أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - ســاعاتُ لوركا الأخيـرة















المزيد.....

ســاعاتُ لوركا الأخيـرة


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 758 - 2004 / 2 / 28 - 07:12
المحور: الادب والفن
    


  ترجمة وإعداد : ســعدي يوســف
" ليســلي ستينتِن ، خرّيجة مدرسة الدراما بماساشوستس ( الولايات المتحدة ) ، أمضتْ أربع عشــرة ســنةً ، في دراسـةٍ ميدانيةٍ ، حقّـاً ، عن لوركا  ، وفي العام 1989 أصدرت نتيجَ دراستها ، كتاباً في حوالي ستمائة صفحة من القطع
الكبير ، لمناسبة الذكرى المئوية للوركا  ( وُلدَ العامَ 1889 ) .
وباعتباري ذا رِحلةٍ طويلةٍ مع الرجل ( لوركا )  ، يمكنني القولُ إن كتاب ستينتِـن ، فريدٌ ، أي أنني لم أجد مثيلاً له  في الدأب
والتوثيق ، لا باللغة الإنجليزية ، ولا بالفرنسية  . قد أظلمُ المؤلفةَ إذ أختار من موسوعتها الحميمةِ ما اخترتُ  ، لكني  أكتفي بأن
أعلن ، عن كتابٍ قد لا يسمعُ به أحدٌ ، في ظروفنا الثقافية المستعصية "

***

فجرَ الأحد ، السادس عشر من آب 1936 ، سقط مانويل مونتيسنوس ( زوج أخت لوركا ) برصاص مفرزة إعدامٍ فرنكويّـة . القسيس الذي تلقّـى الإعترافَ الأخير ، ذهب ، بنفسه ، إلى أسرة لوركا  ، يخبرها بموته .
عـلِـمَ  لوركا ، هاتفياً ، بما حدثَ . وبدأ آلُ روزاليس  ( الذين استضافوا لوركا الخائف ) يقلقون عليه . وكان
أحد الكتائبيين حذّرهم من عمليات إلقاء قبضٍ جارية  ، قد تشمل لوركا . وفكّـرت العائلةُ بنقله إلى مأوى أكثر أمناً ، ربما إلى دارة الموسيقيّ مانويل دي فايا  ( كارمن )  ، بأعالي غرناطة .
حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر ، توقفت سيارةٌ  بها ثلاثة ضباطٍ عند منزل آل روزاليس ، واتخذَ جنودٌ مسلحون بالرشاشات مواضع لهم على امتداد الشارع ، وفوق سطوح المنازل المجاورة ، وطوّقت قواتٌ إضافيةٌ الشوارعَ المحيطةَ . تقدمَ الضباطُ الثلاثةُ إلى مدخل المنزل ، وأعلنوا أنهم جاؤوا يقبضون على لوركا .
لم يكن في المنزل ، آنذاك ، من آل روزاليس ، سوى السيدة روزاليس التي واجهت رويث آلونسو ( الآمر ) وزميلَـيه ، رافضةً أن يأخذوا لوركا من منزلها  ، وطالبةً أن تعرف سبب القبض عليه .
قال أحدُ الثلاثة : " مؤلَّـفاتُــه " .
السيدة روزاليس تشبّثت بموقفها  ، وذكّـرت الضباطَ بانتماء عائلتها إلى الكتائب ، وأصرّت على إخبار زوجها وأولادها بالأمر ، هاتفياً . رضخَ رويث آلونسو . وخلال نصف ساعةٍ ظلت السيدة تحاول الإتصالَ بأحد أفراد عائلتها ، حتى تمكنت أخيراً مـن العـثور على ابنها ميغويل في ثُكْـنة الكتائب . استخدمَ رويث آلونسو السيارةَ لإحضار ميغويل ، وعاد الإثنان إلى المنزل بعد وقتٍ قصيرٍ ، صحبةَ رجالٍ آخرين .
لم يستطع ميغويل روزاليس  ، أن يثني رويث آلونسو عمّـا اعتزمَ.  وحين استفسرَ من آلونسو عن الذنب الذي اقترفه لوركا  ، قال هذا : "  لقد أضـرَّ بنا قلمُــهُ  ، أكثرَ مما فعل آخرون بالمسدس " .
كان لوركا في أعلى المنزل ، وسمع المشــادّةَ حوله . وعندما تأكدَ من أنه سوف يعتقَــل ، ركع مع العمة لويزا  ، أمام صورةٍ للقلب الأقدس ، وصــلّــى .
 كان على شفا الإنهيار ، يرتعش ، ويبكي .
وحين غادرَ المنزلَ ودّع العمة لويزا والسيدة روزاليس . أمّـا اسبرانزا  فقد قال لها :
" لن أعطيكِ يدي ، لأنني لا أريدكِ أن تظني أننا لن نلتقي ثانيةً " .
كان يرتدي سروالاً رمادياً غامقاً ، وقميصاً أبيضَ ، مع ربطة عنقٍ مُـرخاةٍ .
قاده رويث آلونسو خارج الباب ، وعبر الناصية ، إلى السيارة المنتظِــرة .
بعد مغادرته بدقائقَ ، اتصلت السيدة روزاليس هاتفياً بأسرة لوركا  . وفي اليوم نفسه ذهب زوجها إلى والد لوركا. اسرع الرجلان إلى محامي العائلة  ، لتدبير دفاعٍ قانونيّ ، في حال تقديم المتمردين ، لوركا ، إلى محاكمة.
***
أوصلت السيارة ، لوركا ، إلى بناية الحكومة المدنية في شارع دوكويسا ، لِـصقَ حدائق النباتات التابعة لجامعة غرناطة ، غير بعيد عن منزل آل روزاليس . جرى تفتيش لوركا  ، واحتُـجِــزَ في مكتبٍ . وقد أكّــدَ له ميغويل روزاليس الذي رافقه في الرحلة القصيرة ، أنه لن يتعرض لأذىً .
في ما بعدُ ، وفي اليوم نفسه ، ذهب لويس روزاليس وأخوه خوزيه ، وهما عضوان قديمان في الكتائب ، إلى بناية الحكومة المدنية  ، وطلبا تفسيراً لاعتقال لوركا . أُمِـرا بالإنصراف. ولاحقاً ، كان على لويس أن يوضح في وثيقة رسميةٍ قراره باستضافة لوركا في منزله ، مبيناً أن لا أحدَ اعتبرَ إقامةَ لوركا لديه " اختفاءً "  ، وأن كثيرين من الكتائبيين يعلمون بإقامة لوركا لديه . دافعَ روزاليس عن أفعاله  ، وأقسمَ على " الدفاع عن ديني وعلَـمي ووطني".
واضحٌ أنه كان ، وعائلته ، في وضعٍ دقيقٍ .
فبعد يومين من اعتقال لوركا ، تبرع لويس روزاليس بخاتمٍ إلى الكتائب ، وأهداهم أبوه هدية ثمينة من المصوغات والنقود الذهب " في سبيل الوطن " .
سُــمِـحَ لخوزيه روزاليس برؤية لوركا ، مساء السادس عشر من آب ، فأعطاه كارتون سجائر " جَـمل " .
وسأله لوركا أن يتبرع بمالٍ ، باسمه ، للكتائب . كما سُمح لأحد جيران آل روزاليس برؤيته ليوصل إليه بطانيات من السيدة روزاليس. وهناك شاهدٌ ثالثٌ رأى لوركا أثناء اعتقاله في بناية الحكومة المدنية  ، يتذكر أنه كان صامتاً
باديَ الإمتعاض .
صباحَ الإثنين ، السابع عشر من آب ، دخلت أنجلينا كوردوبيّـا ، مربية كونجا غارثيا لوركا ، الغرفةَ الطويلةَ ذاتَ الأثاث النزرِ  ، حيث كان لوركا محتجَـزاً تحت حراسةٍ مسلّـحةٍ .
قال لها لوركا : " أنجلينا ، أنجلينا ، لماذا جئتِ ؟ "
قالت له : " أمّـكَ أرسلتني " .
وقدّمت إلى لوركا سلّـةً فيها أومليت بيض وبطاطا ، وترموس قهوة ، وتبغ .
تفحّـصَ حارسٌ الطعام ، ليتأكد. لكن لوركا كان بلا شـهيّـةٍ . وغادرت أنجلينا مسرعةً .
ارتفعت درجة الحرارة كثيراً عصرَ ذلك اليوم ، لكن لوركا ظلّ محتجزاً داخل بناية الحكومة المدنية .
***
حسبَ شخصٍ في الجوار ، صادفَ أنه كان في الشارع ، صبيحةَ اليوم التالي ، أُخِـذَ لوركا من البناية حوالي الساعة الثالثة صباحاً ، من يوم الثلاثاء ، الثامن عشر من آب ، مغلولاً مع رجلٍ ثانٍ ، ديوكورو جالبندو جونثالث،
وهو معلمٌ أعرجُ كان اعتُـقِـلَ قبل ساعة .
وُضع الإثنان في سيارة ، مع سائق ، وحارسينِ ، وكتائبيّيـنِ .
انطلقت السيارةُ بالرجال السبعة ، في ظلام غرناطة ، نحو الطرف الشماليّ الغربيّ للمدينة ، وانعطفت في طريقٍ غير ممهّدٍ ، يلتوي بحدّةٍ ، صاعداً إلى السفوح الجرداء للسييرا نيفادا .
لم تكن الليلة ذات قمرٍ .
على مبعدة ستة أميال من غرناطة ، وعلى علوّ ثلاثة آلاف قدمٍ فوق مستوى سطح البحر ، توقّفت السيارة ، في قرية فيثنار ذات البيوت البيض ، عند قصرٍ من القرن الثامن عشر ، حُـوِّلَ إلى مركز قيادةٍ كتائبيّ .
وبعد انتظارٍ قصيرٍ ـ ربما لتسلّـم الأوراق ـ أُخذَ لوركا ورفيقه إلى مبنىً من الحجـر الأحمر ، أسفلَ فيثنار تماماً،
على حافة جُـرفٍ مفاجـيء .
حتى ذلك الشهر ، كان المبنى ( لا كولونيا ) يستعمَـل ملعبَ أطفالٍ صيفياً . لكن منذ الأول من آب استُخدِمَ زنزانةً للسجناء المحكومين .
جنودٌ ، وحراس ، وحفارو قبور ، وخادمان ، كانوا يسكنون الطابق العلوي من ( لا كولونيا ) .
احتُـجِـزَ لوركا في الطابق الأسفل . كان معه المعلم جالبندو جونثالث ، ومصارعا ثيران يساريّـان .
تلك الليلةَ ، كان الحارس الشابّ ، خوزيه خوفر تريبالدي ، يتولى نوبة الحراسة. قال تريبالدي للسجناء مطَـمْـئناً إنهم سيؤخذون اليومَ التالي ، للعمل في شقّ طريقٍ . قدّم له لوركا سجارةً ، وحاول أن يبدأ معه حديثاً ، مستفسراً إن كان بإمكانه صباح غدٍ الحصول على صحيفةٍ وتبغٍ . أجابه تريبالدي : نعم .
لكن ، بعد حينٍ ، أفصحَ تريبالدي للرجال الأربعة عن حقيقة الأمر.
لقد شعر ، باعتباره كاثوليكياً تقيّـاً ، أن واجبه يدعوه إلىيخبرهم بأنهم سوف يُـقتَـلون ، وبأنه يقدم لهم فرصةَ الإعتراف الأخير.
كان لوركا مصعوقاً : " لكني لم أفعل شيئاً ! " . هكذا صرخَ .
حاولَ أن يقول صلاةً . " أنت تدري . أمي علّـمتنيها. والآن نسيتُـها" . قال هذا باكياً . ثم تساءلَ : " هل سأكون ملعوناً ؟ "
قال له تريبالدي إنه لن يكون ملعوناً .
 قُبَـيلَ الفجر ، أُخذ السجناء الأربعة من لا كولونيا ، في شاحنةٍ ، نحو سفحٍ عند المنحدَر ، حيث أشجارُ الزيتون ملتفّةٌ . تحت موضعهم بأميالٍ يمتدّ الفيغا . وعلى مبعدة مئاتٍ من الأقدام ، قرب قرية الفاكار ، خزّانُ ماءٍ عربي من القرن الحادي عشر ، فوينته غرانده ، وهو بالعربية : عين الدموع . قروناً ظلّ يزوِّد غرناطةَ ماءً .
لم تكن الشمس بزغتْ بعدُ ، حين سمع رفاقه قعقعة البنادق.
لقد أُعدِموا بالرصاص ، عند أشجار الزيتون .
وحين طلع النهار ، دفع حفارو القبور رفوشَـهم في التراب ، وشــرعوا في عملهم الصباحيّ .

                                                               لندن 27/2/2004



#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كان الصبحُ جميلاً
- عُـرسُ بناتِ آوى الباريسيّ
- أمُّ المعاركِ : حربُ - القَـبَـضايات -
- البــلدُ المستحيــلُ
- امبراطوريةٌ ليست كالأخريات ، أيضاً
- طبيعةٌ غيرُ مـيِّـتةٍ
- إمبراطوريةٌ ليست مثلَ الأُخرَيات
- حــياةٌ جـــامدةٌ
- الليلةَ … لن أنتظرَ شـيـئاً
- - قوائمُ - بلا حدود …
- صــلاةُ الوثــنِــيّ - إلى عبد الرحمن منيف
- بِــمَ نُـبـاهي الأُمَــم ؟
- جورج بوش في حضرة الطفلِ المعجزةِ
- موســوعةُ النهب الأميركي لآسيا
- الطفل‘ المعجزةُ
- الغَــيــارَى
- لُـزومُ ما لا يَـلْـزَم
- شـــارعُ المتنبي باترِك كوكبورن
- وَرْبة وبوبيان … وقناة بَنمـا
- هذا المســاءَ سـأكونُ ســعيداً


المزيد.....




- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - ســاعاتُ لوركا الأخيـرة