أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - فكرة الدولة في تجربة النبي















المزيد.....

فكرة الدولة في تجربة النبي


عبدالحكيم الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 2544 - 2009 / 2 / 1 - 10:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الناظر في ثنايا مصنفات السيرة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم- خاصة التجربة السياسية وفكرة الدولة الدستورية من خلال وثيقة المدينة، يصل إلى أن تجربة النبي في السياسة والدستور والقانون، تعد من أرقى ما توصل إليه الجهد البشري في إطار بعدي الزمان والمكان من خلال تطبيق قيم الرسالة العدلية والأخلاقية. كذلك تشير وقائع السيرة السياسية النبوية بأن هنالك حدود فاصلة بين الديني والمدني، وبين التشريعي والقيادي من فعل النبي، حيث اجتمع في شخص النبي البعدين معا( البعد الرسالي- والبعد البشري )=(الرسول،النبي،محمد)

ومن هنا اقتضت الضرورة المنهجية شرح البعد الرسالي والبشري، وذلك من خلال تمييز ما صدر عنه صلى الله عليه سلم إلى سنة وأحاديث، بمعنى أن السنة ( = التشريعية التي تفيد الوجوب)،والأحاديث(= أفعاله وأقواله القيادية والجبلية التي تفيد المباح).

فالسنة التشريعية؛ هي المبينة والمفصلة والشارحة للقرآن الكريم .أما الأحاديث القيادية: كتعيين القضاة، وتنظيم الجيوش، ووضع الخطط الحربية، وتوزيع الاقطاعات في القرى والمدن، وإبرام المعاهدات، وأحكام التعزير المنوطة بتوفير آمن النظام واستراتيجياته، وتحقيق سلامة وأمن المجتمع في عقائده ومعاشه وأهدافه وغير ذلك.والأحاديث الجبلية: ما كان سبيلها التجارب البشرية، والأعراف والعادات، مثل مجالات الطب، والفلك، والأكل، والشرب، والمشي، والنوم وهيئته وغير ذلك .

فلا شك أن الأحاديث القيادية والجبلية في هذه المجالات تتأثر بعاملي الزمان والمكان لصدورهما عنه صلى الله عليه وسلم بتصرفه البشري والتي هي في دائرة المباح(= قل إنما أنا بشر مثلكم) وليس بتصرفه التشريعي (=يوحى إلي).

ومن هنا فإن عملية فرز السنة من الأحاديث وإعادة تصنيفها على أساس (تشريعي)، (قيادي، جبلي) ثم وضع المحددات والضوابط اللازمة، وإعادة النظر فيما بني عليها عبر تاريخ المسلمين الفكري والفقهي والسياسي من أصول وقواعد واجماعات، ومن ثم تحديد الواجب والمباح منها وما بنى عليها، بحيث يتسنى للعقل المسلم المعاصر الإضافة الجديدة للإسلام التاريخي(=اجتهادات العلماء في فهم الإسلام عبر التاريخ)من اجتهادات وإبداعات حسب ضوابط إسلام النص(=الكتاب والسنة التشريعية) مع مراعاة اختلاف الزمان والمكان ليستعيد قدراته العقلية والذهنية التي تؤهله للولوج إلى ساحات النهوض والإقلاع الحضاري لإعادة أخراج الآمة الرائدة من جديدة( كنتم خير أمة أخرجت للناس).

ولا يخفى أن جملة سيرة النبي خاصة السياسية منها في الدولة والدستور والقانون تصنف ضمن الاحاديث القيادية التي في دائرة المباح، وهذه التجربة النبوية تشير وقائعها بأنها كانت بمثابة استجابة النبي لواقعه، ومستجدات زمانه، ومعضلاته السياسية والقانونية والاجتماعية، وفق قيم القرآن ومقاصده. وهذا هو مقتضى ومعنى التأسي بالتجربة النبوية، إن يتعاطى المسلم مع زمانه ومستجداته بعقل مقاصدي يتجادل مع واقعه بقيم القرآن وكلياته المقاصدية، وليست إعادة أشكال وإنماط التجربة النبوية كما يحاول العقل القياسي أن يفعل ذلك مع واقع متباين تماما لما كان عليه عهد النبوة أو عهد الخلفاء من بعده.

ويلاحظ المدقق بأن تجربة الرسول الكريم السياسية في المدينة، ووقائعها من كتابة الدستور،وترسيم الحدود، ونشر القانون، وبسط الحقوق، وبناء نواة مؤسسات المجتمع، بأنها لم تكن مجرد قيام بواجب قد أعد سلفا، وإنما المزاوجة بين قيم الوحي المطلقة والواقع المتجدد، وبين الخبرة الشخصية والخبرات الإنسانية السائدة. وبهذه المزاوجة والمفاعلة يكمن الفهم الصحيح للرسالة الخاتمة وقيمها العدلية الانسانية، حيث تمهد في الأصول بأن مناط تحمل الشريعة على مرتبتين لا تغني إحداهما عن الأخرى، وهما:مرتبة الفهم، ومرتبة التطبيق. ويراد بمرتبة الفهم؛ فهم دلالات خطاب الوحي من حيث مقاصده وأحكامه وكلياته. وأما مرتبة التطبيق أو بتعبير الشاطبي تحقيق المناط، فهي عملية إيقاع دلالات النصوص ومرامي القواعد على واقع الفعل البشري وضبط حراكه الاجتماعي والسياسي والديني، بحيث تتم عملية توصيف الواقع وتكييفه بدلالات مقاصد الوحي، فيصبح الواقع والحراك البشري جاريا وفق مراد الله، فتكون الهداية والأجر والتثبيت للذين جمعوا بين الفهم والتطبيق، ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، وإذا لأتيناهم من لدنا أجرا عظيما، ولهديناهم صراطا مستقيما).

وهكذا سارت التجربة النبوية تتجادل مع واقعها بقيم القرآن ومقاصده دون أن تفرض على الواقع شيئا جاهزا لا يقبل الأخذ والعطاء، فقد هادن رسول الله وحارب، ونازل وعاهد، وقرب وباعد، وعلم وربى، كل ذلك يشير إلى حالة نمو واضطراد وتكامل بين قيم القرآن ومقاصده والواقع وتغيراته.

ولا يخفى أن هذا يؤكد على أهمية وضرورة الاعتناء بأصلي تحمل الوحي؛ فهما وتنزيلا، بعقل مقاصدي سهمي لا قياسي إحالي من أجل رفع قيم القرآن إلى مكانتها الاستدلالية السامقة، وأغناء وأثراء تجربة الإسلام السياسية بالاستفادة من تجارب الإنسانية (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض، فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).

وهكذا كان فعل النبي السياسي بقيم الوحي حيث تفاعل في صياغة تلك الأمة الخيرية التي ارتفعت بقيم الوحي عن إكراهات العرف، وإيحاءات البيئة، وتداعيات العصبية، والنزعات العرقية، فكانت ( كنتم خير أمة أخرجت للناس).ولكن لما استجابت الأمة لتلك الإكراهات والإيحاءات العرفية والجاهلية بعد وفاة النبي كان الإرتداد بالمعني المعرفي والأخلاقي وليس بالمعني العقدي، وذلك في تجربة الملك العاض والجبري وولاية المتغلب. وهذا ما يمكن ملاحظته بوضوح من فوارق جوهرية بين تجربة النبي صلى الله عليه وسلم السياسية وتعاطيه مع قيم الوحي الكلية وتجادله مع واقعه من خلال وقائع وبنود(وثيقة المدينة)الدستورية والقانونية والحقوقية، وبين تجربة منظري الأحكام السلطانية في تعاطيهم مع واقعهم من خلال أسلمة الأحكام السلطانية الهرقلية والكسروية .لأجل هذا نجد أن تجربة النبي السياسية قد كرست ضرورة التجادل بين قيم الوحي والواقع بعقل مقاصدي سهمي، وذلك من خلال بنود الصحيفة التي أكدت على تقرير الأبعاد الدستورية والقانونية والأخلاقية لمن رغب في العيش تحت ظل هذا الدستور.

وهكذا تبدو التجربة النبوية الرائدة واضحة المعالم في المنهج والسلوك السياسي، من حيث بشرية المنزع وأرضية الأنماط والوسائل. ولا نتردد في وصفها أنها بمثابة القانون الأساسي للتربية المنهجية والسياسية، والتي ينبغي أن يمر بها المجتمع البدوي الأمي من حالة الانفراد والتقاتل إلى حالة الاجتماع والمدنية، ولعل ما يزكي هذه الصفة قيام النبي بتسمية عاصمته بالمدينة بدلا من يثرب الاسم البدوي الأمي حيث حكم القوة والسلاح والعصبية ( أبدعوة الجاهلية وأنا بين أظهركم ..).





#عبدالحكيم_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة في الإسلام فكرة أرضية
- إشكالية القيمة والذات في الفكر الإسلامي
- الخلط بين الدين وأشكال التدين في الفكر الإسلامي
- مخاطر توظيف السياسي للخطاب الديني
- صور من القتل السياسي باسم الدين
- الوهابية وسبي نساء مخالفيهم !!
- الوهابية وقتل المخالف في الولاية السياسية والدينية
- اعتماد محمد ابن عبدالوهاب على فكر ابن تيمية في مسائل التكفير ...
- الوهابية .. وتأصيلها لمسائل التكفير والقتل
- الوهابية حركة سياسية وظفت الديني
- ابن عبدالوهاب ..ونشره للفكر التكفيري
- ابن تيمية ... والتنظير السياسي
- ابن تيمية .. وتشييده للعقل التكفيري
- العقل السلفي... من التفكير إلى التكفير
- ابن حنبل وتأسيسه للعقل التكفيري
- الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (4)
- إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا... وإشكالية الفهم
- الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (3)
- الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (2)
- الأسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (1)


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - فكرة الدولة في تجربة النبي