أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الرصيف أو الطروطوار















المزيد.....

الرصيف أو الطروطوار


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 2380 - 2008 / 8 / 21 - 01:12
المحور: المجتمع المدني
    


هل تعتقد أننا من الشعوب التي تسير على الرصيف؟
الرصيف LE TROTTOIR . هذا الحيز المرتفع بعض الشيء عن مسارات السيارات في شوارع المدن المتحضرة، والذي يعمل مسؤولوها في كل بلاد العالم على تهيئته فضاءات صالحة للمشي وقضاء المآرب، سالمة من التخريب وظلم التشويه، خالية من العوائق والمطبات، خاصة بالراجلين لتكون صمام أمان للمارة تحميهم من مخاطر الطريق التي تؤدي إلى نتائج محزنة يحصد ويلاتها الكثيرون.‏ وقد إصطلح على تسميته بالرصيف جمع أرصفة. وللمغاربة قصص وحكايا طويلة وعريضة مع الطروطوار الرصيف أو الطوار بالتعبير العربي الفصيح وتطلق في المعجم العربي على الطريق المبلطة بصفائح الحجارة، أما في معجم لاروس Le nouveau larousse فيعرفه بأنه هو:Espace plus élevé que la chaussée ,généralement bitumé ou dalet ménagé sur les cotés d’une rue pour la circulation des piétons .. .
لقد صمم " الطروطوار" ليكون ممشى يمر الناس عليها و معبراً لتنقل ساكنة المدن بين أحيائها.. لكن الحقيقة الفعلية المعاشة أن المواطن المغربي أصبح يفضل إتخاد الشوارع طريقا له، مزاحما السيارات في مساراتها.. لا لأنه غير متحضر يمقت السير على الأرصفة !! ولا لكونه لا يحترم القانون !! لا وألف لا. فقد رأى هذا المواطن أن تلك الأرصفة قد أصبحت محرمة عليه بعدما تملكها غيره، حيث أضحث في مجملها ملكاً للباعة المتجولين وأصحاب المحلات من ميكانيكيين وذوي الصناعات الخفيفة كخياطة الأفرشة والنجارة، وغيرها كثير ممن إمتدت أوراشها وبسطت بضائعها لتغلق الطريق في وجه المشاة، وتضطرهم إلى النزول إلى الشارع وترك الأرصفة لمحتليها.. فمعروضات الباعة المتجولين، وسلع المحال التجارية وآلات أوراش التصليح الصغيرة المنتشرة بصلف وتحد في جميع أحياء المدينة، أصبحت اليوم أمرا مباحا، وربما مشروعاً جراء انسحاب المشهد على جميع شوارع ودروب أحياء و أسواق المدينة، وصار من الطبيعي أن ينأى الناس عن أرصفة مختفية تحت ركام السلع وأكوامها التى تعدى حجمها كل الحدود ليصل زحفها إلى بعض الشوارع ليسدها هي الأخرى، ويجعل المرور منها عسيرا بل مستحيلا في أكثر الأحيان.. حيث تحولت جلها إلى محال تجارية متحركة تعرض مختلف البضائع، المصنعة محلياً أو المهربة، ما اضطر المواطن ليشارك السيارات مساراتها هرباً من هذه المضايقات. والطريف في الأمر هو انه رغم تسليم المارة بالامر الواقع وسيرهم في الشارع مع السيارات، إلا أن السلع لحقت بهم ونزلت هي الأخرى إلى عرض الشارع لتزاحهم والسيارات..
هذا حال الأرصفة في الكثير من البلدان المتخلفة، فظاهرة احتلالها والاعتداء على حقوق المشاة أضحت أمراً واقعاً وجزءاً من الحياة اليومية في غالبية المدن المغربية ومن الصعوبة التخلص منها. والحديث عن شوارع فاس و أرصفتها، سيدفع بنا إلى جرد حالها وبسط أحوالها وعرض أسباب إهمالها. فإذا كانت هناك أرصفة في مدينتي فاس كما في باقي المدن المغربية الأخرى، فهي إما ضيقة ، أو ضاقت بما قضم منها، وإذا لم تكن ضيقة فهي أعلى من سطح الشارع بربع المتر أو تزيد، محفرة مغبرة، وهي صفات بديهية وواضحة وجلية حتى على الأعمى الذي يسقط منها وفيها كلما حاول تسلقها لإهمال مسؤولينا لأحوال 10% من ساكنة المغرب المصابون بأنواع مختلفة من الإعاقات التي تمنعهم من استعمال هذا النوع من الأرصفة الغريبة التي لا تكل ولا تمل من إزعاجنا وقهرنا والتسبب في جنوننا، بسوء الحال، والازدحام، والاكتظاظ، والتشوهات الخرقاء، والضيق المقيت، والعلو الشاهق، والعوائق والمطبات. فجل أرصفتنا إما أوراش بناء إحتلت رمالها وآلاتها المؤذية الخطيرة كل فضاءاتها، وإما مقاه ومطاعم لم يتورع أصحابها عن إستباحة مجمل مساحتها وإستغلال جنباتها إلى درجة العبث والإسفاف، بما وضعوا فوقها من أسيجة وحواجز ومستنبتات وكراسي وطاولات تمنع الراجلين من استعمالها.. وإما متاجر احتلت ما فاض عن حيزها ببسطات ومعلقات الصحف والجرائد وركام قنينات الغاز، وإما ورشات ميكانيكية لتصليح السيارات، وأخرى للنجارة أو الخياطة.. ناهيك عن ظاهرة الباعة المتجولون وما تعرفه تفريشات معروضاتهم من إنتشار لا محدود فوقها ، إلى جانب معضلة الأزبال المتراكمة عليها والمياه الآسنة المتهاطلة على الرؤوس من شرفات العمارات والبيوت المطلة عليها، دون التحدث عن " التمياك" والتسامح مع السيارات التي تركن فوقها بحثا عن ظل شجرة جدار، لغياب المآرب وقلة مواقف السيارات بالمدينة.
كل ذلك و غيره كثير يعوق السير والمسير، و ينفر الراجلين من إستعمال الأرصفة البئيسة ويضطرهم لمشاركة السيارات فيما خصص لها من طرقات على علاتها هي الأخرى بحفرها وخنادقها و قلة بل وإنعدام إشارات المرور الخاصة بالراجلين التي تسهم في تفاقم المعضلة التي حادت ب"الطروطوار" عندنا عن مهمته الأساسية ليصبح أكثر ضررا وأخطر من الطريق. فبإلاضافة إلى السلبيات والأخطار التي تتسبب في جنوح الناس عن إستعماله ولجوئهم إلى السير في الطرق المخصّصة للسيارات، للرصيف عواقب أخرى وخيمة على الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع "التهريب" والتجارة غير القانونية، حيث يستغله الباعة المتجولون غير القانونيين الذين ليس لديهم سجلات تجارية، ليمارسوا فيه وعليه عمليات البيع والشراء في كل المهربات حتى التي لا تحمل في أكثر الأحيان أدنى حدود المواصفات المتعارف عليها, والتي يترتب من خلالها حالات غش حقيقية تهدف بالأساس إلى الربح ولو على حساب صحة المواطن.
وحتى التجار الذين لهم وضع قانوني ويملكون سجلات ويتواجدون في محلات قارة فإنهم يستخدمون الطروطوار لعرض بضاعتهم، وقد يعرضون أكثر من نصف محتويات دكاكنهم فيه لكي يراها الزبائن، ولا يهمهم إن تعرضت للتلف أو تأثرت بالعوامل المناخية كالشمس أو الغبار ما دام ذلك " الطروطوار" يروج لها كيفما كان حالها..
فلا يمكن أن يكون كل هذا العبث الذي تعرفه أرصفتنا، وهذا الجنون الذي يحدث فوق ركحها، وذاك التطرف، والهراء الذي يجري علىمساحاتها، أمراً طبيعياً البتة، وربما يدخل في نطاق التجريد الخالص، والخيال الواسع، والسوريالية المرّة، وبرامج الكاميرا الخفية. وهو يشكل ولا شك، ولفرط عدم واقعيته واستثنائيته، ومن وجهة نظر سلوكية بحتة، تخصصا وإنفرادا أكاد أجزم بأنه لم يحدث في تاريخ المدن إلا عندناً..
لم يكتف الطروطوار" بهذا الدور الاقتصادي/الاجتماعي، بل أصبح في السنوات الأخيرة وسيلة للدعاية الانتخابية ومكانا مفضلا لحملاتها حيث يعكف رؤساء البلديات على تغيير بلاطه وتزيينه كلما قربت الاستحقاقات بغية نيل رضا الناخبين لإعادة انتخابهم على رأس البلديات مرة أخرى. وبهذا أضاف الطروطوار إلى رصيده المليء بالمكرمات مهمة أخرى وأصبح مكانا لصرف الأموال العمومية وتبرير نفقات ميزانيات البلديات في مثل هذه المشاريع الطروطوارية الانتخابية.وقد دأبت إلى جانب ذلك أكثر من جهة رسمية وغير رسمية على استغلال "الطروطوار" كبالون اختبار يستعمل لسبر الرأي العام والتأثير في القناعات أو زعزعتها، بدل الوسائل الرسمية مما أدى إلى الغموض وانتشار الإشاعات. فأغلب القرارات والإجراءات التي تعتزم الجهات الرسمية في المدينة اتخادها يعرفها المواطن قبل تاريخ الإعلان عنها من خلال ما يسرب للشارع. فراديو طروطوار هو مصدر مهم وفعال في تزويد المواطنين بالمعلومات والأخبار يستغل من قبل السياسيين الذين حوّلوه إلى وسيلة للتحكم وتسيير الشأن العام..
ليس " الطروطوار" عندنا سيئا كله، فقد تحسب له بعض الحسنات وعلى رأسها التبشير بالزيارات الميمونة لملك البلاد وما يصاحبها من مشاريع خير ونماء وأيادي بيضاء كريمة، فكلما رأى الناس عمال الانعاش يقومون بطلاء الارصفة فذاك مؤشر واضح ودليل قاطع على قرب زيارت جلالته فيستبشر الناس خيرا..
ومن اللافت للنظر أنك و من خلال تجوالك في شوارع المدينة تجد المفارقات في تنوع السلع وتعددها ويخيل إليك أنه لا يوجد شيء غير صالح أو غير قابل للتجارة على هذه الأرصفة، فتارة ترى بائعاً يفترش الأرض وأمامه عدد كبير من العلب المليئة بالأعشاب والخلطات وكل عينة تختص بمعالجة أحد الأمراض، بعضها للمعدة وبعضها للروماتيزم وأخرى منشطات، حتى يخيل إليك أنك أمام صيدلية متحركة. وتارة أخرى تجد نفسك أمام ثقافة جديدة أخذت تعبر عن نفسها كواحدة من استحقاقات عصر السرعة والتكنولوجيا متمثلة في مكتبات ضخمة منتشرة في الشوارع القديمة منها والحديثة. عشرات الأرصفة في شوارع المدينة خاصة في الأحياء الجامعية أو المجمعات السكنية القريبة منها تعج بباعة الكتب والمراجع والمجلات القديمة الذين يختارون الأمكنة المزدحمة بالمارة من الطلبة على الخصوص، كمواقف الحافلات والأسواق الشعبية ومداخل المساجد. ولا تختص مكتبات الأرصفة هذه ببيع الكتب القديمة أو المجلات فقط بل تضم كتبا علمية وكتبا للكليات الجامعية وأدوات مدرسية تباع كلها بنصف ثمنها. أما أكثر الكتب مبيعا بحسب يعض أصحاب المكتبات المتنقلة فهي الكتب الدينية وكتب الثقافة الجنسية. والغريب أن كتبا نادرة وقيمة لا يمكن أن يجدها المرء إلا لدى هذه المكتبات التي تتحول بعضها إلى محطة مفضلة لنوعية خاصة من المثقفين والكتاب والصحفيين والأدباء الذين يهوون ما أصبح يسمى بثقافة الرصيف التي تروج لنوعية محددة من الكتب تلقى رواجا خاصا من قبيل كتب العفاريت والجن والسحر ومثلث برمودا والجنس! فضلا عن بعض الكتب المنسوبة إلى الدين والواسعة الانتشار من نوعية.. عذاب القبر ونعيمه، وماذا ترى في النار؟ وسكرات الموت، وكبائر النساء، إلى آخر هذه القائمة.
والطريف أن كثيرا من باعة الكتب على الأرصفة ورثوا هذه المهنة من آبائهم، والأطرف أنهم طوروا تلك التجارة حتى باتت مكتباتهم رغم تنقلها تضم أشياء أخرى غير الكتب لتلبية رغبة الزبون مثل الأقراص المدمجة وال "دي في دي". أيضا...
ومن أغرب ما قرأت عن هذا "الطروطوار" الخبر الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية عن وفاة محارب بولندي شارك في الحرب العالمية الثانية بعد أن أمضى 35 عاماً في خيمة على الرصيف في بريطانيا حيث سمحت له السلطات بذلك، لأنه يعاني من رهاب الأماكن المغلقة منذ كان معتقلاً في أحد المعسكرات النازية.
و يمكن القول إن إشكاليات المرور وحوادث السير، لا تتسبب فيها السيارات فقط، بل من أهم أسبابها في الوسط الحضرى ذاك الضغط الذي تعرفه مدننا على أرصفة شوارعها ، لذا لابد من إيجاد معالجات سريعة للحد من هذه المظاهر غير الحضارية, و تلك الانتهاكات السافرة لحقوق مستعملي الرصيف من المشاة، وهذا يتطلب التشدد بالإجراءات الرادعة لمن يشغل الأرصفة مع إجراءات عملية تردع المتجاوزين..‏



