أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالحكيم الفيتوري - مفهوم المواطنة في تجربة النبي















المزيد.....

مفهوم المواطنة في تجربة النبي


عبدالحكيم الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 2572 - 2009 / 3 / 1 - 09:44
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أحسب أن قراءة مفهوم المواطنة من خلال التجربة النبوية التى شكل دستورها (صحيفة المدينة) المرتكز والنموذج المحتذى به في عملية الارتقاء والتنمية البشرية مع اعتبار تغير ظرفي الزمان والمكان (السياق والمساق) بقراءة سهمية متحركة،تسهم في تجاوز مفهوم الذمة الذي تأصل في الفكر الإسلامي السياسي. لأن تجربة النبي السياسية أسست مجتمعا فريدا في إطار زمانه ومكانه قد جمعت فيه طياته بين (الجماعة الدينية–والجماعة السياسية) على أسس الحقوق والواجبات المشتركة مع مراعاة الخصوصيات الدينية لكل لبنة من لبنات مجتمع المدينة، فكانت هذه الحقوق والواجبات المشتركة تقوم على مناط الاعتراف بالغير كقيمة إنسانية، تلتقي في مسارات عدة، كأحترام القانون، والمشاركة في الدفاع عن الوطن (وإن عليهم النصر على من دهم يثرب)، وحترام الدستور (وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة)، والانفاق من أجل حماية المجتمع وتطويره (إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين) أي أنه إذا حدثت الحرب وشارك فيها اليهود، فهم ملزمون بدفع مايحتاجونه من نفقات.


ولا شك أنه من خلال هذه التجربة التي لها السبق الزماني يمكن للفكر الإسلامي السياسي المعاصر أن ينظر إلى فلسفة مفهوم الذمة من عبر أبعاده الايجابية المتنوعة، على أساس المصالحة بين النص والتجربة، والانسان والارض، واستبدال الانتماء إلى الأرض مكان العشيرة والقبيلة والعرق، والقانون العام بدلا من الخصوصية الدينية، حيث تتقلص بذلك دائرة الاستقطاب دلالي العرقي لصالح الاستيعاب الدلالي للأرض، وينحصر الاحتماء بالطائفية الدينية لصالح الانحياش إلى القانون والدستور العام، حتى أصبح الشعور بالانتماء مثلا لأهل مكة أرقى من الانتماء إلى قريش، والانتماء لأهل المدينة أكثر تحضرا من الانتماء إلى بطون القبائل أو الطوائف الدينية، كذلك الانتماء للدولة العادلة أرقى من الانحياش إلى قبيلة أو حزب وإن كبر،ويصبح الانتصار للقانون الذي يحقق العدالة والمساواة بين الناس أفضل من الانتماء إلى طائفية تفرق ولا تجمع،وتظلم ولا تعدل.

وإن نظرة فاحصة قصدية لجملة من الآيات الكريمة التي ورد في ثناياها إشارات إلى قضايا الولاء والبراء توكد لنا هذا التوجه وهذه الرؤية التجديدية،حيث نجد في مجملها أنها تشير إشارات متفاوتة، أو ممكن أن يفهم منها أن الانتماء إلى الأرض–الدولة بلغة العصر-التي يتحقق فيها الأمن والاستقرار؛ من خلال قوانين تحترم الكرامة الانسانية؛ وتفسح مجالات الحرية؛ وتعزز من قيمة العدل لبني البشر على مختلف ألوانهم ومعتقداتهم وطبقاتهم، ينبغي على المسلم أن يراعي شأن هذه القوانين والأرض ويحترمها، ومن هذه الآيات قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا،لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء...يخرجون الرسول وإياكم ). حيث وصفت الآية عملية أخراج الناس من أرضهم مكة الآمنين فيها بأنها جريمة نكراء تستحق أن تدرج ضمن معاني البراء فقال تعالى:( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ... يخرجون الرسول وإياكم ).


فإذا كان ذلك كذلك في الذين مارسوا عملية إخراج الناس من ديارهم، فقد جاءت الاشارة في آيات آخرى تأمر بالاحسان والبروالقسط للذين لم يمارسوا عملية الإخراج من الديار حسيا كان أو معنويا وإن كانوا مخالفين لنا في الدين كقوله تعالى:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياكم إن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياكم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ،ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).


ولعل في أمره صلى الله عليه وسلم لثلة من أصحابه الكرام رضوان الله عليهم بالهجرة إلى دار الحبشة التي كانت بها آنذاك جملة من القوانين العادلة يحكم به ملكهم النجاشي( أذهبوا إلى أرض الحبشة فإن بها حاكم لا يظلم عنده أحد)، ما يفيد ما أشرت إليه آنفا.كذلك فرح المهاجرون بانتصار النجاشي على خصمه الذي أراد أن ينازعه في ملكه يعتبر اشارة واضحة إلى أن فهمهم للدار كان يدور في فلك مدى حضور القيمة العدلية في القانون والحاكم، وما تحققه من أمن واستقرار، وتوفره من حريات للانسانية، دون الإلتفات إلى غيرها. يخبرنا عن هذا الفهم واعتبار هذه القيم أحدى رواد الهجرة الحبشية، تقول أم سلمه:( فاقمنا عنده مع خير جار في خير دار، فلم يلبث أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزنا قط هو أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملكه لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي....فجاءنا الزبير يليح لنا بردائه ويقول: ألا فابشروا فقد أظهر الله النجاشي،قلت: فوالله ما علمنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي..).

