أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - بي هابي.. بي هابي














المزيد.....

بي هابي.. بي هابي


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2545 - 2009 / 2 / 2 - 08:25
المحور: الادب والفن
    



أو .. استراحة العامل
عاد الى مقصورته، ارتفع الى الموقع رقم /2 المشرف على سكك استلام البضائع.. قلب الصندوق على جانبه.. وضعه في الجهة المقابلة ثم جلس مسنداً ظهره الى منضدة التجهيز. استغرب كيف لم تراوده هذه الفكرة من قبل.. قرّب قدح القهوة المرّة من شفتيه.. ارتشف.. تحسس مرور خيط المرارة عبر المرئ.. عندما استقرت القطرة هناك.. في نقطة تحت نقرة الصدر.. استشعر بسكينة دفينة..
رفع ساقيه على الصندوق المقابل.. أرسلهما حتى الآخر.. فوجد أن الأرض أصغر من أن تسعَ ساقيه.. أغمض عينيه وارتشف جرعة ثانية.. بينما كان المذياع يقدم إعلاناً لأحد البنوك عن السكن المريح على الحدود الغربية وبالتقسيط المريح.. إنتبه لحركة أحد العاملين على مؤخرة السكك لتحسين وضع بعض المواد.. بدأ المذياع يبث أغنية من أيام الثمانينات لبرونو برونو تقول: نحن جميعاً فوق الأربعين.. لدينا هموم وصحتنا جيدة.. نحن جميعاً فوق الأربعين.. وما نزال في الحياة....
من موقعه كان يطلّ على الرفوف العلوية للمخزن ومن فتحة مستطيلة يستطيع أن يرصد حركة العاملين في الباحة دون أن ينتبهوا له وهم يسرعون في عرباتهم الناقلة لتجهيز الطلبيات.. كان الخدر قد بدأ يسري في أطرافه.. وجفناه يبتلاّن شيئاً فشيئاً بسكرة النعاس..
- أنت سعيد دائماً..
- لماذا..
- دائم الابتسام.. وكلما سئلت عن حالك تقول : جيد..
- كذب.. كله كذب.. ألا يجوز أن نكذب..
- عادي جداً.. لم لا.. ها ها..
- للأسف.. بدون كذب لا تسير الأمور !..
- لا تأبه.. ألم تسمع أن الكذب ملح الحياة..
- هل رأيت.. ولكن لا تصدق.. في الداخل عكس الظاهر..
- هذا صحيح..
- أنت لا تحلِق يومياً.. ها.. مثلي!
- وقت الشباب ولى..
- أخذ الشيب يظهر هنا وهنا.. مثلي!..
- الشيب أفضل من الشعر الأسود هنا.. أليس كذلك!
- لديك مشاكل.. ها..
- طبعاً..
- في البيت.. ها..
- البيت.. الناس.. العمل.. الحكومة.. في كل مكان..
- كم عمر أكبر الأولاد..
- أربعة عشر..
- ابنتي سوف تبلغ الحادية والعشرين في الشهر المقبل.... لم يمضِ عليك وقت طويل هنا.. ها
- لا..
- لغرض التقاعد.. تعرف.. تحتاج خمسة وأربعين عاماً من العمل..
- لا تحمل همّ.. أنا أموت قبل ذلك..
- هاهاهاهاها.. هاهاهاهاهاه......
- وأنت.. كم يلزمك بعد..
- اثنا عشر عاماً..
- وتخرج على عكازة.. ها..
- ها هاهاها.. أرجو أن أبقى في صحة جيدة..
كان المذياع قد انتهى من تقديم موجز الأنباء وراح يقدم أغنية سريعة.. لم يلتقط منها غير كلمة واحدة يرددها كورس من الشباب والشابات نصف العاريات على ساحل البحر.. وهو يتقافزون من السكر والعربدة.. اميريكانا.. اميريكانا...
انتبه على صراخ المجموعة فاتحاً عينيه في نصف إغماضة.. انسابت من بين شفتيه كلمة (شايسه) اعتدل في جلسته وهو يقترب ليخفض صوت المذياع.. في الأيام الأخيرة زادت الأغاني عن أميركا.. الكبير والصغير يتحدث عن أميركا.. وأميركا دخلت في كل شيء..
- أنت لا تكف عن التفكير في أشياء لا معنى لها!.. انظر لحالك..
قالت زوجته مواسية ومشتكية..
- ليس بيدي.. ليس بيدي..
وأشار الى رأسه:- أتمنى لو أستطيع أن أفعل مثل الآخرين..
- وحدك تحمل كل هموم الدنيا يا رجل.. الناس لا يسمعون حتى نشرة الاخبار.. كل ما يهمهم التجارة والتسلية.. لقد دمّرتنا معك.. أنت لا تفكر في الأطفال..
تساقطت الكلمات عليه مثل الرماح بينما هو يغور في سابع أرض.. أغمض عينيه ثانية على بقعتين حارقتين من دم يابس..
قبل ثلاثين عاماً.. عندما كانت الشمس تحمي على باب الدكان.. كان والده يدندن وهو يرمق نقطة فارغة في المجهول..
ضاع العمر يا سعد.. ضاع الأمل للأبد
الحيـل خــلّى الجسد خــلّي الحــلم للولد
كانت الدقائق والثواني تجري مسرعة.. تشير الى انتهاء وقت الاستراحة.. بينما المذياع يصرخ فيه معنفاً قبل أن يعود للعمل..
دونت ووري.. بي هابي.. بي هابي دونت ووري!!..
الخميس 14/3/2002 / النمسا
إشارات:
* شايسه: كلمة ألمانية كثيرة التداول في الحديث اليومي بمناسبة وبغيرها.. معناه اللغوي (خراء).



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليزنغ مان
- فرحة غادرة
- عن التجديد والتجريب والحداثة - مدخل الى دراسة لطفية الدليمي)
- التجسس الإلكتروني على الأفراد ذرائع غير مقنعة وغايات غير مكش ...
- الأمركة والأسلمة.. وما بينهما (2)
- الاسلمة.. والأمركة (1)
- روبنسن كرويز في تل حرمز
- نظرة نحو الخلف...
- من داود بن يسي
- المريض العراقي
- أنا الخطاب.. أنا الآخر - في آلية الحوار-
- مات إله الشياطين
- رسالة لم تصل إلى جلجامش
- ابحث عن رصيف يحتمل موتي..
- أنسى..
- مدينة الحوار المتمدن
- الموت.. دورة المطلق الحميمة
- سيرة و مكان
- قراءة في مجموعة [إمرأة سيئة السمعة]
- الطائر الذي يغني من داخل القفص


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - بي هابي.. بي هابي