أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - مقالات حول المدن.















المزيد.....

مقالات حول المدن.


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 2420 - 2008 / 9 / 30 - 00:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


1 ـ مرجعيـة حـي شعبي

مص : روائح الحياة تبدو كأنها بصمات للأشخاص والأماكن ، التي نحب وحتى تلك التي لا نحب ، وذاكرة يسهل معها تحديد تلك الجوانب الحميمية الدافئة الموجودة فيها، فتطوحنا إلى أحبة وأزمنة فرت من بين إيدينا في غفلات من أزماننا بسرعة لم نكد نلحظها .. وكما للأشخاص روائح مختلفة فإن للمدن والأحياء هي الأخرى روائح خاصة تميزها عن غيرها ، فما تطأ رجلاك أرض مدينة أو حي سبق لك أن عرفتها حتى تستعيد رائحة تلك المدينة أو ذاك الحي التي يبدو أن لمناخات الناس وطقوسات حياتهم دخلا في تشكيلها .
كلما زرت حي " فاس الجديد المشور " الحي الشعبي البسيط الذي درجت على أرضه صبيا و وعشت أحلى مراحل شبابي بين تلاحم أناسه و تعاطفهم الذي يحسدون عليه ، إلا وشممت رائحة الإنتماء العفوي الذي أفرزته الممارسات الإنسانية الممتدة عميقا في مخيال وأحلام ساكنته ، وتنسمت عبق تحيزهم المطلق لمبادئ الخير والصدق والعدالة والمساواة ، دون إلقائهم بالا إلى لون أو عرق أو جنس ، صادقين حتى الوجع ، يأكلون من خير أناملهم ويسخرون من غدر إيامهم ، لاهم لهم إلا كرامة من ينتمي إلى حيهم ويحمل صفة الإنتساب إليه بزهو وإفتخار. كان إنتماؤهم مقدسا ، وكان هدفهم واحدا ، يجمعهم دين واحد سهل وواضح لا تعقيد ولا طوائف فيه ، ما كانوا في يوم من الأيام يشعرون بالتوجس أو الخوف أو الريبة من بعضهم. فدروب الحي تداخلت وازقته تشابكت، وبيوته تجاورت والتصقت وسطوحها امتدت على بعضها‮ فكانت عامل ثبات للمجتمع وأمنه واستقراره، فشعر السكان بالحميمية والألفة والمحبة والغيرة على الجيران،‮الأبواب مفتوحة والأولاد‮ ‬يمرحون بسلام،‮ ‬آمنين مطمئنين.‮ لم يكن معها الآباء والأمهات مأخوذين بهاجس الخوف والخشية؛ فكل بيت في‮ ‬الحي‮ ‬هو بيت للكل؛ الناس سواسية في‮ ‬التعامل اليومي‮ ‬مهما اختلفت مقدرتهم المالية وتباينت أنسابهم العرقية.‮ ‬ولشدة حاجة الناس لبعضهم بعضاً‮ ‬زالت الفوارق الطبقية وتبادل الناس المنافع،‮ ‬وعلى ضوء ذلك‮ ‬كان الاحترام والتقدير والتبجيل..‮ ‬فكبير الحي محترم وله منزلة وتقدير، و الشيخ له مكانته أيضا واحترامه،‮ ‬كما أن الصغير هو الآخر محبوب ومراعى وله وضعه بين الساكنة التي تفاعلت وانسجمت مع تراتبية هذا المجتمع الصغير وتقسيماته التي ‬سار عليها الآباء والأجداد، بقناعة ورضا ودون خوف أوخشية،‮

رب سائل يتساءل ، ولماذا الكتابة عن حي لا يعرفه معظم من يقرأون هذه السطور ؟ فعفوا أيها القارئ الكريم ، ولا تستغرب هذا المقال ولا تستنكره لأنه يتحدث عن حي شعبي ليس من الأحياء المشهورة . فليس الحي هو المقصود بذاته في كلامنا بدوره وأسواره ودروبه وأزقته وحوانيته .بل الموضوع في أساسه هو تلك الأجواء و الفضاءات النقية التي عشنا فيها أبهى خصوصياتنا وبها إحتمينا من كل المنغصات والطبائع الغريبة التي إبتلعت الدنيا من حولنا ،والتي لاشك طمست نفحات الخير في الكثير من الأحياء الشعبية ببلادنا ، كما لوتث روائح حينا وغيرت مرجعياته ، عندما إجتاحه دعاة مغالون ،يحملون بضراوة ويشنون بعداوة إنتشرت بين أهله فرق وجمعيات مشبوهة متعددة الأقطاب والإتجاهات يحملون بضراوة ويشنون بعداوة على كل جميل فيه .. يزرعون بذور الشقاق والنفاق بين أهاليه ، ويبثون الضغينة والفرقة بين أسره ، فإنشقت الصفوف ، وتصدعت العرى التى كانت إلى حين ثابتة في النفوس ثبوت الرواسي ، وقضت تلك التكتلات الطائفية المغلفة بالدين ، وهو براء منها ، على ما كان معروفا بين الساكنة من تعايش وتساكن وتقارب وتكافل اجتماعي ، ودفعت بهم إلى التناحر والإقتتال الذي لم يسلم من تأثيره حتى أفراد الأسرة الواحدة ..
إن ما وصل إليه حال هذا الحي الأمين وحال سكانه من طائفية بإسم الدين ، واختصار وجودهم الجوهري والإنساني في جزئية الإنتماء المذهبي ، لأمر يحز في النفس . لقد إستكثر دعاته المشبوهون مجرد هدوء العيش وصفاء الضمير الذي يتمتع به أهل الحي ، رغم الفقر الذي يطحنهم والظروف التي ترهقهم وتنهكهم ... ولكنهم مع ذلك متجلدون صابرون يضحكون وصدورهم مشحونة بالحزن على أيام الصفاء التي عرفها حيهم وحيي أيضا ... فما رأيك أيها القارئ الكريم ألا يستحق أن نكتب عن هذا الحي وأمثاله حتى ولو كان مغمورا ؟؟؟... فمدن هذا الوطن وأحياؤها تتشابه في هموم ومشاكل أهاليها الاجتماعية ومناطقها البيئية والخدماتية ،وتعاني التخبط والعشوائية وقلة التخطيط ، ومع يبقى قدرها الجميل والرائع هو ان تتعايش وتتسامح.. واروع فترات ازدهارها هي التي سادت فيها قيم التسامح والانفتاح والتعايش بين الأديان والالوان والطوائف والملل والنحل والمذاهب. فمن يقرأ تاريخ المغرب يلاحظ ذلك بغير عناء كبير، يكتشف بسهولة فطرة التعايش الأولى التي فطرت عليها الشعب المغربي... فالفترات المزدهرة عطاء وإبداعاً والفترات التي أضاءت الذاكرة، واحتلت شطرا مهما من الذكريات هي تلك الفترات الأكثر انفتاحا والأكثر تسامحا والأكثر تعايشا.
ففي الحكايات البسيطة التي يحكيها ساكنة فاس الجديد أعمق الدلالات على روح التسامح وثقافة التعايش التي سادت بالمغرب وجعلت مجتمعه البسيط آنذاك يتحلى فعلا وعملا بسلوكيات التعايش، كأجمل وأروع ما تكون عليه السلوكيات التسامحية الحقيقية المعبرة بتلقائيتها عن خلفية ثقافية مهمة للشعب المغربي، وهي ثقافة حضارية قادرة على الانفتاح وعلى تفهم شرط التعايش في أبعاده الإنسانية الأرقى، والتي نتمنى استعادتها في وقتنا الحالي كما كانت لنا ثقافة اصلية و مظلة واسعة تميز بها تاريخ و وجدان مجتمعنا في بواكر الزمن المتقدم والتي يحاول الطارؤون في العقود الأخيرة تشويهها وتزييفها بثقافة الكراهية والتفريق، الخارج عن سياقات تاريخ وثقافة المغاربة والتي لا تمت لهم بصلة ..
ولو عدنا إلى حي فاس الجديد رغم بساطته، لنجده بأحيائه القديمة يرحب بشكل لافت بكل الملل والنحل التي سكنته، بل كان أبناء الطائفة اليهودية منسجمين في مجتمع فاس الجديد بطريقة مبهرة، وما زالوا يحملون حنيناً إلى تلك الايام، ويتذكرونها بشيء من الروعة والدفء. من يبحث عن شواهد التعايش او ثقافة التعايش والتسامح الحضاري المتجسد في المسلكيات العامة البسيطة من دون تعقيدات اكاديمية صعبة على الذهن العام والعادي.. فلينصت إلى القصص التي يحكيها شيوخ الحي، وليقف أمام أكثر من حكاية وشهادة تحيل على الوعي الشعبي أو الاجتماعي العام بمفهوم التعايش الذي يتمظهر في الوعي والممارسات الشعبية للأحياء الشعبية آنذاك في علاقتهم مع " سوليكا " أشهر تاجرة في الملاح أنذاك، أو في علاقتهم مع " جيجي"الطبيب اليهودي، و" الألماني " الطبيب المسيحي، وبوطبول المطرب اليهودي الشهير..
قصص تروي في سردياتها مشاهد العلاقة الاجتماعية التي ربطت بين اليهود والمسلمين، وهي في دلالاتها تقدم ابسط وأعمق مفاهيم التعايش التلقائي قبل أن تخترق ثقافة الكراهية مساحات مهمة من الوعي الشعبي الذي كان ضاربا في أعمق أعماق وعينا .. وما احوجنا إلى استنهاضه من جديد..



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البقال
- °°°عن تاريخ مدينة يتحدثون
- المقاهي !!!!
- الحرشة والملاوي في بيبان القهاوي
- لاعذر للنساء...
- كل النساء جميلات
- حتى واحد ما هاني
- نزاهة القضاء وعدله ضمانة لحقوق المرأة
- رضاعة الكبار
- °°°الاغتصاب
- بريئة من ذنبها!!!
- °°°ماذا لو حكمت النساء العالم؟
- المرأة ضحية جمالها
- وراء كل إمرأة عظيمة رجل يستحق الاحترام والتقدير
- الضامة ملجأ مسني مدينة فاس
- °°° بسطاء يرفَعهم الفساد إلى طبقة الأثرياء!
- أندية للمتقاعدين؟‮!‬
- الألقاب الطريفة والمثيرة للسخرية
- الواقع شيء والمرتجى شيء آخر
- رقابة الانتخابات


المزيد.....




- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - مقالات حول المدن.