أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري















المزيد.....

المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 09:02
المحور: مقابلات و حوارات
    


د شعبان يتحدث عن المرأة والسياسة في حياة الجواهري
الجمهور يحاور
المفكر والأديب الدكتور عبد الحسين شعبان
حول
المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري

• الدكتور شعبان مفكر وأديب عراقي له مؤلفات كثيرة بينها كتابان عن الجواهري، الاول بعنوان: " الجواهري في العيون من أشعاره " (1986)، والثاني بعنوان: " الجواهري: جدل الشعر والحياة" (1996)، وهو من أبرز المختصين والمهتمين بالجواهري وقد القى محاضرة في 12 تموز (يوليو) 2008 في أتيليه القاهرة تحت عنوان: " الجواهري الكبير: رؤية شخصية وذائقة أدبية !"، كما ألقى محاضرة في اتحاد كتاب مصر في 30 آب (اغسطس) 2008، وتمكنت شبكة الوليد من الدخول في حوار معه حول الجواهري شاعر العرب الاكبر،وبامكان الجمهور المشاركة في هذا الحوار سواءا باضافة معلومات ارى تخص المبدع الراحل او نقاشات مع د شعبان.
• وأسئلة المدخل موجهة من شبكة الوليد



• كيف بدأت علاقتك بالجواهري ؟
 يمكن القول أنها مرت بثلاث مراحل:
الأولى: هي مرحلة الطفولة وهي المرحلة التخيلية، فعندما كنت أذهب الى مدرستي الابتدائية (مدرسة السلام) كنت أمرُّ يومياً تقريباً من أمام جامع الجواهري، الذي مضى على بنائه أكثر من مئتي عام وذلك في منطقة (القباب الزرق) في محلة العمارة في النجف، ومنطقة القباب الزرق تضم قبور آل كاشف الغطاء وآل بحر العلوم وآل الجواهري. وقد ارتبط اسم الجواهري بذهنيتي الطفلية باعتباره شاعر التحدي، وهو ما كنت اقرأه وأسمعه ويقع نظري عليه، في مكتبات الأخوال والأعمام العامرة، والتي تحوي لا على قصائد الجواهري ودواوينه، بل قصاصات وأخبار وحكايات عن حياته وطرائفه ومعاركه. وما زال خالي جليل شعبان، المحامي والشاعر يحفظ الكثير منها، ويمكنني القول انه من القلائل حالياً الذين يعتبرون من رواة شعر الجواهري ومريديه الكبار!
الثانية: مرحلة المشاهدة، وكان ذلك عند مشاهدتي الجواهري لأول مرة، حدثاً كبيراً في حياتي، لاسيما وأن الشعر كان أحد الروافد الروحية، والثقافية الذي ساهم في تكوينه، وحاولت أن أقارن بين المرحلة الأولى المتخيّلة بشخصية الجواهري وبين المرحلة الحسّية المباشرة، حيث كنت أمامه وجهاً لوجه، وهو ما دفعني لمقارنة المتخَيَّل بالواقع، ومدى انطباق الصورة عليه.


الثالثة: المعرفة المباشرة والصداقة، وهي مرحلة جاءت بعد انتظار غير قصير، واتسمت بعلاقة تعمّقت مع مرّ الأيام، لاسيما في براغ في السبعينات، وفي دمشق في الثمانينات، وما بعدها. وقد رويتُ بتلقائية وعفوية حدود تلك العلاقة في كتابي " الجواهري : جدل الشعر والحياة".
ورغم رحيله فما زلت أعيش لا على ذكراه حسب، بل معه، أستعين به ليردّ عني كربتي وليخفف أحزاني، بشعره أستطيع الدفاع عن النفس أيضاً، فهو سلاح ماضٍ تحتاج اليه في كل الأوقات.

• كيف يكتب قصائده ؟

 حين تولد القصيدة يشعر الجواهري انه يولد من جديد، وقد تكون ولادة عسيرة في كل قصيدة، لدرجة انه بعد الانتهاء منها يشعر وكأنه يكتب الشعر لأول مرة (أي والله كما يقول) ويتعجب الجواهري من ذلك، مثلما هو البطل المسرحي حين يواجه الجمهور. ففي كل مرة يشعر بالرهبة، وعندما تكتمل القصيدة يشعر بالنشوة. وتكتمل قصيدة الجواهري عندما يلحنها ويغنيها. يقول الجواهري: إعتدت على ذلك في النجف منذ البدايات، فحين كانت تداهمني القصيدة، أنزل الى السرداب، أحدو ثم أطرب وأدخل بعدها في ملكوت الشعر، في عالمه السحري وعندها يكتمل البناء متجمّلاً بالشكل أعود الى نفسي وأضحك معها أحياناً.. أحقاً إنني كنت هنا!!؟
ويضيف الجواهري في حوار مع الكاتب منشور في كتابنا: الجواهري- جدل الشعر والحياة، 1997: يخيّل لي وأنا أرقص في باحة القصيدة ان شيئاً من الجنون قد مسّني أو أن نوعاً من الخبل قد اعتراني. إن شيئاً ما يحدث لا أعرف كنهه حين تنتابني الحالة وأدخل مملكة الشعر، أحياناً تراودني حالة هيجان وصراخ حتى تهدأ روحي باكتمال الولادة.
في بغداد كان جارنا السيد محمد نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة العراقي بعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، يتعجّب هو وأهله على الذي يجري في بيتنا أحياناً، إذا ما صادف وهبطت عليّ القصيدة. وعندما كانت شياطين الشعر أو ملائكة الفن تنزل عليّ فلا اريد لأحد أن يقطع سلسلة أفكاري والاّ أنفجر... اريد عالمي الخاص، لا أريد لأي كان أن يشاركني فيه، حتى العائلة أدعوها لتذهب الى أي مكان.
ويقول الجواهري: الشاعرية تولد في الارحام فمذ كنت جنيناً، كنت أسكن في حضرة الشعر. لقد كان البيت الجواهري يحمل صولجان الشعر، حيث يمسك بقيثارته أكثر من رمز، ويكاد الشعر يتملّكه منذ الصغر، ورغم أن العائلة كانت تريده أن يدرس الفقه الاّ أن الشعر تمكّن منه. وكان يحفظ دواوين كبار الشعراء، حيث كان برنامجه اليومي هو " حفظ الشعر" وحفظ ديوان أبو العلاء المعرّي وكان شديد الاعجاب بالبحتري وقرأ البيان والتبييّن وكذلك كتب ابن المقفع وغيرها. ولم يكن عمره يزيد على 12 عاماً، كان شعوره مذ كان طفلاً انه يحلّق في فضاءات أخرى ويطير الى عوالم بعيدة!!

متى تحل اللحظة الشعرية على الجواهري؟ وهو سؤال لا يمكن أن نتصوره بمعزل عن الشاعر، فربما ان الامر مختلف حسب المكان والزمان. لكن الاستلهام الذاتي مهم جداً، كما يفعل الرسام حين يستخدم الألوان ويطوّع الريشة، أو كما يفعل الروائي حين يصف المكان ويتابع تفاصيل شخصياته وحبكته الدرامية... الأمر كان يلاحقه حتى يكاد يهبط عليه بدون إرادة. فتراه يغني بحرقة وحرارة، وحين تأتيه إشارة غامضة يتفجّر غضباً ويملأ المكان جنونه، وكنت أسأله عن اللحظة الشعرية، فإذا به يجيبني إن الملكوت يناديه فيستجيب وتخرج بمعاناة فائقة.
وعدت لسؤاله حول اللحظة الشعرية فأجاب: أتريدني أن أقول لك يأتيني الوحي !؟ لا أدري ماذا أسمّيه؟ فقد تفجّرت "دجلة الخير" بملحميتها المعروفة، كلّها في ليلة واحدة في براغ، تصوّر ليلة واحدة تفجّر في داخلي ينبوع لا يرضى بالتوقف، حتى اكتملت... فماذا تسمي ذلك!؟

• ما أجمل قصيدة قالها الجواهري؟

 قصائد الجواهري مثل السبائك الذهبية، لكن الجزء الأكثر شاعرية وإبداعاً، هو فترة الاربعينات، فقد مثّلتْ تلك، مرحلة العنفوان والريادة، فقصائد مثل " بنت بيروت" و" ستالينغراد" و" أبو العلاء المعري" و" ذكرى أبو التمن" و"المقصورة" و"آمنت بالحسين" و"هاشم الوتري" تمثّل ذروة مرحلة الاربعينات، لكنني في الوقت نفسه لا يمكن أن أهمل قصيدته الرائعة التي لو كتبها لوحدها، فقد استحق لقب الشاعر الأكبر هي " يا دجلة الخير" في مطلع الستينات، وكذلك قصيدة " لبنان يا خمري وطيبي"، و"كردستان" و"أرح ركابك" وهي كلها قصائد ستينية، أو قصائد السبعينات، مثل " لُمي لهاتيك لما" و"أزح عن صدرك الزبدا" و"ذكرى عبد الناصر" وقصيدته العصماء "يا ابن الثمانين" و"ماذا أغني"، وهي قصائد ثمانينية.

• ما هي أهم سمات الجواهري الشخصية، وهل تنطبق عليه القصيدة الجواهرية؟

 عاش الجواهري في صلب المتناقضات الاجتماعية حيث، البيئة النجفية الشديدة الصرامة، والتقاليد القاسية.. وقد انعكست عليه وهو يتخطى الحواجز والمحرّمات ولكن بأثمان باهظة أحياناً
وتركت القيود الثقيلة تأثيراتها الكبيرة عليه، لكنه في الوقت نفسه استفاد من الخيال القرآني الذي يفرضه الوسط الديني، وتستطيع أن تلحظ دون عناء كيف أن قصائده مرصعة به باستمرار، بل إنه لا يستطيع الفكاك منه. وبالتأكيد فالتراث القرآني، خصباً وجميلاً ومغرياً، انه في الوقت ذاته يوحي بخيال متفجر " جنة تجري من تحتها الأنهار" ! ، " الحور الحسان"" و" طور السنين وهذا البلد الأمين"، الزيتون والعنب وما تشتهي، كان هذا هو الأفق الذي يصبو اليه الجواهري، حيث وجده مرة واحدة في سفرته العتيدة الى مصايف إيران التي كتب فيها قصيدته الشهيرة، والتي جاءت بالبلاء عليه، بسبب تفسيرات مغرضة.
يقول الجواهري: حتى إذا ما ذهبت الى إيران للاصطياف لأول مرة في العشرينات كانت الجبال الشاهقة تهزّني، أما البيئة النجفية فكانت وراء قصائدي، فالحرمانات والتزمّت ولّدت لديّ مفهوماً إنسانياً نقيضاً ورغبة في التغيير، وهو ما رافق قصائدي، ولا بدّ هنا من الإشارة الى الفسيفساء الحضارية والثقافية لمدينة النجف، بحكم الاختلاط لأقوام وشعوب وآداب متنوعة.
التأزم كان خاصية الشاعر فما بالك بشاعر مثل الجواهري المبدع والمتميّز، وكان هذا ديدن دعبل الخزاعي وابن الرومي والمعري، والمتنبي. يشعر الجواهري انه في غضب خلاّق، نتيجة التأزم العارم والجارف والمضيء، فهو حتى في الغزل تكاد تتلمس حرارته حين يقول القصيدة، فتراه عاشقاً مولهاً بكل معنى الكلمة.
أعود الى التناقض، فهل هي سمة ملازمة للجواهري وللقصيدة الجواهرية؟ فمن قصائد الاقتحام الثورية الى قصائد المديح، أم أن " حب الحياة بحب الموت يغريني" على حد قوله.. كيف يجعل حب الحياة متلازم بحب الموت!؟ هل هو ديالكتيك الطبيعة، كما نسميه أم ماذا؟ ولعل هذا الهارموني الجواهري هو من سمات قصائده بامتياز.
يا نديمي وصبَّ لي قدحاً

