|
سرُّ أوباما!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2460 - 2008 / 11 / 9 - 10:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل نحو قرنين من الزمان، زار البارون همبولت رئيس الولايات المتحدة جيفرسون، فوجد جريدة على مكتبه، فلمَّا تناولها وجد فيها مقالاً قد امتلأ بكلمات السباب والقذف في الرئيس، فنظر إلى الرئيس، وقال: "كيف تسمحون بهذا السباب؟!"، فأجابه الرئيس قائلاً: "خُذْ هذه الجريدة وضَعْها في جيبك، فإذا وجدت من يشك في حقيقة حرِّيتنا، أو حرِّية الصحافة في الولايات المتحدة، فأعْطِها له"!
ولقد وقف أوباما في ليلة الانتصار ليقول لجمهوره المنتشي، وللعالم أجمع الذي عرف الرئيس بوش كيف يُكرِّهه بالولايات المتحدة، إنَّ في هذا الذي حدث الليلة خير ردِّ وجوابٍ على كل المشكِّكين المتشككين في العظمة القيمية للولايات المتحدة، التي في قوَّة قيمها ومثلها ومبادئها، وليس في قوة اقتصادها وجيشها، على ما قال الرئيس المنتخَب، تكمن عظمتها. لتقارنوا الآن بين القولين والعصرين حتى تقفوا على السبب الحقيقي لظاهرة أوباما، ولانتصاره المدوي.
إنَّ أوباما، ظاهرةً وانتصاراً، هو البيان الذي فيه، وبه، أعلنت القوة العظمى في العالم إفلاسها القيمي، وسقوطها الفكري المدوي، فهذا الرجل، وبما يمثِّل، إنَّما هو خير دليل على أنَّ الدهر قد أفسد الولايات المتحدة؛ ولن يكون في مقدور أي عطار أن يصلح شيئاً أفسده الدهر!
لا تنظروا إلى أوباما فحسب؛ ولكن أُنْظروا من خلاله إلى ما يتوفَّر "المُنْقِذون"، من رجال ومؤسسات وقوى، على صنعه، أو اجتراحه، فالسؤال الذي استبدَّ بتفكيرهم (الاستراتيجي والتاريخي) إنَّما هو: هل بقي، بعد هذا السقوط القيمي والفكري والإيديولوجي المدوي، من شيء إيجابي يمكن فعله، ولو عن اضطرار، توصُّلاً إلى اجتذاب العقول والقلوب، على استعصاء الأمر، بعد، وبسبب، كل هذا الخراب البوشي، إلى الولايات المتحدة، التي استبدَّ بها الشعور بالعظمة حتى عاملت العالم بأسره على أنَّه الأصغر منها في كل شيء، عدا المساحة والسكان؟
لقد حاروا في الجواب حيرة من يحاول الحصول على شيء من إنسان ما عاد يملك من هذا الشيء شيئاً؛ فهل يقولون للعالم ما قاله جيفرسون للبارون همبولت وهم الذين يعلمون علم اليقين أنَّ "غوانتانامو" هي "الحقيقة" التي تمحو كممحاة كل رواية جديدة يخطها مداد الوهم، وأنَّ "الحرب على الإرهاب" لم تنتهِ إلى إلقاء القبض على أسامة بن لادن وإنَّما إلى إلقاء القبض على خير ما تمتَّع به مواطنو الولايات المتحدة من حقوق وحرِّيات ديمقراطية ومدنية.. أم يقولون، وكأنَّ العالم له عيون لا تبصر، وآذان لا تسمع، وعقول لا تعقل، إنَّ لدينا فخر ما صنع، ويصنع، التاريخ، وهو "الليبرالية الجديدة"، في الاقتصاد والإيديولوجيا، والتي لِفَرْط كمالها واكتمالها حقَّ لها أن تأمر التاريخ بالتوقُّف عن الحركة، فاستخذى لها، وتوقَّف؟!
ولكن، كيف لهم أن يقنعوا العالم وهو الذي يعاين ويعاني عواقب هذا الانفجار المتسلسل لفقاقيع "الليبرالية الجديدة"، والذي ما أن وقع في "وول ستريت" حتى أصابت شظاياه العالم أجمع، في دليلٍ على أنَّ الولايات المتحدة ما عاد في مقدورها، بعد، وبفضل، عولمتها لليبراليتها الجديدة، أن تنتحر من غير أن تنحر العالم معها؟!
هل يقولون للعالم الذي أثخنوه هُمْ بجراح التعصب الديني إنَّ الولايات المتحدة ولو فقدت أعزَّ ما تملك لن تفقد أبداً تفوقها العلماني، وتساميها عن كل تعصب ديني يَسْقُط بالبشر إلى الدرك الأسفل من الوحشية في صراعٍ يشبه صراع رجلين أصلعين على مشط؟!
وكيف لهم أن يقنعوه وقد رأى "الثيوقراطية" تنمو وتزحف، بفضل "المحافظين الجدد"، حيث "هُبَل الحرية" يرمز إلى الماضي، ويُبْلِغ إلى شعوب الأرض أنَّ "الحرية" في الولايات المتحدة أصبحت أثراً بعد عين؟!
