أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - التجمع الشيوعي الثوري - البرازيل - لأجل التوجه مجدداً نحو اليسار بعد تسعة اشهر من حكم لولا















المزيد.....



البرازيل - لأجل التوجه مجدداً نحو اليسار بعد تسعة اشهر من حكم لولا


التجمع الشيوعي الثوري

الحوار المتمدن-العدد: 734 - 2004 / 2 / 4 - 04:52
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


   بعد مرور تسعة اشهر على قيام حكومة لويس اينياسيو داسيلفا لولا، أكدت هذه طابعها المتناقض وحتى المذهل من نواح عدة. وبين المفاجآت الكبرى، فلنشر إلى تلك المتعلقة بسياسة اقتصادية هي في تواصل تام مع سياسة الحكومة السابقة التي كان حزب الشغيلة قد كافحها، وإلى إرساء قاعدة دعم برلماني وسياسي تجمع تقريباً كل قوى اليمين الموجودة في البلد(1). ففي الواقع، وفي ما يخص اليمين، تقتصر المعارضة الرسمية على الحزبين اللذين كانا قد شكلا محور حكومة فرناندو هنريكي كاردوزو، الحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي (ح ا د ب ) وحزب الجبهة الليبرالية (ح ج ل)؛ وبعد قول ذلك، نلاحظ أن هذين الحزبين كانا شريكي الحكومة في بعض مبادراتها الأهم، كإصلاح منظومة التقاعد على سبيل المثال. والأمر لا يتعلق هنا بتشوش لدى (ح ا د ب ) و(ح ج ل)، حيث أن مشروع إصلاح المنظومة المشار اليها الذي قدمته حكومة لولا استعاد الخطوط العامة لمشاريع ذينك الحزبين السابقة، التي لم تتمكن سابقاً من أن تحظى بالموافقة على كامل بنودها، وذلك الى حد بعيد بسبب معارضة حزب الشغيلة. وبخصوص هذه المسألة اضطرت حكومة لولا لمواجهة قطاعات في الحركة الاجتماعية، وعلى المستوى البرلماني، لمواجهة يسار حزب الشغيلة بشكل رئيسي وقطاعات عائدة لأحزب يسارية اخرى.
  إلا أنه، من جهة اخرى، كانت سياسة حكومة لولا العالمية وسياسة الإصلاح الزراعي وسياسات قطاعية أخرى للحكومة المذكورة، متجانسة مع برنامج حزب الشغيلة التاريخي. ففي هذه المجالات، جرى تسجيل فروقات مهمة مع ممارسة الحكومة السابقة، في الوقت نفسه الذي تمت فيه مواجهة صعوبات كبرى، اذا اخذنا بالحسبان خيارات الحكومة السياسية والاقتصادية الأهم التي جرى التأكيد عليها حتى الآن.
 كشف حساب أولي للحكومة
  إن التناقضات الكبرى المشار اليها تجعل أمراً معقداً أي مسعى هادف لوضع كشف حساب متوازن لهذه السيرورة. إلا أنها لضرورية محاولة ذلك.
  فبسبب الوزن الذي تملكه الخيارات السياسية العامة والسياسة الاقتصادية المتبناة في تحديد إمكانات مجمل السياسة الحكومية، يستحسن البدء بكشف الحساب في ما يتعلق بها . لقد تمثل محور الحكومة السياسي في توسيع التحالفات مع الخصوم السياسيين التاريخيين لحزب الشغيلة، في الوقت نفسه الذي طُلب فيه من الشعب عموماً والحركات الاجتماعية بوجه خاص أن تلوذ بالصبر. وقد ادى ذلك الى ابتعاد عما كانت الوثيقة، التي وافق عليها اللقاء الوطني لحزب الشغيلة في كانون الأول/ ديسمبر 2001، تحدده على أنه "المحور الديمقراطي" لبرنامج الحزب: الاستناد إلى التعبئات الشعبية لجعل التدابير التي تتصدى لمقاومة الطبقات المسيطرة قابلة للحياة والتوجه نحو تفعيل آليات الديمقراطية المشاركية. وفي الواقع، حتى لو أمكن اعتبار بعض مبادرات الحكومة والحركات الاجتماعية اطواراً اولية في اتجاه الديمقراطية المشاركية، كما الحال بخصوص سيرورات الاستشارة والنقاش في قطاعات متنوعة وحول موضوعات متنوعة، التي تترك بعض قنوات الحوار مع المجتمع، فليس ذلك هو الامر السائد.
  في الحقيقة، لم تُخضع الحكومة على الاطلاق خياراتها المركزية، وبوجه خاص سياستها الاقتصادية، لاي شكل من النقاش مع الحركات الاجتماعية ومع المجتمع.
التوجه الاقتصادي النيوليبرالي
  لقد جرى وضع السياسة الماكرو-اقتصادية في إطار الاستمرارية ولا توجد اي علامة جدية للبحث عن الانتقال الى سياسة اخرى. لقد ركزت الحكومة جهودها على التقشف الضريبي عن طريق مضاعفة "الفائض الضريبي الأولي"(2) وعلى سياسة منع التضخم المحافظة (زيادة نسب الفائدة) وعلى السعي وراء ثقة الاسواق المالية.
  ولقد ساهم هذا التوجه في وقف خفض قيمة العملة البرازيلية، لا بل ان الريال شهد حتى إعادة رفع قيمته بصورة ذات دلالة، وفي الحد من التضخم بصورة ملموسة. وهكذا جرى استبعاد خطر أزمة فورية على صعيد امكانية صرف العملة الوطنية. لكن خلافاً لمزاعم الحكومة، ليس ذلك ناجماً بصورة اساسية عن تثبيت لها قد يبرر "الثقة" بالاقتصاد البرازيلي، بل عن تدفق الرساميل المضاربة الذي يشجعه الاتجاه العالمي في الأشهر الاخيرة وليس ارتفاع نسب الفائدة البرازيلية.
  هذه النتائج هشة جداً إذاً. ففي الواقع لم يجر الحد إطلاقاً من تبعية الاقتصاد البرازيلي للخارج. تهم بالمقابل الاشارة الى النتائج السلبية الخطيرة للسياسة الاقتصادية المتبعة: انكماش عميق (سيتم في نهاية عام 2003 تسجيل ركود ضمن الفرضية الاكثر تفاؤلا)، وارتفاع شديد في البطالة (التي بلغت درجة قياسية تاريخية في آب/ اغسطس) وهبوط المداخيل الفعلية للشغيلة ولكل المجتمع (كل هذه الوقائع تشهد على صحتها احصائيات متنوعة منشورة). فضلاً عن ذلك، فإن دمج فائض ضريبي اولي مع نسب فائدة مرتفعة يستتبع تحويلا كثيفاً للثروات نحو حائزي ممتلكات مالية، اي نحو القطاعات الاكثر ثراء. واذا كان دخل السكان الاجمالي قد نقص، فهو قد تركزّ اكثر ايضاً في الوقت عينه. اخيراً، يفرض التقشف الضريبي قيوداً على كل السياسات الحكومية.
  إن النتائج السلبية لهذه السياسة الماكرو- اقتصادية سيكون من الصعب التغلب عليها. إن الابقاء على فائض ضريبي اولي مرتفع مبرمج لكل مدة ولاية لولا الرئاسية، وهو الأمر الذي يعرض للخطر قدرات التوظيف العام. فانخفاض مداخيل المجتمع يكبح التوظيفات الخاصة. وهكذا حتى في حال خفض نسب الفائدة (وهو ما يشكل، إذا نظرنا الى الحد من التضخم، جزءاً من منطق السياسة النقدية القائمة ولن يكون بأي شكل من الاشكال علامة على التخلي عنها) سوف يتجه الازدهار الاقتصادي لأن يكون محدوداً ويبقى هشاً على الدوام بسبب الضعف الخارجي للاقتصاد البرازيلي.
  إن إصلاح معاشات التقاعد، الناتج بشكل أساسي من السياسة الاقتصادية المتبناة، وبوجه خاص من السعي الجامح وراء "ثقة" الأسواق، ينتهي إلى كشف حساب سلبي بوجه خاص. لقد اصطدم مشروع الحكومة مباشرة بالموظفين وبالكوت ( اتحاد الشغيلة الأوحد )، أي بالقوى الاجتماعية التي لعبت دوراً حاسماً في انتصار لولا. وقد تسبب ذلك داخل حزب الشغيلة، وبوجه خاص في قاعدته النضالية النشطة، باستياء واسع. وحتى إذا ادى ذلك كله إلى تعديلات جزئية للمشروع، حدت من اضراره، فإن تلك التعديلات كانت غير كافية لتغيير طابعه(3).
سياسة عالمية جديدة
  لقد كانت السياسة العالمية الى الآن الوجه الاكثر ايجابية لتوجه الحكومة. ففضلاً عن الموقف الذي جرى تبنيه ضد عدوان الولايات المتحدة في العراق وعن الخطوات نحو تأكيد سياسة خارجية مستقلة، فإن محاولات بناء وحدة اميركية جنوبية وتلك الهادفة إلى ظهور جبهة للبلدان المسماة "نامية" قادرة على مواجهة مصالح المراكز الامبريالية، والتي كانت نتائجها ظاهرة للعيان في مؤتمر منظمة التجارة العالمية في كانكون، هي التي تستحق أن يشار إليها. لقد عارضت البرازيل أيضاً الولايات المتحدة، بخصوص مشروع منطقة التبادل الحر في بلدان أميركا (زلييا). ومع أن المفاوضات في هذا الصدد مستمرة، فقد سعت الحكومة للتقليل من أهميتها، تاركة مجالاً لفهم أنها قد تقبل عند الاقتضاء نسخة "مخففة" عن المشروع تُستبعد منها المجالات التي تتجاوز الحدود التجارية (كتنظيم المكتسبات الحكومية والتوظيفات) ومشترطة ان تقدم الولايات المتحدة تنازلات مهمة. مع ذلك، فبسبب ضعف البلد إزاء الضغوط الخارجية والانقسامات داخل الحكومة، تبقى نتيجة هذه السيرورة غير اكيدة. هكذا فإن اقتراح الاستفتاء، الذي قدمته الحملة القارية ضد الزلييا لأجل الحصول على رفض المشروع برمته، لا يزال ذا راهنية شديدة.
  وخلافاً لسياسة وزارة العلاقات الخارجية تظهر هكذا وجوه السياسة الخارجية العائدة لوزارة المال، كالعلاقات مع صندوق النقد الدولي. ففي هذا المجال يحوز الغلبة موقفٌ محافظ. فحيث كان رئيس الأرجنتين يفاوض لأجل بلوغ اتفاق متصدياً (جزئياً) لضغوط صندوق النقد الدولي، حصل على دعم رؤساء دول أميركا اللاتينية، وحتى على دعم الولايات المتحدة، لكن ليس على دعم لولا. وقد اوحت الصحافة بأن كيرشنر اشتكى من الخنوع المفرط لحكومة البرازيل على هذا الصعيد، وهو ما يبدو محتمل التصديق. أما لولا فتصدى للانتقادات التي تأخذ عليه قبوله تدخلات صندوق النقد المفرطة بالحجة المشكوك فيها، والتي تقول إن الخيارات الاكثر عرضة للجدل كالفائض الضريبي الأولي بنسبة 4.25 % من الناتج الداخلي الخام قررتها حكومة البرازيل بمعزل عن الضغوط.
  ويبدو بالفعل ان قسماً مهماً من القرارات الاقتصادية الاكثر استحقاقاً للنقد والتي اتخذتها الحكومة لم تنتقد بسبب ضغوط صندوق النقد الدولي. فعلى سبيل المثال يتم حالياً يتم حالياً نقاش حول فائدة اتفاق جديد مع صندوق النقد، وقد قالت قطاعات حكومية عديدة ان ذلك قد يتوقف على إمكانية أو عدم إمكانية التفاوض على شروط اكثر مرونة، وبوجه خاص بخصوص طريقة حساب الفائض الضريبي الأولي، بحيث يتيح ذلك توظيفات عامة أهم وزيادة للنفقات الاجتماعية (مثلاً بدفع مقابل للأراضي المعاد توزيعها في اطار الاصلاح الزراعي بواسطة سندات الدين الزراعي وهو ما قد يجري احتسابه، وفقاً للطريقة المعتمدة حالياً، كاستدانة داخلية وقد يكون يجب اسقاطه من الفائض الضريبي الأولي). في هذا النقاش، عارض بالوشي، وزير المال، أي اعتماد لمرونة بالغة، وإن قبل صندوق النقد الدولي بهذه الاخيرة. يمكن القول اذاً أن النواة التي تحدد اليوم السياسة الاقتصادية البرازيلية تُظهر أنها أكثر محافظة من صندوق النقد الدولي بالذات.
 
الاصلاح الزراعي المقفل
  لقد كانت النزعة المحافظة في السياسة الاقتصادية عائقاً مهماً بالنسبة للاصلاح الزراعي. فمنذ تكوين حكومة لولا، اقامت وزارة التنمية الزراعية (4) علاقة بناءة مع الحركات الاجتماعية الريفية وسعت وراء حوار واسع مع المجتمع. هكذا أبصر النور تصور جديد للاصلاح الزراعي والزراعة العائلية والتعاونية، مندمج في مشروع تغيير للاقتصاد والمجتمع. والمقصود في المدى المباشر محاولة انقاذ مؤسسات الفلاحين من دون أرض التي حققتها الحكومة السابقة (والتي لم تكن قد تلقت أي وسيلة لاستثمار الاراضي الممنوحة!) بهدف ضمان حقوق المواطنية وتجاوز الاختلال في تنظيم الانتاج. إن تمويل حصاد المنتجين الصغار وتنمية بدائل اقتصادية بهدف جعل هذه المؤسسات قابلة للحياة هما النتيجتان الملموستان الأوليان لهذه السيرورة. فضلاً عن ذلك، لقد التزمت الحكومة بأن تؤمن بلا إبطاء استقرار ستين ألف عائلة تعيش في المخيمات، وذلك في العام 2003 بالذات. واخيراً برهنت الوزارة عن التصميم على مواجهة المقاومة المسلحة الاجرامية من جانب اللاتيفونديين (المالكين الكبار للأرض)، الذي ينظمون ميليشيات خاصة. وقد حزمت أمرها للقيام بعمل وطيد وفوري يهدف لمعاقبة المسؤولين ومنعهم من أن يشكلوا "دولة لاتيفوندية" في الأرياف.
  بيد أن هذه السياسة تتعرض مع ذلك للاتهام بسبب قيود الموازنة التي تفرضها السياسة الاقتصادية المتبناة. فعلى سبيل المثال، بسبب افتقاد الوسائل التي تتيح تأمين استقرار ال60 ألف عائلة في العام 2003 لن يمكن الوفاء به (6). وهذا المثل، بين أمثلة أخرى، يثبت اذا اقتضى الامر التناقض بين التغيير الاجتماعي المبشر به والإبقاء على أسس النموذج الاقتصادي الموروث من حكومة كاردوزو.
تراجع على صعيد الاجسام المعدلة جينياً 
  هذا وثمة مسألة موضع جدال تضع التصور السائد في القطاع الاقتصادي في تعارض مع تصور القطاعات الاخرى في الحكومة، إنها مسألة الاجسام المعدّلة جينياً. لقد كافح القطاع الأكثر محافظة في الحكومة، وفي الخط الأول وزارة الزراعة المرتبطة برجال الأعمال الزراعيين، لأجل إطلاق الحرية لاستخدام الاجسام المعدلة جينياً ( خلافاً للسياسة التي درج على الدفاع عنها حزب الشغيلة بمجمله). لقد كان يعارض إطلاق الحرية هذا كلٌّ من وزارة البيئة، ووزارة التنمية الريفية، والحركة البيئية، والحركات الاجتماعية في الأرياف (ولاسيما حركة الشغيلة الريفيين من دون أرض)، والقطاعات التقدمية في الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأنجيلية، واتحاد الشغيلة الأوحد (الكوت CUT) وغالبية كبيرة من حزب الشغيلة. وقد خلصت الحكومة إلى اصدار تدبير مؤقت "Medida Provisoria" (M P) يطلق حرية زراعة بذور الصويا المعدلة جينياً حتى العام 2004، مكرراً هكذا إجراء سبق استخدامه في بداية ولايتها، حيث ادجازت الاتجار بمحصول الصويا المعدل جينياً المزروع بصورة غير شرعية. وقد ساهمت هذه الخيارات إلى حد بعيد في اهتزاز صورة الحكومة في نظر الحركات الاجتماعية التقدمية. ويمكن أن يكون تصويت المؤتمر على الموضوع المناسبة الجديدة لمواجهة مهمة بين الحكومة وقطاعات حزب الشغيلة.
  هكذا تكشف الأشهر التسعة الأولى من سياسة الحكومة دينامية نزاع، سواء داخل هذه الأخيرة أو بينها وبين القوى الاجتماعية التي ساهمت في انتخابها. فلقد كانت هذه التناقضات ظاهرة اكثر فأكثر. وإذا كان أمكن حكومة لولا أن تظهر في بعض الحالات كشريكة للحركات التقدمية كما حصل خلال مؤتمر منظمة التجارة العالمية في كانكون، فلقد عارضت أيضاً هذه الحركات بصورة مباشرة بخصوص مسائل مهمة، كإصلاح معاشات التقاعد والجدال بخصوص الاجسام المعدلة جينياً. وفي مجالات اخرى، كذلك المتعلق بالاصلاح الزراعي، عجزت الحكومة عن الوفاء بتعهداتها بسبب قيود الموازنة والتصور المحافظ للسياسة الاقتصادية، وهو ما دفع الحركات الاجتماعية الريفية لأن تطالب بما يتوجب إعطاؤها إياه، وذلك بقوة أكبر.
  إن السياسة الاقتصادية، التي تُبقي على قابلية العطب الخارجية وتفرض سياسات تصحيح نيوليبرالية، هي هكذا في قلب الصراع. وإلى الآن، فإن هذا الخيار السياسي هو الذي طبع السلوك العام للحكومة.
الحركات الاجتماعية في مواجهة التعقيد
  لقد اضطرت الحركات الاجتماعية، في هذا الوضع، امواجهة تعديل جدي لطريقة تصرفها. لقد مثَّل انتخاب لولا رئيساً للبرازيل، المعتبر هزيمة انتخابية للنيوليبرالية، انتصاراً للحركة النقابية والشعبية، وجدَّد قدراتها على التنظيم والتعبئة. لكن في الوقت عينه تفاقمت الشروط الاجتماعية والاقتصادية التي في غير صالح الحركة، وفي المقام الأول البطالة. واذا كانت الشروط السياسية قد تغيرت، فإن مجرد كون حكومة لولا دافعت عملياً عن توجهات متعارضة مع تطلعات الحركات الاجتماعية وطبقتها، وضع تلك الشروط في إطار جديد اكثر تعقيداً. إن طوراً من النزعة الانتظارية حيال الحكومة يُخلي الآن المكان لطور جديد يتضمن موقفاً نقدياً حيال وجوه متنوعة لسياستها وسيرورة اعادة تنظيم، وتوحيد وتعبئة للحركات الاجتماعية، مع هدف هو ممارسة الضغط على الحكومة والاعتراض على خياراتها.
  إن ما تم حديثاً من إنشاء تنسيق الحركات الاجتماعية بمبادرة من الكوت (اتحاد الشغيلة الأوحد)، وحركة الشغيلة من دون أرض، ومسيرة النساء العالمية، واتحاد الطلاب الوطني وبنى أخرى، يشكل خطوة كبرى في هذا الاتجاه. لقد تأسس على قاعدة القناعة بأنه فقط تعبئة شعبية قوية كفاية ووحدوية يمكنها ضمان انتصارات للطبقة الكادحة. لقد كان معظم الحركات المشاركة قد خاض تجربة النشاط المشترك في الحملة ضد الزلييا (منطقة التبادل الحر في أميركا)، وهو ما ساهم في تبنِّيها دفعةً واحدةً رؤيةً نقدية للسياسة الاقتصادية لحكومة لولا. فلقد قام التنسيق بادىء ذي بدء بحملة لأجل الاستخدام، جرى تصورها على أنها العمل المشترك الرئيسي، وذلك انطلاقاً من تقدير أن هذا النضال يمتلك حالياً أكبر طاقة تعبوية ويتيح الوحدة الأشد اتساعاً. وهذه الحملة تستند الى برنامج واسع يتضمن، بين ما يتضمن، الاصلاح الزراعي، والسيادة الوطنية وإعادة الدور الاجتماعي للدولة إلى جدول الاعمال.
  إننا نشهد إذاً تسييساً مهماً للحركات الاجتماعية محوره المركزي إعادة تحديد دورها في وجه الحكومة .إن المساهمة في تنمية هذه السيرورة في اتجاه تأكيد الحركات الاجتماعية بوصفها فاعلاً أساسياً في النزاع حول توجه المجتمع والحكومة، تشكل المهمة الرئيسية لليسار البرازيلي حالياً. ولن يكون بالامكان تغيير ميزان القوى داخل الحكومة، الراجح اليوم في غير صالح الشغيلة، إلا عبر أعمال تعبوية اجتماعية قوية تدافع عن سياسة إجمالية بديل.
برنامج شامل لأجل تغيير الاتجاه
  إن بلورة برنامج واسع بهدف إغناء الجدال البرنامجي وتوجيهه في المجتمع يكتسب أهمية مركزية في الوقت الراهن. ويمكن بناء الارضية البرنامجية حول العناصر التالية:
 1– فهم أن المشاركة الشعبية في القرارات السياسية تشكل عنصراً حاسماً لتأكيد حكومة يسارية (الديمقراطية القائمة على المشاركة هي احد محاور توجيهات البرنامج الحكومي المتبناة في اللقاء الوطني الثاني عشر لحزب الشغيلة، الذي انعقد في نهاية عام 2001 في رسيف).
2– سياسة اقتصادية بديل. فمنذ بداية العام، انتقد عدد من الاقتصاديين المرتبطين بحزب الشغيلة أو باليسار توجهات الحكومة الاقتصادية ودافعوا عن استراتيجية بديل. وهكذا استراتيجية تتناسب أيضاً مع الأفكار الموجودة سواء في نص التوجيهات الموافق عليها خلال لقاء 2001 او في برنامج الحكومة عام 2002. كما نجدها جزئياً في التوجه الاستراتيجي للخطة الموضوعة لعدة سنوات والتي اقترحتها في حزيران/يونيو 2003 للنقاش وزارة التصميم، الداخلة في نزاع مع وزارة المال والبنك المركزي ( لكن الخطة لعدة سنوات ليس لها الوزن الفعلي ذاته الذي لتدابير السياسة الاقتصادية الملموسة التي تتبناها وزارة المال والبنك المركزي). والافكار المركزية لهذا الخيار هي التالية:
 أ ) – إدراك ان اكبر مشكلة يعانيها الاقتصاد البرازيلي تكمن في هشاشته الخارجية، الوجه الاكثر حدة لتبعيته الاقتصادية. وهذه هي المشكلة التي يجب مواجهتها في المقام الاول، وهو امر لا يمكن القيام به عبر السعي لـ"كسب المصداقية" عبر تصحيحات ضريبة اكبر، الامر الذي يؤدي، على العكس، إلى مفاقمة التبعية حيال مصالح الاسواق المالية وأمزجتها. وهذا يستتبع، بين ما يستتبع، إرساء رقابة على حركات الرساميل.
  فضلاً عن ذلك، لقد أعيدت ضرورة مواجهة الدين الخارجي إلى مركز النقاشات بفعل وقائع ثلاث حديثة العهد هي التالية: تصريح ادلى به، في اول ايلول/سبتمبر، سيلسو فورتادو، الاقتصادي البرازيلي الأكثر شهرة، لصالح الدعوة لموراتوريوم (قرار بتأجيل دفع الديون المستحقة ) لأجل إعادة التفاوض حول الدين؛ المثال الذي أعطته الارجنتين في إعادة التفاوض على دينها؛ واخيراً، ننشر دراسة لصندوق النقد الدولي بالذات!، في أواسط أيلول/سبتمبر، تعترف بأن "البلدان التي تعلن الموراتوريوم، كالأرجنتين، تملك حظوظاً كبيرة لخفض دينها بالنسبة لناتجها الداخلي الخام واستعادة النمو في مهلة قصيرة نسبياً"(7).
 ب) – استئناف النمو الاقتصادي عبر خفض نسب الفائدة والتخلي عن التصور الذي يميّز "الفائض الضريبي الاولي"، وهو أمر سيمنح قابلية   للحياة للتطلع الى خفض البطالة (الذي يجب تعزيزه بسياسات خاصة) وإلى زيادة دخل الشغيلة. يتعلق الامر اذاً بمفتاح للحد من البؤس والتفاوتات الاجتماعية. وهذا ينبغي أن يتضافر مع جهد أكبر للتنمية انطلاقاً من توسع السوق الداخلية، وكان هذا اقتراحاً دائماً لحزب الشغيلة (جرت استعادته في التوجه  الاستراتيجي للخطة لعدة سنوات 2004-2007). بمعنى آخر، يجب التشديد على السعي وراء مشروع وطني للتنمية، كما فعل حزب الشغيلة باستمرار.
 ج) – لا يتعارض مشروع وطني للتنمية مع توسيع العلاقات مع بلدان اميركا اللاتينية وبلدان أخرى تواجه ظروفاً مشابهة لتلك الخاصة  بالبرازيل. وهذا الوجه من سياسة حكومة لولا الدولية مهم وينبغي تعزيزه. بالمقابل فإن كل مشروع تنمية يتعارض مع مشروع منطقة التبادل الحر في اميركا (زلييا).
 3– إن الدفاع عن الاصلاح الزراعي ومشروع نموذج زراعي جديد هما شرطا مشروع ديمقراطي وشعبي للتنمية.
  إن المسألة الزراعية مسألة معاصرة، لا تزال من دون حل من وجهة نظر المصالح الشعبية. وتكشف المشكلات الاجتماعية، والاقتصادية والبيئية، التي تزداد تفاقماً في الارياف، ضرورة نموذج زراعي جديد ينبغي أن يمر بتعديل عميق للبنية الزراعية ولبرامج مساعدة الانتاج وادخال الزراعة العائلية ومؤسسات الاصلاح الزراعي إلى السوق التجارية. إن خطة جنى محاصيل الزراعة العائلية، التي قدمتها الحكومة الفدرالية مؤخراً، تمثل تدبيراً مهماً، رهاناً على تعزيز قطاع يمكن أن يلعب لاحقاً دوراً اكثر مركزية في زراعة البرازيل.
  إن حل المسألة الزراعية، ودمجها في مشروع تنمية يلقى دعم السوق الداخلية، يمر مع ذلك بتفعيل إصلاح زراعي موسع ويقوم على قواعد جديدة: إطلاق دمقرطة الحصول على الارض وعلى السلطة وعلى الدخل، من جانب قسم مهم من السكان يعيش ويعمل في عالم الريف البرازيلي، واحتلال اكثر توازناً للأراضي، وحمايةٍ للبيئة. ذلك هو الشرط الذي لا "بد منه لتحقيق السيادة الغذائية ولإطلاق حيوية الاقتصاد الاقليمي.
  وهكذا يندرج الدفاع عن الاصلاح الزراعي ايضاً في المعركة ضد  الميراث النيوليبرالي وضد القطاعات الاكثر محافظة في المجتمع البرازيلي. لقد كان الاصلاح الزراعي المضاد الذي قاده فرناندو هنريكي كاردوزو يرمي الى حرمان الحركات (الاجتماعية) من الشرعية وتجريمها، وتجريد منشآت الفلاحين من دون أرض من الحقوق عن طريق تحديد مواقعها في قطاعات معزولة وحرمانها من دعم سياسات تقديم العون للانتاج والادخال إلى الأسواق التجارية.
  إن الانخراط النشط في الاصلاح الزراعي يستتبع تضامناً نضالياً واسعاً مع الحركات، كحركة المحرومين من الأرض، وكونفدرالية الشغيلة الزراعيين، وحركات اخرى تنجز دوراً ديمقراطياً وتمدينياً، بحيث يعزز ذلك الضغط الاجتماعي لمواجهة رد فعل مالكي اللاتيفونديات وميليشياتهم التي تشكل رموزاً للتحجر وتحرض على العنف. وبين المهام الضرورية بهدف تطوير نموذج جديد للإصلاح الزراعي يجب أن يضع في المقدمة مصادرة الأراضي التي تمتلك منذ الآن بنية تحتية، وتركيز المنشآت وتحويلها إلى مساحات تضمن نوعية الحياة والانتاج. ويجب أن يدمج هذا النموذج ايضاً الزراعة العائلية والتعاونية ببنى التتجير وبنى التحويل الزراعي – الصناعي. فهذه هي الوسيلة الوحيدة لبناء نموذج جديد للزراعة، فعال اقتصادياً وفي الوقت عينه عادل اجتماعياً ويمكن الدفاع عنه من وجهة النظر البيئية.
 4 – نزعة اممية جديدة. إن انتخاب لولا عام 2002 هو احد وجوه الرفض  المتنامي للنيوليبرالية عبر العالم. لكن التدابير الرئيسية للسياسة الاقتصادية المتخذة خلال الاشهر الاولى للحكومة تتعارض الى حد بعيد مع التوقعات والرغبات الحادة للنزعة الكوكبية الواسعة جداً ضد العولمة النيوليبرالية، التي عبرت عن نفسها خلال تحركات تعبوية متنوعة ضد المؤسسات متعددة الطرف، في المنتدى الاجتماعي العالمي، وفي مسيرة النساء العالمية (التي شكلت تنظيماً قوياً في البرازيل)، والشبكة العالمية للحركات الاجتماعية، والحملة القارية ضد الزلييا، والتحالف الاجتماعي القاري، والفيا كامبيسينا، وتنسيق الاتحادات النقابية في المخروط الجنوبي.
  إن تعزيز هذه المبادرات العالمية، عبر إغناء النضالات على الصعيد الوطني ببعدها العالمي وربط التجارب الوطنية للمعارك بالحملات الأقليمية والعالمية، يشكل نواة نزعة اممية جديدة سيكون في وسعها حفز النضالات في العالم بأسره وتقوية المبادرات الشعبية لليسار البرازيلي. هكذا يمكن ان تتعزز ايضاً المواقف الاكثر تقدمية التي تبنتها حكومة لولا على الصعيد العالمي.
منظورات حزب الشغيلة وسياسة اليسار
  إن فوز حزب الشغيلة بالحكم الفدرالي فتح مرحلة جديدة في مسار الحزب. هذا وإن قدرته على تحقيق الآمال المبنية في النضالات وعبر الفوز برئاسة الجمهورية هي على المحك، مثلما الشيء نفسه يقال عن قدرة حزب الشغيلة على البقاء مخلصاً لبرنامجه لتحويل المجتمع البرازيلي في اتجاه الاشتراكية. لقد جعلت الفترة الأولى من الحكم هذه القدرات موضوع تساؤل.
  إن تصور الحكومة الذي احرز الغلبة يستتبع علاقة صراعية مع قاعدة حزب الشغيلة الاجتماعية الاساسية. فالتحالفات المحققة تتعارض مع برنامج الحكومة الذي تم الدفاع عنه خلال الحملة الانتخابية؛ ولم تبدأ سيروة دمقرطة التسيير العام، ذات الطابع الشعبي. لكن من جهة اخرى، وبخصوص السياسة الخارجية، وسياسة الاصلاح الزراعي وسياسات قطاعية اخرى للحكومة، تتناسب التدابير المتخذة الى الان مع مواقف حزب الشغيلة التاريخية. وكل ذلك يقود الى تطوير سيرورة صراعية والى المساءلة داخل الحزب وبين نوابه ومنتخَبيه، وفي قاعدته الاجتماعية.
  لا شك في أن التوجيهات الموافق عليها في اللقاء الوطني الثاني عشر، في كانون الاول/ ديسمبر 2001، وكذلك البرنامج الحكومي المتبنى في حزيران/يونيو 2002، تشكل بلورة محدودة، لكنها مهمة جداً لأنها تشكل وجهة نظر الحزب الرسمية. وعلى يسار حزب الشغيلة ان يطالب بان تكون هذه البلورة نقطة انطلاق النقاش حول توجه الحكومة. هكذا يكون ممكناً إعادة وصل خط سير حزب الشغيلة واحترام شرعية لقاآتنا.
  لا يمكن الحكومة أن تخنق نشاطات الحزب. وجذور الحركة التي بنت حزب الشغيلة منذ 23 عاماً تمتد في الطبقة الكادحة والشعب وتتفتح فيهما. إن تاريخ بناء حزب الشغيلة هو تاريخ النضالات الاجتماعية، والسياسية والثقافية في المجتمع البرازيلي، وهو ايضاً تاريخ نقاشات داخلية. وثمة حجج قوية لمواصلة هذه السيرورة.
أ – إن مسار حزب الشغيلة هو مسار الطبقات الاجتماعية والقطاعات الاجتماعية التي يسعى حزب الشغيلة لتمثيلها والتي تحس بانه يمثلها.
ب – ليسار حزب الشغيلة وزن كبير داخل الحزب.
ج – تشكل التعددية، والديمقراطية الداخلية وحق الاتجاه تراث حزب الشغيلة.
د – لقد بنيت مراجع حزب الشغيلة البرنامجية على امتداد طريقه وتأسست على تجربته.
  لن يكون سليماً إذاً، استناداً الى التوجه الحكومي خلال التسعة أشهر، أن نستنتج أن اللعبة قد انتهت، كما لو كانت  الخيارات التي تم اعتمادها تعبر بصورة متجانسة عن كل الحركة وتحدد مستقبلها؛ كما لو أنه لم تكن هناك تناقضات وقوى تتحرك في مواجهتها. لقد مر حزب الشغيلة بلحظات ازمة وهو يواصل النمو بهذه الطريقة على امتداد فترة لا يمكن اليوم أن نحدد مداها بدقة. إن المواجهات الاساسية لا تزال امامنا، سواء تعلق الامر بمسائل الحكم أو بمسائل نشاط الحزب ( انتخابات 2004، تجديد قيادة الحزب واللقاءات عام 2005).
  إن فهم الأزمة الحالية يجب ألا يقودنا إلى خلاصة مفادها انه ليس ممكناً تجاوزها، بالاستناد الى حزب الشغيلة وإلى النزاعات المتعددة التي تنمو في المجتمع. يجب أن يسمح على العكس بنظرة نقدية إلى البدائل التي يتمخض بها هذا الوضع. فليس الخروج المتعجل لأجزاء صغيرة من حزب الشغيلة تنضم إلى حزب الشغيلة الاشتراكي الموحَّد(8) هو ما يمكن أن يشكل بديلاً، لأن هذه الامكانية لا علاقة لها اطلاقاً بالمعنى التاريخي لحزب الشغيلة منذ تأسيسه.
  إن الرهان الحالي يكمن في تجميع قوى اليسار للتدخل في اتجاه واحد، علماً بأن سيرورة صراعية يمكن ان تؤدي إلى اكثر من انشطار. إن النضال لأجل حزب الشغيلة كحزب اشتراكي وديمقراطي لم ينته. وانطلاقاً من هذا التقويم يقترح اتجاه ديمقراطية اشتراكية بناء تيار يساري كبير داخل حزب الشغيلة، قادر على صياغة مساهمات برنامجية، والتدخل في النزاعات المركزية الجارية، ومخاطبة مجمل الحركة الاجتماعية حول حزب الشغيلة والتجربة الحكومية، معارضاً توجهاتها الاستراتيجية.
  إن معركةً ضد تحويل حزب الشغيلة إلى حزام ناقل لحركة القرارات الحكومية معركة ضرورية. يجب الكفاح لأجل استعادة اصول حزبية تقوم على الديمقراطية الداخلية وبرنامج الحزب( هذا البرنامج وقرارات اللقاءات هي التي يجب أن تشكل أساس وحدة الحزب).
  وإن معارضة التدابير التأديبية المتخذة او التي تقترحها اكثرية قيادة حزب الشغيلة (9)، وبوجه خاص المعركة ضد التهديدات بطرد البرلمانيين (10)، هي احد الوجوه الاساسية لهذا النضال. فليس ممكناً في أي حال من الاحوال اعتبار العقوبات ضد من صوتوا على أساس المواقف التي دافع عنها الحزب منذ زمن طويل، بما في ذلك خلال الحملة الانتخابية، والتي عدلتها غالبية الهيئة التنفيذية في غياب نقاش ديمقراطي واسع، عقوبات شرعية.
  فضلاً عن ذلك، من المهم الاشارة إلى ان الجدال حول توجه حزب الشغيلة لا يمكن تصوره كما لو كان ينحدّ بنقاش داخل الحزب. يجب أن يكون نقاشاً يجتاز الحركة السياسية والاجتماعية الواسعة التي يشكل حزب الشغيلة مرجعاً لها. إن حزب الشغيلة بالمعنى الواسع إنما يضم في الواقع ما هو أكثرتعبيراً في اليسار البرازيلي. هذا المجموع الواسع، ثمرة أكثر من عشرين سنة من النضالات الديمقراطية والاجتماعية، والذي يشكل حزب الشغيلة بالنسبة اليه المرجعية الاساسية، إنما يناقش الآن توجه حركتنا. وفي داخله بالضبط، يجب التمكن من تقديم حلول تتناسب مع المشكلات التي  تواجهنا، مع رؤية اجمالية بديل من توجه الغالبية الحالية في قيادة الحزب.
  إن المشاركة الحكومية تؤدي إلى كون سياسات الغالبية الحزبية تُمتحن بسرعة أشد بكثير، كما الحال بخصوص السياسة الاقتصادية. وتتسرع بسبب ذلك كثيراً سيرورة المواجهة بين التوجهات وتؤدي الى دينامية تشابك للمدى الحزبي والنضالات الاجتماعية. ثمة تسيس اكبر للحركات وباتت هناك شرائح اجتماعية واسعة على اطلاع افضل بكثير على هذه النقاشات، وقد نما وسط هذه الشرائح سريعاً موقفٌ نقديٌ من الحكومة.
 هذا وثمة اكثر من إمكانية لتطور اللوحة التي رسمناها اعلاه. والمنظور الذي يوجه بالصورة الأفضل تدخلاً لليسار هو ذلك الذي يتمثل بالكفاح لأجل إعادة بناء اشتراكية لحزب الشغيلة. وهو أيضاً ذلك الذي يتناسب بالشكل الافضل مع الوضع السياسي الجديد: إن الظرف المطبوع بتنامي النزاعات والتعبئات، لا يمكن اعتباره دفاعياً.  
  لقد كان بناء حزب الشغيلة كحزب اشتراكي وديمقراطي العنصر الاستراتيجي الذي سمح بنمو اليسار في البرازيل. ويجب النضال بالضبط لاجل إعادة بناء هذا المشروع. وباتخاذ الخيار المعاكس، سيصبح خطر تمزق اليسار داهماً والطريق مفتوحاً لتراجعات اخرى في النضال السياسي والاجتماعي. إن يسار حزب الشغيلة قادر على التصدي للنقاش حول توجه الحزب وهو يتسلح بشرعية من يدافع عن مشروعه التاريخي والاستراتيجي: مشروع حزب اشتراكي وديمقراطي. وهذا المنظور يتيح بناء تيار يساري واسع بوصفه قطبَ مرجعيةٍ اشتراكياً.

الهوامش:
* - خواو ماشادو هو استاذ الاقتصاد في جامعة ساو باولو الكاثوليكية، وهو عضو في تنسيق اتجاه الديمقراطية الاشتراكية ( الذي يضم مناضلي حزب الشغيلة المنتسبين إلى الأممية الرابعة). وكعضو في حزب الشغيلة منذ تأسيسه،  كان عضواً في الهيئة التنفيذية الوطنية للحزب سابقاً.
1– روحا حكومة لولا، انبريكور، العدد 478/479، كانون الثاني/يناير – شباط/فبراير 2003.
2– الذي يتشكل من مجموع التجميعة الضريبية في كل مستويات الحكومة محسومة منه النفقات غير المالية، أي من موارد الموازنة المعدة لدفع فوائد الدين العام.
4– يقود وزارة التنمية الزراعية، المسماة أيضاً " وزارة الاصلاح الزراعي" ميغيل روسيتو، النائب السابق لحاكم ولاية ريوغراندي ديل سول والمناضل في اتجاه ديمقراطية اشتراكية ضمن حزب الشغيلة. وهذه الوزارة مستقلة عن وزارة الزراعة، التي يتولاها أحد أنصار مالكي اللاتيفونديات. فلنشر فضلاً عن ذلك الى أن حكومة البرازيل غير المسؤولة امام البرلمان لا تمارس الاجتماعات ضمن مجلس وزراء، فهؤلاء الاخيرون مسؤولون مباشرة امام الرئيس.
5– ينص القانون البرازيلي الموروث من الحكومات السابقة، بخصوص الاصلاح الزراعي، على امكانية "مصادرة" الاراضي "غير المنتجة" بعد تعويض المالكين (اللاتيفونديين) نقداً أو عن طريق "سندات دين زراعي".وهذه السندات تباع في السوق بأسعار أقل من قيمتها الاسمية، لذا فإن التعويض عبر السندات اقل إثارة لاهتمام اللاتفونديين. والاتفاق مع صندوق النقد الدولي ينص على أن "الفائض الضريبي الاولي" يجب ألا يقل عن 4.25% من الناتج الداخلي الخام.
6– كانت هنالك أيضاً مشكلة تسيير. فبعد ان استُبدل، في بداية ايلول/سبتمبر 2003، رئيس الإنكرا (المؤسسة الوطنية للاستيطان والاصلاح الزراعي) نلاحظ تسارعاً لسيرورة استقرارالمستفيدين من الاصلاح الزراعي. ورقم 60 ألف عائلة يمكن بلوغه على الارجح في بداية 2004، لكن ذلك لا يعني ان سيرورة الاصلاح الزراعي سهلة. وليس أكيداً ان الوزارة ستمتلك وسائل تأمين استقرار 60 ألف عائلة جديدة في سنة موازنة عام 2004... وحتى هذا الرقم متواضع إزاء الحاجات: عدة مئات الالآف من العائلات تحتل أراضي بانتظار تأمين استقرارها.
7– الاستشهاد وارد فيFolha de Sao Paulo، 12 ايلول/سبتمبر 2003. وتروج نكتة في اوساط اليسار تعلن أن وزير المال ( بالوتشي) سيقطع الآن علاقته بصندوق النقد الدولي، لأن هذا الصندوق متطرف يساراً...
8– يتحدر حزب الشغيلة الاشتراكي الموحد من انشقاق في حزب الشغيلة لاتجاه الالتقاء الاشتراكي [ تيار تروتسكي يتماهى مع "المورينية" (نسبة إلى القيادي الأرجنتين مورينو)] عام 1992 بعد المؤتمر الاول لحزب الشغيلة، الذي تم فيه تبني تنظيم للاتجاهات داخل حزب الشغيلة، ( لم يقبل به الالتقاء الاشتراكي)، وقبل اللقاء الوطني الثامن (حزيران/يونيو 1993) الذي حصل خلاله يسار حزب الشغيلة للمرة الاولى على عدد اكبر من عدد ممثلي التيار المعتدل (بقيادة لولا) داخل قيادة الحزب، وبعد ذلك بقليل ترك بعض المناضلين (الذي كانوا بين أشرس انصار "الخروج" من حزب الشغيلة) حزب الشغيلة الاشتراكي الموحد وشكلوا تيار الشغيلة الاشتراكي (CST) وهو اتجاه صغير (موجود بوجه خاص في ولايتي ريوغراندي دو سول ويارا)، وعادوا إلى حزب الشغيلة. وخلال عام 2002، انقسم التيار المذكور، بعد أن شكل القسم الموجود في ولاية ريوغراندي دو سول الـ MES (Movimento Esquerd a Socialista) إثر الاندماج مع تيار نقابي محلي. والـ MES والـCST  معروفان بشكل أساسي بمواقف النائبة الفدرالية لوسيانا جنرو (MES) والنائب الفدرالي خواو باتيستا بابا (CST) المهددين بالطرد من جانب أكثرية حزب الشغيلة. وانطلاقاً من ذلك، بدأ الـMES  و الـ CST بناء حركة لتشكيل حزب آخر (مسمى مؤقتاً حزب الشغيلة الاشتراكيين)، في حين قررا تشكيله فقط بعد الطرد المتوقع لكل من لوسيانا وبابا. وبسبب توجه الـ CST الذي قاده للانعزال عن يسار حزب الشغيلة، تعرض لانقسام عام 2003. ولم يحسم بعد ما إذا كان الحزب الجديد سيتشكل بالاشتراك مع حزب الشغيلة الاشتراكي الموحد، فثمة تباينات على ما يبدو داخل مجمل المكونات المحتملة. ولنشر أخيرا إلى ان هذه السيرورة تطول إلى الآن بضعة الآف الاعضاء على الاكثر، في حين أن حزب الشغيلة يضم اكثر من مئة الف.
9– نجحت الحكومة في أن تصوت غالبية الكتلة البرلمانية لحزب الشغيلة لصالح إصلاح نظام التقاعد في البرلمان، وذلك فقط بغرض "التصويت المغلق" والتهديد بعقوبات بحق النواب المعارضين للمشروع. وقد نشر 24 نائباً فدرالياً من حزب الشغيلة صوتوا لصالح المشروع تصريحاً يشرحون فيه أنهم فعلوا ذلك فقط احتراماً لقرار الحزب. وقد صوَّت 3 نواب ضده وامتنع ثمانية. وفي التصويت التالي تكررت المسألة، مع الفرق المتمثل في أن احد الممتنعين صوّت هذه المرة ضد المشروع.
10 – هنالك الآن التهديد بطرد عضو مجلس الشيوخ هيلوييزا هيلينا ( وهي مناضلة في اتجاه ديمقراطية اشتراكية ) وثلاث نواب فدراليين من حزب الشغيلة (صوتوا ضد اصلاح نظام التقاعد). فضلاً عن ذلك، جرى تعليق عضوية ثمانية نواب فديراليين مؤخرا في كتلة الحزب البرلمانية لمدة 60 يوماً (هم السبعة الذين امتنعوا خلال التصويتين، والثاني الذي امتنع خلال التصويت الأول ثم صوت ضد خلال التصويت الثاني). وقد شكل هذا التعليق للعضوية تراجعاً في أكثرية الهيئة التنفيذية، التي كانت اعلنت قبل التصويت أن من سيصوتون ضد أو يمتنعون يسيرون في اتجاه طردهم من الحزب. لكن المعلقة عضويتهم استأنفوا هذا الاجراء امام قيادة الحزب الوطنية التي سوف تجتمع في 13 و14 كانون الأول/ديسمبر، وخلال هذا الاجتماع سيتم التصويت على الاقتراحات بالطرد.

خواو ماشادو



#التجمع_الشيوعي_الثوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليل الضمير البشري
- الموقف من القضية الفلسطينية
- ملف حول أزمة اليسار اللبناني-2
- كيلا تتحول وثيقة جنيف -من مسوّدة اتفاق للوضع الدائم- إلى حلّ ...
- التنظيم آلة للسيطرة - لويس آلتوسير
- لأجل نهوض جديد للحركة الطلابية
- لبنان - الوضع السياسي والاقتصادي يزداد تفاقما، لكن الإنقاذ ف ...
- لئلا يتأخر الفجر أكثر
- صدور العدد 185 من -ما العمل؟
- الثورة البوليفيــــة
- الثورة الإسبانية
- اللـقـاء الأخـيـر - خـواطـر عن سـمير القنـطـار
- حكومة لولا : هل ستغـيِّـر أم ستغـيَّـر ؟
- عامل يرأس جمهورية البرازيل: مسيرة حزب العمال الطويلة
- أين موقع فلسطين على خارطة الطريق؟
- صـدام الهـمجـيـات
- من الانتفاضة الثانية الى الدولة ثنائية القومية مقابلة مع ميش ...
- أمــمـيـــــة
- ملف حول أزمة اليسار اللبناني
- ما هو التجمع الشيوعي الثوري؟


المزيد.....




- تناول 700 حبة بأقل من 30 دقيقة.. براعة رجل في تناول كرات الج ...
- -كأنك تسبح بالسماء-.. عُماني يمشي على جسر معلق بين قمتين جبل ...
- روسيا غير مدعوة لمؤتمر -السلام- وسويسرا تؤكد ضرورة وجودها -ل ...
- شاهد: موسكو تستهدف ميناء أوديسا بصاروخ باليستي وحريق هائل يص ...
- روسيا تنفي اتهام أمريكا لها باستخدام أسلحة كيماوية في أوكران ...
- بولندا تقترح إنشاء -لواء ثقيل- لأوروبا دون مشاركة الولايات ا ...
- عقيد أمريكي سابق يكشف ماذا سيحدث للولايات المتحدة في حالة ال ...
- سيئول تنوي مضاعفة عدد الطائرات المسيرة بحلول عام 2026
- جورج بوش الابن يتفرغ للرسم.. وجوه من خط في لوحاته؟
- من بيروت.. رئيسة المفوضية الأوروبية تعلن عن دعم بمليار يورو ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - التجمع الشيوعي الثوري - البرازيل - لأجل التوجه مجدداً نحو اليسار بعد تسعة اشهر من حكم لولا