أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 8 اذار/مارس يوم المراة العالمي- 2009-اهمية وتاثير التمثيل النسبي (الكوتا) في البرلمان ومراكز صنع القرار في تحقيق مساواة المراة في المجتمع - عدنان عاكف - - والقلب ما طاب جرحه - !















المزيد.....

- والقلب ما طاب جرحه - !


عدنان عاكف

الحوار المتمدن-العدد: 2576 - 2009 / 3 / 5 - 09:01
المحور: ملف 8 اذار/مارس يوم المراة العالمي- 2009-اهمية وتاثير التمثيل النسبي (الكوتا) في البرلمان ومراكز صنع القرار في تحقيق مساواة المراة في المجتمع
    



عيد المرأة العالمي

... والقلب ما طاب جرحه
( الى أُمي والى كل أم عانت وتعاني من عسف الأنظمة العربية)

عدنان عاكف

قبل عشر سنوات أهداني الصديق الشاعر مهدي محمد علي نسخة من ديوانه " سماع منفرد "، مرفقة بكلمات الشعر الرقيقة التالية التالية :

" إلى آل عدنان عاكف حمودي
إلى آل عانة
الواقفين بين الله
والفرات !
لكم مني
سماع منفرد "

شكرت أبا أطياف على هديته القيمة، ثم رحت أتصفحها، فوقع بصري على قصيدة قصيرة ، تحمل عنوان" لا مرثية " :
( الى أمي في بحبوحة الموت)

لن أقول ارقدي :
فلقد طالما كنت راقدة :
مرضا
أو صياما
أو قياما ، صلاة المريض !
الحصير يصير لها راية
والدواء يظل لها آية
وهي تحلم
- قبل المضي الى قبرها –
أن تجاور قبر الحسين
منتهى حلمها !

أعدت قراءة القصيدة من جديد، فلاحت لي أمي وهي تقف أمامي بقامتها القصيرة وعينيها الدامعتين وهي تودعني لآخر مرة. كم من مرة حاولت ان أتذكرها وهي مبتسمة ولكن بدون جدوى. كانت لحظة الوداع الحزينة قد مسحت كل الصور الأخرى.. بدا لي بعد ان أعدت قراءة القصيدة للمرة الثالثة ان مهدي لص محترف ، لأنه سرق أمي كي يتخذ منها أما له ليكتب تلك القصيدة، التي لا تستحقها غير امرأة مثل أمي. يقينا لو ان الحظ حالفني، وان وحي الشعر رافقني كما رافق مهدي لكنت قد سبقته الى تلك القصيدة قبل بعشرين عاما على الأقل. ولكن ماذا تفعل في دنيا قائمة على الحظ ؟ نعم ! ان تلك القصيدة لا تستحقها إلا امرأة مثل أمي. ومثل أمي لم تخلق حتى الآن... كان إحساسي بالسرقة قويا بحيث لم استطع إلا أن أسأله:
- أنت متأكد بأنك كتبت هذه القصيدة عن أمك ؟
- ماذا تعني ؟
- يبدو لي انك تتحدث عن أمي. كأنك سرقتها مني واتخذتها أم لك لتكتب لها القصيدة.
ضحك مهدي من كل قلبه . أخذ الديوان وقال:
- لكنك نسيت أيها المدعي ان الإهداء يقول إلى آل عانة، والقصيدة تقول ان منتهى حلم المرأة التي تتحدث عنها القصيدة هو ان تجاور قبر الحسين، قبل المضي الى قبرها.. فما الذي تفعله عانية بجوار قبر الحسين ؟
- ما لا تعرفه يا صديقي اللص الظريف ان عائلتنا الكبيرة معروفة في عانة باسم " بيت حسين "...
- أحقا ما تقول ؟ بدا على وجهه علامات الاهتمام. وبعد ان أشعل سيجارة جديدة من سيجارته القديمة أضاف : ومن أين جاءكم هذا اللقب ؟
- فكرت كثيرا بالموضوع فلم أهتدي إلا الى تفسيرين: إما ان تكون عائلتنا شيعية وهاجرت لتستقر في عانة، ومن ثم تسننت فيما بعد. وعندها لا بد ان يكون ذلك حصل قبل مئات السنين.. الاحتمال الثاني ان يكون الحسين في الأصل سنيا فسرقه الشيعة منا...
- شخصيا أحبذ التفسير الأول... اتركوا لنا الحسين، ويكفيكم صدام.
- وما علاقتنا نحن السنة بصدام ؟ الرجل أعلنها صراحة ان شجرة نسبه شيعية خالصة، و يصر بانه من سلالة الحسين...
ما أستطيع قوله بشأن قصيدة مهدي اني كنت أعود إليها كلما تذكرت إثما ما قد اقترفته بحق أمي. والمشكلة ان آثامي كثيرة جدا، بحق هذه المرأة، التي ظلمها الزمن وظلمها أولادها، والتي استحقت أكثر من الحصير وعلبة الدواء. وهل هناك إثم أكبر من ذلك الإثم الذي اقترفناه نحن أولادها الستة، مع أختهم الوحيدة، حين تركناها وحيدة لنهيم في أرض الله الواسعة نبحث عن منفى يأوينا بعد ان ضاق بنا الوطن منذ نهاية سبعينات القرن الماضي؟
ذات مرة طلبتْ من أخي الأصغر، الذي كان لتوه قد أنهى دراسته الإعدادية، ان يذهب معها الى سوق الخضار، لكنه اعتذر بحجة انه مشغول وعليه ان يغادر البيت حالا.
- والى أين تريد الذهاب ؟
- لدي اجتماع...
- حتى أنت أيها الصوصي بدأت بالاجتماعات ؟ كنت أتصور بانك ستكون أعقل من أخوانك الكبار.. لماذا لا تدخل مع البعثيين وتكون حماية لإخوانك عندما تنقلب الأمور ؟
بعد أقل من أربع سنوات انقلبت الأمور، وبالفعل لم يجد أخوته أية حماية أو ظهر يستندون اليه ، وخلى البيت – كما يقول السياب - من الجميع باستثناء الأم. الأب واثنان من الأولاد معتقلين في مديرة الأمن، ولم يكونوا يعرفون بانهم نزلاء في قبو واحد، بالرغم من ان فترة الاعتقال دامت ما يقرب من الثلاثة أشهر. الابنة اختفت بعد ان طاردها رجال الأمن، ابن آخر معتقل في محافظة الأنبار، والثلاثة الآخرون تركوا وظائفهم واختفوا قبل ان يتمكنوا من الهرب خارج العراق.. مع ذلك بقيت أمنا واقفة صامدة كأسبع الرجال... دخل عليها أخي جمال، بعد ان أطلق سراحه، وقبل أن تفتح له حضنها تساءلت بذهول :
- كيف وصلت الى هنا ؟ يا " مصخم " هل أطلقوا سلاحك ؟ كانت تعرف آنذاك ان إطلاق سراح المعتقل يتم بعد ان يوقع على تعهد بعدم ممارسة العمل السياسي. لم أر جمال بعد اعتقاله، ولم أكن، في حينها في العراق حين أطلقوا سراحه. ولست أدري ان كان جمال قد وقع مثل هذا التعهد... ولكن ما أعرفه جيدا ويعرفه جلاوزة الأمن الصدامي انه وقع بعد أقل من ثلاث سنوات بدمه الطاهر تعهدا أبديا بان يقدم نفسه فداء للعراق، اذا تطلب الآمر. وهذا ما حدث بالفعل، حيث سقط شهيدا في داخل رابية عسكرية في كردستان... لم أسمع بنبأ استشهاده إلا بعد مرور عدة أشهر. الرفاق الذين نقلوا خبر استشهاده سلموني ظرفا، كان في داخله كل ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة: صورة فوتوغرافية ملطخة بآثار طين جاف، وكلمات كتبت بخط رديء، كانت آخر ما سمعته منه:
ما أصعب ان يكون الإنسان بهدوئك. لا أملك سوى بضعة كلمات وكلاشنكوف ويشماغ. اخترت لك ألأغلى. أهديك هذه الكلمات التي قالها أحد الشعراء المصريين :
عندما مات أخي
كان قد أهدى الحياة
بسمة فوق الشفاه
بسمة لا تنطفي
فأراها وأراه

بعد نزوحنا ببضعة أشهر ترك الوالد والوالدة العراق ليقيموا في سوريا، على أمل ان يجتمع شمل الأسرة من جديد هناك. لكن الحياة لا ترحم.. الأبناء توزعوا على أكثر من بلد، ومعظمهم عادوا الى الوطن، ليستقروا في جبال كردستان. بعد نحو عام عادت الوالدة الى بغداد ومن ثم منعت من السفر، وبعد فترة وجيزة توفي الوالد في سوريا. وظلت لوحدها تنتظر عودة الأبناء. لكن انتظارها طال أكثر مما ينبغي، أسرع اليها مرض السرطان قبل ان ترى أحدا منهم....
بقيت علاقتي مع قصيدة مهدي على هذا النحو، وبقيت تهمة السرقة قائمة بحقه حتى عودتي الى العراق، ومقابلتي مع تلك المرأة العجوز. أدركت آن ذاك ان هناك أكثر من امرأة في هذا العراق تستحق تلك القصيدة... امرأة بعمر أمي وبعمر أم مهدي، تخطت الثمانين. انها أم الشهيدات...
محمود الصفار ( السني )، مدرس ثانوية ، تزوج وهو في سن مبكرة من امرأة ( شيعية ) بسيطة مثله، وفي سن مبكرة أيضا اصبح من نزلاء سجون ومعتقلات نوري السعيد، منذ عام 1948. ولأنها امرأة بسيطة مخلصة راحت تتنقل من مدينة الى أخرى تسعى وراء زوجها السجين. بعد الهجمة الفاشية على الشيوعيين في نهاية السبعينات تعرضت العائلة الى كارثة حقيقية. غادر الأب وبناته الى سوريا. بعدها سافر الأب الى موسكو للعلاج، وهناك استقر في أحد مقابرها الى الأبد. عادت الأبنتان الى كردستان، ومن هناك الى بغداد للعمل السري. ألقي القبض عليهن في بغداد وبعد صمود بطولي تم اعدماهن. بعدها نفذ حكم الإعدام بحق الأخ الوحيد.. وبعد فترة خسرت الأم ابن اختها. أما الأم والأبنة الثالثة فقد حكم عليهن بالإعدام أيضا. وبعد سنوات أطلق سراحهن بعد صدور عفو عام. عادت الأم الى دارها الخالي، في حين ان الفتاة خرجت من السجن لتدخل مستشفى الأمراض العقلية، لتختفي من هناك في ليلة مظلمة ولم يعثر لها على أثر.... لقد كان بقاءها حية وفي الحالة التي هي فيها يشكل خطرا على النظام وسمعته الطاهرة..
- وماذا بشأن رجال الأمن ؟ هل كفوا عن ملاحقتهم لك ؟
- وماذا سيبقى لهم ان يفعلوه ان كفوا عن ملاحقتي وملاحقة من هم من أمثالي ؟ كنت طيلة هذه السنوات أتردد على مراكز الأمن و مقر الحزب لأثبت وجودي وولائي للحزب والثورة.. قد لا تصدقون بان آخر مرة استدعيت فيها كانت قبل سقوط النظام بأقل من شهر... الغرض هو تحذيري من القيام بأي نشاط تخريبي لو وقعت الحرب...
- وما هو رأيك بكل ما حدث بعد سقوط النظام ؟
- قبل يومين، حين أعلنوا خبر إلقاء القبض على عدي وقصي، صعدت زاحفة الى سطح الدار ورحت أزغرد .. كنت أعرف ان أحدا لن يسمع زغاريدي، وسط صوت الرصاص الذي عم بغداد كلها من الفرحة، ولكني لم استطع ان أتمالك نفسي...
- وما هو رأيك بما يحدث الآن ؟
- لماذا تسألني أنا ؟ أنا لست سياسية، اذهب واسأل السياسيين... أنا لست سياسية، لكني أم مفجوعة وقلب الأم دفعني وأنا واقفة على السطح ان أغني : " هاي فرحه ولسه فرحه، والقلب ما طاب جرحه "
ودعنا هذه الأم التي ما زال قلبها لم تلتئم جراحه، بعد ان تركت في النفس قصيدة جديدة، كقصيدة مهدي. في البيت اقترب مني ابن عمي ( كنت أقيم في بيته ) وقال :
- أتدري ! كنت أتصور ان أمي وأمك من أشجع النساء في العالم. ولكني بعد ان استمعت الى هذه المرأة العجوز أدركت ان هناك الكثير من العراقيات اللواتي عانين وقاسين وصمدن، وربما كن أقوى منا نحن الرجال. وأمه بالفعل كانت أسبع من الكثير من الرجال. تركها أولادها أيضا بعد ان هربوا من ملاحقة جلاوزة الأمن. إثنان منهم التحقا بالأنصار والثالث استطاع التسلل خارج العراق. وبقيت الأم لوحدها تحت رحمة رجال الأمن طيلة ربع قرن.
لم أجد ما أقوله فنهضت وأحضرت ديوان مهدي ليقرأ القصيدة... بعد ان قرأها للمرة الثانية التفت الي وسأل :
- ومن مهدي هذا ؟
- ولماذا تسأل ؟ ليس المهم من قال، المهم ماذا قال. هل أعجبتك القصيدة ؟
- أعجبتني جدا، ولهذا أسأل. قل لي: ألا تعتقد ان مهدي يكتب عن أمي وأمك وعن المرأة التي كنا ضيوفها قبل قليل ؟ وراح يعيد قراءة القصيدة بصوت مسموع. بعدها ترك الديوان جانبا وقال :
- لماذا ينبغي على أمهاتنا ان يقنعن بكسرة الخبز وعلبة الدواء وقطعة الحصير ؟ أليس في العراق من الخيرات ما يسمح لأمهاتنا ان يعشن حياة حرة كريمة تليق بالإنسان بكل معنى الكلمة ؟
انه يعرف الجواب جيدا.. ويعرف أيضا بان هناك ملايين من العراقيات اللواتي ما زلن بانتظار الفرحة الثانية، قبل ان تنطفئ جمرات الفرحة الأولى... ملايين من النساء اللواتي تحملن المحن والفقر والجوع، على أمل ان يلتئم جرح القلب بشكل نهائي، ويأملن بعراق لن يسمح لأحد مهما كان أن يجرح قلوب بناتهن في المستقبل...



#عدنان_عاكف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الاشتراكية العلمية : الطبيعة الإنسانية وكيف تتغير
- نانسي عجرم الرئيس الجديد لمجلس النواب
- أول الغيث مظاهرة البصرة
- حول الإعجاز العلمي مرة أخرى
- نأخذ العلم من عشاي وزغلول ! اعزف الناي ودق الطبول
- هل سيفعلها المالكي ؟؟
- الكندي رائد علم المعادن
- مجرد وجهة نظر في نتائج الانتخابات
- - أهون الشرين - ! والانتخابات
- إناث وذكور في عالم المعادن والأحجار
- من ينتقد اللاموضوعية في النقد عليه ان يكون موضوعيا في نقده
- رحلة مع الجماهرالى عالم الجواهر - 5 -
- رحلة مع - الجماهر - الى عالم الجواهر - 3 -
- رحلة مع - الجماهر - الى عالم الجواهر - 2-
- رحلة مع - الجماهر - الى عالم الجواهر - 1 -
- القاعود يكتب واقفا فلا تصدقوه (3)
- القاعود يكتب واقفا فلا تصدقوه (2 )
- لتتفتح ألف زهرة وزهرة في بستان الحوار المتمدن
- د. القاعود يكتب واقفا فلا تصدقوه 1
- البيروني والمنهج النقدي


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....



المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف 8 اذار/مارس يوم المراة العالمي- 2009-اهمية وتاثير التمثيل النسبي (الكوتا) في البرلمان ومراكز صنع القرار في تحقيق مساواة المراة في المجتمع - عدنان عاكف - - والقلب ما طاب جرحه - !