أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خليل المياح - هاملت هل كان رواقيا















المزيد.....


هاملت هل كان رواقيا


خليل المياح

الحوار المتمدن-العدد: 2606 - 2009 / 4 / 4 - 05:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قيل لنا بأن مخيلة شكسبير ، ماكانت تطيق مفارقة مخيلة تاريخية كبرى، هي مخيلة (بلوتارك) فمنها كان منح الرؤيا وخلل أحداقه كان يرى الى الغابة البشرية ، كمعترك بشري ، ما أنفكت حوادثه تسري في أضلاع الكون ، باعثه على الألم في الأغلب الأعم ، وعلى قليل من المسرة تجري هنا أو هناك ، تأخذ شكل أفخاخ تنصب على قارعة الطريق ، لتصطاد المغفلين من البشر ، الذين لاتستهو الحكمة أفئدتهم . ولسنا ندري من هو النابه الذي أحصى تاريخ الإنسان، ليقدره بـ 3640 سنة من التاريخ المكتوب ثم ليخرج لنا نتيجة مفادها بأن ثلاثة قرون ونصف منها فقط، هي التي قضاها الإنسان في العيش فيها بسلام !. وكان على شكسبير ، أن يختار، وهو يجوس خلل الغابة التاريخية ، التي صورناها لنا بلوتارك ، ويتصيد منها مايلائم ذائقته الشعرية ، ودون أن ينسى في الوقت نفسه ، الهوى العام والصبوات التي كانت تشكل توقا عاما في عصره ، وثمة مفارقة حصلت ، إذ أن بلوتارك كان يناصب الرواقية كمذهب فكري ، العداء ، ومع ذلك فقد آثر شكسبير أن يأخذ بناصيتها ! وحيث ترى الناقدة ( جانيت ديلون ) في كتابها عن إنسان شكسبير المستوحد ، إن ثمة قضية قيم ومعتقدات كان يؤمن بها شكسبير، في فترة اتصفت بالجدل وانعدام اليقين ، لذا بات من المؤكد ، انه وقد سار على درب معين ، فالفقم سيرافقه إن لم يتوكأ على عصا فلسفية متينة البيان !. وكما أبان (وليم جيمس) : فاالأنسان بدون فلسفة يغدو أبأس الناس وأشقاهم في المجتمع وبدءاً يقول لنا الأستاذ جبرا ، في مقدمته لمأساة هاملت بأن الشاعر الرومانسي (كولردج) قد شخص اشكالية هاملت ووضع يده على مفتاح مأساته ، وهو التناقض بين الفكر والفعل ، وحيث أن الرواقية القديمة كانت تؤثر التأمل على الفعل ، وهذا ديدنها طالما كانت فلسفة تأملية لاتبيح التزامن والتزاوج بين الفكر والعمل ، فهي لاتدرك أن التأمل يبقى خاويا على عروشه، ان لم يدعم بفعالية (البراكسيس) الاجتماعية ، الممثلة بالنشاط الإنساني المقترن دوما بالمعتقد المناسب . وإذا ما رأينا الى هاملت وقد تلفع بالعباءة الرواقية ، فحتما ستطلّ على ثيمة الانفراق والتفارق بين الفكر والعمل ، سيما و(زينون) مهندس الرواقية الاولى ، قد اكتفى بإرساء حجر الزاوية الاول مرتكزا على الأحلام ، وان قيل ان (الاسكندر) قد حققها على أرض الواقع !. ولقد قيض للمذهب الرواقي للرؤيا الرحبة للكون ، ان يصبح المهيمن على الفكر الفلسفي والديني على امتداد العصور القديمة وشطر من العصور ألحديثة (1) . لاسيما بعد ان غيره من ملامحه ورأب الصدع الذي كان يعاني منه مقتلا , بأن رفض الطلاق القديم بين الفكر والعمل خصوصا في مرحلته الرومانية المتأخرة وعلى يد ( سنيكا) و (ابقتاتوس) . وحيث قد اختار شكسبير ماساته ممثلة بمملكة إقطاعية الملامح وآيلة للسقوط مستقبلا كان عليه أن يشخص الخمائر الفردية التي تعمل على إذابتها من الداخل وبتوسط هوى طاغ ومستبد من حكامها , الذين يزعمون انهم ممشوحون بالزيت الإلهي ، أي أن النقد نبغي أن لا يطال قداستهم , والتي هيه أحبولة الحاكمين ليس إلا . وهكذا حط طائر الاختيار الشكسبيري على شجرة وارفة الضلال , ومحملة بأثمار تناسب بل تعكس طموحات الشاعر الى إجراء حذف جماعي لمملكة الخطأ تلك وسيتم العمل كله بمرسوم رواقي نافذ كجبر ألهي اسمه القدر FATUM . لكن إن كان الرواقي يفي بالمرام , وهو التدمير الجماعي للتشكيلة الاجتماعية من الحكام والبيروقراطية الملتفة حولها , فماذا كان عليه كفنان خالق لشخوصه المدان منهم والبرئ أن يفعل بميراث من اللاهوت المسيحي المنتص أمامه شاخصا ومعلننا بأننا جميعا خطاؤون , والمسيح قد افتدانا بصلبه الى الأبد ؟. تأسيسا على ذالك , سيكون التأثر بعد هذه المصادرة اليتيمة بسيفه ذبيحا !. وإرهاصنا كمقتربات فكريه من الفنان شكسبير , أنة يريد أن يحلق بنا من عالم القضاء والقدر , الى عالم الوعي والحرية لكن المفاهيم اللاهويته ومصادراتها العقيمة , كانت بمثابة صخرة (سيزيف) في دربه , سدا وتعويقا . ومن هنا وجدنا أنفسنا ميالين للأخذ بالأطروحة الرواقية بعد أن تصالح الفكر والعمل لديها فالمفارق فيها معانق للمحايث . ومع ذلك فثمة ملاحظة على أخلاقيات المأساة الهاملتية , أنها جاءت مموهة بفعل ميكانزم ذكي , بحيث اختلطت الرؤى اللاهوتية المسيحية بالأخرى التي متحت الآبار الرواقية , وهذا احد أسرار جاذبيتها التي كما قال عنها الأستاذ الناقد جبرا , أنها جاءت محملة بالرموز والدلالات العميقة الغور ونرى إن الخيار البراغماتي الذي اصطنعه شكسبير , كان موفقا الى حد بعيد فهو قد تجنب الريب الاكلريكي , الذي قد يدمغ العمل المسرحي كله بالهرطقة , من ناحية ومن جانب أخر عنّ له أن يدغدغ العطالة الفكرية إذا تعذر القول بمتلقيها , سيما وتلك العطالة لها جبروت شوارعي ! والأخلاق الاجتماعية كانت مترنقة بفعل التحالف الكنسي مع الإقطاع الملكي فالقتل مقولة مازال العوام تتبناها . وحتما كان شكسبير على دراية تامة بأن السلف الأعلى للرواقيين هو هيراقليطس الذي سمي بالغامض لأن العامة لم تستطع إدراكه .. وعلى الرغم من لهاث شكسبير كرجل ( سنوبيست) خلف اللوردات والرجال العظام ، الا انه لم يستطع ان يتخلص من ادران فعل الرثاثة العشائرية التي تنادي بالقتل درءاً للقتل !. وهكذا نجد شكسبير كمقتربات وطرائق للعمل بات بفضل الجدل النازل الذي تقيمه الرواقية بدلا من المحمول الرباني الذي جاءت به فكرة الخلاص المسيحي ، والمملكة التي شيدها في عالم الخيال كان يترصدها طوفان يفضي الى غسل ادرائها ودك بنائها دكا لايبقي ولايذر . وثمة حقيقة يشير اليها (اميل برهييه) في تاريخه للفلسفة اليونانية ، وهي التأكيد على عدم احتواء المذهب الرواقي من قبل المسيحية ، بل العكس هو الذي حصل ! . وإذا كان (كولدرج) يعتقد ان كل انسان يولد أما افلاطونيا او ارسطيا والقرن السادس عشر كان يضج بأفكار وحكم (شيشرون وسنيكا) فهل يبقى من مانع لشكسبير بأن يتوكأ على عصا مذهبية ترى هل ان القدر كجبر الهي بات لامفر منه ؟ وإذا توصلنا الى رأينا بعد لأي من شكسبير كان على الملة الرواقية ومعتقداتها الأثيرة في الكون والإنسان حتى وان جاءت بصيغة غاطس نفسي داخلي يكبح نفسه كيلا يظهر على السطح فهل كان الفنان يعاني من ازدواج المعتقد، كما كان الحكيم ابيقور؟. فالأخير قيل عنه انه كان متعبا في النظر وزاهدا في الواقع !. وفي عصرنا المشبع بالعلوم الدقيقة والأخرى ذات الرؤية الإنسانية التي سمحت لنا بتأويل قتل قابيل لأخيه هابيل من أنها دلالة رمزية ومؤشر على تقدم الزارع على الراعي في مضمار الحياة . فما هي الدلالة التي تكمن في قتل الاخوين ، كملوك بغض النظر عن الذي يطفو على سطح الأحداث ، وكون كلوديس كان يمثل الشر بصناعة لاغبار عليها ز ان البيروقراطية الممثلة بـ(بولونيوس) كان لها ان تندثر ، ولا اعتراض على ذلك لكن مابال النواة الطامحة الى تأسيس المستقبل وهو هاملت لم كتب عليه الفناء الى جانب (اوفليا) التي مثلت الطهر والبراءة؟. اذن هي الرؤية الرواقية لمن يزعم امتلاك ناصية التأويل ليس الا ؟ . والمنظور الرواقي الذي تسلح به شكسبير هو الذي يسمح بتصور الهلاك والدمار الجماعي ، تأسيا بالقانون ( اللوغوس ) الذي ينادي بالاحتراق الكلي بمعنى عودة الحياة الى منبعها الأصيل كحنين الطير الى أعشاشها ليلا !. وما رجاء هاملت الأخير قبيل برهة من رحيله الى العدم ، وطلبه من هوراشيو ، أن يبقى حيا، الا ليبلغنا حكمته الرواقية ، حول الكينونة بامتياز ، وإلا فالموت بنا أجدر !. وحيث ان مجريات الأمور تشير الى ان هاملت قد دخل بطن الحوت الفلسفية ، لمدة عشر سنوات في الجامعة، فلا جرم انه قد أصبح أسيرا لاحد تياراتها المذهبية ، والترجيح كله يشير الى الحكمة الرواقية ، وان حفت بها مخاطر الوثنية المحظورة . ولقد اثر المخطط الشكسبيري في رسم ملامح الشخصية الهاملتية ،ان يأتي على وفق نمطين الأول منهما متأرجح بحسب الهوى والصبوة ، والثاني متعقل حكيم بحسب لكل شئ حسابه !. لكن هاملت يفاجئنا عند محاورته مع أبيه ، بأنه سيرمي الكتب جانبا وبالتالي حكمتها ، سيما وان المظنون بأن الكتب لاتخلق رجلا ، وكل مافي الأمر أنها تملأ رأسه بحروف ميتة ، وأذا كان الامر هاملت لم يصبح ملكا بعد ،وهو قد درس الامبراطور (مروس اوراليوس) الذي اعتنق وطبق المبادئ الرواقية ، قد مرت بذهنه أبان محنته الوجودية..وبرمه بالبلاط وبمعشر الناس ، وشعوره بالخواء والرتابة والصغار(2).لكن محنة هاملت تعمقت والدرب بات غير سالك ، والحاح الشبح عليه بضرورة الفعل ، كل ذلك قد ثبط من عزيمة الرواقية ، فكان ان لوى عنق الزجاجة الرواقية ، دون جرأة على كسرها ـ ثم هبط الى شوارع المملكة ليطرق ابواب الموت بجرأة بالغة !. وفي ذات الوقت تلتقط اذننا الثالثة رنينا، وأن جاء واهيا ، يردد طفافة الحياة ، كما رأها الامبراطور (اوراليوس)، إذ الشبح مع تحريضاته بالقتل يردف قوله – أن القتل في افضل حالاته خسيس – وهكذا يتسنى لهاملت ، بعد