لم يبقَ في "احتياطهم القيمي" من قيمة يمكن إذا ما أشعلوها أن تضيء كضياء شمعة في ظلمة الكون إلاَّ "مساواة الأسود بالأبيض" مساواةً ليس فيها من الذهب سوى لمعانه، فوقع خيارهم على أوباما؛ وهل للمفلس من خيار غير العودة إلى دفاتره القديمة لعلَّه يعثر فيها ولو على ثلاثين من الفضة؟!
وخطب أوباما في جمهوره وكأنه أراد أن يقول، أو أردوا هُمْ أن يقولوا بلسانه، إنَّ للعالم أن يشكَّ وأن يتشكَّك في كل ما كنا نفخر به من قيم، كالحقوق والحريات الديمقراطية والمدنية، ومبادئ السوق الحرة، والليبرالية الجديدة، والعلمانية ونبذ التعصب الديني؛ ولكن ينبغي له أن ينحني لنا إجلالاً واحتراماً بعدما أقمنا الدليل الحي على أننا قد طلَّقنا ثلاثاً التعصب العنصري ضد السود (والملونين على وجه العموم) وجئنا بهذا الرجل إلى عرين الحضارة الأنجلو ـ ساكسونية، أي إلى البيت الأبيض.
وذهبت تلك الليلة التي كانت ليلى؛ وليلى هي الخمر، وجاء المؤتمر الصحافي الأول للرئيس المنتخب؛ وشتَّان ما بين اللحظتين، فقبيل المؤتمر أبلغوا إلى أوباما "الحقيقة" التي لا يعرفها سوى قلة فليلة من العارفين كوزير الخزانة هنري بولسون.
كلمة واحدة هي أهم ما قاله أوباما في مؤتمره الصحافي.. إنَّها كلمة "الحفرة". انسوا كل ما قاله وتذكَّروا قوله، الذي يشبه "كلمة السر"، "إننا في حفرة (اقتصادية)"!
الآن، عرف الرجل لماذا "تساموا" عن تلك العنصرية، وجاءوا به إلى أعلى القمة، فـ "رودوس" هناك، فَلْيَقْفِز إليها من هنا!
لقد استثمروا في أوباما آخر ما بقي لديهم من "رأسمال قيمي وإيديولوجي"، لعلَّه يشحن بطارية "وول ستريت"، ونظامهم الاقتصادي برمته، بطاقة روحية ومعنوية، يمكن أن تتحوَّل، بحسب قانون "حفظ الطاقة"، إلى طاقة اقتصادية؛ ولكن هيهات لما يتمنون، فهذا الرئيس المنتخَب لن يكون أبداً بطل التغيير، أي بطل الإنقاذ، فهو ما كان له أن يأتي لو كان الإنقاذ ممكناً. إنه خير رمز إلى "استعصاء التغيير"!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فاز أوباما.. وظهر المهدي!
-
نظام الرواتب يحتاج إلى إصلاح!
-
بوش يتوعَّد العراق ب -القاعدة-!
-
النظرية الاقتصادية الإسلامية في حقيقتها الموضوعية!
-
حملة غربية للسطو على السيولة العربية!
-
-الاقتصاد السياسي الإسلامي-.. تجربة شخصية!
-
ما وراء أكمة البوكمال!
-
عندما نعى بولسون -الإمبراطورية الخضراء-!
-
-الرأسمالية المُطْلَقة-.. بعد الموت وقبل الدفن!
-
-الاقتصاد الافتراضي- Virtual Economy
-
العرب.. -يوم أسود- بلا -قرش أبيض-!
-
قاطرة الاقتصاد العالمي تجرُّها الآن قاطرة التاريخ!
-
.. وإليكم الآن هذا الدليل -المُفْحِم- على عبقرية الدكتور زغل
...
-
رجل البورصة ماكين!
-
ماركس!
-
نهاية -نهاية التاريخ-!
-
انفجار -السوبر نوفا- في -وول ستريت-!
-
قريع ينطق ب -آخر الكلام في اللعبة-!
-
-حقوق الإنسان-.. حديث إفْكٍ!
-
الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!
المزيد.....
-
علقوا في مستنقع مليء بالتماسيح.. لن تصدق سبب نجاة ركاب طائرة
...
-
حماس تعلق على صاروخ الحوثي وأمور تتكشف بفشل إسرائيل باعتراضه
...
-
مصر.. اندلاع حريق في كنيسة بمحافظة قنا والداخلية تكشف السبب
...
-
بوتين يؤكد أنه يفكر باستمرار بخصوص خليفته المقبل
-
وكالة PTI: الهند تقطع عن باكستان مياه نهر تشيناب
-
السيسي يتلقى دعوة من بوتين للمشاركة في احتفالات عيد النصر
-
شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطا
...
-
بوتين: عدم اعتراف الغرب باستقلالية روسيا لسنوات تسبب بالعملي
...
-
فصائل فلسطينية تعلق على استهداف الحوثيين مطار بن غوريون
-
بوتين: الغرب يتحدث بشكل ويتصرف بشكل مغاير تماما
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|