال اذا كان لابد له من الإيمان بالديانة التقليدية، فان البوذية أقرب الى نفسه. وقال أيضا ان البوذية " تمتلك المواصفات التي يمكن توقعها في الديانة الكونية للمستقبل. انها تسمو فوق الإله الشخصي متفادية الدوغما والثيولوجيا، وتشتمل على الجانبين معا، الروحي والجسدي، وهي قائمة على المشاعر الدينية النابعة من تجربة جميع الأشياء، الطبيعية والروحية، كوحدة معنوية ". أما إله سبينوزا، الذي ورد ذكره فقد كتب عنه آينشتاين أكثر من مرة، وهو يحاول ان يعبر عن معتقداته الدينية. وكان سبينوزا ( القرن السابع عشر ) قد رفض فكرة الإله التقليدي، مؤكدا على النظام الكوني المجرد. كان يؤمن بان الكون يدار من خلال نظام ميكانيكي ورياضي، تخضع فيه جميع الظواهر لقوانين للسبب والنتيجة .وكان يؤمن بان الإله مجرد من الصفات الأخلاقية الإنسانية، لذلك فان مهمة مثل هذا الإله لا تنحصر في مراقبة عباده ومحاسبتهم على تصرفاتهم اليومية، وهو لا يعاقب المذنبين ولا يكافئ المحسنين من البشر.. لم يكن آينشتاين ملحدا؛ وقد كان أيضا من أنصار فكرة الفيلسوف شوبنهاور بشأن " الشعور الديني الكوني "، وهو الشعور الذي تنشأ فيه التقوى ببساطة من الإحساس بالانبهار والورع أمام عظمة الكون : " ان تقوى المشاعر الدينية الكونية، هي في حقيقة الأمر، التي تشكل الحافز الأقوى للبحث العلمي؛ فقط أولائك الذين يشعرون بنشوة الانبهار أمام هرمونيا الطبيعة قادرون على الغوص في أسرارها ". وكان يرى ان كل من عالم الفلك المعروف كبلر ونيوتن كانا ملهمين من خلال إيمانهما العميق في عقلانية الكون وبالسببية الكونية . ولذا كان آينشتاين يدرك بان العلم والدين يمكن أن يعملا جنبا الى جنب، بارتباط أحدهما بالآخر. نقطة أخرى في غاية الأهمية تتعلق بموقف آينشتاين من الدين اليهودي والشعب اليهودي. فالكثير من آراءه التي أدلى بها تشير بوضوح ان ؟ اليهودية " بالنسبة اليه لم تكن مجرد مفهوم ديني بحت، بل كانت تحمل مفهومها الأوسع: ثقافة وأمة وتاريخ مشترك، يمتد في أعماق الزمن. وقد أشار الى ذلك أكثر مرة. ففي رسالة له الى د. Hellpach td في عام 1929 كتب ان اليهود مجموعة تربطها روابط الدم والتقاليد، وليس مجرد روابط دينية ". وسؤل ذات مرة : ،، أليس من السخرية أن يكون اسمك مرادفا للعلم في القرن العشرين، ومع ذلك حتى الآن هناك الكثير من الآراء المتناقضة بشأنك، فيما يتعلق بالموقف من القضايا الدينية ؟ كيف تقيم مثل هذه الحالة الشاذة، في حين ان العلم والدين في خصام متواصل " ؟ فأجاب :،، لا أعتقد بضرورة أن يكون العلم والدين في حالة تعارض طبيعي... أعتقد ان هناك علاقة متينة بين الطرفين، لذا أقول ان العلم بدون الدين كسيح وان الدين بدون علم أعمى. كلاهما مهمان، وسوف يعملان يد بيد...". وجاء في سؤال آخر في نفس المقابلة، ألا يعتقد بان هناك تناقض بين بعض تصريحاته التي تشير الى عدم اعترافه بالديانات التقليدية من ناحية وكونه في عقول الناس يهودي، واليهودية من الديانات التقليدية، ورغبته في ان يعرف جماهيريا كيهودي ؟ فكان جوابه : ،،... في الحقيقة ليس بالأمر السهل ان تعرف معنى " اليهودي ". أفضل شيء هو أن تتخيل الحلزون، الذي تشاهده عند شواطئ المحيط، منزويا في قوقعته، ذلك البيت الذي يأويه ويحميه... ولكن تصور ما الذي سوف يحدث لو رفعنا الصدفة عن الحلزون؟ هل سوف نصف الجسم الذي تعرى من الصدفة بكلمة أخرى غير الحلزون؟ هكذا هو اليهودي. فاليهودي الذي فقد دينه خلال الطريق، أو حتى استبدله بدين آخر، سيبقى يهودي ،،. وقد عبر عن موقفه بشكل أكثر صراحة : " كلما ازداد شعوري بكوني يهودي كلما تعزز لدي شعور بكوني أصبحت أكثر بعدا عن الأشكال الدينية التقليدية ". ومع ذلك فان هذا الموقف لم يمنعه من التصريح : " لا أستطيع أن أتصور عالم عبقري بدون إيمان عميق " !! وجاء في مطلع مقالة له بعنوان ( العلم والدين : هل هما متناقضان ) ما يلي : " هل حقا هناك تناقض مستعص بين الدين والعلم ؟ هل يمكن للعلم ان يحل محل الدين ؟لقد أثارت الإجابة على مثل هذه الأسئلة عبر العديد من القرون الكثير من الجدل المهم، تخللته معارك عنيفة. وليس لدي أدنى شك في ان التفكير المتأني الهادئ بالموضوع سيقودنا الى جواب بالنفي...". وخلال حديثه عن الخلافات بين العلم والدين، التي حدثت في الماضي، وما تزال قائمة، ولو بدرجة أقل قال : " يمكن أن يعزى الخلاف بين العلم والدين في الماضي الى سوء فهم للحالة التي توقفنا عندها توا. فعلى سبيل المثال يمكن أن تظهر الخلافات حين يصر المجتمع الديني على الحقيقة المطلقة في كل المعلومات الواردة في الكتاب المقدس. وهذا سوف يكون تدخل لجانب من الدين في مجال اهتمامات العلم. وهنا بالذات كان يكمن صراع الكنيسة ضد عقيدتي غاليلو ودارون العلميتين. من الناحية الأخرى نجد كيف ان ممثلي العلم غالبا ما كانوا يحاولون التوصل الى أحكام أساسية تتعلق بالقيم والأهداف، من خلال تطبيق الطريقة العلمية، وبذا يكونوا قد وضعوا أنفسهم في تعارض مع الدين. وكل هذه الخلافات ناتجة عن أخطاء قاتلة..". وجدير بالذكر ان غاليلو، الذي ورد اسمه في هذه الفقرة، سبق آينشتاين بأكثر من ثلاثة قرون على تحذير الكنيسة من مغبة التدخل بالقضايا العلمية، عندما تصدت بعنف لنظرية دوران الأرض حول الشمس. ومما كتبه في ( الديالوغو ): " احترسوا يا أساتذة اللاهوت حين تبدون رأيكم حول ثبات أي من الأرض أو الشمس، إذ قد تضطرون " في نهاية الأمر " الى إدانة من يقول ان الأرض ثابتة وان الشمس هي التي تتحرك . واني قد استعملت تعبير، في " نهاية الأمر " ذلك انه قد يثبت في عصرنا ان الأرض هي التي تتحرك وان الشمس ثابتة ".. وبتعبير أحد علماء القرن العشرين، ان موقف غاليلو أمام محكمة التفتيش في مطلع القرن السابع عشر قد " أصبح في الواقع موقفنا نحن ؛ تجنيب الكنيسة الدخول في قضايا علمية وتفسير الكتاب المقدس تفسيرا حرفيا أو ضيقا "... وقد ترك غاليلو حكمة ثمينة للأجيال التالية لا تقل أهمية عن ميراثه العلمي العظيم. لكن مع الأسف أهملت من قبل الكثيرين من علماء الطبيعة وعلماء الدين على حد سواء، وإلا لكانت قد وفرت على البشرية الكثير من الوقت والآلام. قال غاليلو وهو يجابه معارضيه من رجال الدين والدولة علة حد سواء : " ان مهمة العلم ليست تلقيننا كيف الصعود الى السماء بل كيف حال هذه السماء...". ولو عدنا خمسة قرون الى الوراء سنجد كيف ان الإمام الغزالي، كان له نفس الموقف تقريبا وحذر رجال الدين المسلمين من مغبة التدخل في أمور هي من