أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - معيار الفسيفساء














المزيد.....

معيار الفسيفساء


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 741 - 2004 / 2 / 11 - 04:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فرانسيس إدوارد بيترز يدرّس لغات وآداب وتاريخ الشرق الأدنى في جامعة نيويورك، وقد قدّم في هذا السبيل عدداً من الأعمال الهامّة التي تمزج المسح الموسوعي بالتدقيق التفصيلي لهذه أو تلك من القضايا الحساسة المتعلقة بالشرق إجمالاً، وبالإسلام بصفة خاصة.
في عام 1977 غاص عميقاً في علاقات بيزنطة بالعرب في سورية، وبعد نحو عقد قدّم دراسته المطوّلة حول تيبولوجية المدينة المقدّسة في الشرق الأوسط، وكانت القدس ومكّة المكرمة في طليعة أمثلته. بعد ذلك أصدر كتابه المدهش "الحجّ"، حول جانب خفيّ من تجربة الحجّ إلى مكة، أي تلك الرحلات التي قام بها حجّاج أوروبيون دخلوا خفية إلى الحرم الشريف، بدافع العلم أو بدافع الفضول أو "التجسس الأكاديمي". وأحدث أعماله مجلد ضخم: "التوحيديون: الصراع بين اليهود والمسيحيين والمسلمين"، الأقرب إلى سردية تروي تكامل وتصارع الأديان التوحيدية الثلاثة، عىي نحو جدلي معمّق ورصين وغير تنميطي.
من جانبي أفضّل عمله الكلاسيكي الفريد "مكّة: تاريخ أدبي للأراضي المقدّسة المسلمة"، والذي يتابع خطّ كتاب "الحجّ"، ولكن من زاوية التاريخ الأدبي لمكّة والمدينة وتوابعهما، والذي يكتسب أهمية خاصة هذه الأيام مع صعود ما بات يُعرف باسم "الدراسات السعودية". وأعترف أنّ بعض الأسباب في تفضيلي هذا الكتاب بالذات تعود إلى أنه ـ هنا تحديداً، وأكثر من أيّ عمل آخر ـ يفضح عجز المؤسسة الإستشراقية عن تجاوز ثوابت كبرى حول الإسلام والمسلمين، كانت وتظلّ راسخة رسوخ الجبال عند كبار المستشرقين مثل صغارهم. في عبارة أخرى، يقدّم هذا الكتاب أدلة ساطعة على أن بيترز، وإنْ علا كعبه، يظلّ ملتزماً بقواعد العمل التي استنّها ثقاة النادي الإستشراقي، منذ الأنشطة الأولى في القرون الوسطى وصولاً إلى أخلاقيات 11/9 دون سواها!
على سبيل المثال، حين يناقش بيترز فكرة "الحدود"، التي في قناعته كانت وراء تحريم الأماكن المقدسة على غير المسلم، فإنه يبدو كمَن يتحدّث عن ثقافة الـ Frontiers كما صنعتها الحرب الأهلية الأمريكية. أو نراه، في مثال ثانٍ، أكثر ارتياحاً إلى اقتباس المصادر الغربية الإستشراقية حين يروي تجارب الحجّ السرّي التي قام بها رحالة غربيون (أوّلهم كان الإيطالي لودوفيكو دي فارتيما، والذي تنكّر في زيّ مملوك والتحق بقافلة خرجت من دمشق للحج، في عام 1503). وفي مثال ثالث يكرّس بيترز الفصلين الخامس والسادس لحركة الشريف حسين، وللإستراتيجيات الإستعمارية الأساسية، وتحالف آل سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولكنه في هذه كلها لا يختلف كثيراً عن المقاربة الإستشراقية التقليدية.
ما يميّز عمل بيترز، مع ذلك، هو المعايير التي يعتمدها، ويناقشها جيداً، في تحديد أسباب القول بوجود أراض مقدّسة في ديار الإسلام، الأمر الذي يجنّبه مشاقّ ومزالق تحديد الأراضي ذاتها، بالمعنى الجغرافي المحض. وهو في الواقع يبدأ من استبعاد المعيار الأبرز الذي يقول إن الحرم الشريف هو ذاك المحظور على غير المسلم، رغم ما ينطوي عليه هذا المعيار من إغراء التبسيط. ولكن ألم يمرّ وقت طويل سالف كان فيه الكثير من غير المسلمين ممنوعين من تجاوز حدود مدائن صالح أو تبوك، بحيث انقلب غرب جزيرة العرب بأسره إلى "حرم شريف"؟ ثم ألم تحتلّ القوّات البريطانية عدن في القرن التاسع عشر، وتولّى الضباط البريطانيون والألمان قيادة القوّات العربية في العقد الثاني من القرن العشرين، وتجوّلوا في كامل بقاع الجزيرة (باستثناء مكة والمدينة) دون أن يثيروا حرباً جهادية؟
معياره الهامّ الثاني هو إطلاق صفة "الأدبي" علي تاريخ مكة والمدينة، وتاريخ الحجاز إجمالاً. ذلك لأن غياب الأدلة الأركيولوجية والمادية والعلمية الكافية يجعل النصّ الأدبي هو المرجع الأبرز والأوثق والأشمل في رصد التاريخ، دون أن ينطوي ذلك على إهمال الإسهامات (المتأخرة) لمؤرّخين من أمثال الطبري وابن خلدون، أو رحّالة من أمثال ابن جبير، أو جغرافيين من أمثال المقدسي. يضاف إلى ذلك أن بيترز لا يستبعد، مسبقاً، أيّ صنف من الرواة أو الأدلاء إلى مكة والمدينة: الشعراء والخطباء، الصحابة والزنادقة، الخلفاء والعصاة، الأولياء الصالحون والكفرة المارقون، الرحّالة الأوروبيون العلماء أو الرحّالة الأوروبيون الجواسيس. يقول بيترز: "لقد جمعت ما خلّفوه من مادّة وفق ترتيب منهجي صارم، وحاولت اللجوء إلى مقاربة نقدية في تحليل البواعث وراء ما رووه أو كتبوه، ثم وضعت ذلك كله في سياق تاريخي محلي"، يثبت أو يدحض ما ذهبوا إليه في نهاية الأمر.
ونحن اليوم، في أزمنة الشدّ والجذب العنيفين بين الغرب و الشرق ، أحوج ما نكون إلى أمثال ف. إ. بيترز في معاهد وجامعات الولايات المتحدة بصفة خاصة وأوروبا بأسرها عموماً، لأنه في عداد قلّة قليلة تقرأ التاريخ بعيداً عن انحيازات الحاضر الغائمة المشوَّشة والمشوِّشة، ولأنه ينبش الكثير من الحقائق الدفينة ويعيد تركيبها علي طريقة قطع الفسيفساء، لكي تدلّ وتبلغ وتبدّل وتشهد. المؤسف أنّ الرجل حاضر تماماً حين يتّصل الأمر بتبسيط تاريخ الشرق أو تفسير هذه أو تلك من عقائد الدين الإسلامي، كما حين تحثّ القناة الرابعة البريطانية على قراءته... بغية شرح شعائر الحجّ لغير المسلمين!
 

