مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2474 - 2008 / 11 / 23 - 09:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة مجموعة من الأفكار الأساسية
القضية هنا أولا في تلخيص الاستنتاجات الضرورية من الواقع القائم , و من أهمها :
1 – النظام السوري هو المسؤول الأول , و الوحيد إذا ما استثنينا الجفاف الذي ضرب بلادنا في العام الماضي , عن الحالة التي وصلتها الجماهير السورية اليوم , لا مجال للنقاش في هذه الحقيقة التي تلخص واقع ملايين السوريين اليوم ,
2 – أن للديمقراطية مضمون أساسي بل و وحيد و هو حرية الناس جميعهم على قدم المساواة , و في نفس الوقت أشكال عديدة ( خلافا لما ورد في إعلان دمشق ) يحددها التطور الاجتماعي و السياسي و الثقافي و تطور البنى السياسية و القانونية القائمة , لأنها عملية بحث لا يتوقف , و ربما لا نهاية له , عن الحرية , عن المزيد من سيطرة الإنسان كفرد و كمجموع على ظروف حياته في سبيل أقصى ما يمكن من حرية لكل فرد و للجميع , هذا النقد للنسخة السائدة من الأنظمة الديمقراطية البرجوازية يمارس أيضا في بعض الأحيان من أزلام النظام أو المحسوبين عليه , لكنه في حالة اليسار التحرري يريد تجاوز , لا النظام الديكتاتوري فقط , بل و بديله النخبوي الفوقي ,
3 – أنه إذا كان الحديث يدور عن الحرية , فإن "إمبراطورية الشر" ستتألف حينها من كل الطغاة دون تمييز , هذه ليست بلاغة كلامية و لا رغبة ذاتية تفرض على الواقع بسبب كراهية إيديولوجية ما للرأسمالية بل في الحقيقة مسلمة واقعية تماما , و الصراع بين الطغاة لا يدور حول الحرية , حرية أي كان , إنه يدور حول استعباد جميع من لا يشارك في هذا الصراع , للأسف أن قضية كهذا لا تصبح قاطعة بالنسبة للنخبة المثقفة أو الناشطة سياسيا إلا بعد تجربة مرة مأساوية النتائج تدفع الجماهير ثمنها تماما مثل تبني النسخة الشمولية من الاشتراكية و القومية في الماضي ,
4 – وجود ما يقارب مليون سوري مهدد بالجوع اليوم , يكشف لا إنسانية و غباء فكرة الدولة سواء البيروقراطية المنشغلة برفاهية طبقتها العليا أو الليبرالية المنشغلة بإنقاذ الرأسمالية و سيطرتها , كلا النموذجين يقوم على ترك الناس "لمصيرهم بحرية" , للجوع في الحالة السورية و للشوارع بعد إجلاء منازلهم في الحالة الأمريكية , من يستحق الإنقاذ هو إما البيروقراطية المتربعة على رأس النظام الديكتاتوري أو النخبة التي تملك كل شيء و خاصة قوة عمل الناس العاديين , من المؤكد أنه هناك حاجة لإعادة تعريف الدولة الفاشلة , تلك التي يعرف بها منظرو العولمة الليبرالية الدول العاجزة عن تنفيذ أوامر المراكز الرأسمالية و خاصة ملاحقة كل ما تعتبره تلك المراكز "إرهابا" , لا مشكلة فيما إذا جاع مليون سوري إذن , أو طرد ملايين الأمريكيين أو على وشك من بيوتهم , إن القضية هي في رخاء الطبقة الحاكمة و المسيطرة , تارة باسم الوطن و تارة باسم الليبرالية , النظام السوري هنا ليس فقط دولة فاشلة بامتياز , إنه كارثي , فهو لا يكتفي بالامتناع عن التدخل بشكل جدي في مواجهة مصيبة كهذه تواجه الناس العاديين , بل إنه يخلق هذه المشاكل بنهبه المنفلت لكل شيء ,
تعليق على مقال الأستاذ بير روسته م "إعلان دمشق بين سندان الاستبداد السلطوي و مطرقة التغيير الوطني"
أولا لا بد من تسجيل موقف مبدئي لليسار التحرري من قضية الوطنية و القضية الكردية تحديدا , أننا نرفض فكرة الوطنية بحيث تكون مرجعية فوق بشرية , فوق الناس العاديين خاصة , الذين يشكلون "الوطن" في الحقيقة , لا نرفض الوطنية , و الحدود الوطنية القائمة معها , فقط كمرجعية شوفينية فوق إنسانية معادية للمجموعات الأثنية و القومية الأخرى , بل و نرفض دون هوادة أن تتمثل هذه المرجعية في سلطة قمعية قهرية تزعم أنها تختصر كل الوجود الإنساني في هذه البقعة الجغرافية , إنني هنا لا أدعي الحق في تصويب أو تخطئة ما ذهب إليه بير من أن التدخل الخارجي كان عموما إيجابيا بالنسبة للقضية الكردية و آخرها الغزو الأنغلو أمريكي للعراق , بل ما أريد هنا التأكيد عليه هو أن الضمانة الحقيقية لتمتع الأكراد السوريين و العراقيين و الإيرانيين ( و حتى العرب السوريين و العراقيين أنفسهم ) بحق تقرير مصيرهم هي أن ينال كل السوريين و العراقيين و غيرهم , و تحديدا الناس العاديين , حريتهم من خلال نضالهم المشترك كبشر يطمحون و يناضلون من أجل حريتهم , إنني أخشى أن هذا التدخل الخارجي سيكرر مأساة جمهورية المهاباد مرة ثانية و ثالثة و , من الجدير بالملاحظة اليوم السقوط الكارثي للأنظمة القومية العربية التي قمعت مجتمعها و همشت حرية الناس و نهبتهم باسم الاستقلال الوطني أو القومي , إن الدولة القومية العربية ما بعد الاستقلال هي اليوم في انهيار فعلي و قد أصبحت عبارة عن مزرعة خاصة برأس الديكتاتورية الحاكمة , هل يريد الأخوة الأكراد إنتاج أنظمة على هذا النمط و لو بدا هذا على أنه انتصار لحركة التحرر الكردية ؟ هذا ما يفرق بين مجرد تغيير النظام و بين تغييره لصالح الناس و هذا ما يفرض مركزية هذه القضية في مسألة التغيير أي أن القضية ليست تغيير النظام أولا بل تغييره الديمقراطي نحو حرية الناس الفعلية و ليس باتجاه أية سلطة بديلة كانت و لا بأية طريقة ممكنة , أو استبداله بسلطة أخرى تمارس نفيا مخففا أكثر للمجتمع و خاصة للناس العاديين عبر وصاية تختلف في إنتاج شكلها الخارجي دون جوهر علاقتها بالناس العاديين القائمة على التهميش و الوصاية و الإلغاء , أو بالمقابل استبداله بمؤسسات تقوم على حرية الناس , من الطبيعي أن يكون هذا الخلاف بل التناقض موجودا بين من يريد التغيير كيفما اتفق و من يبشر بتغيير ديمقراطي تكون فيه الجماهير أداته ( الثورية بالضرورة ) و غايته , لأن تلك النخب تعتقد اليوم أنها تملك أساس كاف من السيطرة و النفوذ الاجتماعي و الديني و المالي و ربما تفضيل أو دعم الخارج , قوة التغيير الأساسية المفترضة , مما يجعل منها البديل المنطقي للنظام في حال سقط بأية طريقة في الوقت التي وصل فيها قمع الجماهير من كل القوميات و الطوائف و الأثنيات من قبل النظام و تجريدها من أية قدرة حتى للدفاع الذاتي إلى مرحلة مغرية للنخب التي في الصف الثاني من الهيمنة الاجتماعية و التقليدية و المالية وراء النظام لتصبح هي مركز الفعل الوحيد المواجه للنظام و بالتالي أساس أي بديل قادم...إن دولة كردية تقوم على نخبة مهيمنة سياسيا و اجتماعيا عبر سيطرتها على بيروقراطية السلطة الجديدة أو متحالفة مع القوى المهيمنة اجتماعيا و دينيا ستعني فقط أن القضية الكردية , كما هي قضية جماهيرنا السورية اليوم , ستتحول مع الوقت إلى صراع حتمي مع هذه البيروقراطية داخليا مقابل اعتماد هذه البيروقراطية بالضرورة على قوى إقليمية أو كونية كمصدر لشرعية و قوة و بقاء هذه الدولة و استمرارها..الحل الذي نقترحه هنا لشكل قيام دولة كردية في غرب كردستان أو في شمال شرق سوريا تقوم على ممارسة الأكراد لحقهم في تقرير المصير هي أن يحكم الأكراد الفقراء , العاديون , أنفسهم بأنفسهم , كما نصر على أن يكون هذا هو أيضا الشكل الوحيد الذي يجب استبدال الديكتاتورية به في المناطق العربية و الآشورية و غيرها , لا أن تتولى أية نخبة السيطرة عليهم باسم القومية مثلا أو الدين أو حتى التغيير الديمقراطي , لتنتهي إلى حالة مماثلة و حتى مطابقة أو ربما أسوأ لما انتهت إليه الديكتاتورية اليوم , هذه ليست قضية للنقاش مع النخب المسيطرة و لا الخارج , إنها يجب أن تكون القضية المركزية في نضال الجماهير نفسها فقط لا غير ,
تعليق على مقال الأستاذ طلال سلمان "بشار الأسد يخاطب باراك أوباما : استعادة لخطاب العروبة .. و مطامحها" السفير العدد 11146 بتاريخ 10 – 11 – 2008
لا شك أن أكبر مصيبة لحقت بقضية الحرية في مجتمعاتنا هي استخدامها من قبل إدارة بوش كواجهة للسيطرة على المنطقة , و المصيبة اليوم أكبر بكثير و بوش و ما تبقى من فريقه المحافظ يغادر البيت الأبيض , ها هو سيف الإسلام القذافي يستقبل في واشنطن استقبال الأصدقاء , و الصراع على السيطرة على المنطقة يتخذ شكل صراع طائفي تفوح منه روائح الدم المراق في مجازر غيتوهات القرون الوسطى , و وفقا لهذا الاصطفاف أمكن لأنظمة الاعتدال أن تستأثر بعطف الليبراليين الجدد و أنظمة الممانعة بعطف القوميين مثلا , لم يتحدث بشار الأسد بلسان المواطن العربي , و السوري تحديدا , كما قال الأستاذ طلال..من المؤكد أن أي غزو أجنبي , مهما عمده رجال الدين بزيتهم المقدس و مهما تغزلت به النخبة و تفننت في مديحه , سيبقى مرفوضا من الجماهير أو ما سماه الأستاذ طلال بالمواطن العربي , و لهذا بالذات تستمر القوى الأصولية التي تسمى نفسها بالجهادية بممارسة نفوذ هام على الجماهير , لأن اليسار , البديل المفترض , محشور بغالبيته في الحرب الأمريكية على الأصولية الإسلامية باسم سيطرتها على المنطقة , يجب هنا التأكيد أنه أمكن للجيش الأمريكي الناشئ ذات يوم مدعوما بقطاع الطرق و المغامرين الباحثين عن الذهب في الغرب الأمريكي أن يستأصل الهنود الحمر , لكن هؤلاء حتى لحظة اختفائهم بقوا يتحينون الفرص لرد الصاع صاعين للقتلة و بقوا يكرهون بل و يلعنون , وفق طقوسهم و معتقداتهم و أسلحتهم البدائية الخاصة , هؤلاء القتلة رغم أن آلهتهم التقليدية قد خانتهم أمام السلاح المتفوق للرجل الأبيض , لا يمكنك أن تقنع الضحايا فعليا بأن يستسلموا للموت و للقهر و للعبودية و للاضطهاد و التبعية و الدوس على كرامتهم من قبل سادتهم و مضطهديهم مهما بلغ هؤلاء من قوة حتى لو كان هذا هو خيارهم "الواقعي" الوحيد , و إذا حدث هذا بالفعل فعليك أن تتأكد من أن هؤلاء العبيد هم من البشر أم جنس جديد لا يعرف إلا السمع و الطاعة جنس طالما حلم به السادة و السلاطين منذ فجر التاريخ , أن تقسم السادة إلى سيئين و أقل سوءا أو ربما حتى جيدين "نسبيا" هذا حقك و قد يبدو حتى تحليلا موضوعيا للواقع لكن أن تريد التذاكي بمحاولة إقناع العبيد بفضائل العبودية فهذه قضية أخرى , من المؤسف و المشين أن قضية الدفاع عن عالم الناس حكر حتى اليوم على الأصوليين عمليا بطرقهم الهمجية و إعلاميا على أمثال بشار الأسد , نعم إن اليسار في تناقض جذري مع الأصولية لكنه ليس جزءا من الحرب الأمريكية على الأصولية أو من الحرب الأمريكية للسيطرة على المنطقة , بل يفترض أن يكون جزءا من نضال شعوبنا في سبيل حريتها ضد كل من يستبيح هذه الحرية , حرية الناس العاديين ليس فقط في التفكير و العقيدة و التعبير و العبادة , بل في تصرفهم المطلق منفردين دون غيرهم بمصائرهم , لكن من جهة أخرى لا عذر لا للأستاذ طلال و لا لغيره , ممن يعرف حق المعرفة أن بشار الأسد يختلف تماما عن أي مواطن عربي عادي , ليس فقط أنه من طينة "السادة" و الشبعانين الممتلئين , بل إنه كذلك لسبب بسيط هو تهميش و عبودية و جوع الملايين من السوريين تحديدا , قد يتحدث بشار الأسد عن "العروبة" عندما لا يكلفه ذلك أي شيء بل أكثر من ذلك عندما يستخدم هذه "العروبة" لتصبح مبررا و مصدر شرعية كل هذا النهب و كل هذا القمع الأسود الواقع على ملايين السوريين , يريد بشار أن يبقى هو السيد في هذا "الوطن" الذي يسمى سوريا على حساب الملايين من "السوريين" الأقل سورية و وطنية و "عروبة" بالتأكيد لكي يحظوا بهذا القدر الضئيل جدا مقارنة به و بحاشيته من خيرات هذا الوطن , لا أن يكون السيد هو جورج بوش أو أية نسخة خاصة بسوريا من بريمر أو الجنرال زيني , لا يدور الحديث في عروبته هذه عن ملايين السوريين كسادة لمصيرهم , هذا هو الفرق الأساسي بين العروبة التي يتحدث عنها الأسد و الحرية , حرية كل سوري عربي أو كردي أو آشوري أو أرمني أو شركسي...............
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