اختصاص العلماء. وقد كان الغزالي يتحدث عن موقف رجال الدين من فكرة كروية الأرض، وعن ظاهرة الكسوف والخسوف. ومما قاله بهذا الصدد : " وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض، ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين، فقد جنى على الدين وضعف أمره، فأن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية، لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها، ويتحقق أدلتها، حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف، وقدرهما، ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذ قيل له: إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممن ينصره لا بطريقة، أكثر من ضرره ممن يطعن فيه بطريقة، وهو كما قيل: عدو عاقل خير من صديق جاهل ".... ان الإمام الذي قاد حملة شعواء ضد الفلسفة والفلاسفة كان يقف أقرب الى الموقف العقلاني والتفكير العلمي بما لا يقاس مقارنة مع موقف أحفاده المعاصرين الذين يدعونا الى نبذ العلم ومنجزاته والتمسك بالإعجاز العلمي وبالطب الإسلامي والاقتصاد الإسلامي وغيرها من العلوم الإسلامية التي لا وجود لها.. ولا بد هنا من التمييز بين هذه العلوم الإسلامية التي لا تمت الى العلم بصلة وبين مصطلح العلوم العربية الإسلامية الذي يعبر عن المنجزات العلمية الحقيقية التي تحققت بفضل جهود العرب والمسلمين خلال العهد الوسيط. مع ان آينشتاين يؤكد على " الانفصال الواضح بين مجالات العلم والدين "، لكنه ليس انفصال بالمطلق، بل هناك مجالات يمكن ان يلتقيا من خلالها ، حيث " توجد بين الاثنين ارتباطات وعلاقات متينة متبادلة ".. ويمكن لمثل هذا اللقاء ان يؤدي الى صراعات مريرة بين العلم والدين، أو على العكس يمكن ان يسفر عن نتائج جيدة لصالح التقدم العلمي وسعادة الإنسان. بالرغم من ان آينشتاين لم يخف شعوره بالعزلة وإيثاره الابتعاد عن الناس لكنه كان يجد السعادة الحقيقية للإنسان في ما يمكن أن يقدمه من أجل سعادة الآخرين. وقد عبر عن ذلك بقوله المأثور: " ان المُثلْ التي أنارت لي الطريق، المُثل التي كانت تمنحني شجاعة جديدة لمواجهة الحياة بوجه مبتسم هي الخير والحق والجمال ". سنتوقف بتفصيل أكثر مع عدد من مقالاته المترجمة...
#عدنان_عاكف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحياة الروحية في بابل
-
في ذكرى أول أيار فقراء العراق والانتخابات القادمة
-
حضارتنا المغدورة بين حماة الأصالة ودعاة الحداثة !!!
-
حوار يعوزه التمدن !!
-
ملف آينشتاين السري
-
ذكريات عبد الرزاق عبد الواحد عن السياب
-
آينشتاين عن الدين
-
الحكومات العراقية في الأربعينات والقضية الفلسطينية
-
خُصْيَة اليهودي
-
الباشا والقضية الفلسطينية - 1 -
-
جنة الملوك بين الواقع والتزييف
-
حدث في مثل هذا اليوم
-
الشاعر البابلي والحلم الطوباوي
-
عن السياب والشيوعيين مرة أخرى
-
لميعة عباس عمارة تكتب عن السياب والحزب الشيوعي
-
هل تتعارض الاشتراكية مع الطبيعة الإنسانية ؟؟
-
الزمرد وعيون الأفعى
-
صبري حافظ يكتب عن السياب الشيوعي -2 -
-
صبري حافظ يكتب عن السياب الشيوعي -1 -
-
لماذا الاشتراكية ؟ - 1 -
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|