صناعة الكتب 1

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2395 - 2008 / 9 / 5 - 02:55
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

هنالك مقولة طريفة قرأتها ل (جيمس ماثيو باري)تقول المقولة :
(ظللت أياما طويلة بعد نشر كتابي الأول أحمل الكتاب معي حيثما سرت وكنت أجلس وأختلس النظر إليه إختلاسا لأتأكد من أن الحبر الذي عليه لم يبهت ).

وحين طبعت الطبعة الأولى من كتابي الأول عن المرأة الشرقية صعدت ظهر المنزل وكان يوما حارا شديد الحرارة وجلست لوحدي مع كتابي وأنا أنظر إليه أكثر من ساعتين لم أشعر بحرارة الشمس وكنت أشعر أيضا أنه ينظر لي ... وكانت أمي وزوجتي يبحثان عني غير أني كنت أسمع صوتهما وهن يندهان لي ومع ذلك كانت نشوة السعادة قد أسكرتني ولم أستطع الجواب وكأن لساني قد شل تماما وفي اليوم التالي قال لي جاري وكان مستأجرا في منزلي :شفتك يا جهاد على ظهر الدار ووقفت فوق رأسك أكثر من ربع ساعه ولم تشعر بوجودي .

وحين تريد أن تصبح مهندسا فإنه يلزمك دراسة الهندسة وإذا أردت أن تكون أستاذا جامعيا فإنه يلزمك أن تكون دكتورا وإذا أردت أن تشفي الناس فإنه يلزمك أن تكون طبيبا ...أما إذا أردت أن تكون مؤلفا تؤلف الكتب فإنه يلزمك أن تكون :مهندسا ...ودكتورا و...طبيبا .
هذا ما قلته في رسالة جائتني من أحد القراء يقول فيها :
كيف أصبحت كاتبا تكتب الكتب ؟

فرجعت للوراء وأنا أتذكر 8ساعات وأحيانا 10ساعات من القراءة يوميا ..وتذكرت أنني لبست نظارة حين فرغت من قراءة تاريخ البشرية لآرنولد توينبي لأن الترجمة له كانت سيئة الخط وكذلك نوع الورق كان أسوء بكثير .

وهنالك كاتب إسمه (جول دي جونكور)يقول :
الكتاب لا يكون أبدا رائعة من الروائع .إنه يصبح كذلك.
وقيل لأفلاطون كيف أصبحت فيلسوفا فقال :
(لأنني أنفقت من الزيت أكثر مما أنفقت من الشراب .)

وأنا أيضا أقول للسائل أنني كنت أحرم نفسي من أشياء كثيرة وما زلت إلى اليوم أحرم نفسي من أشياء كثيرة حتى إذا فكرت زوجتي بالتنزه مع عائلتنا فإنني غالبا ما أتظاهر بالمرض لكي أجد منزلا فارغا أقرأ به بدون تدخلات عسكرية من زوجتي ودون إزعاجات من أطفالي .

لكي تكتب كتابا يجب عليك أن تقرأ قول الكاتب الفرنسي (جان دي لابروير) وهو يقول :
(إنها لمهنة أن تصنع كتابا كما تصنع ساعة حائط :إنه يلزمك أكثر من النباهة لكي تكون مؤلفا .)

ولكي تكتب كتابا فإنك تكون بحاجة إلى رحلة إستكشاف في عالم الكتب وسحرها وأحيانا تكون بحاجة إلى مركبة فضائية إن وجدت وإن لم توجد فعليك سرقتها فبدون مركبة فضائية لا يمكن لك أن تنتج كتابا مميزا وحقيقيا وصادقا معك ومع القراء والجماهير العريضة والأجيال القادمة وإن الكتب التي عاشت منذ زمن إلى يومنا هذا هي الكتنب التي ركب كتابها الخيل والجمال والصحراء والجبال والبحار والسفن لكي يحصلوا على معلومة يستفيدون منها في الإستنتاج والإستقراء .

أما الكتب التي ماتت من لحظة ولادتها فإن كتابها قد كتبوها وصنعوها بسرعة كما تصنع رغيفا من الخبز أو كما يعيدون تسخينه على نار هادئة .

الكتاب الجيد يلزمه أيضا قارىء جيد والذين قرأوا مآت الكتب هم وحدهم الذين أنتجوا كتبا ثمينة في محتواها .

الكتاب الحقيقيون محرومون من بهجة النظر للحياة تماما كما هم الطيارون محرومون من بهجة الإستمتاع بمنظر الطائرة وهي تطير أما الركاب فإنهم وحدهم من يستمتع وكذلك الناس الذين على الأرض.

وهنالك مقولة ساخرة قالها :ر وبرت بيرتون :(مع أن الفلاسفة يكتبون بروح التواضع وإزدراء المجد إلا أنهم يضعون ويثبتون أسماءهم على كتبهم !!!).

وهذا يعني أن الكتب وحدها هي التي تستحق المجد ويستحق أصحابها أن يغتروا بمجدهم .
ويقول :سامويل جونسون :
(إن الجزأ الأكبر من وقت الكاتب
يقضيه وهو في القراءة ,لكي يكتب .
فالمرأ يقلب نصف مكتبة حتى يكتب كتابا واحدا )

وقرأت ذات مرة من أن المذيعة المصرية أماني ناشد إتصلت يوما عن طريق أنيس منصور بالعقاد لكي تجري معه مقابلة فطلب عليها أجرا يقدر ب200جنيه مصري فكتب الصحف المصرية مقالا تتهكم به على العقاد وإتصل التلفزيون المصري بالعقاد وقالوا له :إيه يا مولانا ..إنت عاوز 200جنيه على مقابلة ساعه من الزمن .؟
فرد العقاد :أتستكثرون على رجل مثل العقاد 200جنيه وقد قرأ ستون ألف كتاب وكتب ستون كتابا ؟أتستكثرون عليه 200جنيه (ووحده مفعوصه )مثل نجاة تأخذهن بربع ساعه ولم تقرأ كتابا في حياتها؟!!!


حتى تستطيع أن تؤلف كتابا فإنك بحاجة لأن تكون ماهرا في الغطس والسباحة وريادة الفضاء وركوب أمواج البحر وجبال الصحراء .
وبعث طه حسين برسالة للعقاد قال فيها :
فرغت اآن من قراءة كتابكم عبقرية محمد ولا أقول لك إلا كما قال صاحبنا الآمدي لصاحبه ..:أبى الله إلا أن تكون عظيما في كل جوانبك.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل