أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الفنـّان والسـفـود














المزيد.....

الفنـّان والسـفـود


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 761 - 2004 / 3 / 2 - 09:43
المحور: الادب والفن
    


تنطلق منذ أيام عروض "آلام المسيح"، شريط النجم الأسترالي ـ الأمريكي ميل غيبسون الذي يتناول آخر 12 ساعة في حياة السيد المسيح، وكبرى التفاصيل التي قادته إلى الصليب (خيانة يهوذا الإسخريوطي، العشاء الأخير، حكم الموت الذي أصدره بيلاطوس البنطي، مسيرة الجلجلة في شوارع القدس، وصولاً إلى الصليب)...
ومن حيث المبدأ، وحتى قبل مشاهدة الفيلم، يمكن للمرء أن يرصد عدداً من الاعتبارات غير الفنّية التي أحاطت بالمشروع منذ البدء.
مدهش، باديء ذي بدء، هذا الحماس الفائق الذي قاد غيبسون إلى تمويل الفيلم من جيبه (قرابة 25 مليون دولار!)، بصرف النظر عن احتمالات أن ينضمّ الفيلم إلى قائمة الأعمال التقليدية التي تتناول حياة وآلام السيد المسيح، فتلمع مرّة واحدة، ثم تختفي في العُلب لكي تظهر في أمسيات عيد الميلاد فقط. هذه مجازفة أولى، وأساسية لا ريب.
مجازفة أخرى هي قرار غيبسون إخراج الفيلم بنفسه، ثمّ استقراره تالياً على استبعاد النجوم من أداء الأدوار الرئيسية. وفي شريط مشحون بالتاريخ، حول شخصية كونية كبرى مثقلة بالمعنى والرمز والدلالة والسجال والإشكال، هذا أمر غير مأمون العواقب قطعاً. فإذا تابعنا التفصيل ذاته، وتذكّرنا أنّ الفيلم يستخدم اللغات الآرامية والعبرية واللاتينية، التي كانت سائدة في فلسطين تلك الأيّام، فإنّ ظهور شريط الترجمة إلى الإنكليزية في فيلم أمريكي لا يخلو من مجازفة هنا أيضاً.
ويبقى، بالطبع، الاعتبار الثالث والأخطر: تهمة العداء للسامية، التي رُفعت في وجه ميل غيبسون منذ أن اتخذ الخطوة الأولى على درب إنتاج الشريط. وهذه ليست لعبة عابرة، أو هي على وجه الدقّة لعب فعلي بالنار، خصوصاً حين يكون المرء في الولايات المتحدة، وفي قلب هوليوود... دون سواها! خذوا هذه الفقرات من حوار أجراه موقع insideedition.com مع غيبسون حول هذا التفصيل:
ـ أنت متّهم بمعاداة السامية!
ـ لقد أصبح تكرار هذه الجملة مملاً حقاً! فما أن يقول المرء شيئاً، أي شيء، لا يعجب اليهود حتى يسارعوا إلى إلصاق التهمة به. أمر مثير للاشمئزاز حقاً.
ـ ألا تخشى أن يقضي هذا المشروع على مستقبلك في هوليوود، وربما كلّ سينما؟ أنت تعرف مَن يسيطر على هوليوود!
ـ لا يهمني ذلك، وليفعلوا إنْ استطاعوا!
ـ ولكن، هل أنت حقاً معاد للسامية؟
ـ كلا، بالتأكيد، وإلا فكيف تمكنت من التمثيل في هوليوود!
واضحة نبرة التحدّي في كلام غيبسون، وليس خافياً أبداً حسّ الإحتجاج من جانب آخر.
ولسوف ننتظر، دون أن نتوقع الكثير من المفاجآت في الواقع، المزيد من جلسات محاكم التفتيش ضدّ الشريط وصاحبه، ثمّ ضدّ التاريخ بما هو عليه وبأسره إيضاً إن اقتضي الأمر. هذا ليس سوى فصل جديد في حكاية العداء للسامية، العتيقة المتجددة، إبنة التراث الأوروبي، التي لم تبدأ من العدم والفراغ ولهذا فإنها لن تنتهي بفعل التحريم والفزاعات الفكرية والقوانين التي تقود إلى السجون. وليس لهذا التراث العريق أن ينتهي في أي وقت قريب ما دام الذين يحاربون لاستئصاله من العقول والضمائر والسجلات لا يقومون بشيء آخر سوى مصادرة العقول والضمائر والسجلات. إنهم يخشون فيه روح الكابوس، ولكنهم يحّولونه إلى كابوس من نوع جديد ومتجدد، ويهيئون له تربة صالحة تجعله يتطامن مثل نبات سرّي سريع النموّ!
وإذ ننتظر فصول وضع ميل غيبسون علي سفود العداء للسامية، فإننا نتذكّر جراح "الأب بيير"، الإنسيّ الفرنسي الكبير الذي وُضع بدوره على سفود مشابهة ذات يوم غير بعيد. وهذا الرجل نصف قدّيس، وأكثر من كائن بشري عادي، عند الغالبية الساحقة من الفرنسيين. إنه بطل الفقراء والمعوزين والجائعين، ولسان حال الصامتين، وبيت المشرّدين حيثما عزّ الملاذ والسقف في بلد متقدّم هو الرابع في الصناعة والتجارة والحضارة والبأس. هذا الرجل، الأكثر شعبية من كل رجالات الأدب والفكر والسياسة والفنون، تحوّل بين ليلة وضحاها إلى مادة وحيدة في حملة بشعة شعواء أدارتها كبريات الصحف اليومية الفرنسية، يمينية ويسارية، دينية وعلمانية، محافظة وليبرالية. ولقد تبارى فرسان الكلام في توبيخه وتعنيفه والتعريض بمَلَكاته العقلية لأنه أعرب ــ دونما تأتأة وكما يليق برجل استثنائي مثله ــ عن مساندته حقّ روجيه غارودي في التعبير عن رأيه. ولقد طوى الشيخ جراحه وغادر فرنسا إلي أحد أديرة إيطاليا، مهاجراً من البلد الذي شبّ وشاب في علاج جراحه والتخفيف من عذابات أبنائه، ومديراً ظهره وقلبه وعقله لعاصمة النور السابحة في ظلمات حملات التفتيش المعاصرة.
هوليوود أقسى من باريس بالطبع، أكثر ضراوة وشراسة وعصبوية. تحية، إذاً، للفنّان الشجاع ميل غيبسون... الذي، مع ذلك، لا يُحسد على ما واجه وسوف يواجه من سفود!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دانييل بايبس الأحدث: يوم فالنتاين معركة حول -روح الإسلام-!
- اتفاقية سلام سورية – إسرائيلية: ما أبعد البارحة عن اليوم!
- معيار الفسيفساء
- تركيا: حوّلت الجار السوري إلى شرطي حراسة ساكت عن الحقّ
- قصور كرتون العولمة: حين ينقلب البشر إلى كلاب من قشّ
- بوش في -حال الإتحاد-: تلويحة القيصر.. ابتسامة الإمبراطورية
- راباسّا: أعظم الخونة!
- معارك إيران السياسية: لا مناص من انتصار الإصلاحيين
- حكاية مكتبة
- جمهورية ثانية- في جورجيا: ذهب المافيوزو وجاء البيدق!
- صانع الشرائع
- سورية في العام الجديد: لا بشائر خير والقادم أدهى
- مديح الجندي رايان!
- الفيلسوف والحرب
- يا طيرة طيري...
- صدّام حسين سجيناً: الثوابت التي لن تتغيّر
- حداثة فدوى طوقان
- حقوق الإنسان في يوم الإعلان العالمي : مَن كان منهم بلا خطيئة ...
- فلسطين سويسرية!
- الإعلام الرسمي حذف 2000 كلمة من حديثه إلى «نيويورك تايمز» من ...


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - الفنـّان والسـفـود