أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!















المزيد.....

مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2408 - 2008 / 9 / 18 - 09:39
المحور: الصحافة والاعلام
    


الكتابة السياسية اليومية، هي من السهولة بمكان إذا ما استسهل الكاتب ممارستها بما يتنافى وأصولها وقواعدها؛ وتغدو من الصعوبة بمكان إذا ما التزم الكاتب ممارستها بما يتوافق مع أصولها وقواعدها.

استصعابها لا بدَّ له من الظهور بين الفينة والفينة، فـ "الركود السياسي"، أي عدم وجود حدث سياسي كبير، مثيرٌ للفكر والشعور، هو سبب مهم ومألوف لهذا الاستصعاب، فالبرق والرعد والضوء والحرارة في المكتوب، أو المنشور، السياسي اليومي كالمقالة والتعليق، إنَّما هي انعكاس للبرق والرعد والضوء والحرارة في الأحداث السياسية ذاتها.

ومع ذلك، فليس ثمَّة من حادث غير مهم، فالقول بوجوده إنَّما يُظْهِر ويؤكِّد وجود الكاتب، أو الباحث، غير المهتم.

ولا شكَّ في أنَّ الكاتب، أو الباحث، المهتم، والذي يستوفي حقَّاً شروط مهنته، أو العمل الذي يؤديه، هو الذي يملك عيناً سياسية "مجهرية"، فيرى بفضلها "المعاني الكبيرة" في الحادث الصغير، أو قليل الأهمية على ما يبدو عند النظر إليه بالعين "المجرَّدة" فحسب.

ولا شكَّ أيضاً في أنَّ نقيضه، أي نقيض هذا الكاتب، أو الباحث، هو من يملك مقداراً وافِراً من "الذكاء السلبي"، فنراه نسيج وحده لجهة قدرته على تصغير وتقزيم ومسخ "المعاني الكبيرة والعظيمة" في كل حدث، أو خطب، جلل.

في "القول"، يمكن تمييز كاتب من كاتب؛ يمكن تمييز الكاتب الجيِّد من الكاتب الرديء؛ ولكنَّ المعيار الأهم من معيار "القول ذاته"، هو معيار "الكيف"، فـ "كيف تقول" أهم بكثير مِمَّا تقول.

وعلى سبيل المثال أقول إنَّ "العاشق الجيِّد" ليس هو الذي يقول لحبيبته "أُحِبُّك"؛ وإنَّما هو الذي يَعْرِف كيف يقولها، وإلاَّ جاء قوله لها من قبيل تلك الأقوال التي حذَر نزار قباني من قولها إذ قال إنَّ بعض الكلمات تموت حيت تُقال.

"كيف نقول".. هذا هو أصل الإبداع في الكتابة السياسية اليومية، وفي الكتابة، بوصفها الدرجة العليا من التفكير، على وجه العموم.

كثيرٌ من كتَّابنا السياسيين اليوميين لا يعرفون من "كيفية القول" إلاَّ ما شابه "تنبَّهوا واستفيقوا أيُّها العرب.."، أو "وامعتصماه"، فـ "الخطابة" التي تمجها الأسماع، أي الأسماع المختلفة عن سمع "الكاتب ـ الخطيب"، هي ما يؤلِّف 90 في المائة من "روح الإبداع" لديه!

إنَّها صالحة كالماء الصالح للشرب، أي لا لون لها، ولا طعم ولا رائحة.. يكثر رعدها؛ ولكنَّه رعد في سماء صافية الأديم، وكأنَّ روح شاعر القبيلة في العصر الجاهلي قد حلَّت في أقلام بعض كُتَّابنا في القرن الحادي والعشرين.

لو عَصَرْتَ الآلاف من الكلمات التي تتدفَّق من أقلامهم لَمَا اسْتَخْرَجْتَ منها من "الحقيقة" إلاَّ "اسم الكاتب"!

وكلَّما هبط منسوب حرِّية التعبير السياسي في مجتمعنا اشتدَّت حاجة صحفنا اليومية إلى هذا النمط من الكُتَّاب الذين خلقهم "الأسلوب الخطابي" على مثاله قبل، ومن أجل، أن يُبقوا عليه حيَّاً يُرْزَق!

على أنَّ هذا "الهبوط" لا يأتي بالشيء فحسب، وإنَّما بنقيضه، وفي الوقت نفسه، فَضِدَّ هذا "الكاتب ـ الخطيب" يَظْهَر الكاتب الذي يَكْتُب بـ "لغة العصافير"، وبـ "لغة كليلة ودمنة"، أكثر بكثير مِمَّا يكتب بـ "لغة الضاد"، أو بـ "لغة اللسان العربي المبين".

إنَّه يكتب وكأنَّه يزحف في حقلٍ من الألغام، فإذا أردتَ الوقوف على "المعنى الحقيقي"، أو "المعنى الذي يريد"، فأقرأ أوَّلاً السطور، ثمَّ اقْرأ ما بين السطور.

وهذا اللون من الكتابة السياسية اليومية هو الأشدُّ صعوبة، والأكثر استنزافاً لجهد ووقت الكاتب؛ وإذا ما أردتُ له تشبيهاً فإنِّي أُشبهه بـ "الخط الجيوديسي" في "الفضاء الآينشتايني"، أي "الفضاء المنحني".

إنَّنا نَعْلَم أنَّ "المستقيم" من الخطوط الهندسية هو "المسافة الأقصر بين نقطتين". هذا هو "الخط الجيوديسي" على الورق؛ أمَّا على "السطح الكروي"، أكان سطح جسم أم سطح فضاء، فلا بدَّ لـ "المسافة الأقصر بين نقطتين" من أن تنحني وتتقوَّس.

أردتُ قول هذا حتى أُجيب عن سؤال "لماذا لا تَقُلْ ما تريد قوله مباشَرةً وفي خطٍّ مستقيم؟"، فكيف لي أن أقول في "خطٍّ مستقيم" ونحن نعيش في "فضاء سياسي منحنٍ".. في فضاء لا وجود فيه لـ "المسافة الأقصر بين نقطتين" إلاَّ إذا كانت منحنية؟!

بعضنا يكتب بـ "النار"، وبعضنا يكتب بـ "الماء".. بعضنا يكتب بمدادٍ من "ضوء"، وبعضنا يكتب بمداد من "ظلام"؛ ولكنَّ "فضاؤنا السياسي المنحني" انحناءً يكاد أن يعدل انحناء الفضاء في جوار "ثقب أسود"، يتحدَّانا على "الكتابة المُركَّبة"، أي على الكتابة التي تتَّخِذ فيها من "الماء" غلافاً تُغلِّف به "فكرة من نار".. والكتابة التي تشبه ما يأتي به زواج الضوء والظلام، وهو "العتمة".

وهذا اللون من الكتابة أسَّس له الفرنسي العظيم فولتير إذ قال: "قد يرغمني الأقوياء على عدم قول كل ما أنا مقتنعٌ به؛ ولكن ليس من قوَّة في مقدورها أن ترغمني على قول كل ما أنا غير مقتنعٍ به"!

الكتابة السياسية اليومية، على ما أتصوَّرها، هي ما يشبه "الفضاء الرباعي البُعْد"، فهي تشتمل على "المعلومة"؛ ولكن من غير أن تَقْتَصِر عليها؛ وتشتمل على "التحليل (أو التفسير)"؛ ولكن من غير أن تَقْتَصِر عليه؛ وتشتمل على "التوقُّع"؛ ولكن من غير أن تَقْتَصِر عليه؛ وتشتمل على "اللغة (كلمة، وعبارةً، وأسلوباً)"؛ ولكن من غير أن تَقْتَصِر عليها.

إنْ هي فَقَدَت أحد أبعادها الأربعة، أو بعضها، أو معظمها، لا تظلُّ "كتابة". إنَّها، عندئذٍ، تتحوَّل من "جسد" إلى "ركام"، ومن "إبداعٍ" إلى "إملاء".

أقْرأُ، على ضآلة هذا العمل اليومي الذي أُؤديه، ما يُنْشَر من الكتابة السياسية اليومية، فأرى بعضها وقد تضخَّمت فيه "المعلومة"، فأصبح "خبراً مطوَّلاً"، أو "تقريراً إخبارياً"؛ ولكن على شكل مقالة أو تعليق. وأرى بعضها يَغْزُر بـ "الفكر المجرَّد"، فـ "التعيين" فيه، أي "المعلومة" على وجه الخصوص"، يَعْدِل قطرة في بحر "التجريد". وأرى بعضها مُثْقَلٌ بـ "المعلومة" وبـ "التحليل (أو التفسير)"؛ ولكن لا أثر فيه لـ "التوقُّع"، ولو كان في أسوأ حالٍ له، كـ "توقُّع موفاز"، وكأنَّ الخوف من فشل التوقُّع يصيب الكاتب بـ "القُعاد"، وهو داء يحول دون المشي. وأرى بعضها "جريمة" تُرْتَكَب في حقِّ اللغة، فـ "الكلمات" و"معانيها" في طلاق؛ أمَّا "علامات الترقيم"، التي هي جزء لا يتجزأ من "التعبير اللغوي"، فإمَّا غائبة تماماً وإمَّا تُسْتَعْمَل على أسوأ وجه.

إنَّني مع توخِّي الحذر في "التوقُّع"، فعالم السياسة الواقعي هو في خاصية من أهم خواصه عالم النتائج التي تذهب (عادةً) بالتوقُّعات. على أنَّ هذا "التحدِّي الكبير"، أي "اشتقاق التوقُّع من الفكرة"، لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، انتهاج "الفابيَّة" في الكتابة السياسية، فالقائد الروماني القديم الشهير فابيوس كان يفهم "الحرب" على أنَّها "فنُّ اجتناب المعارك الحاسمة".

إنَّ كلمات وعبارات من قبيل "قد"، و"ربَّما"، و"يمكن"، و"على الأرجح"، و"من المحتمل"، هي كلمات وعبارات مهمة الاستعمال عند انتقال الكاتب من حيِّز "المعلومة" و"التحليل" و"التفسير".. و"التقديم"، إلى حيِّز "التوقُّع"، على ألاَّ تَجْعَل الـ "لَعَمْ" هي قوام "التوقُّع" عنده، فـ "التوقُّع"، الذي بوزنه بميزان النتائج نقف على "الحقيقة الموضوعية" فيه، وجوداً وحجماً، ليس رمادي اللون، فهو إمَّا أن يكون أبيض وإمَّا يكون أسود.

إذا كان "أبيض"، فجاءت "النتائج" باللون الأسود، فينبغي للكاتب (المتوقِّع) أن يتحلى بـ "الموضوعية"، ويعترف بـ "الخطأ"، أكان خطاً من قبيل "1+1=3"، أم من قبيل "1+1= قرد"، فإنَّ "التبرير"، الذي يشبه "عنزة ولو طارت"، لا يؤدِّي إلاَّ إلى أن يسيء الكاتب إلى نفسه بنفسه، وكأنَّه لا يعلم أن التعليل خير وأبقى من التبرير!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الوعيد- و-الصفقة- في خطبة مشعل!
- -تجربة- تَحْبَل ب -ثورة فيزيائية كبرى-!
- -القاعدة-.. لعبةٌ لمَّا تُسْتَنْفَد المصالح في لعبها!
- عندما تتصحَّر -الليبرالية- ويزدهر -الليبراليون الجُدُد-!
- تهاوي -ثقافة الحقوق- في مجتمعنا العربي!
- -العرب الجُدُد- و-العرب القدامى-!
- أُمَّةٌ تبحث عن فلك تسبح فيه!
- ما ينقص -الفكرة- حتى تصبح -جذَّابة-!
- -خيار أوكسفورد- لا يقلُّ سوءاً!
- ثقافة -الموبايل- و-الفيديو كليب-!
- لقد أفل نجمها!
- أسبرين رايس والداء العضال!
- خطر إقصاء -الأقصى- عن -السلام-!
- العالم اختلف.. فهل اختلفت عيون العرب؟!
- -الإعلام الإلكتروني- يشبهنا أكثر مما نشبهه!
- -العلمائيون- و-السياسة-.. في لبنان!
- -إيراروسيا-.. هل تكون هي -الرَّد-؟!
- ثرثرة فوق جُثَّة السلام! -دولتان- أم -دولة واحدة ثنائية القو ...
- ما معنى جورجيا؟
- مات -آخر مَنْ يموت-!


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!