أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - نهاية -نهاية التاريخ-!















المزيد.....

نهاية -نهاية التاريخ-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2425 - 2008 / 10 / 5 - 09:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



خطة الانقاذ، الذي كان إنقاذاً للمصارف والمؤسسات المالية المنهارة أو التي توشك أن تنهار فأصبح يوصف، ولأسباب أخلاقية، بأنه إنقاذ للنظام المالي أو للاقتصاد، عُدِّلت؛ ولكن بما يسمح فحسب بحفظ ماء وجوه النواب الذين "اُقْنِعوا" بأهمية وضرورة أن يقبلوا بعد رفض شديد، وكأنَّ الفساد في "وول ستريت" يأبى إلا أن يؤكد وجوده وحضوره في الكونغرس بمجلسيه، وفي مجلس ممثلي الشعب على وجه الخصوص.

الخطة لم تُعدَّل بما يكفي موضوعيا لجعل الرفض قبولا، فإنَّ جزءاً من المال الراكد في خزائن حي المال في نيويورك قد انتقل إلى "أيدي المُقْنِعين" ليكسبهم مزيدا من القدرة على "إقناع" غالبية نواب الأمة بقبول ما رفضوه من قبل، ولو كلَّفهم هذا الاستخذاء لمشيئة "وول ستريت" خسارة مقاعدهم النيابية في الانتخابات التي على الأبواب، فكفة الميل إلى المال رجحت على كفة الميل إلى ميول الناخبين؛ ولم يكن في هذا من تطاول على مبادئ السوق السياسية الحرة، التي انتعشت في مجلس النواب في وقت اشتد كساد الأسواق المالية.

كلكم سمعتم نباح "الجمهوريين" من عبدة أوثان السوق الحرة ضد الخطة بوصفها تفتح الباب على مصراعيه أمام تدخل "الدولة" في الاقتصاد حتى أن أحدهم تساءل في دهشة وغضب واستياء قائلا: "كيف لنا أن نتدبر أمورنا في نظام اقتصادي أصبح خليطاً من الرأسمالية والاشتراكية؟!"؛ ولكننا لم نسمع، ولن نسمع، أحداً من النواب يعترض على هذا التدخل السافر من مفلسي النظام المالي (والاقتصادي) المفلس، في "الدولة"، التي، في أوقات الضيق والشدة على وجه الخصوص، تظهر على حقيقتها الطبقة العارية.

لقد استحق ميلتون فيدمان جائزة "نوبل" للاقتصاد لاختراعه عقيدة "الرأسمالية الجديدة" التي، أي تلك "الرأسمالية الجديدة"، بدت، في رُبْع قرن من الزمان، حقيقة اقتصادية ـ اجتماعية واقعة وراسخة، فإذا بمهدها في "وول ستريت" يصبح، بين عشية وضحاها، لحداً لها؛ أمَّا وزير الخزانة هنري بولسن، مُخْتَرِع خطة الإنقاذ، والذي تحت رقابة شكلية من الكونغرس سيتولى إنفاق المبلغ المالي الضخم (700 بليون دولار) للإنقاذ، فلن ينال جائزة مماثلة، ولسوف يدخل التاريخ بوصفه العطار الذي حاول إصلاح ما أفسده الدهر.

وإذا أردتم توقُّعاً تأتي نتائج تنفيذ الخطة بما يقيم الدليل على صوابه فإنَّ هذا التوقُّع "المتسرِّع" هو أنَّ الخطة لن يكون لها من النتائج العملية إلاَّ ما يصلح دليلاً مفحماً على أن قطار الانهيار قد انطلق بلا كوابح، متخطياً، بالتالي، نقطة اللا عودة، ولن توقفه كل صلوات كاهن البيت الأبيض، الذي أبى إلا أن يودِّع شعبه بكذبة هي الكبرى إذ قال إنَّ الموافقة، أي موافقة الكونغرس على الخطة، قد ساعدت في منع أصداء الأزمة من أن تتردد في أنحاء البلاد كافة.

وفي ما يشبه الاعتذار والتعليل في آن تحدَّث المفلس السياسي الأكبر عن تدخل الدولة بوصفه الضرورة التي أباحت المحظور، فالدولة إنْ تدخلت فيجب أن يأتي تدخلها بما يمكِّن السوق الحرة من أن تبقى حرة إلى الأبد.

وحتى لا يكون من مبرِّر للمحاسبة قبل مغادرته البيت الأبيض حذَّر بوش، الذي يستحق لقب "نيرون روما الجديدة"، من مغبة الظن بأنَّ تأثير الخطة في الاقتصاد سيكون فورياً.

مشروع القانون، أو الخطة المعدَّلة، والذي حظي بموافقة الكونغرس بمجلسيه، عبر فنيِّ "الإقناع" و"الإكراه"، أصبح قانوناً نافذاً إذ وقَّعه غورباتشوف البيت الأبيض، وكأنه ينعى "الرأسمالية الجديدة"؛ ولسوف يبدأ عمَّا قريب "الضخ"، فنحو 700 بليون دولار (من أموال الشعب) ستسري في شرايين "وول ستريت" لمساعدة المُقرضين (الفاسدين الجشعين ضيِّقي الأفق الاقتصادي) على إسقاط أصول عقارية متعثرة من دفاترهم، لعلَّ هذا الإجراء، الذي يشبه صلوات كاهن في مواجهة صاعقة انقضت عليه من السماء، يعيد البسمة إلى وجه حي المال الذي فيه من الموت أكثر بكثير مما فيه من الحياة.

لو سُئِل المصابون بمرض البلاهة الاقتصادية مِمَّن يتقنون لعبة الأوراق المالية في دار القمار العظمى، المسماة "وول ستريت"، عن ماهية وحقيقة الأزمة لأجابوك على البديهة قائلين إنَّها "أزمة إقراض"، أو "أزمة نقص أو شُحٍّ في السيولة"، فإذا ما أتى الساحر بولسن بما يجعل النقص (في السيولة في المصارف) وفرة فإنَّ الحل سيُبَرْعم لا محالة في أحشاء الأزمة، وستتماثل "وول ستريت" من الجلطة التي أصيبت بها، وكادت أن تودي بحياة الاقتصاد برمته.

إنَّه ضيق الأفق الاقتصادي لليبراليين الجدد، والذي ورثوه عن الليبراليين القدامى، يظهر ويتأكد من جديد، وفي أوقات الأزمات على وجه الخصوص، فعقولهم هي التي في أزمة، قوامها أزمة عجز مزمن عن تمييز الأعراض من الأسباب، فسبب الأزمة (والذي هو في حقيقته عرض من أعراضها) يكمن، على ما يزعمون، في أنَّ المصارف أصيبت بغتة بمرض "الإمساك عن الإقراض"، فهي كفَّت عن (أو تشدَّدت في) إقراض بعضها بعضاً، وعن إقراض الشركات، وعن إقراض الأفراد، فكيف لاقتصاد يقوم على "الاسترقاق الدَّيْني الأبدي" للأفراد والشركات أن يستمر في الحركة إذا ما أحجمت المصارف (أو محطات الوقود الاقتصادي) عن تزويده وقوداً، هو كناية عن القروض؟!

لقد سألوا تاجراً صغيراً مفلساً "لماذا أفلست؟"، فأجاب على البديهة قائلاً: "لأنَّ بضاعتي لم تَجِد في السوق مشترٍ لها"؛ وكفى الله هذا التاجر الصغير ضيِّق الأفق شرَّ التعليل والتفسير، وكأنَّ السؤال الآتي وهو "لماذا لم تَجِد بضاعتكَ مشترٍ لها؟" يجب ألاَّ يوجَّه إليه؛ لأنَّ إجابته من اختصاص الفلاسفة أو المنجِّمين!

الأزمة في أعراضها إنَّما هي أزمة إقراض، أي أزمة إحجام عن الإقراض؛ أمَّا في أسبابها، التي يفضِّلون النأي بأبصارهم وبصائرهم عنها، فهي، في المقام الأول، أزمة "عجز عن السداد".. عجز لم يصب الأفراد من ذوي الدخل المحدود فحسب، وإنَّما أصاب الشركات، فهل هذا العجز عن السداد ظاهرة من ظواهر "الاقتصاد الورقي (المالي)" أم أنه يضرب جذوره عميقاً في "الاقتصاد الحقيقي"؟!

رجل البورصة، وهو من المصابين بمرض البلاهة الاقتصادية أكثر من سواه من رجال النظام الرأسمالي، لا يرى حركة الصناعة والسوق العالمية إلاَّ في الانعكاس المقلوب رأساً على عقب لسوقي النقود والأوراق المالية، فالنتيجة في نظره تغدو سبباً.

إنَّه، وعلى جاري عادته، يحاول تفسير كل ظواهر الأزمات الاقتصادية (في الصناعة والسوق العالمية وفي سائر حقول الاقتصاد الحقيقي.. اقتصاد السلع والخدمات) على أنَّها نتيجة للأزمات في سوق النقود، ضارباً صفحاً عن حقيقة أنَّ الأزمات في سوق النقود والأوراق المالية ليست، على وجه العموم، سوى انعكاس لأزمات في عمق الاقتصاد الحقيقي.

نقول "على وجه العموم"؛ لأنَّ الاستقلال النسبي والمحدود لعالم "وول ستريت" عن عالم الاقتصاد الحقيقي للولايات المتحدة، وللعالم أيضاً، يجعل له أزمات خاصة به؛ ولكنَّ هذه الأزمات الخاصة بـ "الاقتصاد الورقي" لن تكون أبداً في حجم يعدل حجم الأزمة التي عصفت بـ "وول ستريت"، فالفرق في الكمِّ هنا لا يمكن فهمه وتفسيره إلا على أنَّه فرق في النوع في الوقت عينه.

منذ زمن طويل انفصلت تجارة النقود (وتجارة الأوراق المالية كالسندات والأسهم) عن صناعة وتجارة البضائع؛ ومع نمو الرأسمال المصرفي، وتعاظم تركُّزه، ما عادت المصارف بـ "الدائن السلبي" الذي يقبض الفوائد وينتظر استرداد قروضه، وكأنَّ بين المصرف والصناعة برزخ لا يبغيان.

لقد تغلغل الرأسمال المصرفي في الصناعة، فعرف الاقتصاد الرأسمالي ظاهرة سطوة "الرأسمال المالي"، أي هذا التداخل والتزاوج بين الرأسمال المصرفي والرأسمال الصناعي.

واحسب أنَّ أباطرة المال في "وول ستريت" ليسوا في حاجة إلى من يأتيهم بالدليل على أنهم أباطرة أيضاً في "الاقتصاد الحقيقي"، كالصناعة والتجارة والخدمات، فالمصارف إنَّما هي في المقام الأول مصارف لشركات صناعية كبرى، والشركات الصناعية الكبرى إنَّما هي في المقام الأول شركات صناعية لمصارف كبرى.

في قمة الهرم الاقتصادي لـ "الرأسمالية الجديدة" في الولايات المتحدة نرى زمرة مالية تحكم قبضتها ليس على المصارف والمؤسسات المالية الأخرى كشركات التأمين فحسب وإنَّما على الشركات الكبرى في الصناعة والنقل والتجارة، وفي قطاع الخدمات، وفي ما يسمى "الاقتصاد المعرفي".

وقد رأينا الآن، وفي عيون لا تنال الأوهام الإيديولوجية من قوَّة إبصارها، أنَّ هذه الزمرة، وفي أوقات الضيق والشدة على وجه الخصوص، هي "الرقبة الاقتصادية" التي تحرِّك "الرأس السياسية"، التي هي الآن كناية عن بوش وماكين وأوباما وبولسن والشيوخ والنواب في الكونغرس.

المبلغ (700 بليون دولار) على ضخامته لا يعدل سوى 5 في المائة من قيمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة؛ وضخِّه في المصارف والمؤسسات المالية المفلسة، أو التي قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، لن يعالج الأزمة؛ لأنَّ جوهر الأزمة يكمن في أنَّ المال ما أن يخرج من المصرف، على شكل قرض يُمْنح لفرد أو شركة، حتى تصبح عودته إلى المصرف من علم الغيب، وكأنَّ عبارة "خرج ولم يَعُد" هي خير وصف لحاله.

ولقد أحسن الوصف ذاك الذي قال إنَّ ضخ مبلغ 700 بليون دولار في شرايين "وول ستريت" يشبه، لجهة نتائجه وعواقبه، أن تنقل دم لمريض ينزف دماً.

إنَّ "وول ستريت" تشبه الآن كومة من الأوراق تحترق، فهل يُطفأ الحريق إذا ما ألقيت فيه 700 بليون ورقة جديدة؟!

وإنَّها، في تشبيه آخر، كنارٍ يريدون إطفاءها بصبِّ مزيد من الزيت عليها، والذي هو كناية عن ذلك المبلغ المالي الضخم.

قبل أن تضخَّ، ومن أجل أن تضخَّ، هذا المبلغ المالي الضخم في شرايين النظام المالي ينبغي لك أوَّلاً أن تعالج العلة (البنيوية) من خلال إجابة السؤال الآتي: لماذا أصيب الأفراد والشركات بداء العجز عن سداد ديونهم؟

الفرد من ذوي الدخل المحدود، أي غالبية المواطنين، ما عاد يملك، بسبب الغلاء النفطي، والغلاء العام، من القدرة الشرائية الفعلية ما يسمح له بالعيش وبتسديد القرض في الوقت نفسه.

من قبل كان المواطن هناك، أي في فردوس "الرأسمالية الجديدة"، لا يستطيع العيش إلاَّ ببطاقات الائتمان وبالقروض، وكأنَّ "الاسترقاق الدَّيْني الأبدي" هو قدره الذي لا مهرب منه. أمَّا الآن فما عاد في مقدوره دفع الفوائد وتسديد القرض، وما عاد لديه من حلِّ، أو خيار، سوى التسليم باغتصاب المصرف لمنزله.

والشركة، التي لا تعيش إلاَّ بالدَّيْن هي أيضاً والتي يذهب جزء كبير من ربحها إلى المصرف على شكل فائدة مصرفية، نفدت قدرتها على دفع الفوائد وتسديد القرض؛ لأنَّ مبيعاتها، في السوقين الداخلية والخارجية، في تراجع مستمر ومتزايد على الرغم من تراجع قيمة الدولار.

وهذا وذاك إنَّما يعنيان أنَّ سلعة "قوَّة العمل" والسلعة الصناعية قد أصيبتا بـ "الركود"، فكلتاهما، إنْ بيعت، تباع بسعر يقل كثيراً عن قيمتها الحقيقية، فكيف للديون، بعد ذلك، وبسبب ذلك، أن تُدْفَع فوائدها، وأن تُسدَّد للمصارف؟!

قديماً، كنَّا نرى "العصامية الاقتصادية" في طرفي النظام الرأسمالي، أي في العامل ورب العمل، فذاك يعيش بأجره فحسب، أي بلا دَيْن، وهذا يملك كل ربح شركته تقريباً، ويعيش مع شركته بلا دَيْن.

ثمَّ انتهت السوق الحرة إلى عاقبة "اضمحلال وتلاشي العصامية الاقتصادية"، فحلت محلها "عبودية الدَّيْن"، وكأنَّ الأسياد في روما القديمة قد بعثوا أحياء، ولكن على هيئة زمرة مالية في "وول ستريت"، عاصمة "روما الجديدة"، تستعبد بالديون الأفراد والشركات.

والآن، شرعوا يتحرَّرون من "عبودية الدين"؛ ولكن ليس من خلال تسديد القروض، والعودة إلى "العصامية الاقتصادية"، وإنَّما من خلال تنامي عجزهم عن السداد.

لقد ألَّهوا مبدأ "دعوا السوق تعالج أزماتها بنفسها (أي من دون تدخل الدولة)" حتى استعبدهم هذا المبدأ، وأعمى أبصارهم وبصائرهم عن رؤية الحقيقية الاقتصادية ـ التاريخية الكبرى، وهي أنَّ سقوط "وول ستريت" لا يعني سقوط بضعة مصارف وإنَّما سقوط النظام الرأسمالي برمته، فتَرْك الأمر الآن لقوى السوق لن يؤدِّي إلى تمكين السَمَك الكبير (من الشركات) من ابتلاع السَمَك الصغير؛ ذلك لأنْ ليس من "سمكة كبيرة" الآن غير "الدولة"، التي يكفي أن تربأ بنفسها عن "الابتلاع" حتى تسقط مع سقوط "وول ستريت"، ويتولَّى "التاريخ" عنها إنجاز المهمة.

في الزمن الإقطاعي، كانت الكنيسة هي المالك العقاري الأكبر؛ أمَّا في "نهاية التاريخ"، والتي لا معنى لها الآن إلاَّ إذا كانت نهاية لتاريخ "الرأسمالية الجديدة"، وبين عشية وضحاها، فقد أصبحت "الدولة"، "دولة بوش ـ بولسن"، هي المالك العقاري الأكبر، إذ تملَّكت العقارات المرهونة.

في زمن يقاس بالساعات فحسب، بحسب "ساعة التاريخ"، نُزِعت ملكية العقارات من أيدي أصحابها الشرعيين، أي المواطنون العاجزون عن دَفْع الفوائد وسداد القروض، لِتُصبح في أيدي أباطرة المصارف المنهارة؛ ثمَّ نُزِعت، عبر أموال خطة الإنقاذ من أيدي هؤلاء لتُصْبح في أيدي "الدولة"، "دولة الرأسمالي الجماعي".

الأشهر المقبلة لن تكون زمناً لعلاج يأتي بالشفاء، وإنَّما زمن لوقوع اقتصاد الولايات المتحدة في كسادٍ متنامٍ، فـ "الإنقاذ الحكومي" الذي رأيْنا أوَّل الغيث منه في مصارف "وول ستريت" ومؤسساتها المالية قد نراه ينتشر في الصناعة، وكأنه النار إذ وجدت في الهشيم مرتعاً لها، فالمصرف إنْ هوى لن يهوي وحده؛ ذلك لأنَّ التداخل الرأسمالي بين المؤسسات المالية والمؤسسات الصناعية لا يسمح للسقوط إلاَّ بأن يكون واحداً مشترَكاً.

وربَّما يكتمل هذا الانهيار معنى إذا ما فهمناه على أنَّه بداية انهيار أيضاً للمرابي اليهودي شايلوك، فإنَّ "وول ستريت" هي مملكة الرأسمال الربوي اليهودي، الذي ببدئه الانهيار شرع يؤسِّس لانهيار المملكة الأنجلو ـ سكسونية في "الرأسمالية"، وفي "العولمة".

لِتَكرهوا "اليهودية الربوية".. ربَّما هذا هو ما توصي به "وول ستريت" وهي على فراش الموت!

إنَّه يوم كيوم الحشر، فلا قول يصح فيه إلاَّ القول الخاطئ الآن وهو "اللهم نفسي"، فالريح العاتية التي هبَّت من "وول ستريت" يمكن أن تتسبَّب في تمزيق الاتحاد الأوروبي، فـ "الدولة القومية"، وألمانيا على وجه الخصوص، هي الآن كالذهب في زمن انهيار النقود الورقية. إنَّهم يعتصمون بـ "القلعة القومية" ولو كانت العاقبة هي تصدُّع وانهيار "القلعة الأوروبية".. ولكن الاحتماء بـ "زورق الدولة القومية" هو الآن الطوباوية بعينها، فالعالم، كل العالم، أمَّا أن يتقدَّم معاً، وإمَّا أن يتراجع معاً، فالرأسمالية، والحق يُقال، أكملت رسالتها التاريخية على خير وجه، وكأنَّها تقول لعدوها اللدود كارل ماركس لقد صدقت إذ قلت: إمَّا أن يتعاون العالم كله على التأسيس لنظام اقتصادي ـ اجتماعي جديد يتخطى الرأسمالية وإمَّا أن تتقهقر البشرية إلى عهود الوحشية.

الآن، سقط الفكر المسمى فكر "الرأسمالية الجديدة"، أو فكر "الليبراليين الجدد"، والذي بلغ منتهاه في فكرة "نهاية التاريخ"؛ ونحن لو أمعنا النظر في تاريخ سقوط الإيديولوجيات لاكتشفنا أنَّ النُظُم الاقتصادية ـ الاجتماعية تسقط في مملكتها الفكرية قبل أن تسقط في مملكتها الواقعية، فالذي أفلس في "وول ستريت" لم يكن بضعة مصارف وإنَّما فكر "الرأسمالية الجديدة" ذاته، فمن يجرؤ بعد هذا الذي وقع، ويقع، على الادِّعاء بأنَّ ولادة "الرأسمالية الجديدة" هي "نهاية التاريخ"؟!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انفجار -السوبر نوفا- في -وول ستريت-!
- قريع ينطق ب -آخر الكلام في اللعبة-!
- -حقوق الإنسان-.. حديث إفْكٍ!
- الفاتيكان يجنح للصلح مع داروين!
- متى نجرؤ على اغتنام -فرص الأعاصير-؟!
- إنَّها دولة وحكومة -وول ستريت- فحسب!
- مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!
- -الوعيد- و-الصفقة- في خطبة مشعل!
- -تجربة- تَحْبَل ب -ثورة فيزيائية كبرى-!
- -القاعدة-.. لعبةٌ لمَّا تُسْتَنْفَد المصالح في لعبها!
- عندما تتصحَّر -الليبرالية- ويزدهر -الليبراليون الجُدُد-!
- تهاوي -ثقافة الحقوق- في مجتمعنا العربي!
- -العرب الجُدُد- و-العرب القدامى-!
- أُمَّةٌ تبحث عن فلك تسبح فيه!
- ما ينقص -الفكرة- حتى تصبح -جذَّابة-!
- -خيار أوكسفورد- لا يقلُّ سوءاً!
- ثقافة -الموبايل- و-الفيديو كليب-!
- لقد أفل نجمها!
- أسبرين رايس والداء العضال!
- خطر إقصاء -الأقصى- عن -السلام-!


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد البشيتي - نهاية -نهاية التاريخ-!