ألمِسُ الحزن فيه والفرحا


كان الجواهري ابن المتناقضات والتعارضات على كل المستويات وبالمناسبة فهو يرغب في أن يقرأه الناس ويعرفونه بذلك، أي باعتباره وليد التناقض والتعارض، حيث ولد في بيئة متناقضة، ولذلك ترى الصعود والنزول لديه وهي حالة انسانية، ولكنه رغم ذلك لم يكتب يوماً بهدف الانتفاع، أو المديح لغرض الحصول على الكسب، ولو فعل ذلك لكان هو غير ما أصبح.
ولعل الجواهري في حوارات مع الكاتب كان قد قال لقد اغتصبت ضميري مرة واحدة في إشارة الى قصيدة " ته يا ربيع" في تتويج الملك فيصل الثاني وعاد وعالج الموضوع بعد أيام بكتابة قصيدة كفارة وندم، انه اعتراف صريح دون وجل أو خوف من أحد، بل تلك إحدى سجاياه، حيث كان شجاعاً في نقد الذات.
إذا كان " الجواهري " يُعرف بالشاعر الناري، الثوري، الاقتحامي، المتوثب، لكنه هو من كتب سبع قصائد بحق الملك فيصل الأول. وفعل ذلك بإرادته ودون رغبة في الحصول على طمع أو جاه أو مال. قام بذلك لأنه كان يعتقد لحظة ذاك بأن موقفه سليماً، وشعر أنه يوفي دينأ بعنقه، خصوصاً وانه وقف مع الجواهري، ضد النعرات العصبية والطائفية، التي حاولت النيل منه ومن انتمائه الوطني. ولهذا رداً للجميل، قال ما قال في " الملك الجليل"، كما يسميه انتصاراً للحق بعد حادثة ساطع الحصري الشهيرة، وهذا الشعور ظل يصاحبه لاسيما الاحساس بالجميل وعمل الخير ورد المعروف، واستمر حتى آخر أيام حياته.
وفي الوقت نفسه ضاق ذرعاً بالبلاط الملكي، الذي لم يتسع له وترك النيابة وفرّط بالوزارة، التي كانت الاشارات تأتيه لدخولها كمرحلة لاحقة، فقد قرر الوقوف في صف الناس مرة واحدة والى الأبد. وقرر أن يكون شاعراً لا وزيراً أو حتى رئيساً للوزراء. وكان بعض من لبس العمامة قد وصل الى الوزراة، في حين أنه نزع العمامة بقناعة ورفض عوامل الرخاء والاغراء والسلطة والأبهة والمنافع واختار ان يكون " الجواهري" والجواهري فقط وذلك يكفيه. لقد اختار الشعر وكسب نفسه والعالم، وهكذا سار شلال حياته اللاحقة.
كان الخروج من الدائرة الصعبة (البلاط) يسبب احراجاً كبيراً لكن بقاءه كان يعني اندثاره او تدجينه، لاسيما وقد بدأ بالتمرد بقصائد نارية وغزلية. وفي خروجه وجد عوالم فسيحة، ضاجّة بالحياة والحركة والتناقض أيضاً تنتظره!!
عجيبٌ أمرك الرجرا
تضيقُ بعيشةٍ رغدٍ
ولا تقوى مصامدةً

ج لا جنفاً ولا صددا
وتهوى العيشةَ الرغدا
وتعبُدُ.. كلَّ من صَمَدا


أليس عجيباً هذا التناقض. دخل البلاط ثم ضاق به ذرعاً، وسعى للنيابة ودخلها ثم استقال وانضم الى صف الناس بعد معاهدة بورتسموث عام 1948 مع بريطانيا ومقتل أخيه جعفر، وتعرض خلال حياته لحملات شتم لاذع، ودناءات واراجيف، لكن ذلك ظل ديدنه في الحياة، حيث كان متحدياً معتدّاً بنفسه، يطلب الأشياء ويضجر منها ويتركها بعد أن يسعى اليها:
أزِحْ عن صدرِكَ الزْبَدا ودعْهُ يبثُّ ما وَجَدا
الى أن يقول :
أأنت تخافُ من أحدٍ
أتخشى الناسَ، أشجعهمْ
ولا يعلوكَ خيرُهمُ

أأنت مصانعٌ أحدا
يخافُك، مغضباً حَرِدا
ولستَ بخيرِهم أبدا


تعرّض الجواهري خلال حياته الى حملتين كبيرتين الأولى ترافقت مع الأيام الاولى لبدء تدفق النفط للتصدير في بئر باباكركر (كركوك) 1927 حين كان شاباً، متمرداً، بهدف نزع هويته الوطنية والقومية كما يذهب الى ذلك الكاتب حسن العلوي، والثانية بعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958، حين اعتبر في مقدمة معسكر اليسار العراقي، لكن التحدي كان ملازماً لأبي فرات ولكنه كان هو الذي يختار خصومه ويحدد المعركة وشروطها.
وشاعر مبدع كالجواهري كان يعيش في صميم الاحداث يتأثر بها ويؤثر فيها، وحتى، وإن لم يكن سياسياً فقد كان مع عامة الناس وما كانوا يتأثرون به، ويتفاعل معهم، ويحاول أن يعبّر عن تأثرهم بطريقته الخاصة. عندما حدثت وثبة كانون الثاني (يناير) 1948، ضد معاهدة بورتسموث، ووقعت معركة الجسر الشهيرة، وسقط أخوه جعفر، الذي استشهد كان يجد نفسه بعد سبعة أيام وفي جامع الحيدر خانة (14 شباط/فبراير) ينشد:
أتعلم أم أنت لا تعلمُ
فمٌ ليس كالمدعي قولةً
يصيحُ على المدقعين الجياع
ويهتفُ بالنفر المهطعين

بأن جراح الضحايا فمُ
وليس كآخر يسترحم
أريقوا دماءكمُ تُطعموا
أهينوا لئامكم تُكرموا


الفترة التي سبقت ثورة 14 تموز (يوليو) كانت حامية، حيث فُرضت الاحكام العرفية وأعدمت بعض القيادات الشيوعية لأول مرة (فهد وزكي بسيم وحسين الشبيبي) في 14 شباط(فبراير) 1949 وتم تأسيس الحلف التركي- الباكستاني ومركزه بغداد 1955، والذي عُرف باسم " حلف بغداد" بدعم من الغرب. كان التوتر والمواجهة ملازمات لتلك الفترة، وتقلصت بعض الهوامش التي كانت موجودة قياساً للعهود التي تلت ذلك، واصبحت شحيحة لدرجةالاختناق.
وقد اثارت قصيدة هاشم الوتري " ايه عميد الدار" في حزيران (يونيو) 1949 ضجة كبرى ولها قصة خاصة، فقد ألقيت بمناسبة انتخاب الدكتور هاشم الوتري (وهو عميد الكلية الطبية العراقية) عضواً للشرف في الجمعية الطبية البريطانية. وكان الجو السياسي محتدماً وجاءته الدعوة للمشاركة، لكنه تظاهر بعدم القبول، ولكنه كما يقول في حوارات مع الكاتب: كنت أرقص وراء التلفون وكنت أقول جاءت " يا هلا بيها"، فقد كنت قد عزمت على المواجهة. ويضيف الجواهري: صعدت الى سطح الدار وكنت مستلقياً على فراشي، لكنني كنت محتدماً وكانت الاشارات الغامضة تأتيني لتزيدني اشتعالاً، فوجدت نفسي منبطحاً أحدو، كما هي عادتي، وعندما وصلت المورد الذي يبدأ بـ
" إيه عميد الدار شكوى صاحب طفحت لواعجه فناجى صاحبا"
حتى هتفت زوجتي " أم نجاح" (عوافي أبو فرات ..أ"كله) وهي عادة ما تقال لعدم الاكتراث بالنتائج وتعني باللهجة العراقية.. ليكن ما يكن وانت تدخل المعركة وتقبل التحدي، ثم يتسلق الجواهري قمة التحدي:
حشدوا عليّ المغرياتِ مسيلةًَ
بالكأس يقرعها نديمٌ مالئاً
وبتلكم الخلواتِ تمسخُ عندها
وبأنْ أروحَ ضُحىً "وزيرا" مثلما
ظنا بأن يدي تمدُّ لتشتري صغراً لعابَ الأرذلين رغائبا
بالوعد منها الحافتين وقاطبا
تُلْعُ الرقابِ من الضباء ثعالبا
أصبحتُ عن أمرِ بليل "نائبا"
سقط المتاعِ، وأن أبيعَ مواهبا


أو قصيدته في القاهرة 1951

خلّــي الدم الغالي يسيلُ هذا الدم المطلول يختــ إن المُسيــل هو القتيـــلُ ـــتصر الطريق به الطويــلُ

