|
الواقع شيء والمرتجى شيء آخر
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 2385 - 2008 / 8 / 26 - 04:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك قناعة عامة توحي لنا نحن –المغاربة- بأنه كلما زاد صمتنا ، وتظخمت محاولات تصنعنا القبول والرضا بالواقع كحقيقة لا مفر منها إلا لها ، فإن الأيام ستنصفنا بإيجاد الدواء الناجع لعللنا. لكننا نصطدم بواقع لا يتوقف عن حمل أقسى المفاجآت واعجب الغرائب ، لنرى ما كنا نحلم به ونصطنعه من تغيير وتطور ديموقراطي، هو أهون من بيت العنكبوت لأنه لم يبن على معايير صادقة، ولأن كل القوى الحية بالبلاد من احزاب ، نقابات ، مجتمع مدني لم تستجمع بعد امكاناتها ، فكرا وفعلا ، لتستنقد المستقبل المغربي الأفضل من غمرة العواصف المتكاتفة والمتكالبة. فالواقع شيء والمرتجى شيء آخر . و لا أظنها مبالغة لو قلت أن كل شخص في المجتمع هو بمعنى من المعاني ، مراقب لما يدور حوله من أحداث، عينه لا تغمض لحظة عن ملاحقة الأشخاص الذين يعرفهم ويعايشهم وحتى أولئك الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه. وأنه الشريك المباشر في صنع هذا الركام القاتم من الاستياء المقهور، والغضب المستور، هذا الواقع البائس للبلاد والعباد الذي لم تعد تنفع معه الأساليب الملتوية البالية ، ولا الكلام المعاد الذي لا يتغيرولا يغير، والتقليد المجتر الذي لا يبدل ولا يتبدل ، والشعارات المكرورة التي لا تتجدد ولا تجدي نفعا. الوضع في حاجة ماسة إلى تعبئة شاملة تكون في مستوى الكارثة التي أوقعت الكثيرين في دوامة الفقر والجوع والمرض، تشدهم إلى القاع وتمنعهم من إيجاد موطن قدم على سلم التنمية والمشاركة فيها؛ نعم رجة قوية ترد الأمور إلى نصابها ، رجة لا يقوى على إحداثها إلا "الأبطال" كتلك التى أحدثها الخطاب الملكي 18ماي 2005 لتشخيص معظلة الفقر في شموليته وعمقه المركب الذي يستحيل فصل عنصر من عناصره عن الآخر أو التقليل من تأثير أحدها في الآخر ، مبادرة تميزت بكونها دعوة صريحة ملحة للانخراط الكلي والانحياز الواثق ، لإستبدال انساق الرتابة والتوتر والمعاناة اللتان عرفتهما جغرافية البؤس المكتظة بالتشابه والعزلة والمؤامرات المعطرة بالأكاذيب الجميلة، والمؤتثة بالوعود العرقوبية الأخادة، والمفتقرة للحب والعدل والديموقراطية . وكما هو حالنا ( لانسمع من الطبل غير التنقيرة ) ،وأننا كالمجنونة (اللي قالو لها زغرتي) شهدنا ونشهد هرولة قادة احزابنا الكبيرة والصغيرة، اليمينية واليسارية، اللبرالية والإسلامية، ولاحظنا إقبال رؤساء نقاباتنا ومسيري الكثير من جمعياتنا المدنية والمخزنية، يتراكضون كالمهرجين في حركات البهلوانية لحشد المواطنين حولهم في حلقات تثير اهتمام المواطنين وتدفعهم إلى التجمع والتزاحم حول (أراجيز) الحلقة الذين لم يستطيعوا ولن يستطيعوا إقناع الجمهور- لنعدام الصدق في أقوالهم - عن مضامين هذه المبادرة الملكية المتميزة مهما استحدثوا من كوكتيلات التصريحات المستنسخة ، والتعليقات الفضفاضة ، التي غاب عنها الجانب المعرفي ، وتجردت من موهبة "دقة الملاحظة" واكتفت كلها بالاشارة العابرة ، والتناول الحصري القاصر، ولم تلتقط التفاصيل المثيرة ولم تشمل جردا نقديا لكل التعريفات والنظريات وما يستوجب من مقاربات واستراتيجيات جادة للتعامل مع الفقر، عبرالنفاذ إلى دواخل المعظلة و تشخيص المعوقات التي تواجه قضايا التنمية البشرية وأخدها بالجدية المطلوبة، والانخراط الفعلي الواعي الملتزم في مسلسلها، كل حسب موقعه ومستوى مسؤولياته، فالمعضلات من حجم الأمية والبطالة وضعف البنى التحتية والفقر، لا تحل بالأماني الطيبة والنوايا الحسنة، ولا بالخطب الرنانة والمهلرجانات الصاخبة، كما أنه لا مجال فيها للصدفة ولا المفاجأة السارة غير المتوقعة . قلة هم الذين يملكون موهبة خاصة في التعرف على كنه الأشياء وفلسفاتها، و عندهم حساسية مرهفة في إلتقاط التفاصيل المثيرة للاهتمام، وهو ما نسميها " دقة الملاحظة" والتي إذا ما اقترنت بصدق الوطنية إلى جانب موهب لاتقل عنها أهمية ، وهي موهبة القدرة على كسر القشرة الخارجية للظواهر وسبر أغوارها ، فإن حصيلة الاستنتاجات والأحكام كانت ستكون من النوع الذي يعيش ويتجدد ويدعو للتأمل والتفكير الدائم في خطورة المعظلة وعظمة المبادرة، وإن الزمن وحده قادر على الكتشف عن مكامن عبقرية واضع الخطة، وليست تلك المعالجة السطحية المؤجلة للإصلاح في جذوره، ولا الهرولة الصلفة والتنافسية المثيرة -على وسائل الإعلام-، وكأن الأمر يتعلق بالتعليق على مباراة في كرة القدم التي لا تحتاج إلا إلى إلتقاط وتجميع بعض من المعطيات، وإعادة إنتاجها نظريا دون استصفائها والوعي بها فيما يبقى الفقر – هذا الغول المخيف - متجسدا في كل مكان لا يتزحزح قيد أنملة . نحن إذا أمام خيار الإبداعات الصادقة لمسؤولين نزهاء قبل خطاباتهم الرنانة، التي لا تبرء ولا تدين ، لأن الأعمال وحدها لها ذلك، ولأن مصير هذا الشعب رهين بما يبدعه أبناؤه المخلصون وينفذه مسؤولوه النزهاء. وبما أن النتائج تحسمها الأفعال لا الأقوال والتوهمات، فما احوجنا إلى مسؤولين مبدعين مثوتبين للخلق والمبادرة والإبتكار، وفي انتظار تحركهم دعوا ملك البلاد ينقد ما يمكن انقاده .
#حميد_طولست (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رقابة الانتخابات
-
.فرخ الوز عوام
-
بنك الزواج للمزلوطين!!
-
°°°صراعات المنتخبين وتعاسة الناخبين
-
الرصيف أو الطروطوار
-
حيرة هلال
-
°°° حزب الصم البكم الذين لا يقشعون.
-
المنتخب متهم حتى تثبت براءته
-
استطلاع الرأي ترف ديمقراطي لا نملكه
-
ثقافة السلام وخطاب التحجر
-
الشوبينغ - و شبقية التسوق
-
فوضى فتاوى القحط و دعاوى الإبادة
-
الشارع المغربي!
-
°°°الكائنات الإنتخابوية...
-
الفساد والإفساد..
-
صحافة الحقيقة!
-
°°° كثرة المهرجانات تبديد للمال العام
-
°°°الوصايا العشر الموصلات لمجلسي النواب والمستشارين
-
°°°الشذوذ الجنسي.. أسبابه وهل له علاج؟
المزيد.....
-
ترامب يناور بالغواصات النووية.. مما يتألف الأسطول الأميركي ت
...
-
أوكرانيا تضرب العمق الروسي وتكشف عن فساد واسع يستهدف قطاع ال
...
-
الأطفال الجائعون وتفشي البلادة الأخلاقية
-
أسير إسرائيلي جائع يحفر قبره.. المقاومة تزلزل العالم
-
إدانة ماليزية شعبية ورسمية لجرائم التجويع في غزة
-
مواقف جديدة لإيران بشأن التخصيب النووي: استئناف القتال مع إس
...
-
فيديو- مشاهد مؤثرة لطفل فلسطيني يركض حاملاً كيس طحين وسط واب
...
-
رقم قياسي - هامبورغ تشهد أكبر مسيرة في تاريخها لدعم -مجتمع ا
...
-
ويتكوف يلتقي في تل أبيب عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزي
...
-
-واشنطن بوست- تنشر صورا جوية نادرة تكشف حجم الدمار الهائل ال
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|