أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - داود تلحمي - نجاحات جبهة فارابوندو مارتي الإنتخابية في السلفادور تؤكد استمرارية المد اليساري في القارة اللاتينية، حتى بعد تفاقم الأزمة الإقتصادية الرأسمالية















المزيد.....


نجاحات جبهة فارابوندو مارتي الإنتخابية في السلفادور تؤكد استمرارية المد اليساري في القارة اللاتينية، حتى بعد تفاقم الأزمة الإقتصادية الرأسمالية


داود تلحمي

الحوار المتمدن-العدد: 2601 - 2009 / 3 / 30 - 10:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في الخامس عشر من آذار/مارس 2009، أسفرت انتخابات الرئاسة في جمهورية السلفادور، إحدى جمهوريات أميركا الوسطى، عن نجاح أول مرشح يساري في تاريخ البلد، لينضم بذلك الى قافلة من الزعماء اليساريين، بتلاوينهم وتياراتهم المختلفة، الذين تم انتخابهم في القارة اللاتينية منذ أواخر العام 1998.
والرئيس الجديد المنتخب، موريسيو فونيس، له من العمر 49 عاماً. وهو، بالتالي، لم يكن من جيل القادة التاريخيين للحركة اليسارية الثورية الرئيسية في السلفادور، المعروفة باسم "جبهة فارابوندو مارتي للتحرر الوطني". وكان، خلال الحرب الأهلية الدامية في البلد (1980-1992)، يعمل في مجال الصحافة، مراسلاً حربياً، ثم عمل، بعد الإتفاق الذي أنهى الحرب في العام 1992، مقدماً لبرامج تلفزيونية حوارية حول شؤون البلد وقضايا سكانه.
علماً بأن مرشح هذه الجبهة في انتخابات الرئاسة السابقة، التي جرت في العام 2004، كان المسؤول الأول في هذه الجبهة، آنذاك، وهو شفيق حنضل، الذي حصل على زهاء 36 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى من هذه الإنتخابات، وخاض الدورة الثانية ضد مرشح اليمين الرئيسي، المدعوم بقوة، آنذاك، من قبل إدارة جورج بوش الأميركية الشمالية. ونجح مرشح اليمين فيها.

شفيق حنضل، الفلسطيني الأصل... أحد أبرز رموز اليسار في أميركا اللاتينية

ولمن لم يسمع باسم شفيق حنضل، من الأجيال الجديدة خاصةً، فهو قائد سلفادوري يساري تاريخي، من أصل فلسطيني.
فقد وُلد في السلفادور عام 1930 لأبوين مهاجرين من مدينة بيت لحم الفلسطينية. وقد اختار شفيق، منذ شبابه المبكر، الانحياز الى معسكر القطاعات الشعبية الفقيرة الواسعة في بلده، الذي كان خاضعاً طوال عقود طويلة لحكم الطغم العسكرية المتحالفة مع الشريحة الإقطاعية والثرية في البلد، والتي كانت تراكم الأموال والثروات الطائلة في حين كانت غالبية الشعب، وخاصة قطاع الفلاحين والمزارعين وشغيلة المدن، تعيش فقراً مدقعاً. وانتمى شفيق الشاب الى الحزب الشيوعي السلفادوري. وكانت قيادة الحزب، في أواسط القرن الماضي، تميل الى اعتماد طريق النضال السلمي لمواجهة النظام الإستبدادي المحلي، وتبعيته للجار الكبير القوي، الولايات المتحدة، غير البعيد عنه جغرافياً. حيث لا يفصل السلفادور عن هذا "الجار" الواقع في شمال القارة سوى بلدين، لاتينيين أيضاً: غواتيمالا، ثم المكسيك.
لكن تفاقم القمع الدموي في السلفادور منذ أواخر السبعينيات، والمذابح التي كانت تتعرض لها القطاعات اليسارية والإستقلالية والمستنيرة عامةً هناك، وكذلك قطاع المزارعين الفقراء، الذين كان يجري استغلالهم بدون رحمة، خاصةًً في مزارع البُن الواسعة، وكذلك انسداد أفق العمل الديمقراطي والسلمي لتغيير الأوضاع، مع تزايد عنف إرهاب اليمين المتطرف والسلطة التي ترعاه، كلها دفعت الحزب الشيوعي، الذي أصبح شفيق حنضل أميناً عاماً له في العام 1973، الى الحسم باتجاه العمل مع القوى التي اختارت طريق النضال المسلح. وبعض قادة هذه القوى كانوا في الأصل أعضاء في الحزب نفسه. وهكذا، تشكّلت، في أواخر العام 1980، جبهة موحدة لهذه القوى أُُطلق عليها اسم "جبهة فارابوندو مارتي للتحرر الوطني"، ضمت الحزب الشيوعي مع أربعة تنظيمات مسلحة مقاومة للنظام الإستبدادي.
وفارابوندي مارتي هو زعيم يساري بارز نشط في السلفادور في الثلث الأول من القرن الماضي وقاد واحدة من أبرز الثورات الفلاحية هناك في مطلع الثلاثينيات الماضية، وهي الثورة التي أغرقتها الطغمة الحاكمة في الدم، وراح نتيجة قمعها مئات الآلاف من الضحايا، وخاصة من الفلاحين من أهل البلاد الأصليين، بمن في ذلك مارتي نفسه الذي تم إعدامه في العام 1932.
وهكذا أراد مؤسسو جبهة فارابوندو مارتي، التي تشكّلت، كما ذكرنا، في العام 1980، أن يخلّدوا ذكرى هذا القائد اليساري الشهيد. وأخذت الجبهة تواجه قوى النظام العسكري اليميني، و"فرق الموت" التي أقامها أنصارٌ للنظام، طوال الثمانينيات وحتى مطلع التسعينيات، الى أن جرى الإتفاق بين أطراف الصراع على إنهاء الحرب الأهلية في مطلع العام 1992 والتحول الى العمل السياسي الديمقراطي، بحيث تشارك هذه المعارضة، المسلحة سابقاً، في الإنتخابات ومؤسسات البلد المختلفة في ظل احترام التعددية والآليات والحريات الديمقراطية.
وجدير بالتذكير أن تلك الفترة، أي فترة الثمانينيات الماضية، شهدت أيضاً مواجهة شرسة بين نظام يساري في بلد غير بعيد عن السلفادور، هو نيكاراغوا، وصل اليساريون فيه الى السلطة في العام 1979، من جهة، ومن جهة أخرى، مجموعات من العصابات المسلحة المعسكِرة على حدود البلد، والممولة والمدعومة من إدارة رونالد ريغن الأميركية بشكل رئيسي، عُرفت باسم عصابات "كونتراس". وبحجة مواجهة تمدد النفوذ الكوبي والسوفييتي في "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة، خيضت هذه المعارك الشرسة من قبل الإدارة الأميركية وحلفائها المحليين ضد القوى اليسارية والإستقلالية في عموم القارة اللاتينية ومنطقة الكاريبي.

جبهة اليسار في السلفادور ... الحزب الأول في البرلمان منذ العام 2003

وهكذا، شاركت جبهة فارابوندو مارتي فعلاً، بعد العام 1992، في كافة العمليات الإنتخابية، التشريعية والرئاسية والمحلية، التي جرت منذ وقف المواجهات المسلحة، وتحديداً انتخابات الأعوام 1994 و1997 و1999 و2000 و2003 و2004 و2006، وأخيراً انتخابات العام الحالي 2009. حيث جرت انتخابات تشريعية في الشهر الأول من هذا العام، ثم هذه الإنتخابات الرئاسية في 15/3، التي فاز فيها، كما ذكرنا، مرشح اليسار، بعد أن كان الحزب اليميني الرئيسي المعروف باسم "أرينا"، والإسم جمع للأحرف الأولى باللغة الإسبانية لاسمه الكامل "التحالف الجمهوري القومي"، يحتكر الموقع الرئاسي منذ العام 1988، أي منذ عقدين من الزمن، بلا انقطاع.
وهذا الحزب اليميني هو حديث التشكيل نسبياً. ومؤسس هذا الحزب، روبيرتو دوبويسون، هو أيضاً أحد أبرز مؤسسي ما عُرف باسم "فرق الموت" في السلفادور، والتي كانت تقوم بقتل وتصفية المعارضين اليساريين وغير اليساريين والقطاعات النشطة من النقابات العمالية ومن الفلاحين وحتى من المتطوعين الأجانب، بمن فيهم رجال دين وراهبات. وقد شملت هذه الإغتيالات حتى كبير أُساقفة عاصمة السلفادور، أوسكار روميرو، الذي أُُطلقت النار عليه أثناء قيامه بالقداس داخل إحدى كنائس العاصمة في الشهر الثالث من العام 1980. وكان روميرو قد انتقد ممارسات السلطة العسكرية و"فرق الموت" في السلفادور، مع أنه كان، بالأساس، رجل دين معتدلاً وغير مشارك في التيار الديني المستنير الذي يتقاطع مع اليسار في عدد من المواقف والمعروف باسم "لاهوت التحرير". وقد ثبت الآن بالأدلة القاطعة أن مؤسس الحزب اليميني "أرينا"، روبيرتو دوبويسون، هو الذي أصدر التعليمات لعناصره بقتل كبير الأساقفة روميرو. لكن دوبويسون مات بمرض السرطان في العام 1992، قبل أن يُطرح احتمال إحالته للمحاكمة على تلك الجرائم. وهو ما لم يمنع ورثته في الحزب الذي أسسه من حكم السلفادور طوال عشرين عاماً، كما ذكرنا.
من جانبها، شكّلت جبهة فارابوندو مارتي اليسارية، منذ بداية مشاركتها في العمليات الإنتخابية، قوة رئيسية أخذت شيئاً فشيئاً تضاهي قوة حزب "أرينا" اليميني نفوذاً إنتخابياً، الى أن تجاوزته في الإنتخابات التشريعية التي جرت في العام 2003، حيث حصلت الجبهة اليسارية على زهاء 34 بالمئة من الأصوات و31 مقعداً (من أصل 84 هو مجموع مقاعد البرلمان) لتصبح القوة الأولى في الهيئة التشريعية. وفي العام 2006، حصلت الجبهة على أكثر من 39 بالمئة من الأصوات و32 مقعداً (علماً بأن الإنتخابات لا تجري هناك على أساس نظام التمثيل النسبي إلا جزئياً).
وفي مطلع العام الحالي 2009، حصلت الجبهة اليسارية على زهاء 43 بالمئة من الأصوات و35 مقعداً، لتحتفظ بموقعها الأول في البرلمان، لكن دون حصولها على الأغلبية المطلقة (43 مقعداً). وجدير بالذكر أن الجبهة تحولت في العام 1995 الى حزب موحد بدلاً من صيغتها الإئتلافية الخماسية السابقة.
وكان شفيق حنضل، كما ذكرنا، قد تقدم للترشح باسم جبهة فارابوندو مارتي في انتخابات الرئاسة التي جرت في العام 2004، وحصل على أكثر من ثلث أصوات الناخبين في الدورة الأولى. لكن مرشح "أرينا" اليميني، أنطونيو ساكا، هو الذي نجح في الدورة الثانية.
وبصدفة نادرة في تلك القارة، فإن كلا المرشحين الرئيسيين في تلك الإنتخابات الرئاسية كانا من أصل فلسطيني، وتعود جذورهما الى نفس المدينة الفلسطينية، بيت لحم: فمرشح اليمين الذي أصبح رئيساً منذ ذلك العام، ويبقى كذلك حتى مطلع الشهر السادس، حين يستلم الرئيس المنتخب الجديد مسؤولياته، هو في الأصل من عائلة السقا، المعروفة في تلك المدينة الفلسطينية.
***
والسلفادور بلد صغير نسبياً في أميركا اللاتينية، وهو الأصغر مساحةً بين بلدان أميركا اللاتينية القارية، أي التي ليست جزراً في البحر الكاريبي. وتبلغ مساحة البلد 21،000 كم مربع، أي تقريباً ثلاثة أرباع مساحة فلسطين بحدود ما بعد الحرب العالمية الأولى. في حين يبلغ عدد السكان حوالي 7 ملايين نسمة، مما يجعل البلد واحداً من أكثر بلدان تلك المنطقة كثافةً سكانية.
وكان البُن، لفترة طويلة، المادة الرئيسية التي يتم إنتاجها للتصدير. لكن التحولات التي رافقت التكيف مع مرحلة "العولمة" والنزعة الليبرالية الجديدة في واشنطن دفعت، في التسعينيات خاصة، الى تنامي بعض القطاعات الأخرى، وخاصة قطاع الخدمات، تلك التي لها علاقة بمؤسسات وشركات أميركية شمالية، بما في ذلك قطاع المصارف، بالإضافة الى قطاع الأنسجة وحياكة الملابس للتصدير. وقد تعزز هذا المنحى بعد القرار الحكومي في العام 2001 باعتماد الدولار الأميركي كعملة تعامل رئيسية بديلاً عن العملة المحلية، التي تم الإلغاء الكامل للتعامل معها في العام 2004، وهو العام ذاته الذي انضمت فيه السلفادور الى "اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الوسطى وجمهورية الدومينيكان" المعروفة بالأحرف الأولى بالإنكليزية "كافتا"، والتي تشارك فيها الولايات المتحدة وخمس من دول أميركا الوسطى بالإضافة الى جمهورية الدومينيكان الواقعة في البحر الكاريبي، على مسافة غير بعيدة عن جزيرة كوبا.
وكانت جبهة فارابوندو مارتي معارضةً للإنضمام الى هذه الإتفاقية، وقامت بتنظيم جملة من التحركات الشعبية المعارضة في حينه. وربما كان تزايد الهوة في المداخيل بين الفئات الشعبية الواسعة والشريحة المحدودة المستفيدة من إجراءات الخصخصة والإنفتاح الإقتصادي على رأس المال الأجنبي، وخاصة الأميركي الشمالي، وراء تعزز قوة اليسار والتراجع النسبي لليمين الذي كان يحمل راية التكيف مع "الليبرالية الجديدة" والتحالف (التبعية) مع الولايات المتحدة.

مهام وخيارات صعبة أمام الرئيس اليساري الجديد

وهذا الوضع، المرشح للتردي في ظل الأزمة الإقتصادية الرأسمالية التي انطلقت من الولايات المتحدة لتعم العالم كله تقريباً، هو الذي يجعل مهمة الرئيس اليساري الجديد صعبة ومعقدة أكثر من تلك التي واجهها بعض الرؤساء اليساريين الآخرين في جنوب القارة. فبالرغم من كون السلفادور أقل فقراً من بلدان أخرى في القارة، مثل هاييتي ونيكاراغوا وباراغواي وبوليفيا وحتى، من حيث معدل الناتج القومي الإجمالي للفرد، من جارتيها المباشرتين الوحيدتين، غواتيمالا وهوندوراس، فإنها تبقى ضمن قائمة الدول العشر الأفقر في القارة اللاتينية. وبسبب سوء توزيع الدخل، فنسبة الفقر في البلد تتجاوز الـ30 بالمئة من السكان، وفق تعريف الفقر المستخدم من المؤسسات الدولية. وهذا الوضع هو الذي دفع أكثر من مليونين من سكان البلد، أي ربع السكان تقريباً، الى الهجرة للعمل خارجه، وخاصة في الولايات المتحدة، بحيث تُشكّل تحويلات العاملين هناك الى أقاربهم في السلفادور مصدراً هاماً للدخل. وليس من المستبعد، تحديداً بسبب الأزمة المالية والإقتصادية في الولايات المتحدة، أن تجد نسبة عالية من العاملين السلفادوريين هناك نفسها وقد فقدت مصادر رزقها، وربما اضطر بعض أفرادها الى العودة الى السلفادور. وهو ما يضيف تحدياً آخر الى تحديات الرئيس اليساري الجديد.
وقد سارع الرئيس المنتخب موريسيو فونيس الى طمأنة القطاع الخاص في البلد والإستثمارات الأجنبية، وذلك عبر التأكيد على اختلاف الوضع في السلفادور عنه في بلدان مثل فنزويلا وبوليفيا، تجري فيها منذ سنوات تحولات إقتصادية واجتماعية جذرية باتجاه ما يسمونه هناك بناء "إشتراكية القرن الحادي والعشرين". ويفضل فونيس الحديث عن قربه من النموذج البرازيلي، في إشارة الى الإصلاحات الحذرة التي جرت في عهد رئيس البرازيل الحالي لويس إيناسيو داسيلفا، المعروف بلقب "لولا"، الذي انتُخب في العام 2002 وأُعيد التجديد له في العام 2006. وهو نموذج إصلاحي معتدل لا يُحدث تغييراً جوهرياً في البنية الرأسمالية للبلد، وإنما يخفف بعض الشيء من نسبة الفقر المدقع عبر مساعدات تقدم للعائلات الأفقر. مع العلم بأن البرازيل بلد كبير مساحة وسكاناً، وهو الأكبر مساحةً وسكاناً في أميركا اللاتينية، والإقتصاد الأول هناك، والإقتصاد التاسع في العالم من حيث الحجم الفعلي للناتج القومي الإجمالي، بعد فرنسا مباشرةً وقبل إيطاليا. بينما السلفادور الصغير وقليل الموارد يأتي في المرتبة الرابعة عشرة بين دول القارة الأميركية اللاتينية والكاريبي وفي المرتبة الـ88 على صعيد العالم، من حيث الناتج القومي الفعلي، مباشرة بعد بلد عربي مثل لبنان، حسب بعض اللوائح الإحصائية الدولية.
ومن خصائص وضع الرئيس اليساري الجديد انه يبدأ عهده بدون أن تكون له أكثرية في البرلمان، وإن كان حزبه، جبهة فارابوندو مارتي، هو الحزب الأول من حيث عدد المقاعد. في حين تتمتع أحزاب اليمين، بتلاوينها المختلفة، بأغلبية تزيد عن نصف عدد المقاعد، ولكن لا تصل الى الثلثين. وهو ما سيجعل الرئيس المنتخب يلجأ، في حالات عديدة، الى مساومات إما مع الأحزاب اليمينية الصغيرة، أو حتى مع حزب اليمين الرئيسي "أرينا"، الذي كان خصمه في الإنتخابات الأخيرة. وهو، في تصريحاته العلنية، لم يستبعد ذلك، بل دعا الى التعاون بين مكونات الخارطة السياسية والى العمل على لأم جراح الحرب الأهلية. كما دعا الى الحفاظ على وضع السلفادور في إطار اتفاقية "كافتا" للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، والى علاقات جيدة مع واشنطن. وليس واضحاً من الآن كيف سيقوم بالتعامل مع تعقيدات الوضع الإقتصادي، خاصة في ظل الأزمة الرأسمالية العالمية المستمرة، وغياب عملة خاصة بالبلد، الذي يعتمد، كما ذكرنا، على الدولار الأميركي كعملة رسمية وحيدة.
وجدير بالذكر أن نائب الرئيس في القائمة الفائزة، أي نائب الرئيس السلفادوري المنتخب، واسمه سلفادور سانتشيس، هو من القيادات التاريخية لجبهة فارابوندو مارتي، التي كان مسؤولاً عسكرياً كبيراً فيها في الثمانينيات. كما انه خلف شفيق حنضل، بعد وفاته في مطلع العام 2006، في رئاسة كتلة نواب الجبهة في البرلمان. ومن المحتمل، بالتالي، أن يكون دوره أهم من دور نائب رئيس في بلد مثل الولايات المتحدة، لكونه أقرب الى التعبير عن مواقف جسم أساسي من الجبهة التي عمل معها فترة أطول من الرئيس المنتخب، ومن موقع أقرب الى مركز القرار. وهو أكبر سناً من الرئيس المنتخب بزهاء الـ15 عاماً (هو من مواليد العام 1944).
***
من جانب آخر، يبدو، للوهلة الأولى، أن هناك بعض وجوه التشابه بين الوضع الجديد الناشئ في السلفادور، وذلك الذي نشأ في بلد غير بعيد عنه في أميركا الوسطى هو نيكاراغوا. وجدير بالذكر أن لا حدود مشتركة بين البلدين، لكن المسافة البحرية بينهما على شاطئ المحيط الهادئ مسافة قصيرة جداً، علماً بأن السلفادور، خلافاً لنيكاراغوا، لا يطلّ على البحر الكاريبي.
ومعروف انه، في انتخابات الرئاسة التي جرت في نيكاراغوا في أواخر العام 2006، فاز زعيم الجبهة الساندينية للتحرر الوطني والرئيس الأسبق للبلد (خلال الثمانينيات)، دانييل أورتيغا، بالرئاسة. وقد اختار نائباً له رجلاً من أفق سياسي مختلف، كان في فترة سابقة يعمل مع أوساط الـ"كونتراس"، المعارضة المسلحة لحكم الساندينيين في نيكاراغوا (1979-1990). هذا، في حين احتفظت الجبهة الساندينية بموقعها كحزب أول في الجمعية الوطنية (البرلمان) دون أن تكون لديها، كما في السلفادور، الأغلبية الكافية أو تتوفر إمكانية تحالف مع طرف يساري متقارب معها في المواقف داخل البرلمان. وهو ما جعل مهمة إحداث تغيير جذري في بنية البلد أمراً أصعب منه في بلدان مثل فنزويلا وبوليفيا في أميركا الجنوبية، على الأقل في المراحل الأولى. بمعزل عن كون طريق هذين البلدين الأخيرين لم يكن، من زوايا أخرى، سهلاً خلال السنوات الماضية.
***
ومهما يكن من احتمالات مفتوحة أمام الفريق اليساري الجديد الذي سيتولى الحكم في السلفادور، فإن الحدث، بحد ذاته، حدث تاريخي بمنظار البلد، ومؤشر على استمرارية الموجة اليسارية التي اجتاحت القارة الأميركية اللاتينية خلال العقد الأخير. مع العلم بأن الآفاق مختلفة بالنسبة للتجارب اليسارية ذات التوجهات الجذرية وتلك ذات التوجهات الأقل جذرية، أو الإصلاحية. حيث يستطيع الآن أوغو تشافيس، رئيس فنزويلا منذ العام 1999، بعد أن حقق نجاحاً ملفتاً في الإستفتاء الجديد الذي أُُجري في أواسط شباط/فبراير الماضي،أن يعيد ترشيح نفسه بعد انقضاء مهلته الرئاسية الحالية في العام 2012، وهو ما أعلن عن نيته القيام به، ذلك أن التعديل على الدستور الذي أُقر في الإستفتاء يمنحه، كما يمنح حكام الولايات ورؤساء البلديات وغيرهم من الأعضاء المنتخبين، حق الترشح وتجديد ولاياتهم بدون قيد زمني، إذا ما حصلوا على الأغلبية المطلوبة. أما في البرازيل، حيث الشعبية الحالية لشخص الرئيس "لولا" كاسحة، وفي تشيلي، حيث الرئيسة باتشيليت، التي اتبعت سياسات يسار- وسطية، حسّنت مؤخراً بعض الشيء من رصيدها الشعبي في استطلاعات الرأي، ولكنها لا تستطيع الترشح مرة ثانية للرئاسة، فالإستطلاعات ترجح، حتى الآن، نجاح مرشحين من اليمين أو يمين الوسط لخلافتهما بعد انقضاء مهلتهما القانونية.
ولا شك أن تطورات كهذه في السلفادور وفي أنحاء القارة اللاتينية، بما في ذلك في بلد مثل باراغواي في أميركا الجنوبية كان محكوماً لأكثر من 60 عاماً متواصلة (منذ العام 1947) من قبل حزب يميني واحد، وحيث جرى انتخاب رجل دين سابق ذي توجه تقدمي رئيساً في ربيع العام الماضي 2008 تسلّم زمام الحكم في أواسط العام، كانت ستعطي شفيق حنضل، لو بقي حياً، شعوراً قوياً بالرضا، لكون البذور التي زرعها هو ورفاق نضاله في السلفادور وفي أنحاء القارة اللاتينية قد أعطت ثمارها، ولكون الرسالة التي انطلقوا في النضال من أجلها في ظروف أكثر صعوبةً ومأساوية، في أواسط القرن الماضي، قد وصلت.
ولكن المهمات القادمة تبقى كبيرة، والأزمة الإقتصادية العالمية لها انعكاساتها أيضاً على بلدان القارة، وأن كانت صيغ التضامن والتكامل الإقتصادي بين هذه البلدان تخفف من حدة هذه الإنعكاسات، مقارنة بمناطق أخرى من العالم.







#داود_تلحمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب على غزة... وخطة شارون- داغان لتصفية مشروع الإستقلال ال ...
- بعد عشر سنوات على رحيل عالم التاريخ والتراث هادي العلوي...ما ...
- نهاية نهاية التاريخ..!
- حول الموقف السوفييتي من مسألة فلسطين في العامين 1947-1948
- حول بعض الملاحظاتٍ على كتاب -اليسار والخيار الإشتراكي-
- في أربعين -الحكيم- جورج حبش... نكبات فلسطين المتعاقبة وتحديا ...
- -اليسار والخيار الإشتراكي... قراءة في تجارب الماضي وفي احتما ...
- 90 عاماً على الثورة البلشفية في روسيا.... هل كان بالإمكان تف ...
- حروب النفط والصراعات على منابعه وممراته مرشّحة للإتساع
- القرن 21 سيكون قرناً آسيوياً؟
- صعود الصين وتنامي استقلالية روسيا...يؤشران لتوازنات عالمية ج ...
- ملاحظات على هامش إنتخابات الرئاسة في فرنسا
- اليسار يرسم خارطة جديدة لأميركا اللاتينية، ومشروع عالم بديل
- تحديات تواجهها المساحة العربية في عصر العولمة الرأسمالية
- اليسار الجذري والديمقراطية التعددية هل يلتقيان؟ فنزويلا قالت ...
- الأيديولوجيا والسياسة... إستقلال نسبي، وضوابط ضرورية
- إنتصارات اليسار في أميركا اللاتينية -الخلفيات والآفاق
- داود تلحمي في حوار مع العربية ضمن برنامج السلطة الرابعة
- المؤرخ والعالم الاجتماعي مكسيم رودنسون... نموذج مختلف للإستش ...
- بعد خمسين عاماً من الانتصار التاريخي في - ديان بيان فو


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - داود تلحمي - نجاحات جبهة فارابوندو مارتي الإنتخابية في السلفادور تؤكد استمرارية المد اليساري في القارة اللاتينية، حتى بعد تفاقم الأزمة الإقتصادية الرأسمالية