أو قصيدته في مؤتمر المحامين العرب، الذي انعقد في بغداد في العام ذاته، التي أثارت ردود فعل حادة من جانب الحكومة العراقية، حيث أقامت الدعوى على مدير الجريدة المسؤول المحامي عبد الرزاق الشيخلي، كما أقامتها على الجواهري، لكنه تم الافراج عنهما. ومنها :
سلامٌ على جاعلين الحتو
سلامٌ على مثقل بالحديد
كأنَّ القيودَ على معصَميه

فَ جسراً إلى الموكب العابرِ
ويشمخُ كالقائد الظافرِ
مفاتيحُ مستقبلٍ زاهرِ


أو القصيدة التي ألقاها في دمشق بمناسبة الاحتفال التأبيني للشهيد عدنان المالكي عام 1956، واضطر بعدها البقاء في دمشق، لما أثارته من اشكالات والتي يقول فيها:
خلّفتُ غاشية الخنوع ورائي

وأتيتُ أقبسُ جمرةَ الشهداء


الى أن يقول :
أضحية الحلف الهجين بشارة
أسطورة"الأحلاف" سوف يمجّها التا

لكَ في تكشفِ سوءة الهجناءِ
ريخ مثل خرافة "الحلفاء"


لعل العدّة الفكرية والسياسية مثلت عناصر التحدي المستمرة التي كان الجواهري ينزل بها الى الميدان دون حساب للعواقب. صحيح ان لكل قصيدة ظروفها ونشأتها لكنه بطبعه الحاد والمتأزم والمتوتر كان يقود رد الفعل تبعاً لحالته النفسية. فأحياناً يلتقي توتره الشخصي مع التوتر السياسي، فتراه يهلل في داخله، يقول قصيدته وليكن من بعده الطوفان. ورغم الاساءات ومحاولات النيل منه، فهو القائل عن نفسه أو مخاطباً نفسه متحدياً:
تسامي فإنك خير النفوس
وأحسن ما فيك أن الضمير

إذا قيس كل على ما انطوى
يصيح من القلب: إني هنا!



حوار مع الدكتور شعبان أجراه الصحافي وليد الزبيدي ونشر في شبكة الوليد للاعلام نيسان /ابريل 2009



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فشل المشروع الأمريكي سياسيا في العراق دعا أوباما الى الانسحا ...
- العرب والعراق.. ماذا يريدون منه وماذا يريد منهم؟
- أوباما في بغداد: ما الجديد؟
- النقد الذاتي بداية الطريق إلى النقد الكلّي
- ماركس لم يقرأ التاريخ ولم يتحدث في الدين !!
- استراتيجية أوباما والتركة الثقيلة
- وظيفة المثقف الأساسية.. النقد
- فلك المواطنة!
- 3- الأزمة المعتقة وسبل تجاوزها!!
- مؤتمر ديربن: لعلها أكثر من صدمة!!
- شهادات إسرائيلية: لائحة اتهام!
- تأبّط «ديمقراطية»!
- النظام الإقليمي العربي: وقفة مراجعة للأزمة المعتقة!
- العدالة المفقودة والعدالة الموعودة
- السيادة والدولة : اشكاليات السياسة والقانون!
- حيثيات تأسيس جامعة الدول العربية
- - أحنُّ الى خبز أمي -...!
- النظام الإقليمي العربي و22 فيتو
- حيثيات ومفارقات العدالة الدولية
- البحرين و الوطن الأم !


المزيد.....




- زيلينسكي يقيل رئيس حرسه الشخصي بعد إحباط مؤامرة اغتيال مزعوم ...
- شوّهت عنزة وأحدثت فجوة.. سقوط قطعة جليدية غامضة في حظيرة تثي ...
- ساعة -الكأس المقدسة- لسيلفستر ستالون تُعرض في مزاد.. بكم يُق ...
- ماذا بحث شكري ونظيره الأمريكي بأول اتصال منذ سيطرة إسرائيل ع ...
- -حماس- توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائي ...
- آبل تطور معالجات للذكاء الاصطناعي
- نتنياهو يتحدى تهديدات بايدن ويقول إنها لن تمنع إسرائيل من اج ...
- طريق ميرتس إلى منصب مستشار ألمانيا ليست معبدة بالورود !
- حتى لا يفقد جودته.. يجب تجنب هذه الأخطاء عند تجميد الخبز
- -أكسيوس-: تقرير بلينكن سينتقد إسرائيل دون أن يتهمها بانتهاك ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري