نهاية فصل شرق أوسطي عاصف

محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 2462 - 2008 / 11 / 11 - 09:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في يوم25تموز2000مع فشل مؤتمر كامب دافيد بين كلينتون وباراك وعرفات انتهت مرحلة(عملية التسوية)التي كانت قد بدأت يوم30 تشرين أول1991مع مؤتمر مدريد،ماأشَر إلى اسدال الستار على فصل شرق أوسطي وبداية آخر جديد،كانت أول ارهاصاته(انتفاضة الأقصى)28أيلول2000ثم انتخاب شارون6شباط2001بعد أسبوعين من دخول بوش الإبن للبيت الأبيض.
كانت أول خصائص ذلك الفصل الشرق أوسطي الجديد هو إدارة ظهر الأطراف الثلاثة=الأميركي،والإسرائيلي،والفلسطينيلعملية التسوية،وبحثها عن خلق حقائق جديدة على الأرض عبر الوسائل الخاصة بكل طرفالفلسطيني=الإنتفاضة،الإسرائيلي=تغيير الوقائع الجغرافية بالضفة من خلال الإستيطان وتلك الجغرافية والديموغرافية بالقدس،وتدمير بنية السلطة الفلسطينية ومؤسساتها،الأميركي="إعادة صياغة الشرق الأوسط"،وقد جاء(11أيلول)لكي يعطي دفعاً جذرياً باتجاه سمح للأميركي يأن يأخذ الأمور نحو مجرياتها القصوى،من خلال اتيانه العسكري المباشر لقلب المنطقة في بغداد،بعد فاصل أفغاني قصير،لإعادة صياغة مجمل أوضاع المنطقة ،الأمنية والإقتصادية والثقافية والسياسية عبر تلك"البوابة العراقية"،بخلاف ماكانت تراه إدارتا بوش الأب وكلينتون من أن(التسوية)هي المدخل لترتيب نفوذ الولايات المتحدة وتفردها بالمنطقة في المجالات المذكورة(دون الثقافية)ومع الحفاظ على الأنظمة والبنى القائمة التي تقبل وتدخل في (التسوية).
عبر هذا المشهد الشرق أوسطي الجديد،الذي جعل بلاد الرافدين هي مفتاح تطورات المنطقة،أخذ شارون حريته في التعامل مع الفلسطينيين حتى الوصول إلى حدود قلب وتدمير كل ماأنتجته(أوسلو)،واشتعلت بلاد الأرزمنذ القرار15592أيلول2004نتيجة للتصادم الأميركي - السوري بشأن العراق المغزو والمحتل ماأشرَ إلى نهاية التوافق السوري- الأميركي حول لبنان،الذي بدأ فصله يوم(13تشرين أول1990)كنتيجة للتفاهمات بين دمشق وواشنطن حيال الغزو العراقي للكويت قبل شهرين من ذلك،وماقاد إليه ذلك من اشتعال داخلي لبناني استمر حتى الإتجاه(الآتي كحصيلة لتوافقات دولية - اقليمية) لتبريد لبنان منذ (اتفاق الدوحة)21أيار2008،الذي أُعلن بعد ساعات من توقيعه عن بدء مفاوضات غير مباشرة اسرائيلية- سورية بشأن الجولان في استانبول بموافقة أميركية ضمنية بعد أن كانت إدارة بوش الإبن معرقلة لسنوات عدة لعملية بدء واستئناف تلك المفاوضات إثر فشل قمة جنيف بين الرئيسين السوري والأميركي في 25آذار2000.أيضاً،لايمكن عزل الصراع الإيراني- الأميركي،الذي بدأ منذ6آب2005،عن تطورات أرض الرافدين،التي ماكان يمكن لإيران أن تعلن من طرف واحد استئناف برنامج التخصيب النووي لولا وقائع تزلزل الأرض العراقية تحت أقدام الأميركي،وماأتاح هذا من مجال لطهران،التي نمت قوتها الإقليمية كثيراً من خلال اكتسابها لنفوذ محلي ضخم في"العراق الجديد"، لكي تفرض حقائق على الأرض ربما تجبر الأميركي على الإعتراف بها ك"القوة الإقليمية الكبرى"،وخاصة مع عوامل التأثير والقوة التي لديها الممتدة بين بلاد الأفغان والشاطىء الشرقي للبحر المتوسط.
هنا،قاد الصراع بين واشنطن وطهران- دمشق إلى اشتعال الشرق الأوسط بأكمله،وإلى انقسام داخل البؤرتين المشتعلتين في لبنان وفلسطين على ضوء صراع هذين المحورين،فيمالم تشهد بؤرتا العراق وأفغانستان انقسامات مماثلة ليكون الوضع فيهما أكثر تشابكاً وتعقيداً من خلال كون أطراف رئيسية فيهما موزعة الولاء بين واشنطن وطهران=حزب الدعوة وآل الحكيم بالعراق،وحزب الوحدة الإسلامية الأفغانيأولوجود أطراف فاعلة تعادي الطرفين=غالبية قوى المقاومة العراقية،وحركة طالبان،كماأن دول رئيسية بالمنطقة مثل السعودية ومصر لم تكن بمنأى عن اصطفافات تحددت على وقع صراع هذين المحورين.
في صيف 2008وضح مأزق السياسة الأميركية بالشرق الأوسط،وأنها قد فقدت قوة اندفاعها البادئة مع سقوط بغداد عام2003،ولم تعد قادرة على احراز مكاسب كماجرى في لبنان بربيع 2005لما تلاقت الريح الدولية مع قوى داخلية لبنانية معادية للوجود السوري، حيث كان تغير توازنات الوضع اللبناني عبر(اتفاق الدوحة)،وقبله الفلسطيني مع انقلاب"حماس"في غزة يوم14حزيران2007،مؤشراً على انقلاب اللوحة الإقليمية التي كانت توازناتها تميل لصالح واشنطن في فترة2003-2006حتى بداية حرب12تموز2006التي كانت نتائجها غير المؤاتية للأميركان بداية لذلك الإنقلاب.
هذا المأزق يؤشر إلى فشل الإستراتيجية التي وضعها بوش الإبن ،مع غزو العراق،ل"إعادة صياغة الشرق الأوسط"،وإلى عدم الإمكانية لإعطائها دفعاً جديداً أوقوة للإستمررية من قبله أوممن سيخلفه،بعكس ماكانت عليه الأمور في الشهر الأخير من عام2006لمااقترح(تقرير بيكر-هاميلتون)استراتيجية أميركية جديدة تعتمد على الإعتراف والتعاون مع القوى الإقليمية القائمة،في طهران ودمشق،من أجل تمرير السياسة الأميركية،حيث كان اصرار بوش الإبن على تجاهل توصيات ذلك التقرير مؤشراً إلى محاولته اعطاء استراتيجته القديمة قوة دفع واستمرارية،ولوعبر تعديلات عليها من خلال سياسة"معتدلين ضد متطرفين"،ليتضح من خلال عامي2007و2008 ارتطام سياسة البيت الأبيض بالحائط في منطقة الشرق الأوسط وعدم القدرة على تمرير سياساته.
الآن،بعد صيف 2008،بكل ماشهده من تزحزح"ما" عن توازنات مابعد 1989العالمية من خلال محطتي(جورجيا)و(الأزمة المالية-الإقتصادية الأميركية)،لم تعد واشنطن قادرة على الإستمرار في محاولة دفع استراتيجيتها الشرق أوسطية،ولوعبر تعديلات،كماجرى لما تجاهل الرئيس الأميركي تقرير بيكر- هاميلتون،حيث أتت تلك التطورات لتزيد من الكوابح أمام صانع القرار في واشنطن فيمايخص المنطقة مضافاً لها كل نتائج تطورات المنطقة بالسنتين الماضيتين التي قلبت التوازنات الإقليمية لغير صالح الأميركي.
هذا،سيفرض على الرئيس الأميركي الجديد- كائناً من كان- سياسة جديدة بالمنطقة ،على الأرجح سيكون فيها الكثير من محتويات تقرير بيكر-هاميلتون،ماسيؤشر إلى انتهاء فصل شرق أوسطي عاصف استغرق ثمانية أعوام،وإلى بداية آخر من المرجح أن يكون فيه،إضافة لإعادة اعتراف واشنطن بقوى اقليمية محددة- أوبإحداها- صادمتها بالسنوات القليلة الماضية،إعادة تعويم أميركية للدور الإسرائيلي،بعد سياسة مغايرة من واشنطن بدأت مع مجيئها العسكري المباشر للمنطقة مع حرب1991،ربما أحد مؤشراته الراهنة هو الإتجاه(عند دوائر رسم السياسات الإستراتيجية الإسرائيلية)إلى تكنيس أولمرت وعرقلة صعود ليفني"الضعيفة"لصالح إصعاد نتنياهو،وكذلك شيء مماثل من قبل واشنطن نحو تعويم(الدور التركي).

#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات