أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - حينما تبتسم الملائكة - 1














المزيد.....

حينما تبتسم الملائكة - 1


حنين عمر

الحوار المتمدن-العدد: 2518 - 2009 / 1 / 6 - 07:32
المحور: الادب والفن
    


رواية حينما تبتسم الملائكة
من مذكرات طبيبة عراقية
لـ: حنين عمر
عن دار الكتاب العربي 2003


الحلقة الأولى :

15/ 3/2003

حينما بدأت الحرب ذات خميس، كنت قد وصلت الى هناك دون أن أعي تماما معنى الوصول بوقت كاف قبل الحرب لتحضير الشاي والكعك لها وانتظار رنة جرس الباب منها بهدوء غير معهود.



كل ما اتذكره الآن هو أنني حزمت حقائبي مثل مجنونة تتعقبها اطياف هلوستها وامسكت بيد الحنين الذي جرني الى بغداد مثلما يجر الحبيب حبيبته الى مغامرة حميمة.



وحتى لا اكون كاذبة تماما وادعي انني لم اكن اعرف مسبقا انني اواجه مصيرا مجهولا بابتسامة عاشقة، فإنه لابد لي أن أعترف بأن وقت الرجوع العصيب الذي اخترته كان عن سابق معرفة بعواقب الذهاب الى مكتب حجز وطلب تذكرة جوية الى عراق يستعد لمواجهة العاصفة ، وعن علم كامل بأن ما أفعله هو نوع من ممارسة طقوس الشكر بتقديم رسالة حب مكتوبة بدمي على مذبح الوطن.



مع ذلك ايضا لابد ان اقدم اعترافا ثانيا قد يبدو غير عقلاني تماما وان اقول اني كنت سعيدة.



أجل هذه هي الجملة المناسبة كنت سعيدة جدا، سعيدة بالعودة الى بيتنا لاكتشاف حجم اغترابي الذي كان كبيرا بقدر كاف لتغطية سمائنا الحزينة، وعميقا بقدر كاف لجعلي لا التفت ورائي وانا اغادر شقتي اللندنية تاركة رسالة وداع صغيرة مع استقالني من عملي لصديقتي الايرانية التي اتقاسم السكن معها ومجموعة كتب طبية ثقيلة الوزن كحزني و قدرا من المال لتغطية نفقات الشهر.



لم اكن سعيدة يوما في لندن، ولم تكن لندن سعيدة بتواجدي ايضا، انا العراقية ذات الملامح الشرقية والشعر الأسود، كنت أسير في شوارعها ابحث عن ضالة ما طوال سنوات الدراسة الطويلة التي قضيتها فيها لأكتشف في كل كرة انني ضائعة مثل سنجاب صغير في الهايد بارك.

وحينما تخرجت وقررت العودة، هيء لي ان الوقت قد فات وانني اصبحت جزء من رماد السجائر الانجليزية فلا حاجة للبحث عن رائحة الهيل في ثيابي ولا حاجة للبحث عن عرائش الياسمين في اهدابي.



الغربة تجعلنا قطعة منها، دون ان تخفي اثار اللحام، تحولنا الى اعتياديين وتدخلنا في رتابة انظمتها لتجعل من وحدتنا اكثر وحدة ومن وحشتنا اكثر وحشة ومن موتنا اقل اثارة.



لا بأس هنا من اعتراف ثالث ايضا : لم املك الشجاعة الكافية لأعود من حيث اتيت، فبقيت ببساطة.

ولأكن اكثر صراحة في هذا ما دمت قد قررت ان اكتب في مذكراتي كل شيء بصراحة :

بقيت لانني لم اختر ان اجيء وجئت لانني ضيعت شيئا ما في بغداد ذات يوم...

شيء ذهب الى المانيا ولم يعد.

هل ما زلت اذكره ؟

لا، مؤكد لم اعد.



16/3/2003



لا اعرف من اين جاءت شجاعتي الهرقلية لأدق ثانية باب وطني واطلب من اللجوء الرومانسي في اسوء لحظة ممكنة.

قالت خالتي هدية وهي تستقبلني باكية انني مجنونة، ولم يكن هذا افتراءا عليا لانه كان فعلا كذلك، ولا غرابة ابدا لأن كل قصص الحب والجنون تبدأ في بغداد وأنا مصابة بالاثنين على ما يبدو.

ان لهذه الارض التي انتمي اليها قوة عجيبة في امتصاص الارواح وفي عزف موسيقى سحرية تتسلل في عروقنا وتجتث منها مصلا للحلم.

كان بيتنا ما يزال كما هو، بكل تفاصيله، كأنني تركته من بضعة ايام، وكان اخي ليث الوحيد الذي جعلني اشعر ان اشياء قد تغيرت وانا اشاهده يحمل طفلته الرضيعة شهد بينما تعلق ابنه ذو الاربعة اعوام بساقه في محاولة للتلصص على عمة جديدة لا يعرفها.

عمة انتحارية، دخلت عليهم فجأة من حيث لا يدرون ليمتليء البيت بالبكاء والاحضان والعتاب والفرح.

لم اخبر احدا انني سوف ادق باب بيتنا، شعرت انه لا حاجة لي بذلك لانه في النهاية بيتنا ومن الطبيعي ان ادق بابه بلا مواعيد.

كل ما كان يلزمني كان سيارة اجرة اقلني سائقها بلا ثرثرة واخذ مني ثلاثين دولارا مقابل الرحلة وصمته.

وكل ما كان يلزمني هوان يتكرم قليلا ويقوبم انزال الحقيبتين الضخمتين اللتين حوتا كل ممتلكاتي وانا ادق باب البيت مرتين.

ركضت اختي رنا لتفتح لي بينما كانت امي وخالتي قد جلستا في احدى الغرف لتبادل الثرثرة واحتساء القهوة التي انقلب احد فناجينها حينما صرخت رنا من فرط ابتهاجها وهي تعانقني بلهفة لتتناوب امي وخالتي على ذات الامر قبل ان نجلس واسمع منهما ما لا يرضيني.

وحين عاد ابي في المساء وجاء اخي ليث وزوجته وطفلاه و زوج اختي رنا وابنتاه وبعض من الجيران والاقارب، لم يخطر على بال اي احد منا ان الحرب وان تأخرت عن المجيء في تلك الليلة ، فإنها سوف تزورنا قريبا لتقدم هي ايضا تهانيها.

يتبع

حنين عمر



#حنين_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوابة المغادرة
- رسالة الى تورنتو
- تماثيل من الملح
- على خطى جرش//عمان كمحطة للنزيف المشتهى
- الياسمين الأحمر - إلى كل اللواتي أكل الظلم من اجسادهن وشرب ا ...
- وشوشة النرجس الأبيض
- ليلة في انتظار غودو
- رائحة الاغتراب
- لماذا تركت المطار وحيدا ؟
- رفقا بأعصابي
- في مديح رجل مجنون -1
- البيت
- مسمار لصورتي في جدار ذاكرتك
- راعية النجوم
- المفاتيح في جيب الحزن
- تنبؤات جنية
- المطرودون من الجحيم
- متى يستفيق العرب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- كل عام وأنتم خائبون يا عرب
- جرح في رحم السماء


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - حينما تبتسم الملائكة - 1