أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد حسنين الحسنية - عرب الحضارة ضد عرب البداوة ، صراع قديم قائم















المزيد.....

عرب الحضارة ضد عرب البداوة ، صراع قديم قائم


أحمد حسنين الحسنية

الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 06:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم يسلم تاريخ العرب الداخلي يوما من الصراعات ، و أكثر تلك الصراعات تعد غير ذات قيمة على الإطلاق ، عندما ننظر لها بمنظور القيمة الحضارية ، فهي إما صراعات ذات أسباب إقتصادية بحتة ، كالتقاتل - في الزمن الغابر - على الكلأ و الماء ، أو إنها صراعات عنصرية ، كالصراع العربي الداخلي الشهير ، بين اليمانية و القيسية ، أو ما يعرف أيضا بالصراع بين العرب العاربة و العرب المستعربة ، ذلك الصراع الذي عُرف منذ ما قبل الإسلام ، و أستمر في مصر إلى بدايات النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي ، و أستمر يتسبب في إراقة الدماء في بلاد أخرى ، كما في بلاد الشام ، إلى القرن الثامن عشر للميلاد .

إذا كانت الأمثلة السابقة للصراعات العربية القديمة تثير الخجل الحضاري العربي اليوم ، فإن هناك صراع عربي أخر ، قديم أيضا ، لا يقل ربما قدما عن الصراع القيسي – اليماني ، و إن كان يختلف عنه بأنه أكثر قيمة ، و أرفع مرتبة ، في طبيعته ، و الأكثر أهمية في نتيجته ، و كذلك في كونه لازال يدور لليوم على الساحة العربية ، و أصبحت أدواته ليست السيف و الرمح ، بل الكتاب و وسائل الإعلام ، و منبر المسجد ، على أن ذلك لا يمنع أن أحد أطراف الصراع لازال لا يتورع عن إستخدام القوة لقمع الطرف الأخر في بعض الأحيان .

إنه الصراع بين عرب الحضر و عرب البداوة ، عرب الحضارة و الرقي من جانب ، و عرب البداوة و الجلافة من جانب أخر .

إنه الصراع بين الحضارة و التخلف .

الصراع قديم ، قدم تسرب إشعاعات الحضارة الإنسانية إلى الجزيرة العربية ، قادمة من بلاد الهلال الخصيب ، و فارس ، و الهند ، و المراكز الحضرية اليونانية و الرومانية ، و تعزز ذلك الوجود الحضاري بين العرب بإحتراف قبائل و مجتمعات عربية التجارة ، البرية و البحرية ، بعد أن رأت أن قيمة ما تدره التجارة يفوق بكثير ما يدره الرعي و ما يأتي به النهب ، كذلك بعد أن أدركت أن ثمرة الحضارة تحوي متعة الرفاهية المادية و كذلك متع عقلية .

أدلة وجود هذا الصراع متوافرة في المصادر العربية ، أول تلك المصادر ، و أعلاها قيمة ، القرآن الكريم ، و بخاصة في السور المدنية مثل الفتح و التوبة ، حين بدأ المجتمع الإسلامي في توسيع دائرته ، و بدأ الإحتكاك بين عرب الحضارة التجارية المكية ممثلين في المهاجرين و معهم عرب الحضارة الزراعية ممثلين في الأنصار ، من جانب ، و عرب البادية ، من جانب أخر ، و الذين لم ترتق عقولهم إلى درجة الإيمان الحقيقي بعقيدة .

على إننا لا نعدم إشارة قرآنية كريمة هامة في أحد السور المكية ، و أعني الآية مائة من سورة يوسف ، و فيها يعدد يوسف ، عليه السلام ، نعم الله عليه و على آل يعقوب ، فيذكر مع خروجه من السجن قدوم أسرته من البدو ، أي من حياة البادية و الترحال ، إلى حياة الإستقرار و الحضارة ، في مصر .

الإشارة اليوسفية القرآنية الكريمة السابقة ، و التي تدل على أن النظرة إلى البداوة ، هي نظرة دونية ، هناك ما يدعمها من السيرة النبوية المشرفة ، فأثناء غزوة حنين - و التي شارك فيها من الجانب الإسلامي الكثير من طلقاء قريش ، الذين أسلموا بعد فتح مكة مباشرة – و حين كانت الغلبة لقبائل هوازن في اللحظات الأولى للمعركة ، حدث أن هرع أحد هؤلاء الطلقاء ليبشر أخيه صفوان بن أمية ، أحد سادات المجتمع القرشي و أحد الطلقاء أيضا ، فكان رد صفوان على أخيه : فض الله فاك ، أتبشرني بغلبة الأعراب .