وبالضرورة يترتب على هذه الرؤية الانتصار والدفاع وحماية الذين يشاركوننا في الانتماء إلى الدولة العادلة وإن كانوا على غير ديننا( مواطنون )، وفي مقابل ذلك لم يكن للمسلمين الذين اختاروا أن يعيشون خارج نطاق الدولة وأرض الإسلام هذا الحق( غير مواطنين )،كما قال تعالى:( والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ). حتى وأن استنصرونا في الدين على قوم كافرين بينهم وبين أرض الإسلام عهد وميثاق،وقال تعالى:( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ).ولعله من المناسب ذكر كلام صاحب الظلال في تفسير هذه الآية:( وجد هؤلاء الأفراد سواء في مكة،أو في الإعراب حول المدينة،يعتنقون العقيدة، ولكنهم لا ينضمون للمجتمع الذي يقوم على هذه العقيدة،ولا يدينون فعلا دينونة كاملة للقيادة القائمة عليه..وهؤلاء لم يعتبروا أعضاء في المجتمع المسلم،ولم يجعل الله لهم ولاية –بكل أنواع الولاية-مع هذا المجتمع ،لأنهم بالفعل ليسوا من المجتمع الإسلامي،وفي هؤلاء نزل هذا الحكم والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء).

وهذه الرؤية التجديدية لمفهوم المواطنة وقضية الانتماء للدولة العادلة التي تقوم على تراتيب إصلاحية للانسان والبنيان وإن كانت لا تدين بدين سماوي أصلا، كما يمكن في ذلك مما ذهب إليه ابن تيمية عند حديثه عن عدل الله سبحانه في نصرته للدولة الكافرة العادلة ؛ أرضا وقانونا وشعبا،وعدم نصرته للدولة المسلمة الظالمة،فقال:( الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة،ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة ).

وأكد الطرطوشي على أهمية مراعاة القيمة العدلية والانتماء إليه والمحافظة عليها في الإسلام بغض النظر عن اختلاف الدين، فقال:( إن السلطان الكافر الحافظ لشروط السياسة الاصطلاحية أبقى وأقوى من السلطان المؤمن العدل في نفسه ،المضيع للسياسة الشرعية.والجور المرتب أبقى من العدل المهمل ،إذ لا أصلح للسلطان من ترتيب الأمور، ولا أفسد له من الحكم، ولا يقوم سلطان إيمان أو كفر إلا بعدل نبوي أو ترتيب اصطلاحي).


وبهذه الرؤية الموجزة لمصطلح مفهوم المواطنة عوضا عن مفهوم الذمة يمكن نكون للفكر السياسي الاسلامي أن يعيد النظر في مفهوم الذمة في إطار التعاون والتعايش، والعلاقات العامة،فصير المسلم وغير المسلم في الدولة القانونية مواطنا صالحا يلتزم بمبدأ الحقوق والواجبات المشتركة من حماية البلاد وتحقيق أمن العباد،والانفاق في الصالح العام،كذلك التمتع بالخصوصية الملّية،والمطالبة بالحقوق القانونية.وأحسب أن تناول المفاهيم السياسية كمفهوم الذمة بقراءة سهمية قصدية تعتبر مراعاة ظرفي الزمان والمكان في الفهم والتنزيل تجعل مفهوم الذمة في ذمة التاريخ، وتمد الفكر السياسي بالحيوية والمرونة والقدرة على التكيف مع المستجدات.



#عبدالحكيم_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشورى بين الحقيقة والخيال
- مفهوم السلطة في تجربة النبي السياسية
- فكرة الدولة في تجربة النبي
- الدولة في الإسلام فكرة أرضية
- إشكالية القيمة والذات في الفكر الإسلامي
- الخلط بين الدين وأشكال التدين في الفكر الإسلامي
- مخاطر توظيف السياسي للخطاب الديني
- صور من القتل السياسي باسم الدين
- الوهابية وسبي نساء مخالفيهم !!
- الوهابية وقتل المخالف في الولاية السياسية والدينية
- اعتماد محمد ابن عبدالوهاب على فكر ابن تيمية في مسائل التكفير ...
- الوهابية .. وتأصيلها لمسائل التكفير والقتل
- الوهابية حركة سياسية وظفت الديني
- ابن عبدالوهاب ..ونشره للفكر التكفيري
- ابن تيمية ... والتنظير السياسي
- ابن تيمية .. وتشييده للعقل التكفيري
- العقل السلفي... من التفكير إلى التكفير
- ابن حنبل وتأسيسه للعقل التكفيري
- الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (4)
- إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا... وإشكالية الفهم


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالحكيم الفيتوري - مفهوم المواطنة في تجربة النبي