 



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركيا: حوّلت الجار السوري إلى شرطي حراسة ساكت عن الحقّ
- قصور كرتون العولمة: حين ينقلب البشر إلى كلاب من قشّ
- بوش في -حال الإتحاد-: تلويحة القيصر.. ابتسامة الإمبراطورية
- راباسّا: أعظم الخونة!
- معارك إيران السياسية: لا مناص من انتصار الإصلاحيين
- حكاية مكتبة
- جمهورية ثانية- في جورجيا: ذهب المافيوزو وجاء البيدق!
- صانع الشرائع
- سورية في العام الجديد: لا بشائر خير والقادم أدهى
- مديح الجندي رايان!
- الفيلسوف والحرب
- يا طيرة طيري...
- صدّام حسين سجيناً: الثوابت التي لن تتغيّر
- حداثة فدوى طوقان
- حقوق الإنسان في يوم الإعلان العالمي : مَن كان منهم بلا خطيئة ...
- فلسطين سويسرية!
- الإعلام الرسمي حذف 2000 كلمة من حديثه إلى «نيويورك تايمز» من ...
- الحجاب والمحجوب
- هل بات انهيار بيت سعود هو السيناريو الأكثر مصداقية؟
- في بيت ثيودوراكيس


المزيد.....




- ترامب يكشف سبب -صعوبة- مطالبة إسرائيل بوقف ضرباتها على إيران ...
- تظاهرة في ماليزيا دعماً لإيران وفلسطين ورفضاً للدعم الأميركي ...
- مظاهرات حاشدة في بغداد دعمًا لإيران ورفضًا للحرب
- ليفربول يضم الألماني فيرتس في أغلى صفقة في تاريخه
- المحكمة العليا الأمريكية تجيز قانونا يسمح بمقاضاة السلطات ال ...
- هل تحمل رؤية -صمود- لسلام السودان تحولا في موقف التحالف؟
- انتهاء محادثات جنيف بلا اختراق وإيران تتمسك بشروطها
- عقوبات أميركية جديدة تستهدف مزودي إيران بمعدات -حساسة-
- إسرائيل تتوعد إيران بمعركة طويلة وتتحدث عن أيام صعبة
- بوتين قلق من اتجاه العالم نحو حرب عالمية ثالثة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - معيار الفسيفساء