أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد طولست - سائق الطاكسي سفير فوق العادة















المزيد.....

سائق الطاكسي سفير فوق العادة


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 2438 - 2008 / 10 / 18 - 08:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سائق الطاكسي سفير فوق العادة
‬لا أخفي‮ ‬عليكم تعاطفي‮ ‬مع سائقي سيارات الأجرة- الكبيرة منها والصغيرة- وحجم الأخطار والتحرش‮‬البشري‮الذي‮ ‬يتعرضون له أحيانا بل في الكثير من ا‮لأوقات. ‬فهؤلاء في‮ ‬تعامل دائم و مباشر مع عامة الناس،‮ ‬والعامة هنا، كلمة تشمل أجناسا مختلفة من الناس، وأمزاج تختلف باختلاف السياق الثقافي‮ ‬والاجتماعي،‮ والحالة المناخية من حيث ارتفاع أو انخفاض درجة الحرارة،‮ ‬وفي‮ ‬اختلاف اشهر السنة،‮ ‬و لربما‮ ‬يذهب البعض إلى أن الأمزجة تختلف باختلاف الليل والنهار و حسب الحالة القمرية، كما هي‮ ‬تختلف باختلاف الحالة الأيكولوجية للمجتمع، بمعنى أن اختلاف حالة التضاريس هي الأخرى تعكس نمطا من المزاج المختلف عند الفرد،‮ ‬فأهل الحضر‮ ‬يختلفون في‮ ‬ذلك عن أهل البوادي،‮ ‬وأهل الجبل ‬يختلفون عن أهل البحر‮ والسهل. ‬
ومزاج الفرد في‮ ‬فصل الصيف من العاملين تحت حرارة الشمس‮ ‬يختلف عن أولئك الذين‮ ‬يؤدون عملهم خلف مكاتب وفيرة و"مبردين" بالمكيفات‮. ‬كما أن أمزجة بعض الناس هي في‮ ‬شهر معين، غيرها في أشهر أخرى، كما هو حال أمزجة الناس في شهر رمضان، نتيجة لعاملي‮ ‬الجوع والسهر‮. الناس على العموم كثيرون وهم معادنهم مختلفة كما قال عنهم العزابي" الناس معادن ومن أغلى المعادن بتلاقي ناس.. أو ناس موش ناس"، تماما كما قال ميخائيل نعيمة "ما أكثر الناس وما أندر الإنسان"! أو كما يقول جاك بول "الإنسان كائن عجيب في تناقضه انه مزيج من ضعف وعظمة، في وسعه أن يسمو إلى أعلى درجات الكمال، وفي استطاعته أن ينحط إلى أسفل دركات الشر إذا ما ركبه شيطان التمرد والعصيان".
‬ هذه حال مزاج الأنسان عامة، لكن مزاج سائق الطاكسي صلب موضوعنا اليوم ومزاجه المتوتر دائما رغم ما تختفي‮ ‬خلفه من إنسانية وطيبة، -وهو‮ ‬توتر لا نقره - ولكن طبيعة المهنة وظروف العمل، تتسبب فيه وتفرضه أحيانا‮. تقول السيدة العبدلاوي معن أول إمرأة عملت سائقة طاكسي صغير بمدينة فاس، في حديث لها لجريدة الوطن العدد56 لشهر يونيو 2008 "أنا أول إمرأة جربت المهنة ومنذ ولجت عالم الطاكسيات حز في نفسي الوضع القاتم الذي يعيش فيه هؤلاء من إهدار للحقوق، وقد آليت على نفسي أن أقود المعركة من أجل هؤلاء المواطنين الذين يعيشون بلا حقوق ولا ضمانات العيش، حيث لا تغطية صحية ولا ضمان اجتماعي ولاشيء..إن الواحد من هؤلاء إذا تعرض لحادث لا قدر الله أو أصابه مرض فإننا نلجأ إلى التسول نيابة عنه لكي نجمع له فاتورة الدواء أو مصاريف المستشفى بالإضافة إلى متطلبات أولاده وعائلته..
بالإضافة إلى ذلك انعدام قيم الإنسانية في تعامل بعض الزبناء مع السائقين، وتدهور أخلاقيات الكثيرين تجاهه،‮ سلوكات ‬تجعل من حال عملهم وتعاملهم مع مستعملي هذا النوع من النقل، أقرب إلى ساحات حرب. فقيادة الطاكسي كما يبدو لا تخلو من متاعب، وفي نفس الوقت لا تخلو من المتعة والنُكت.. شأنها في ذلك شأن سائر الأعمال الأخرى، إلا أن وفرة متعها وكثرة نكتها تجعل المشتغلين بها ينسون كل تلك المتاعب، ويتفكهون بنوادرها الغريبة، مع حيل الزبون و مكره، و ابتزازته الخبيثة التي يتعرض لها الكثير من السائقين.
ويصورسائقي الطاكسي وبكثير من الحسرة والامتعاض، مالكي "لاجريمات" أصحاب رخص الاستغلال، وهم جالسون في مكاتبهم الفخمة بالوزارات وامصالح الحكومية، أو في المقاهي أو في البيوت يحتسون أكواب الشاي، منتظرين عودة السائق المسكين كل مساء، ليسلمهم المدخول محتفظا بالفتات..!
ٍ وقد كتب الأستاذ هشام حراك قصة قصيرة وطريفة عن سائق الطاكسي تحمل الكثير من المعاناة، عنونها ب" ميكة كحلة" يقول فيها:
))"لأنني كنت أحمل في يدي اليمنى ( ميكة كحلة )، صدني سائق سيارة الأجرة، قبل أن أجلس على الكرسي الأمامي المجانب لكرسيه حيث كان جالسا ويداه تتحكمان في المقود، بعد أن كنت قد فتحت باب السيارة:
* اسمح لي آخويا، آش هاز معاك، بعدة، في ذيك الميكة الكحلة ؟
أجبته بذهول بالغ: علاش آخاي ؟ … واش الأخ بوليسي ؟؟؟
* تقرييييييا .
رددت، على التو، وأنا أقفل باب سيارة الأجرة الأمامي، بهدوء تااااام:
• اسمح لي.. كان يسحاب لي سائق طاكسي !!!!!!"(( انتهت القصة..
و‮ يحكي أحدهم معاناته مع الكل، الزبائن من جهة، ورجال الشرطة من جهة أخرى. حيث يقول: رغم حرصي‮ ‬الشديد على تجنب المخالفات المرورية،‮ ‬إلا أن شيئا أعتبره نحسا قد حصل خلال الفترة السابقة‮. ‬حيث سجلت عليّ‮ ‬مخالفة مرورية أعتبرها ظلم لا يغتفر. ‬فقبل بضعة أيام كان عليّ‮ ‬أن انقل شخصا عجوزا إلى طبيب ما بأحد الشوارع المزدحمة،‮ وحيث أنه لا وجود لموقف مخصص للتاكسي الصغير قرب عيادة الطبيب،‮ وبما أن المهنية والعرف والإنسانية والقانون، يحتم علي مساعدة المعوق والعاجز والمريض و إلا تعرضت للعقاب أو وخز الضمير، ‬وبعد لف ودوران لمحت مكانا خاليا،‮ توقفت مطمئنا أن مكروها لن‮ ‬يحدث،‮ ساعدت الزبون المسن المريض‬ على النزولوصحبته إلى باب العيادة، إلا أنني‮ ‬وفور عودتي‮ ‬لسيارتي‮ فوجئت ‬بشرطي‮ ‬يحرر لي‮ ‬مخالفة الوقوف في‮ ‬غير الماكن المخصصة لتاكسي، كم حاولت إقناعه بأني‮ ‬لا أبرر خطئي‮ ‬إلا أنني‮ ‬ربما كنت مضطرا للوقوف هنا للقيام بواجبي المهني بسبب حالة الزبون وكبر سنه ومرضه والطقس وبعد المواقف عن عيادة الأطباء‬،‮ و أني لم‮ ‬أربك بوقوفي هذا انسياب السيارات في‮ ‬هذا الشارع، إلا أن كلامي‮ ‬لم‮ يكنُ‮ ‬مؤثرا..
فكيف لمزاج سائقي الطاكسي المساكين ألا يتكدر مع كل هذه المشاكل والمضايقات، والتي ليست إلا نقطة في بحر مما يكابدونه بحكم عملهم الذي ‮ ‬يتعرضون خلاله لضغط الوقوف الساعات الطوال في‮ ‬الشمس‮. ‬وقد‮ ‬يكون الأمر هينا في‮ ‬فصل الشتاء إلا أن أمرهم‮ ‬يبدو لي‮ ‬صعبا في‮ ‬فصل الصيف‮. ‬فهم‮ ‬يقفون ساعات طوال تحت حرارة الشمس وضوضاء الشارع الكبيرة،‮ ‬بالإضافة لتعرضهم لدرجة عالية من التلوث المنبعث من عوادم السيارات وغبار الأزقة المتربة،‮ ‬في المواقف التي تختفي‮ ‬عنهم فيها سبل الراحة ،‮ ‬بل لا‮ ‬يوجد ما‮ ‬يخفف عنهم شدة الحر‮. ‬فطبيعة العمل الذي‮ ‬يقومون به بالإضافة لحالة الطقس الذي‮ ‬لا‮ ‬يطاق في‮ مدينة مثل فاس في‮ ‬فصل الصيف والذي‮ ‬تفوق فيه درجة الحرارة الأربعين درجة، تجعل منه سياقا‮ ‬يحكم دون شك مزاجهم العام الذي ‬يحكم هو بدوره طبيعة تعاملهم وعلاقتهم بزبائنهم..
وهذا لا يعني أني التمس العذر لسائقي الطاكسي لنهم جميعهم حملان أو ملائكة، فبينهم من لا يصلح لهذه المهنة البتة، ويسيء لشرفائها، و يخالف كل القوانين ويخرقها " بالعلالي" فيرفض تلبية طلبات الزبائن ورغباتهم، ويسوق في الممرات المزدحمة بالسرعة الجنونية، ومنهم من يزاول المهنة وهو مخمور ثمل، لا يفرق بين حمرة أوخضرة إشارات المرور. ناهيك عن ابتزاز وسرقة الزبناء الغرباء عن المدينة وعلى رأسهم السياح مثلا.. ولا دخل للأمزجة في تصرفاتهم تلك. و‬من هنا تبنت بعض الدول إجراءات صارمة ومكثفة بحق مخالفي‮ ‬قوانين المرور من متجاوزي‮ ‬السرعة المسموح بها أو الوقوف في‮ ‬غير الأماكن المسموح فيها أو تجاوز إشارات المرور الحمراء أو عدم التوقف النهائي بعلامة " قف " وخاصة منهم هذه الفئة..
‮وأعتقد أن سائقي الطاكسيات بشكل عام بحاجة لقدر من التدريب والتعليم في‮ ‬مسائل الثقافة وعلم النفس والاجتماع وفي‮ ‬دراسة عادات الناس وأمزجتهم،‮ ‬فإنه وإن كان البعض منهم مدركا لفروقاتها عند الناس،‮ ‬فإن أكثرهم ‬غير مدركين لها‮.
وكلنا‮ ‬يعرف أن سائقي الطاكسي الفرنسي والبريطاني تحديدا هم من الحاصلين على الدرجات الجامعية ليس في‮ ‬مجال السياقة فحسب، وإنما في‮ ‬المعارف الاجتماعية والانسانية الأخرى‮. ‬وهي‮ ‬معارف تتيح لهم دليلا معياريا مهما للتعامل مع الآخرين‮. ‬
فهم بشكل عام سفراء في‮ ‬حالة اتصال مع المجتمع أكثر من القطاعات الأخرى،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يتطلب أن‮ ‬يُخضعوا لقدر من التدريب في‮ ‬المعارف المجتمعية المختلفة بالإضافة لفن السياقة وتاريخ البلاد وسياستها وهي‮ ‬دون شك تجربة ستتيح لهم فرص اكتساب مهارات أكبر في‮ ‬التعامل مع الناس بأوضاعهم المجتمعية المختلفة كما هو في‮ ‬أوضاعهم المزاجية ولربما المسلكية المختلفة‮.
وأختم كتابي بما قالته السيدة العبدلاوي: "في الحقيقة يجب على الكثير من هؤلاء أن يتحصنوا بالوعي والمسئولية أكثر مما هم عليه الآن، ورغبتي أن يتفهم المواطن ظروف السائق على اعتبار أنه إنسان بالدرجة الأولى، تم يجب على هذا السائق أن يكون متخلقا أمينا وصادقا في عمله، حتى يتمكن من تقديم صورة جميلة عن بلده بالنسبة للمواطن وبالنسبة للزائر والسائح على حد سواء...
حميد طولست فاس المغرب[email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- °°°أحلام سائق طاكسي
- أرصفة مع وقف التنفيذ
- مقالات حول المدن.
- البقال
- °°°عن تاريخ مدينة يتحدثون
- المقاهي !!!!
- الحرشة والملاوي في بيبان القهاوي
- لاعذر للنساء...
- كل النساء جميلات
- حتى واحد ما هاني
- نزاهة القضاء وعدله ضمانة لحقوق المرأة
- رضاعة الكبار
- °°°الاغتصاب
- بريئة من ذنبها!!!
- °°°ماذا لو حكمت النساء العالم؟
- المرأة ضحية جمالها
- وراء كل إمرأة عظيمة رجل يستحق الاحترام والتقدير
- الضامة ملجأ مسني مدينة فاس
- °°° بسطاء يرفَعهم الفساد إلى طبقة الأثرياء!
- أندية للمتقاعدين؟‮!‬


المزيد.....




- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...
- جميع الإصابات -مباشرة-..-حزب الله- اللبناني ينشر ملخص عمليات ...
- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- -بوليتيكو-: شي جين بينغ سيقوم بأول زيارة له لفرنسا بعد -كوفي ...
- كيم جونغ أون يشرف بشكل شخصي على تدريب رماية باستخدام منصات ص ...
- دمشق: دفاعاتنا الجوية تصدت لعدوان إسرائيلي استهدف ريف دمشق
- هبوط اضطراري لطائرة مسيرة أمريكية في بولندا بعد فقدان الاتصا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد طولست - سائق الطاكسي سفير فوق العادة