أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!














المزيد.....

لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2628 - 2009 / 4 / 26 - 09:57
المحور: المجتمع المدني
    


كلّما اصطدمتُ بعقل جامدٍ كالصخر، أو أشدّ قساوةً، كلما دهمتني ظُلمةٌ صمّاءُ لا قِبَل لشموع العالم باختراقِها، كلّما راعني أن عقلاً يحيا في القرن الحادي والعشرين، لكنَّ بداوةَ الصحراء بنوقِها وخيامِها وقحَْطِها وجدْبِها ويباسِها لم تزل تعشِّشُ بين أركانه، كلما صادفتْني أمخاخٌ كسولٌ تقول: لكي أعيشَ أنا؛ لابدَ أنتَ تموت، أنا صحٌّ وأنت خطأ، أنا خيرٌ وأنتَ لا شكَّ ضلال، الله يحبُّني أنا ويمقتُكَ أنت، (وهذا مضحكٌ لأن اللهَ خالقٌ الجميعَ يحبُّ الجميعَ، حتى عبادَه العاصين)، كلّما أحزنني استشراءُ النَقْلِ على حسابِ العقْل، وغيابُ النورِ لصالح العتمة، فكّرتُ في ابن رشد! ويتردّد السؤال في عُمْقي: ماذا لو أنه ظهر الآن بكل ثِقَلِه وفِكْره ونورِه ونارِه؟ أكنّا سنكتفي بحرق كتبه ونفيه إلى حيث يُنْفَون؟ أم كنّا سنحرق الرأسَ الذي أنتج تلك الكتبَ وذلك الفِكرَ وذاك النور؟ الإجابةُ يعرفُها الجميع. على أن قرعَ النواقيس، ولو في الفراغ، الذي لا ينقل الصوتَ مهما علا وعَظُمَ، أكثرُ نُبْلاً من الصمتِ والاستسلام، حتى وإن توّحدتِ النتائجُ.
لكنه لمن نكد الدهر وسوء الطالع بحق، أن يرتقي ابن رشد تلك المكانة الرفيعة لدى الغرب، بينما لا يكادُ الشابُّ العربيُّ الراهن يعرف عنه شيئًا! فضلاً عن سَيْرنا، بدأبٍ وإصرارٍ وعماء، على خطٍّ نقيض لكلِّ ما وصل إليه ابن رشد بالتأمل وإعمال العقل! تُرجمت شروحه لفكر أرسطو إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر، على يد الاسكتلندي ميشيل سكوت والألمانيّ هيرمانوس أليمانوس، وكانت شروحُه بمثابة البعث للأرسطية الحقيقية في الغرب، ثم أقرَّ روجر بيكون أن سكوت هو صاحبُ التحوُّل الفعليّ في تاريخ أوربا الغربية بسبب المقدمة الرُّشدية لأرسطو.
عبر تلك الترجمات تسرب مبدأ المزاوجة بين العقل والإيمان إلى الفكر المسيحيّ في أوربا مما أطلق شرارة المذهب العقلانيّ الذي أدى بدوره إلى التحرر التدريجي من الفكر الأفلاطوني الذي كان أقل وطأةً في الشرق المسلم عنه في الغرب المسيحيّ.
في القرون السابقة لابن رشد كان ثمة تشويش في استيعاب الأرسطية من قِبَل المفكرين المسلمين ولهذا تمَّ تشويهُ فكره على يد العديد منهم، وكان ابن رشد أولَ من استعاد أرسطو الأصل الذي تم اكتشافه من جديد في الغرب عبر ترجمات شروحه. وفيما تلا من قرون أصبحت أعمال ابن رشد تُدرّس في جامعات أوربا؛ الأمر الذي أرهص لحركة انتصار الأرسطية وإزاحة الفكر الأفلاطونيّ الراسخ في الغرب وقتئذ. ولذا يعتبر الغربُ الآن آفيروس، أو ابن رشد، واحدًا ممن لعبوا دورًا رائدًا في إحياء تطوير الإسكولائيية المسيحية. وفي حين أخذ كثيرٌ من المفكرين المسلمين على فكر ابن رشد استغراقه الشديد في العقلانية، إلا أن كتاباته ظلت منجمًا للأفكار والمعلومات لفلاسفة المسيحية ومحركًا لتحرير عقول المثقفين الغربيين على مدى قرون أربعة منذ ق12 حتى ق16، وظلَّتْ أعمالُه مثارًا لجدل وسجالات حادة بين إسكولائيي أوربا في مواجهة الكنيسة من أجل تعديل تعاليمها.
تأثرت أدبياتُ اللاهوتية في القرون الوسيطة بالرشدية، مثل دراسات توما الإكويني. واعتبره كثيرٌ من مستنيري الفكر من مسيحيي أوربا واحدًا منهم إلى حدّ أن (أسْبَنوا) اسمه فجعلوه "آفين رويز" Avén Ruiz، غير أن آراءه كانت غيرَ مقبولةٍ من قِبل المسيحية الأرثوزوكسية الكلاسيكية؛ حيث كانت معظمُ نظرياته معاكسةً لتعاليم الكنيسة المتطرفة. لكن ذلك لم يلغِ الأثرَ البالغَ الذي لعبته أفكارُه على لاهوت مسيحيةِ العصر الوسيط. وعلى الجانب الآخر، درَسَ بعضُ المسيحيين أعمالَه على نحو منفرد لاقتناص أخطائه، مثلما فعل آرنولد فيلا نوفا (1240- 1311)، حين استنكر اعتمادَ الفكر المسيحيّ على تعاليمَ مُلحدةٍ كهذه. ومن أجل تأكيد قوله، قام بتحريف أفكار ابن رشد. في ذات الوقت قامت مجموعة من الباحثين، في ق13، وقائدهم سيجر باربنت، بإعلان ولائهم التام لابن رشد، ما أثار هياجَ الكنيسة وغضبتها. كذلك أخطأ بعضُ الدارسين الأوربيين فَهْمَ فكرِ الرجل، ما أدى إلى اختلاق خطٍّ فلسفيٍّ يسمى بالرُّشدية Averroism وهو ما كان يدلُّ، أول الأمر، على اتجاهٍ فكريٍّ يذهب إلى أن الفلسفةَ حقٌ والدينَ الموحَى به باطلٌ. تلك الرشدية رفضها الإكوينيون، وبطبيعة الحال كان سيتبرأ منها ابن رشد نفسُه لو عاصرها. سوءُ تأويلِ ابن رشد هذا هو ما دعا الكنيسةَ لاتهام المذهبِ كاملاً بتدنيس المقدَّس ومن ثَمَّ استنكاره عالميًّا. على أن معتقدَ ابن رشد عن خلود المادة وعن اتصال الله بالموجودات عبر وسيط العقل الفعّال ظلَّ العاملَ الحيويَّ في المعتقد الأوربيّ حتى فجْر عصر العلم التجريبيّ الحديث. وظل ابن رشد والرشدية مادةَ جدلٍ في الدوائر الأكاديمية الأوربية لمئات السنين. وبالرغم من ظهور الكثير من المفكرين في العالم العربي والإسلامي مثل ابن خلدون وغيره، فقد ظل ابن رشد الأشهرَ ولُقِّبَ بـ "الشارح" في العالميْن العربيّ والغربيّ. ونظرًا لامتلاكه عقلاً منطقيًّا فارقًا، آمن ابن رشد بمقدرة العقل على سبْر الأسرار الكبرى للكون، سوى أنه جاء متأخرًا جدًّا عن أن يتمكن من إحداث إحياء حقيقيّ للفلسفة في بلاد الشرق الإسلامية نظرًا لسيادة نظريات الغزالي.
فيا من قلتَ يومًا: "والحقُّ لا يضادُّ الحقَّ، بل يوافقُه ويشهدُ له"، رجاءً لا تأتِ الآن، فلم نعد أهلاً لك! اليوم السابع21/4/09
المَراجِع:
• “Moorish Culture in Spain”, Burckhardt, T. George Allen & Unwin, Ltd., London, 1972.
• ” Islamic Contributions to Civilization”, Cobb, S.,Avalon Press, Washington, 1963.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها الطائرُ الخفيف، سلامٌ عليك
- فريدة النقّاش، صباحُ الخير
- عزازيل ومرآة ميدوزا
- لشدّ ما نحتاجُ إليكَ أيها الشارح
- قال: لا طاغوتَ يعْدِلُ طاغوتَ الكُهّان
- وإننا لا نبيعُ للكفار!
- أبريلُ أقسى الشهور
- احذروا هذا الرمز!
- الكونُ يتآمرُ من أجل تحقيق أحلامِنا
- ما تشدي حِيلك يا بلد!
- من أين نأتي بسوزان، لكلِّ طه حسين؟
- طواويسُنا الجميلةُ
- أنا أقولُها علنًا!
- وأين صاحبي حسن؟
- حينما للظلام وَبَرٌ
- الله كبير!
- -وهي مصر بتحبني؟-
- الحقلُ هو سجادةُ صلاتي
- مصرُ الكثيرةُ، وأمُّ كلثوم
- أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!


المزيد.....




- اليونيسف تُطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان: طفل واحد ع ...
- حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائي ...
- الأمم المتحدة: إسرائيل قصفت الإمدادات الطبية إلى مستشفى كمال ...
- برلين تغلق القنصليات الإيرانية على أراضيها بعد إعدام طهران م ...
- حظر الأونروا: بروكسل تلوّح بإلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل ...
- الأونروا تحذر: حظرنا يعني الحكم بإعدام غزة.. ولم نتلق إخطارا ...
- الجامعة العربية تدين قرار حظر الأونروا: إسرائيل تعمل على إلغ ...
- شاهد بماذا إتهمت منظمة العفو الدولية قوات الدعم السريع؟
- صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحيثي ...
- صندوق الامم المتحدة للسكان: توقف آخر وحدة عناية مركزة لحديثي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - لا تأتِ الآن، فلسْنا أهلاً لك!