الإسلام - كما هو واضح من مجريات الحادثة - لم يكن قد تسرب بعد إلى قلب صفوان و أخيه ، و رغم أن هزيمة المسلمين كانت تسرهما ، إلا إنه كان هناك رفض من الأخ - الأكبر سنا و مقاما - أن يأتي النصر على يد من هم أقل منزلة حضارية منهم ، فالمهم لدى صفوان – في تلك اللحظة –هو ألا ينتصر عرب البداوة على عرب الحضارة ، ألا ينتصر التخلف على الرقي ، لقد كان على إستعداد أن يشهد نصر أخر لمحمد ، صلى الله عليه و سلم ، و لكن المهم ألا ينتصر هؤلاء الأجلاف .

في عُجالة أورد أمثلة أخرى ، فهناك أيضا حديث نبوي شريف ، ينهي أهل الحضارة عن العودة للبداوة ، كما أن التاريخ الأدبي العربي ، و بخاصة في العصر الأموي و كذلك في العصر العباسي الأول ، يذخر بهجو عرب الحضارة لأهل البداوة ، و يحضرني حادثة تعيير النوار ، زوجة الشاعر الشهير الفرزدق ، لزوجها الفرزدق ، حين تزوج بأخرى بدوية ، و لا داعي في هذا المقام لذكر التعبير الذي إستخدمته ، رغم أنه يعبر عن الفارق الحضاري بجلاء ، مثلما يؤكد على إستمرارية النظرة الدونية للبداوة في نظر عرب الحضارة ، و التي كان من البديهي أن تتعمق بمزيد من إحتكاك العرب بأهل الحضارات الأخرى في ذلك العصر ، و ما نتج عن ذلك الإحتكاك من تعمق الإحساس بتفوق الحضارة .

إحساس العرب المزدوج بقيمة الحضارة و كذلك التفوق الحضاري للأمم المحيطة بهم ، في العصرين الأموي و العباسي الأول ، كان نتيجته حركة واسعة للترجمة ، كانت جلية في العصر العباسي الأول و كذلك في الأندلس ، نقلت الكثير من تراث اليونان و اللاتين و الفرس و السريان و الهنود ، و تبع ذلك تبني تلك الذخيرة الحضارية ، لتصبح جزء من التراث الحضاري العربي ، و و ليتم بعد ذلك الإضافة إليها بجهود علماء و مفكرين عرب و متحدثين بالعربية .

اليوم ، وفي العصر الحاضر ، و في وقت فقد العرب و المتحدثين بالعربية فيه تفوقهم الحضاري ، نلحظ - و بما يثير الإستغراب و الحسرة و روح التحدي معاً - صحوة للبداوة ، و تمجيد لها ، فمن مهرجانات تقام بشكل سنوي ، و بشكل لافت في أنحاء الجزيرة العربية ، لتجسيد حياة البداوة البائدة تقريبا ، و مسابقات لشعر بدوي يدعي بالنبطي ، إلى صحوة – و ما أشأمها من صحوة - لما يدعى بعلم الأنساب ، وما يجره من عنصرية و تمييز .

الصحوة البدوية هذه لا تمثل خطورة علينا ، لو إنها إنحصرت في من بقى على بداوته ، و لكن الكارثة إنها تلقى دعم الأنظمة الحاكمة و رعايتها الإعلامية ، و ما يتبع ذلك من تصوير النمط العربي البدوي ، على أنه النمط العربي التراثي الوحيد ، في عقول النشء ، ماحيا النمط الأخر من الذهن ، و يصبح التخلف البدوي هو التراث العربي الواجب الحفاظ عليه ، و الذود عنه .

من المفهوم لماذا تدعم بعض الأنظمة الخليجية هذا الإتجاه ، فهي أنظمة تستمد شرعيتها من تراث بدوي قبلي ، و إستمرارية الروح البدوية في العقل الخليجي مهم لإستمراريتها ، حتى لو كان الإنسان الخليجي اليوم يركب سيارة و طائرة بدلاً من الناقة و الحمار ، و لكن من غير المقبول أن تتحول أنظمة في منطقتنا تحكم بلاد عريقة في حضارتها ، كالنظام المصري و غيره ، إلى داعمين لموجة البداوة المتخلفة هذه ، و التي – للأسف – لو لم نتصد لها ، كحضاريين ، فإنها لن تقف عند مهرجانات لسباق الهجن ، و تباري في دعم مسابقات الشعر النبطي ، في منطقة سيناء ، بل ستستفحل لتصل إلى درجة إقتلاع التراث الحضاري الأكثر قيمة ، مثل الأدب المصري الراقي لصالح أدب بدوي ، مثلما ستقود إلى رفض التحديث الفكري و المادي في المجتمع ، و إلى إنغلاق فكري يقود إلى قمع روح النقد و التطور ، فالأجيال التي ستنشء في مصر في ظل موجة البداوة ، ستتصور أن التراث العربي هو التراث البدوي فقط ، و عندها سيكون بالإمكان القول بأن الغلبة أصبحت للأعراب ، أو لهوازن على قريش .

المعركة هي معركة كل حضاري ، حتى لو كانت أصوله بدوية ، فيما مضى ، لأنه لو كان بدوي الأصل ، فعليه أن يحمد الله أن أتى به و بأسلافه من البدو ليستقر في أحضان الحضارة ، كما حمد يوسف ، عليه السلام ، ربه .

الصراع بين الحضارة و البداوة لا يجب أن ينتهي بإنتصار البدوي على الحضري ، بإنتصار النموذج السعودي النجدي البدوي ، على النموذج الحضاري في وادي النيل و المشرق العربي و البلدان المغاربية ، و مدن الحجاز التي عرفت من قديم قيمة الحضارة فتبنتها ، و سواحل الجزيرة العربية العريقة في ميدان التجارة الدولية .

إنه أحد أقدم الصراعات العربية الداخلية ، و أكثرها أهمية ، و هو لازال قائم ، فالمعركة تجري وقائعها لليوم و أمام أنظارنا و بمشاركتنا ، سواء بالصمت ، أو بالمشاركة الفعالة .

دار الترجمة و الكتاب الجاد و موقع الإنترنت التثقيفي و الموسيقى الراقية و الفنون و الآداب الرفيعة و العلوم الحديثة ، يجب أن ينتصروا على سباق الهجن و البشعة و شعر النبط و رقصة السيف ، و حكم القبيلة ، و الأهم على تكميم العقول بالخرافة و جمود الفكر ، فخسارة هذه المعركة ، بشكل نهائي ، سيكون ثمنه فادح للغاية ، و قد تذوقنا ، و لازلنا نتذوق ، منذ عشرينات القرن العشرين مرارة الخسائر التي منينا بها على يد البدو .



#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة ، مرحباً بالإنضمام ، و لا لعودة الإدارة المصرية
- يوم الفخر - يوم الدرعية 9-9-1818
- أوباما أو ماكين ، العبرة بالموقف من القضية المصرية
- لسنا ضد أهل الخليج ، و لكن ضد بيع مصر لهم
- تصوراتنا للإتحاد المتوسطي ، دراسة مدرسية متبادلة لتاريخ بعضن ...
- عبد الوهاب المسيري حي بنا
- لا تنامي يا محلة ، فمن يتحدى آل مبارك لا ينام
- هل ينقص مصر الطلاب ؟
- المحكمة المتوسطية العليا لحقوق الإنسان
- تصوراتنا لإتحاد المتوسط ، السفر و العمل و التجارة و البيئة و ...
- إستفتاء شعبي لكل قانون ، هو الطريق للحرية و العدالة
- إتحاد شمال شرق أفريقيا هو الأقرب للواقع
- أئمة المساجد بالإنتخاب
- عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، و لكنها ليست كما نرغب
- شارع الخليفة المأمون سابقاً ، الوجه الحقيقي لطاغية
- المعارضة المصرية بين الدرس النيبالي و خيانة الرابع من مايو
- دوحة ترحيل المشاكل للغد
- الساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية
- حتى تعود مصر لمكانتها ، الحلقة الأولى
- فوتوغرافية هذه الحقبة


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد حسنين الحسنية - عرب الحضارة ضد عرب البداوة ، صراع قديم قائم