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيرة هلال
- °°° حزب الصم البكم الذين لا يقشعون.
- المنتخب متهم حتى تثبت براءته
- استطلاع الرأي ترف ديمقراطي لا نملكه
- ثقافة السلام وخطاب التحجر
- الشوبينغ - و شبقية التسوق
- فوضى فتاوى القحط و دعاوى الإبادة
- الشارع المغربي!
- °°°الكائنات الإنتخابوية...
- الفساد والإفساد..
- صحافة الحقيقة!
- °°° كثرة المهرجانات تبديد للمال العام
- °°°الوصايا العشر الموصلات لمجلسي النواب والمستشارين
- °°°الشذوذ الجنسي.. أسبابه وهل له علاج؟


المزيد.....




- بي بي سي ترصد محاولات آلاف النازحين العودة إلى منازلهم شمالي ...
- -تجريم المثلية-.. هل يسير العراق على خطى أوغندا؟
- شربوا -التنر- بدل المياه.. هكذا يتعامل الاحتلال مع المعتقلين ...
- عام من الاقتتال.. كيف قاد جنرالان متناحران السودان إلى حافة ...
- العراق يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام المثليين
- قيادي بحماس: لا هدنة أو صفقة مع إسرائيل دون انسحاب الاحتلال ...
- أستراليا - طَعنُ أسقف كنيسة آشورية أثناء قداس واعتقال المشتب ...
- العراق ـ البرلمان يرجئ التصويت على مشروع قانون يقضي بإعدام ا ...
- 5 ملايين شخص على شفا المجاعة بعد عام من الحرب بالسودان
- أستراليا - طَعنُ أسقف آشوري أثناء قداس واعتقال المشتبه به


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الرصيف أو الطروطوار