أن تسلق قمة الهرم المأساوي ، أن يتعرف الى القاع المأساوي أن يتعرف الى القاع الانساني فيراه في جذره الوجودي ينضح بؤسا وشقاءا!. ويخيل الينا أن شاعر عصره شكسبير ، كان حائرا في اقتباسه . آمن بولص الرسول الذي يعلم أن المسيحية جنون في نظر الانسان الطبيعي أم من (أبقاتاسوس)العبد الذي اعتنق الرواقية ، وهو من اعلام الطبيعيين في منظوره الفلسفي ، والذي يرتكن الى الفلسفة التي مكنته من رفع مخفوضي الرؤوس لينظروا بدون إغضاء،بوجه الطغاة (3). والمضنون أن هذا التشظي في الدال والمدلول هو مادفع ( كلود شتراوس) الى قوله – أن معضلة هاملت هي بيت القصيد لكل الاشياء – فالتعريف لافت للنظر ويحمل معه صوابه بخصوص مسألة الشر كنواة بنيوية ، تبقى عبر الاحقاب مصاقبة لنا ، وبالتالي فمن الخلف (كما يقول الفلاسفة) أن نتصور امكانية حذفها بأعتبارها قضية ضياع أو استلاب ، فهذه النواة شريرة كـ ( بروتايوس ) (4) قادرة على التشكل بسحنة واخرى ولاتعوزها فائقية التناسخ ( التأويه)!. وبودنا أن نشير الى الناقدة (جانيت ديلون ) ، بأعتبارها قد رصدت أن ثمة عقدا اجتماعيا كان شكسبير ينوي بناءه، من خلال الطرح المأساتي لهاملت. ورؤيتنا المتواضعة للأمر تشير الى العكس من ذلك ، بأعتبار أن التفسخ والانحلال ، اللذين دمرا كيان المملكة الاقطاعية ، يؤكدان انحلال العقد الاجتماعي القديم فقط ، ولايرهصان ببناء عقد اسمى منه ، وهذا المنظور يتطابق وجدول الرؤيا الرواقية التي تنفي استمرارية الدفع التاريخية-،بمعنى الصعود من المرحلة الاقطاعية الى البرجوازية – الى الامام وانما الواقع كله يؤول الى الفناء والصيرورة الدورية حسب نظرية الاحتراق الكلي الكونية ،التي تنادي بها الرواقية، فكل شئ في عود ابدي دقيق وصارم، ولايترك مجالا لأي ابداع او اختراع(5). وتقول الناقدة جانيت في كتابها عن الانسان المستوحد الشكسبيري بان البرم بالحياة والتعب من العالم مرادهما الى سوداوية هاملت. وبهذت تؤكد الناقدة أنها تؤثر تفسير الأحداث ضمن منظور احادي ـ سكلجة الواقع ـ ولاترى الى اليقين الفلسفي الذي تلبس هاملت ، كمثقف من عصره،سيما ونحن نراه في السياق العام للمسرحية يؤثر القنوط والصمت ( APHASIA) المميزين لكل من سار على الدرب الرواقي !. وأخيرا أن صدق هاملت مع نفسه وكذبه مع مجتمعه ، مسألة فيها اكثر من وجهة نظر، فهو طالما قد أكتشف أن كلوديوس وزوجته الملكة، قد تنكبا عن جادة الصواب، فأي حوار مع محتشد الوحوش هذا ، سيصبح بمثابة خطء بالرأي منه لاكذب يدرأ به عن نفسه الخطر، كما ترى الناقدة جانيت ، سيما وان هاملت يتميز لنا كيسا وحصيفا ويوصف بأنه حبيب الشعب، وهو المجتمع الحقيقي، فهل يصح القول بأنه كان كاذبا معه؟. ويتراءى لنا أن هاملت قد قرر التوجه صوب العمل بدءا من بروز الطيف له-:
"أن الروح التي رأيتها قد تكون شيطانا( الشبح ) / المسرحية هي الشئ الذي سأقبض به على ضمير الملك ".وعلى يد الرواقي ابقتاتوس ابتدأت الرواقية بالمزاوجة بين الفكر والعمل ، شريطة أن يتحرر المرء من الظنون الكاذبة ، وهذا مارأينا هاملت يفعله توا، وعلى وجه الخصوص، اي التحقق ثم العمل. والانا ذا ماعدنا الى النواة المركزية للتصور الرواقي في ( الحكمة ) فسنجد انها -:
شئ غير منقسم لايحتمل التدرج ، هي استقامة الارادة ، اما أن توجد او لاتوجد كما أن الخط اما مستقيم او منحن ، ولاوسط(6)اذن فحجر الزاوية الاخلاقي للفلسفة الرواقية ، هو ذاته الذي يصدح به هاملت ويردده كلازمة في حواره مع الاخرين :أأكون أم لاأكون ، ذلك هو السؤال؟. وبالتالي فليس من دهشة تتملكنا ازاء المتح الشكسبيري لمقولة مركزية في اخلاقيات الجماعة الرواقية، ولقد قيل لنا بأن (ديكارت) ومن بعده (كانت) كانت الاخلاق الرواقية لديهما جذرا راديكاليا لايقبل المساومة ! (7) وتجدر الاشارة الى أن الرواقيين لم يتصوروا ألههم قابعا في الاولمب، مسترخيا يتمتع باستراحته الخالدة ، وانما يحيا مع معشر البشر والكائنات العاقلة، وقوته تتغلغل في الاشاء طرا ، وما من تفصيل، مهما استدق يفلت من عنايته !(8). وكلمات هاملت تشي بهذا المعنى وتؤكده : ثمة الوهة تصوغ لنا غاياتنا ، مهما عشونا نحن عنها .او ( سنجد سقطة السنونو حكمة الهية خاصة ، فأن حدثت الان فهي ماكانت لتحدث في الغد ) . أن هاملت وقد رأيناه متأرجحا بين الطرح الشوارعي العرفي النبرةوالاحادي النظرة ، بأعتباره القتل درءا للقتل ، وبين الطرح الرواقي ذي النبرة الجبرية الالهية ، وهي الاطروحة التي كانت تملك مفتاحين لحل اي اشكالية تعترض الحياة . الحل الأول يتم بالتسامي والاعلاء للموقف –TRANSCENDANT- وترك الادارة الالهية هي التي تتكفل بحل العقدة بطرائقيتها الخاصة ، اما الحل الثاني ، فهو حالة انغلاق الموقف ، وتعذر الحلول الاخرى ، فهو يقترح اختيار موقف الذئب، وقد حدق به الصيادون ، يريدون قتله، فالرواقية هنا تنصح باقتراف الانتحار ، سبيلا متاحا، للتملص من شائكية الموقف ، لذا رأينا نيرون وقد تتلمذ على يد سنيكا يوعز الى استاذه بالذهاب الى البيت والانتحار هناك !. وقد تملكت الحيرة هاملت واصبح موزعا بين تأويل بولص الرسول لموقف الخاطئ المزكى وهو في راهنية عمه الملك (كولوديوس) فبولص يراه يعرف الخير ولايقاربه بسبب قوة الخطيئة التي لاتعدل كفتها سوى نعمة المسيح وبين المعرفة ( الاكسيوماتية ) لجدوى الماء الرواقي . وقد باتت وفيرة في العقل الهاملتي فلم يجشم عن نفسه عناء التيمم بالتراب اللاهوتي الذي لايجده نافعا ؟ وتتويجا لهذه الزاوية من الرؤية وكترجيح معرفي ليس اكثر نرى أن هاملت وقد أصبح قمة هرمية مضادة لـ(كلوديوس) وزمرة العطالة الفكرية الملتفة حوله اراد أن يطبق الرؤية الرواقية بأقتراف الانتحار كنبراس معرفي صنيع ( سنيكا) وأن اتخذ صيغة الهجوم على الطرف المضاد ربما وتأثرا بصيغة( شمشون الجبار ) ( علي وعلى اعدائي يارب ) وبالتالي يكون شكسبير قد طبق الخيار الشوارعي ارضاءا للعامة وخيالاتها الواطئة واطفاءا للسخط الهاملتي المتأجج جراء كسر احد نواميس اللوغوس الرواقي الاخو يقتل اخاه .
ولايفوتنا أن نذكر بأن هرقليطس كان يرى انه من الصعب أن يقاوم السخط لان السخط يشتري بالروح بغيته! .
وحيث أن الثيولوجيا الرواقية مباطنة للانسان وتتيح بدورها لفكرة الحلول عبر المحايثة (9) ، فلانراه مستبعدا أن الشبح كفكرة انعكاس مقبول للمحايثة التي يشير اليها الرواقيون كمباطنة للاشياء وان ذكرتنا بالروحية الاحيائية وعبادة الموتى من الاسلاف .وهذا المنعكس الشرطي أصبح كاللازمة في عالم اللاهوت فخيث اللاهوت تجد الاشياء مكتظة الوجود عموما ! واذا كانت كل الطرق تؤدي الى روما سابقا فانها تؤدي الى شكسبير الشاعر النافذ السطوة على النفوس فهو خالد كهوميروس . ويبقى الفرق بينهما أن هوميروس قد بزغ في مستهل بداية مجتمع الطبقات وكان الشضعر عنده شعبيا وخاليا من الاشباح بينما جاء عالم شكسبير ضاجا بها ومفضلا مخاطبة الحكام واللورداتن لذا قيل عنهم ( سنو بيست) وكان الاحرى أن يقال بعيدا عن الممحكاة اللفظية انه رواقي! وحيث تبقى اشكالية الاخذ بالنظرية الرواقية وفلسفتها عموما بفكرة العود الابدي وانعكاسا لهذا المنظور يبقى التشاؤم ملازما لها لذا قال الرواقيون سابقا ومعهم ( نتشة وهيدجر) لاحقا بان التاريخ لايتقدم وانه يكرر نفسه فقط اي أن استعارة هيروقليطس – الدوامة ملك- تعود للظهور ثانية وبحلة جديدة . واذا صح القول من أن لا البؤس جبري ولا الحرب كذلك فهل يصح القول بان التردد الهاملتي كان جبريا ؟
نعم يصح ذلك ، اذا اخذنا بناصية ميكانيزم العود الابدي الذي تنادي به الرواقية ، ومما بسهل علينا الامر كون البعض قد راى في مسرحية العاصفة كشفا صوفيا كونيا وفي عطيل الاستقامة والبراءة وفي مكبث النبل المتهافت ....الخ
لكن تبقى مسألة هاملت الممثلة للنهضة وكون شخصيته كانت مكتنزة بالمثل الاوربية كما يراها الاستاذ الناقد جبرا محيرة ففي البدء نحسب اننا بهذه الاقوال تشبه حالنا حال من يرمي شبكة في بحر من الاحتمالات فكيف يأتي لنا الصيد في خضم يموج بالمتناقضات ؟
ومتى كان التردد بين الاقدام والاحجام بأعتبار أن الطرح الاكاديمي لمعضلة هاملت هو التردد ليس غير . نعم اقول متى كان التردد يشير الى امتلاء في جعبة الرامي او الصياد والعوم كقانون الا يقضي بعدم التردد ، وانما الذهاب فورا ومباشرة الى الماء ؟
والصحيح كما نحسب اننا نراه أن هاملت وبدافع من مبدعه شكسبير كان يعاني من الحبائس المعرفية و ( الغيتوات ) التي انشد اليها اعجابا وهي تعكس ايديولوجيا الطبيعيين وحاولته تبني موقفا متعاليا رواقي الجذر والساق لكي ينأى بنفسه عن مواجهة الموقف المعضل الذي نشأ جراء خروج الزمن عن محاوره بأن يغدر الاخو بأخيه لذا نرى هاملت منددا بالموروث والعتيق ( فالعرف وحش يلتهم كل حساسية والعادة تكاد يكون بوسعها تبديل وسم الطبيعة ) ولذا فالتردد بات الان قهريا بين ايمانه بشمولية الموقف الكلي واللاجدوى من تعنيف الذات الفردية وبين الطرح المتهرئ للثأر والذي يهدد بنسف طبيعة الاشياء الازلية . ولوا الخندق اللاهوتي المحفور بدهاء لرأيناه يفضل قتل النفس انتحارا لذا راح يناجي نفسه ( ياليت الازلي لم يضع شريعته ضد قتل الذات ) . أن التابو الإلهي قد وقف حجر عثرة بوجه هاملت وصده عن تنفيذ التوق المخزون في اللاوعي منذ سنيّ دراسته الرواقية . وكلنا يعلم بان اخوان الصفا والاسماعيلية قد نهلوا من الرواقية فكم حريا بالاوربيين أن ينهلوا منها ؟ وشواطئ البحر الفلسفي الخالد كما ترى الانوية المركزية في اوربا نفسها تخصهم وهم اصل للحضارة وغيرهم قد تتلمذ في رحابها ! ومن الغابة الفلسفية الرواقية يطل علينا هاملت لينبئنا عن منظوره الخاص بالحرية :- "اي والله لاأستطيع أن احصر في قشرة جوزة وأعد نفسي ملك الرحاب التي لاتحد / لولا انني ارى احلاما مزعجة ".
