أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - أنواع أقلام الكُتَّاب















المزيد.....

أنواع أقلام الكُتَّاب


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2399 - 2008 / 9 / 9 - 00:41
المحور: كتابات ساخرة
    


لا أدري لماذا استولتْ على مُخيلتي صورة القلم الذي يستعمله الكتَّابُ في كتابتهم ، فتخيلته في صورٍ شتَّى ، فهو برأسه المُدبب رمحٌ يُشبه السكينَ و المنخس ، الذي يُستعمل للنخس أو الطعن، وهو كذلك يشبه العصا التي يستعملها االمقعدون والعاجزون عن السير يتوكؤون عليها ، ويهشُّون بها على أفكارهم ، وهو أيضا يُماثلُ صورة الشمعة التي تحترق لتضيءَ طريق السالكين ، كما أن القلمَ رسّام بارعٌ للصور والأشكال،الصور الشخصية وصور الحكام وولاة الأمر ، وهو في الوقت نفسه شبيهٌ بمشرط الطبيب ، وهو أيضا يماثل بالضبط أقلام الروج التي تستخدم كمكياج لطلاء الشفاه .
فهل يعود السبب في توارد الصور العديدة السابقة للقلم إلى مخيلتي إلى أنني كنتُ أشاهدُ كيف يُعذَّبُ أحدُ مدرسيَّ في المدرسة الابتدائية الطلابَ المهملين باستخدام القلم بدلا من العصا ؟
فقد كان يجعلهم يمسكون قلم الرصاص المضلع الأطراف بقوة بين أصابعهم ، ثم يقوم بالضغط على أطراف أصابعهم للحصول على صراخ الألم ، ثم ينقل القلم إلى الأذن فيفركها به بعنف ، ليحصل على صرخة أخرى مختلفة فينتشي ،ثم يمسك بقلم الرصاص مرة أخرى، وينخس الطالب المسكين به ليحصل على صرخة أخرى مختلفة عن الأولى فيبتسم مُلتَّذا .
هل كان السبب هو ذلك المدرسُ القاسي، الذي أورثني الصورة ، وأراد من خلالها أن يبث في نفوسنا رسالة تقول : احذروا الأقلام ، فهي جالبة للآلام والعسر والفقر ، أم أنه كان يود أن يقول الأقلام أدواتُ تعذيب، وآلاتُ انتقام ؟
أم لأنني أحفظ قول إيزيس في أسطورة أزوريس الفرعونية حين أوصتْ قائلة :
" احذروا الكتابة ، لأنها ستعلم البشر النسيان " ؟
أم لأنني قرأتُ عن الكتاب الذين جنتْ عليهم أقلامُهُم ، وقرروا أن يكسروها ، كما فعل الفيلسوف والمفكر الكبير أبو حيان التوحيدي حين أحرق كتبه كلها ، خوفا من أن تحرقه ؟ فقال :
هيهات هيهات لا كتبي ولا أقلامي
تُغني بَنِيَّ إذا أحمّ حِمامي
النارُ أولى بالذي أنا جامعٌ
إما لدفءٍ أو لنضجِ طعامي
أم لأنني أحفظ بيتين لشاعر أندلسي ، هو عبد الله البكري ؟ الذي يقول:
أما الوراقةُ فهي أنكدُ حرفةٍ
أوراقُها وثمارُها الحرمانُ
شبهتُ صاحبَها بصاحب إبرةٍ
تكسو العُراةَ وجسمُها عَريانْ ؟
لا أدري !!
لكنَّ الغريب، أن هناك تماثلا ووجهَ شبهٍ كاملا ، بين القلم وصوره السابقة في المعاني والمدلولات ، وليس فقط في الصورة والشكل .
أما كيف يشبهُ القلمُ المنخسَ والسكين ، فذلك حين ينخسُ القارئين ، ويوقظهم من سباتهم ، ويُحرضهم على الثورة على واقعهم المرير، كما فعل الفلاسفةُ والمفكرون والمبدعون ، وكان الثمنُ الذي دفعوه نظير النخس بالأقلام باهظا ، الموت بالسم أو القتل أو السجن أو التهديد، كما حدث مع سقراط وأفلاطون وغاليليو وبرونو وفولتير وروسو والمتنبي وغيرهم .
وهو أيضا كما السكين في يد قاطع طريق، إذا كان صاحبه كاتبا مُرتَزَقَا ،يستعمله لابتزاز الخصوم ، من أجل الحصول على المنافع الشخصية ، وما أكثر هذا النمط من حاملي الأقلام المُدببة في زمننا هذا ، ممن ضموا أقلامهم إلى مقتنيات الأقلام في قصور سلاطين الزمان ، فصارت كما الحلي والبراويز الثمينة ، يباهي بها السلطان منافسيه وخصومه، ويضعها ضمن متحف السلطان في جناح جماجم الأقلام !
والقلم أيضا قد يكون مشرطا طبيّا ، ينظف القروح ، ويزيل الأمراض والأوجاع والأورام ، ويبثُّ الأمل والسعادة والحبورَ في النفوس ، بشرط أن يكون حاملُ القلم ، حاذقا في فن طبِّ النفوس، عارفا بتواريخ الأمراض والأوبئة ، ماهرا في ابتكار الدواء الملائم لكل مرض من الأمراض .
وهذا النمط من حاملي مبضع الجراح قليلون ، إذا قيسوا بالأنواع السابقة ، وهم أيضا لا يموتون ، حين يموتون، بل يبقون أحياءَ يُرزقون ، وهم الوحيدون الذين ربح رهانهم على المستقبل، وإن اتُّهموا بالمروق والجنون .
أما أصحاب أقلام العِصِيِّ ، فهم أيضا كثرةٌ كاثرةٌ ، يتوكؤون على أقلامهم أينما حلّوا وارتحلوا ، تارة يدّعون الأمراضَ لكي يُثيروا شفقة الآخرين فيحسنون إليهم ، وتارة أخرى تكون عصيهم وأقلامهم في أياديهم نياشين خشبية أو معدنية ، وميداليات وعباءات يتزينون بها في المناسبات ، وطورا تكون عصيُّهم وأقلامُهم ، محاولةً لإخفاء عجزهم عن العمل والإبداع والإنتاج، حتى يتمكنوا من الحصول على مكافأة نهاية الكتابة .وقد تتحولُ عصيُّهم إلى أقلام رسمٍ ، ترسم في كل مكان وجوهم،وكأنهم هم فقط الأولون والآخرون ، وما عداهم لا يُحسبون .
أما أقلامُ الشموع ، فهي الأقلام المضيئة ، وهي وإن كانت مضيئة إلا أنها تحتاج إلى من يُواظب على إشعالها ، ويُقود الناس على هديها، على الرغم من أنها لا يمكن أن تَخفى على أحدٍ ، وأقلام الشموع ، قد تحرق أياديها ، إذا لم تتلاقفها الأيدي ، وتسعد بضوئها العيونُ ، وهي أقرب إلى أقلام مباضع الجراح ، منها إلى أقلام العِصِي .
وأقلام الشموع ، لا يمكن أن تطفئها رياحُ الظلام ، وستائرُ الجهل ، وبعضُ أقلام الشموع تتوارثها الأجيال وتتحول إلى شعلاتٍ وأضواءٍ في مستقبل البشرية كلها .
أما أقلام الروج ، أو أقلام الماكياج ، فهي الأشهرُ في زمننا ، والأوسعُ انتشارا ، لأن أحبارها من مساحيق العصر ، فهي ذاتُ ألوان وأشكالٍ عديدةٍ ، تُلائم البيئات وألوان الشفاه والمناسبات ، فهي تجعلُ من حامليها كما الحرباء ، تغيّر أشكالها وتختفي إذا كان الوقتُ لصيد الفرائس، وتتلوى ، وتُغري ، وتُغرِّر ، إذا كانت تسير وسط بيئتها .ورؤوس أقلام الروج مملوءة بمساحيق وروائح وأكاسير وسمومٍ وألاعيب شتى ، وألحانٍ مختلفة الإيقاعات ، وهي بالمناسبة أقلامٌ قابلة للشحن والتعبئة من جديد بمختلف الأشكال والأنماط ، تمدح ،إذا كان في المدح منفعةٌ ورفعة ، وتهجو إذا كان في الهجاء جاها وعِزَّة ، وهي تجيد فن استخدام أقلامها في تزيين شفاهها في كل مناسبة من المناسبات ، فللسهرةٍ لون شفاهٍ يختلف عن لون الشفاه حين تخلو إلى نفسها ، كما أن لقلم الروج قدرةُ على إخفاء تجاعيد الزمن والهرم ، ويقود قلمُ الروج الناظرينَ إلى أصباغه الفاقعة ، فتُدهشهم الأصباغ والألوان ، وأكثرُ البيئات ملائمة لانتشار أقلام الروج ، هي بيئة الزيف والتغرير ، وانتشار الجهالات.



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرقابة الذاتية عند الصحفيين الفلسطينيين
- ماذا بقي من اليسار الفلسطيني؟
- موسم القحط الثقافي
- بذرة خضراء.. آخر أُمنيات محمود درويش
- الفضائيات والتلوُّث العقلي
- هل تبخَّر اليسارُ الإسرائيلي ؟
- نصائح للراغبين في ركوب قطار العولمة !
- هل المثقفون هم فقط الأدباء؟
- أوقفوا (جموح) الصحافة الإلكترونية !
- الآثارالعربية ... ومحاولة هدم الأهرامات !
- كتب مدرسية ( مُقرَّرة) في الجامعات !
- عوالق شبكة الإنترنت !
- من يوميات صحفي في غزة !
- الإعلام وصناعة الأزمات !
- محمود درويش يبحث عن ظله في الذكرى الستين للنكبة !
- مجامع اللغة العربية ليست أحزابا سياسية !
- لا تَبكِ.. وأنتَ في غزة !
- كارتر وهيلاري كلينتون وأوباما !
- الزمن في قصيدة محمود درويش (قافية من أجل المعلقات)
- أوقفوا هذا العبث في غزة !


المزيد.....




- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - أنواع أقلام الكُتَّاب