وفي عصرنا الحالي ردد سارتر بصيغة مقاربة في الغثيان نفس المفهوم الخاص بالحرية كمشروع فردي ممكن ، وسط حرائق العالم بعد طوفان العسف النازي والفاشي في اوربا ! . اي أن هاملت وسارتر ارادا تبني موقف التأمل كموقف كوني والحل يبقى في غياب طالما أن الشر رديف للخير بالمعنى الفلسفي . وفي حوار آخر لهاملت مع خدنه الحميم هوراشيو :- اعطني امرءاً ليس عبدا لشهوته / اضعه في حبة قلبي . الا تعكس هذه الكلمات ماكان يكرز به (سنيكا)حول الاخلاق ( اذا اردت أن تسعد رجلا فلاتزد من ثروته ؟ ). وفي أشارة اخرى الى هذا الاصطفاء الذي لم يكن عشوائيا لهذا الخدن الاثير (فأنت كمن يعاني من كل شئ ولا يعاني من اي شئ / لطمات الدهر وهباته تتقبلها شاكرا على السواء ) فمن هو الذي يشكر الدهر على لطماته سوى الحكيم الذي عرف أن الذي بات مباطنا للاشياء زعيم بها سلبا جاءت ام ايجابا؟
أن النظرة الرواقية الى العالم تعتز وتتميز بفائقية لا تاريخية وقد اكدتها سمون دي بوفوار في مقولتها ( تعتبر ماهية الانسان واقعا فائق الزمنية لاتستطيع اي ثورة أن تعدل بنيته ) وان هاملت اذا جاز لنا أن نعبر عنه بلغة الفلسفة العصرية لم يستطع عبور ( الرودس) بسبب من الاستعصاء العام الذي تنطوي عليه نظرة الرواقية ذاتها فهي كفلسفة تأملية لاتنوي تغيير العالم وانما تكتفي بطرح تأويلاته فقط !وفي الختام كان لزاما على هاملت أن يمتشق سيفه ليقاتل كالرجال وجراء حرده البالغ ( حزنه ) القى بغصن الزيتون الرواقي ايضا ! وتجدر الاشارة الى أن الشبح قد اوصى هاملت أن يترك امه للسماء كي تنتصف منها ، والنقد الجاهز يشير دوما الى ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بالحجر) والرأي النقدي الاخر يمم وجهه شطر الايروس والانوثة وكونها امرأة لاينبغي اطلاق النار عليها لكن ( انجلز) ذهب بعيدا في تأويل الامر بطريقة تثير الجدل وظاناً انها أشارة من شكسبير الواسع الاطلاع على ثقافة العصور الى مسألة الزواج الاباعدي او الخارجي وبالتالي فالقصاص لايطالهما كونها من عشيرة او جنس آخر . وثمة ملاحظة على سلوكية هاملت بعد انخراطه لفلسفة الفعل وادارة الظهر الى التأمل نراه يستجير بها علها تسعفه حين تضيق به الدوائر :"أن في ذلك والله مايتجاوز حد الطبيعة ليت الفلسفة تكشف لنا عن كنهه " وهكذا يعود به الحال كما كان اول مرة عند رؤيته للشبح متسائلا :- ( وما نحن إلا العوبة الطبيعة / بفكر تقصر عنه روحنا ) وهذا الحوار لايشير الى اية فكرة تخص اللاهوت المسيحي الذي تناولته الاناجيل المعروفة لنا وانما هو حديث عن مكر الطبيعة . وهو حديث رواقي الصميم يعجز العقل الناسوتي في الوقوف على اسراره . ولكن الحق يقال إن الاشارة الفصيحة الى نهوض الفلاح التي وردت على لسان هاملت:
(والله ياهوراشيولقد لاحظت في السنوات الثلاث الاخيرة أن العصر غدا من الفصاحةبحيث جعل اخمص الفلاح يداني عقب النبيل ويرض دمامله). وحتى هذه الواقعة التي ترهص بالمستقبل سرعان ماينطفئ بريقها ازاءذكر مسألة التناسخية وليس التاريخ الذي يتراكم فتراه يتساءل بأسى ( أفلا يجوز للخيال أن يتعقب اثر الاسكندر وترابه النبيل الى أن يلقاه سدادا لدُن؟ وليس ثمة برزخ كبير يفصل (التاويه) في موضوع التناسخ عن العقيدة الرواقية !. ولقد عز على قلب هاملت أن يرى عمه ( كلوديوس) يلعب مرحا في حدائق سلطته منفردا برأيه ولابد انه استذكر النشيد التاسع من الياذة هوميروس( من لانصيب له في السلطة هو بمثابة نزيل في البلاد ) فازداد غربة وضج بالشكوى : ( فالزمان مضطرب ياللكيد اللعين / أن اكون أنا قد ولدت لاصلح من اضطرابه)وللوهلة الاولى نظن أن هاملت بات مقتديا بالسيد المسيح ساعة تقديم الكأس اليه وضراعته الى أبيه أن يمررها دونه لكن هاملت اراد خلاف ذلك اذ اراد الافصاح عن اللعنة وكما يقول(دريدا) كونها منقوشة في قلب الحق نفسه !. ومن مصر القديمة يروي لنا(ول ديورانت)في قصة الحضارة ، شكوى مقاربة لشكوى هاملت لكنهاجاءت عقوبة ولاتتوكأ على عصا فلسفية ( لمن اتحدث اليوم ؟/ إن الرجل اللطيف يهلك والصفيق الوجه يسير في كل مكان.)حقا وكما قال أن التمكن الذكي من الغموض هو جوهر الادب. فهل تمكن شكسبيرمن خلال مخلوقه الديالكتيكي هاملت من ذلك؟اننا نحسب انه قد فعل وان حاق المكر السئ باهله والبراءة معا!.

الهوامش
1- تاريخ الفلسفة/ اميل برهييه:الفلسفة الهلنستية والرومانية (ص46)
2- المصدر نفسه (ص215)
3- المصدر نفسه (ص214)
4- في الميثولوجيا الإغريقية اله بحري له القدرة على تغير شكله بحسب ارادته وعلى التنبؤ بالمستقبل لمن يرغمه على ذلك
5- تاريخ الفلسفة/ برهييه (ص65)
6- تاريخ الفلسفة اليوناية / يوسف كرم (ص231)
7- المصدر نفسه(ص233)
8- تاريخ الفلسفة / برهييه(ص50)
9- تاريخ الفلسفة / برهييه (ص72)



#خليل_المياح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة 0 هل تنسج عدمها بيدها؟
- السلفية ومزالق التأريخ
- قصص قصيرة جدا
- لا تصبوا النبيذ الجديد في القرب القديمة
- الدين.. رؤية برانية عند مفكري الغرب
- لكي لا نحرث البحر ثانية
- أشكالية هاملت
- السياب عبقرية بصرية
- التميمي برومثيوس آخر
- خواطر حكائية على حافات الفلسفة
- ضد إلغاء وزارة حقوق الأنسان
- الذاتوية تجاهل للشرط الانساني وبحث عن فردوس ضائع
- لوغوس الحداثة أم اختفاء الثنائيات
- الغيبية عصمة ممشوحة بالزيت الإلهي
- خليل الغالبي يمتطي الحقيقة
- الدستور ليس نهاية المطاف
- بدون مماحكة ..مدن الله الأموية والعباسية ذبحت الصالحين من ال ...
- الدكتاتورية لن تعبر النهر مرتين
- استقالة العقل ام مركزيه انسانية
- العولمة تقرع نواقيس الخطر...قراءة في كتاب (وحدة وصراع النقيض ...


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خليل المياح - هاملت هل كان رواقيا