أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - التجمع الشيوعي الثوري - ملف حول أزمة اليسار اللبناني















المزيد.....



ملف حول أزمة اليسار اللبناني


التجمع الشيوعي الثوري

الحوار المتمدن-العدد: 552 - 2003 / 8 / 3 - 07:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


 

 كانت ما العمل؟ بدأت الاهتمام بهذا الملف، منذ ما قبل احتجابها عام 1996. وقد ظهر ذلك في آخر عددين صدرا آنذاك. ونحن إذ نعيد إصدارها اليوم، نعتبر نقاش هذه المسألة ملياً، والبحث في الحلول المناسبة لتجاوز الأزمة المشار إليها في أقصى درجات الأهمية، وفي واجهة همومنا.
 وفي سياق ذلك، رأينا أن نشرك في هذا المسعى كل القوى والرموز المعنية بالموضوع، والحريصة على تقديم تصورات ذات فائدة حقيقية في هذا الصدد.
 هذا ومن الضروري أن نوضح منذ الآن أن هذه الأزمة لا تنحصر بالواقع المؤسف الذي يعانيه الحزب الشيوعي اللبناني، في الوقت الراهن، بل تتعداه الى حالة اليسار اللبناني ككل، في شتى تلاوينه وحساسياته، لكن مع توضيح اننا نقصد باليسار، إجمالاً، ذلك الذي يعلن تمسكه بالماركسية دليلاً نظرياً لخطه وممارسته.
 وقد ارتأينا أن نبدأ بتسليط الضوء على ما يحدث حالياً في الحزب المذكور أعلاه، عبر ترك الكلام لقيادته المركزية، ممثلةً بالرفيق سعد الله مزرعاني، نائب أمينه العام، من جهة، وللمعارضة الأساسية في الحزب، المسماة قوى الاصلاح والديمقراطية, ممثلة بالرفيق سناء أبو شقرا، وذلك رداً على أسئلة وجهناها الى كل منهما حول رؤيتهما لما يجري ولما يجب أن يكون.
 هذا وسوف تواصل ما العمل؟، في أعدادها القادمة، مناقشة الموضوع عينه، على أن يساهم في الكتابة أناس من قلب التجارب التنظيمية والسياسية لمنظمات اليسار في البلد, لكن أيضاً أسماء من خارج تلك التجارب تعتبر نفسها معنية، هي أيضاً، باستعادة هذا اليسار عافيته، وتطوير أوضاعه، وتصليب مواقعه، وبناء وحدته.

أولاً: الأسئلة الموجهة للرفيق سعد الله مزرعاني
 
لابد من توضيح أن مجموعة من الأسئلة، سنوردها أدناه، طرحت على الرفيق سعدالله ، فاختار الرد عليها في نص إجمالي ننشره بعد ذلك مباشرة، علماً بأنه يحيل الى مؤتمر الحزب الذي سينعقد لاحقاً، والى أعماله، بخصوص كل ما لم يتضمن نصه إجابة عنه. والأسئلة هي التالية:      
1 – كيف تنظرون إلى أزمة اليسار اللبناني، وأسبابها، وملامحها الأساسية؟ ومن ضمن ذلك إلى أزمة الحزب الشيوعي اللبناني التي تزداد تفاقماً؟

2 – ما العامل الأهم في الخلاف بين قيادة الحزب، من جهة، وقوى الإصلاح والديمقراطية، من جهة أخرى؟ هل هو المواقف السياسية، ولا سيما الموقف من العلاقة مع دمشق، أم الفهم التنظيمي لمسألة الديمقراطية الحزبية؟

3 – لقد كانت هناك دائماً تيارات، أو تكتلات فعلية في الحزب، وإن كان النص على حرية تشكيلها غير وارد في أنظمته الداخلية، لا بل هي ممنوعة صراحة فيها. كيف تفسرون ذلك؟

4 – هل تعتقدون أن حماية الحزب من الانشقاق، الذي يشكل تهديداً حقيقياً ضمن السيرورة الراهنة، إنما تكون بالاستمرار في تجاهل هذا الحق (حق تشكيل تيار أو تكتل)، أو منعه، أو على العكس بالاعتراف به رسمياً لكن مع تنظيمه، وجعل ممارسته على أساس العلنية، وتحت إشراف القيادة الشرعية، كما كانت الحال، في تاريخ الحزب البلشفي، حتى المؤتمر العاشر عام 1921، حين جرى منعه، فقط كتدبير مؤقت، ضمن الظروف الصعبة جداً للاتحاد السوفياتي آنذاك، بعد كوارث الحرب الأهلية وفي ظل الحصار الرأسمالي العالمي؟

5 – في شتى الأحوال، وإذا كان هناك إصرار على منع تشكل تيارات، بما هي "كتل لها مناهجها الخاصة، وميل إلى الانكماش على نفسها إلى حد ما، وإلى إنشاء انضباطها الكتلوي الخاص"، بحسب تعريف قرار المؤتمر العاشر المذكور لها، فهل أنتم أيضاً ضد حق الاتجاه، بما هو تجمع مؤقت لحزبيين يلتقون على موقف موحد من مسألة أو أكثر ليخوضوا معاً النقاش داخل الحزب لإقناع الأكثرية، وحتى لتشكيل لوائح مرشحين إلى الانتخابات الحزبية، على أساس برامج سياسية مختلفة؟ وهو حقٌّ رفض المؤتمر العاشر نفسه أن يتم المس به، في رده على اقتراح بذلك.

6 – واضح أن هنالك الآن، على مقربة من المؤتمر التاسع، علاوة على القيادة المركزية للحزب، التي يجري الحديث عن كونها تضم أكثر من "تيار"، تكتلين معلنين تقريباً، هما "قوى الإصلاح والديمقراطية"، من جهة، التي تضم المعارضة الأساسية في الحزب، و"قوى الوحدة والتجديد"، من جهة ثانية، التي يعتبر رمزها الأهم الأمين العام السابق جورج حاوي. فكيف سيجري التعامل مع هذا الواقع؟

7 – بعد تأجيل المؤتمر التاسع، سابقاً، هل ثمة موعد جديد جرى اتخاذ القرار به؟ وهل الوثائق التي سيناقشها باتت جاهزة؟ وكيف سيتم انتخاب المندوبين إليه؟

8 – لقد نشرت المعارضة، في "قوى الإصلاح والديمقراطية"، نصاً فكرياً – سياسياً – تنظيمياً، فهل سيتاح لها إذا شاركت في المؤتمر القادم، أن تدافع عنه خلال المؤتمر، وتترشح إلى الانتخابات الحزبية على أساسه؟
9 – في الرسالة التي وجهها إلى الشيوعيين اللبنانيين اثنان من القيادات التاريخية في الحزب، هما كريم مروه وجورج البطل، في 11 آذار الماضي، اعتبرا أن الجميع مسؤولون عن الأزمة الراهنة للحزب، في القيادة كما في المعارضة. ما رأيكم في ذلك؟

10 – في الرسالة نفسها، اعتبر الرفيقان مروه وبطل أن تنظيم انتخابات للهيئات الوسطية، عشية المؤتمر الوطني، هو "النموذج الفادح للخطأ"، ولا سيما، بحسب رأيهما، أن "انتخاب تلك الهيئات ينبغي أن يتم على قاعدة نقاش سياسي حول برنامج المنظمة الحزبية الذي يفترض به أن يستوحي أسسه من الخطة السياسية التي يقررها المؤتمر".
 أكثر من ذلك، يرى القياديان أن تنظيم تلك الانتخابات أدى إلى تفاقم الأزمة، وتعذر إمكان عقد المؤتمر في شروط صحية. فما رأيكم في ذلك؟

11 – لقد طرح الرفيقان تساؤلاً جوهرياً، في الأخير، حول قرار المؤتمر الثامن بخصوص العمل على توحيد اليسار ككل، وحول مدى قدرة الحزب في وضعه الحالي على ما يصفانه بأنه "توحيد قوى اليسار والإسهام في تجميع القوى الديمقراطية (...) وهو في حالة العجز عن توحيد صفوفه".
 ألا تعتقدون أن إنجاز هذه الوحدة، والحيلولة دون المزيد من التشرذم والانقسام، في الظروف الخطيرة جداً التي خلقها احتلال العراق وتهديدات الإدارة الأميركية الجدية بإعادة صياغة صورة المنطقة وفقاً لمصالحها، إنما يستحق إعادة النظر في فهمكم للديمقراطية الحزبية لصالح توسيعها وتعميقها، والتركيز انطلاقاً من ذلك على أسباب التلاقي والوحدة، بدلاً من التركيز على العكس على أسباب الفرقة والخلاف؟

12 – هل لديكم تصور، للمرحلة القادمة، حول كيفية تنفيذ قرار المؤتمر الثامن المشار إليه، بخصوص وحدة اليسار؟

13 – إزاء الهجمة الشرسة جداً على المنطقة العربية، من جانب الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية، ألا ترون أن ثمة حاجة قصوى لبذل جهود جدية أيضاً على طريق إنتاج وحدة حقيقية لليسار العربي، وبوجه أخص وحدة الحركة الشيوعية العربية، بشتى تنويعاتها، على أساس برنامجي واضح، وحتى على مرتكزات تنظيمية محددة؟ وما تصوركم، إذا كنتم توافقون على ذلك، لأشكال توحيد تلك الحركة وذلك اليسار، وشروطه؟

14 – هل ينفصل ذلك، في رأيكم، عن الحاجة لإعادة الاعتبار كلياً لمطلب "الوحدة العربية" كرد أساسي على المسعى الأميركي – الصهيوني للمزيد من تفتيت المنطقة العربية، وللمزيد من الهيمنة على الوطن العربي وطاقاته البشرية والمادية، وكنقطة برنامجية أساسية، هذه المرة، لدى الشيوعيين العرب بالذات، ومن ضمنهم بوجه خاص الشيوعيون اللبنانيون، على اختلاف اتجاهاتهم؟ وذلك بعد الإفلاس المدوي للقوى والأحزاب البرجوازية القومية في وضع ذلك المطلب موضع التطبيق والدفاع عنه، ناهيكم عن عجزها المطلق عن الاضطلاع بباقي المهام الديمقراطية القومية في مواجهة إسرائيل والإمبريالية العالمية؟

15 – هل لديكم تصور حول دور خاص وأساسي للشيوعيين العرب، في تنظيم المقاومة الشعبية العراقية، والعربية الشاملة، للاحتلال الأميركي – البريطاني للعراق، وللهجمة الإمبريالية – الصهيونية الراهنة على المنطقة العربية؟


إجابات الرفيق سعد الله مزرعاني
اود في البداية التأكيد بأن ما سأدلي به انما هو رأي خاص، وشخصي، ذلك اننا في خضم عملية التحضير للمؤتمر التاسع الذي سيكون المكان المناسب والطبيعي، لتقديم اجوبة بشأن العديد من المسائل موضوع ومادة الاسئلة المطروحة.
ويتعذر البحث عن اسباب الخلافات ومصدر الأزمات دون التذكير بالمنعطف التاريخي، الكبير والخطير، الذي مثله انهيار الاتحاد السوفياتي ومعه التجربة المحققة فيه وفي عدد من دول اوروبا الشرقية التي اعتمدت نموذجه. فما سمي آنذاك بالزلزال، طرح اسئلة جوهرية ما يزال العديد منها دون اجوبة. اما الأجوبة التي قدمت فلم تكن موحدة وواحدة. ولذلك فان عناصر الوحدة السابقة والتي كان معظمها خارجياً، قد زالت. وما بقي منها، في اعلان الأكثرية، التمسك بالماركسية او بالماركسية- اللينينية، قد تبدلت النظرة اليه والعلاقة بمركزه السوفياتي السابق. كما تبدلت، واقعياً ، عناصر الجذب فيه. وبالنسبة للاجيال الجديدة على الاقل، حل الارتباط "الايماني" وهو، مؤقتاً، ليس عنصراً سلبياً، على حساب جهد الاطلاع ومثابرة المتابعة المعرفية والتناول النقدي المستقل عن وجهة النظر "الرسمية" التي كانت سائدة في مرحلة "المركز السوفياتي".

اما "المخضرمون"، فقد انطلقت السنتهم واقلامهم بالاجتهاد بعد طول كبت كانوا يرتضونه غالباً، اعتقاداً منهم ان نجاح التجربة وصراع المعسكرين اكبر من كل التفاصيل، فضلاً عن تجنب احراجات عديدة او طلباً من قبل العديدين منهم لمواقع ومكاسب وامتيازات كانت رائجة وكانت على تحسن مضطرد!

ببساطة، لقد واجهت الحركة الشيوعية، ولنقل تحديداً هنا، الأحزاب الشيوعية التي كانت جزءاً من "الحركة الشيوعية العالمية" التي كان "مركزها" الاتحاد السوفياتي، واجهت تحدي الاستمرارية، اي انها قد واجهت تحدي ان تبرر مشروعيتها في الظروف الجديدة: اي ان يثبت اعضاء هذه الأحزاب وخصوصاً قادتها ، بأنهم أبناء شرعيون لحركة التغيير في بلدانهم وليسوا مجرد امتداد خارجي لحركة قد تعرض الاساسي من انظمتها للانهيار والزوال.

وكان ذلك، ولا يزال، يفترض اثبات شرعيتين ارتباطاً بذلك: شرعية التغيير، بما هو حاجة موضوعية ناجمة عن تناقضات في داخل بلداننا وبين هذه البلدان والمركز الامبريالي المنتصر في الحرب الباردة. وشرعية التعبير عن هذه الحاجة، عبر برامج خاصة وأطر مستقلة عن القوى المهيمنة التقليدية و "التقدمية" على حد سواء!
بيد ان ذلك، وقبل أي شيء ، كان ولا يزال يشترط ايضاً، الاحتفاظ ببعض الثوابت الاساسية وان تغيرت ظروف واشكال التعبير عنها، ومنها اساساً : الايمان العميق بالمبررات الموضوعية لحتمية التغيير في المجتمع استناداً للمبادئ العامة الماركسية، والسعي من جهة ثانية لابتداع البرامج والصيغ والأشكال التي يتم بواسطتها تجسيد حركة الصراع، من موقع القوى الشعبية عموماً، ومن موقع الطبقة العاملة، خصوصاً، والتي اتسعت وتنوعت قواها وصيغها على نحو جذري في حقول عديدة، طبقاً لأولويات الصراع في اشكاله المتنوعة وقواه المتداخلة ومراحله المتشابكة.

بيد ان القضايا الكبيرة والخطيرة التي كشفها او طرحها انهيار التجربة السوفياتية على كل القوى الثورية والتحررية في العالم، قد اقترنت ايضاً بطرح مسائل صغيرة متعددة ينصب معظمها على دور بعض الأفراد بالتحديد، او على بعض مسؤولياتهم وسلوكياتهم وثغرات ممارستهم وعلاقاتهم.
وبالنسبة لنا نحن في الحزب الشيوعي اللبناني، وفي مجرى التحضير لمؤتمرنا السادس عام 1990 انصبت الاهتمامات الاساسية على القضايا الأساسية. غير ان جزءاً من هذه النقاشات قد انصرف عن ذلك الى الجزئيات: في تحديد المسؤوليات وفي الأدوار وفي السلوك . ومنذ ذلك التاريخ انطلق "تيار الاتهامات" الذي مصدره الأساسي رغبة في تصفية حسابات سابقة او قائمة. وقد استمر هذا "التيار" يشق طريقه بثبات وبتصميم، متوسعاً في تضخيم الأخطاء وفي اختلاقها احياناً، ومتوسلاً الشائعات والاتهامات... وفي ظرف متوتر ودقيق، وفي مناخ الهزائم والتراجعات "يحلو" النقار " ويستمر. وقد لعب هذا "التيار" دوراً سلبياً في عدة اتجاهات: اولهما صرف الاهتمام عن القضايا الكلية الى المسائل الجزئية. وثانيهما التركيز على الأمور الشخصية قبل الأمور العامة. وثالثهما تنمية جو الحذر والشكوك والعدائية على حساب التعاون والثقة والرفاقية. ورابعهما اعطاء نموذج سيىء عن الاعتراض الذي يتحول عن دوره الايجابي في نقد اداء القيادة الى بناء كيانات سياسية وتنظيمية داخل الحزب ترفض الانتخابات وترفض الاحتكام لأصول العمل المقرة في المؤتمرات.
ولا شك ان ذلك قد اعاق بلورة وتسريع خيارات ضرورية وانعطافية في الوقت المناسب. لا بل ان هذا النوع من الاعتراض قد ولد لدى العديدين حذراً من التحول الديمقراطي نفسه! فقد نظر الى هذا النوع من الاعتراض بوصفه اداة لتقويض الحزب ووحدته، وجرى من قبل المستائين منه الخلط بينه وبين الديمقراطية نفسها.

ان الإشارة إلى الأساس العام والأساس الخاص للخلافات الراهنة في الحزب الشيوعي لا يختصر كل ما يجري فيه. فثمة قضايا فعلية قائمة في مجرى ذلك. وقبل تناولها أود الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن مسألة القدرة، أو عدمها، على إنتاج برنامج يساري وابتداع الأشكال والأطر المناسبة، الحاملة له، هو تحد مطروح قبل انهيار النظام السوفياتي، وهو ما زال مطروحاً بالتأكيد حتى يومنا هذا . وفي ميزان الإيجابيات القليلة الناجمة عن انهيار النموذج السوفياتي (الستاليني عموماً) نشير إلى أن الظروف الراهنة نمت اكثر، وتتيح بشكل أوسع فرص وإمكانيات اشتقاق الصيغة التغييرية الثورية اليسارية لكل حركة ولكل بلد من البلدان. وبديهي أننا نقول ذلك من زاوية ما كان يشكله النموذج السوفياتي من إعاقة بسبب الاملاءات التي كان يفرضها، والضغوط التي كان يولدها ،وحدود الانضباط الكبيرة التي كان يصر عليها، وفهمه الخاص للماركسية وللينينية الذي لم يكن يقبل فهماً سواه...

اما في المسائل الأساسية فأود ان أدلي بالملاحظات الأساسية الآتية:

1 – ان ثمةخلافات سياسية وعقائدية ايضاً، تدور وتتعمق. وعلى هامش برنامج الحزب وهيئاته المنتخبة، نبتت ونشأت خطوط سياسية وعلاقات وتحالفات متباينة او نقيضة... والمسألة بالنسبة للبعض، لم تعد مسألة تعدد داخل الحزب الواحد، بل تعدد الآحزاب في الحزب الواحد! وهذه المسألة ابعد واعمق من النقاش حول الابقاء على اسم الحزب او تغييره. فثمة اعضاء في الحزب، في قيادته السابقة او من بين كوادره، قد انتقلوا الى مواقع اليمين او الى مواقع يمينية في هذا الحقل او ذاك. والمثل على ذلك في الانزلاق من قبل عدد من اعضاء الحزب ومن اليساريين السابقين، الى مواقع القوى اليمينية الطائفية التقليدية. فهؤلاء يحصرون دور اليساريين بالمساهمة في تحسين التوازنات الطائفية لا في الاعتراض على النظام الطائفي برمته والنضال من اجل بديل ديمقراطي له. وفي مجرى هذا الانزلاق ردد اركان المعارضة في الحزب مطالب اليمين اللبناني، حتى لو كانت صدى لشروط اميركية واسرائيلية: حول موقع لبنان من الصراع مع العدو الصهيوني، وحول نشر الجيش على الحدود مع العدو وحول رفض المساس بالنظام الطائفي ... الى الموقع من القضية الاجتماعية وقضايا الاصلاح... الى الموقف من الغزو الأميركي للعراق ومن الأولويات التي يطرحها ومن المهمات التي يمليها راهناً ومنها ضرورة مقاومة هذا الغزو ومقاومة نتائجه واملاءاته وملحقاته الصهيونية خصوصاً..
2 – اما في موضوع العلاقات السورية – اللبنانية وعلاقات الحزب مع سوريا، فنحن شديدو القناعة بموقفنا المستقل والنقدي من جهة، والساعي الى تصحيح هذه العلاقات بأفق التكامل والأخوة من جهة  اخرى. وهل نخالف البديهيات ونقول ان الحزب الشيوعي في ظل قيادته الراهنة "يتمتع" بالدعم السوري!!! لكننا رفضنا، ولا نزال، النظرة العنصرية الى الوجود السوري كما رفضنا الالتحاق التبعي بالخطة وبالسياسة السورية . ولطالما انتقدنا في الدور السوري في لبنان تكريسه للعامل الطائفي واضعافه لسلطة المؤسسات الدستورية ودعم قوى جزء منها تابع وفاسد.. لكننا، بالمقابل، قيّمنا مساهمة سوريا في عملية التحرير وتناقضها الجزئي او النسبي مع المخطط الأميركي والصهيوني في المنطقة..

3 – وفي الموضوع التنظيمي يجب الاشارة ، منذ البداية، الى ان الحزب قد الغى، منذ المؤتمر السادس، كل اشكال التعيين والوصاية في عملية انتخاب الهيئات والمندوبين. وقد اقر في نظامه الداخلي حق الاختلاف وحق النشر العلني في الأمور الفكرية والسياسية في وسائل الاعلام الحزبية والعامة. وما مورس في الواقع فقد شمل ايضاً الأمور التنظيمية، بل الأمور التنظيمية قبل سواها.

وعلى امتداد عشر سنوات متواصلة شهد الحزب نقاشات مفتوحة وواسعة وخلافات كان حقلها الاساسي الاعلام في منابره المختلفة. ولقد عقدت المؤتمرات الثلاثة الاخيرة بشكل علني امام وسائل الاعلام وبحضور الضيوف الأجانب والمحليين الذين ساهم الكثير منهم في النقاش وبشكل رحب لم يتوقعوه هم انفسهم.

وكان يمكن لمؤتمرات الحزب أن تقر صيغاً اكثر تقدماً لولا ما ذكرت آنفاً من سوء استخدام المعارضة لحق الاعتراض الديمقراطي وتحويله ، غالباً، الى عملية فوضى وصراع واقامة شبه احزاب داخل الحزب لها مرجعياتها وتحالفاتها الثابتة خارج الحزب!

ومع ذلك فإن الحزب يستطيع التقدم اكثر في تطوير الديمقراطية داخله ليتسع لنشوء تيارات الرأي التي يجب تمكينها من تأمين ايصال رأيها الى كل الحزب دون اي عوائق.
ويجب ان نذكر هنا بأن القيادة الراهنة قد اختارت طريق الحوار دائماً. وهذا ما برز خصوصاً في تشكيل "لجنة الحوار" اوائل عام 2002. فقد عمل المكتب السياسي كل شيء من اجل ان تطرح الأمور السياسية والتنظيمية على بساط البحث. وقد نشر المكتب السياسي عناوين "الحوار" في الصحافة اللبنانية.  الا ان البعض كان يريد التعامل وكأن الهيئات الشرعية غير موجودة. وهو ضمناً او صراحة، سعى من اجل عقد صفقات للتحايل على ميزان القوى في الحزب، وللتحكم بنتائج المؤتمر قبل انعقاده! وقد رفضنا تعطيل المؤتمر ورفضنا تأجيل المؤتمرات القاعدية إلى ما لا نهاية له عندما ربط عقد هذه الاستحقاقات التي تنظم عمل الحزب بعقد الصفقات المشار اليها آنفاً.
4 – الوحدة الحزبية ليست امراً طوباوياً او اخلاقياً، يمكن تأمينه بمعزل عن التطورات والتحولات داخل الحزب نفسه. والوحدة التي يحتاجها الحزب اليوم هي وحدة برنامجه لا تشريع تعدد البرامج داخل الحزب، ووحدة الارادة في احترام نتائج مؤتمراته لا رفض كل اجراء لا يناسب هذاالفرد او ذاك ولا هذه المجموعة او تلك...
اننا نعيش الآن وحدة مريضة، شكلية، بسب استمرار عدد من المعارضين في رفض الاحتكام لقرارات المؤتمرات، وفي عدم احترام نتيجة التصويت، وفي اقامة تكتلات سياسية وتنظيمية لها برامجها وتحالفاتها وعلاقاتها المتعارضة مع برنامج وتحالفات وعلاقات الهيئات القيادية.

اننا بحاجة الى اعادة الاعتبار لمعادلة الكل والجزء، والاساسي والثانوي، واصول ممارسة حق الاعتراض وواجب صيانته من جهة، والتزام اصحابه الاصول التنظيمية من جهة اخرى.

5 – وفي امتداد ذلك هل يؤخذ علينا احترام مواعيد عقد المؤتمرات المناطقية رغم كل المرونة الضرورية والتي في سياقها جرى تأخير المؤتمرات المناطقية سنة كاملة؟! وهل يؤخذ علينا التمسك بالاحتكام للمؤتمر ولأصول العمل النافذة، حتى تغييرها اصولاً. ان المجلس الوطني مؤتمن على عمل الحزب حتى المؤتمر التاسع. وهو سيواصل القيام بواجبه في التحضير للمؤتمر. وقد وجه هذا المجلس نداء المشاركة للجميع، وعلى كل طرف ان يتحمل مسؤولياته في المشاركة او عدمها.
6 – اما بشأن برنامج اليسار وقدرة الحزب على ان يساهم فيه مقترحاً ومبادراً، فبديهي ان الأولوية الآن لمعالجة الشأن الداخلي، مع التأسيس لجهد اكبر بعد المؤتمر وعبر الهيئات المنتخبة، للمشاركة في تجميع قوى اليسار على أساس برنامج تتفق عليه وتعمل معاً من اجل تحقيقه، وذلك من ضمن جهد قومي واممي أوسع لجبه التحديات الناجمة عن المخطط الأميركي والصهيوني في لبنان والمنطقة والعالم.

 

أسئلة موجهة للرفيق سناء أبو شقرا

1 – من الاطلاع على الكراس الذي أصدرتموه على أنه مشروع وثيقة فكرية – تنظيمية‘ ورؤية سياسية وخطة عمل، يلاحظ أنه تغلب عمومية غائمة تقريباً حول تصوركم للعلاقات التنظيمية المنشودة، فهل يمكن إعطاء فكرة أدق عن فهمكم للديمقراطية الحزبية؟

ماذا تعني عملياً:
أ – حرية تكوين اتجاهات؟
  ب – حرية تكوين تيارات، أو تكتلات؟
  ج – كيف تفهمون مسألة النسبية التي يتكرر الحديث عنها لديكم؟
د – ماذا عن انتخاب الهيئات القيادية مباشرة من أعضاء الحزب؟ وهل هناك تجارب تنظيمية عبر العالم تعتمد ذلك؟ ما مدى نجاحها في إرساء ديمقراطية حقيقية؟
هـ- ماذا عن الانضباط الحزبي؟ وتنفيذ القرارات؟ وبالتالي مسألة القيادة؟

2 – أنتم ترفضون فكرة المركزية الديمقراطية، بالكامل. ألا تجدون أن هناك فرقاً واضحاً بين الفهم الستاليني لهذه الفكرة، والفهم اللينيني، الذي كان يمارس قبل تواري لينين عن مواقع السلطة عام 1922، حين كان هناك توازن واضح بين عنصري المركزية والديمقراطية لم يتم ضربه إلا بعد استتباب السلطة للبيروقراطية الستالينية؟

3 – في حين نقدِّر تماماً رفضكم الرؤية الستالينية للحزب وما تنطوي عليه من استلاب للمناضل الثوري، وقتل للحرية الإنسانية ولملكة الإبداع لدى الفرد، والجماعة، اللذين يحملان رأياً آخر، ألا تجدون في النظرية اللينينية للتنظيم، كما مورست إلى حين قيام ثورة أكتوبر، بوجه أخص، وما بقيت تضمنه من حرية مطلقة للاتجاه، حتى عام 1922، ما يمكن أن يبقى صالحاً لاستلهامه في رؤيتكم للعلاقات الحزبية؟

4 – هل تعتقدون أن الأزمة الحالية يمكن أن تفضي، في حال الفشل في انعقاد المؤتمر التاسع، أو في حال فشل هذا المؤتمر، لدى انعقاده، في إنضاج تسوية على المستويين السياسي والتنظيمي، إلى قيام حزبين، أو أكثر؟

5 – اعتبرتم أن إحدى نقاط الضعف الأساسية للحزب كانت تماهيه مع مصالح الاتحاد السوفياتي وصراعه الكوني، وتزيدون أنه "حتى الذين تخلوا عن السوفياتية لصالح الماوية أو الأممية الرابعة وقعوا في الخطأ نفسه، أو خطأ مشابه". هل يمكن توضيح ذلك؟

6 – تقولون إن تعريف حزبكم "بأنه حزب الاشتراكية لم يعد يعني الكثير في الواقع العملي"، وتضيفون أن الاشتراكية لم تعد اليوم "نموذجاً عملياً بل إطار نظري أخلاقي لمشروع بعيد المدى". فما يعني ذلك بوضوح؟ وهل تقصدون أن الهدف الاشتراكي لم يعد يعني لكم شيئاً، بما هو فعل تحرير للإنسان من عبودية رأس المال، وما يرافقها من جرائم بحق الإنسان والبيئة، وبما هو الأفق الوحيد لإنقاذ البشرية، ليس فقط من الهمجية التي تنذر بها حروب النهب والهيمنة الأميركية الحالية، بل حتى من مخاطر استئصال الحياة على كوكبنا؟

7 – في دعوتكم للتخلي عن الاسم، تعتبرون أن ما يجب اعتماده، بالمقابل، يجب أن يكون تسمية "أكثر تواضعاً وأقرب إلى المهمات المطروحة في المدى المنظور". الأمر الذي يوحي بالتخلي العملي عن المنظور الاشتراكي لصالح رؤية قد لا تكون تتجاوز الفهم الديمقراطي البرجوازي.

ما رأيكم في هذا الصدد، وهل تتداولون، في غضون ذلك، تصوراً محدداً عن الاسم البديل، أو عن أكثر من اسم محتمل؟

8 – لا يبدي مشروع الوثيقة أي اهتمام بالعمل الأممي والروح الأممية. هل هذا موقف ضد النزعة الأممية، أم أن لديكم تصوراً خاصاً غير معلن حول مسألة العمل والتضامن الأمميين؟

9 – في سياق ما تسمونه نقداً ذاتياً لتجربة الحزب الشيوعي، تقولون إنكم (كحزب) مارستم نفس ما تتهمون به القوى الطائفية اللبنانية، أي الاستقواء بالخارج لحسم الصراع الداخلي، هذا الاستقواء الذي سهَّل، بحسب رأيكم،تغييب القضية الوطنية اللبنانية لاحقاً، عندما تغيرت موازين القوى العالمية والإقليمية.

أولاً : هل تصح المقارنة بين هذين الاستقواءين، عندما تختلف الأهداف تماماً، في كل من الحالتين؟
ثانياً : أليس في هذه الطريقة في التحليل والحكم نوعاً من الانكفاء إلى قطرية ضيقة جداً، لا تتعارض فقط مع الأهداف العليا للصراع القومي، بل أيضاً مع المصالح الوطنية لشعبنا، التي لا مجال لفصلها عن تلك الأهداف وعن المصالح القومية في التحرر من السيطرة الإمبريالية على المنطقة، ومن ضمنها لبنان، ومن الأطماع الصهيونية، كما من حالة الشرذمة والتفتيت التي أوجدها الاستعمار القديم ويجري تعميقها الآن في ظل الهجمة الإمبريالية الجديدة؟

10 – في حديثكم عن مسألة الهوية، تتطلعون إلى وطن "كامل الاستقلال"، "حيث الانتماء إلى الوطن العربي يشكل امتداداً طوعياً للمواطنية اللبنانية وخياراً حراً للشعب اللبناني"، ثم تعودون، في الحديث عن "دورنا العربي"، فترون أن " التكامل العربي" يجب أن يحل تدريجياً محل الكلام الشعري عن الوحدة العربية الشكلية المفرغة من أي مضمون تقدمي حقيقي...الخ.
 
أولاً : في ظل العولمة الرأسمالية الراهنة، والهجمة الشرسة للقطب الأميركي الأوحد، وفي حين نعرف تماماً خطر الإفلاس الاقتصادي الذي يهدد بلداناً صغيرة وضعيفة وغارقة في الديون ومحدودة الموارد كلبنان، مع ما يرافق ذلك من ضغوط مؤسسات العولمة الراهنة، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، أي "استقلال كامل" يمكن تحقيقه للبنان، وما مقوماته الفعلية؟ علماً بأن بلداناً صناعية متقدمة، سواء في أوروبا المنخرطة أكثر فأكثر في سيرورة توحيد، أو في القارات الأخرى، لا تجد من وسيلة لمواجهة استحقاقات المرحة الراهنة من العولمة تحت الهيمنة الأميركية، إلا عبر الانخراط في تجمعات أوسع بكثير من كياناتها الأصلية؟ هكذا ألا يشكل شعار الوطن "كامل الاستقلال" هذا شعاراً طوباوياً، بل رجعياً، لا يدل على تكيف خلاّق مع معطيات العالم الراهن ومتطلباته، التي تستدعي تعزيز التوجهات الوحدوية، لكن مع التركيز على المسألة الديمقراطية وعلى ضرورة استيفاء شروطها؟
 
ثانياً : ألا ترون أن استبدالكم مطلب الوحدة العربية الذي تعتبرونه ضرباً من "الكلام الشعري"، بمطلب "التكامل" هو بحد ذاته إغراق في التخيلات،  لأن هذا التكامل يكون ممكناً فقط في حال وجود حكومات ديمقراطية حقاً في المنطقة العربية، وغير مرتهنة بصورة مفرطة بعلاقات تبعية للغرب الإمبريالي، في حين أن مطلب الوحدة هو مطلب ثوري يفترض أن ينطرح على الجماهير والشعوب العربية المهددة الآن بكل شيء، إذا لم تضع نفسها على طريق الرد على الهجمة الراهنة بشتى أشكال الدفاع عن النفس وعن المصير، وبوجه أخص التعبئة الشاملة وتنظيم الإمكانات البشرية والمادية لأجل فرض أشكال من الوحدة من شأنها تشكيل قاعدة أساسية للرد بفعالية على الهجمة المشار إليها؟
 
ثالثاً :  بمعنى آخر أليس مطلب قيام ولايات متحدة عربية، على أسس ديمقراطية ثورية، والسعي لبناء الأداة التنظيمية العربية المناسبة لحفز وقيادة سيرورة كهذه، بدلاً من الانكفاء نحو بناء أحزاب كيانية شديدة القطرية، هما الرد على التمزق والارتهان للخارج اللذين يتيحان استخدام الإمبريالية العالمية أراضي دول عربية كنقاط انطلاق للعدوان على دول عربية أخرى؟

11 – في الفصل المتعلق بالاقتصاد، تصفون الواقع الراهن، وتنتقدونه بشدة، لكن من دون أن تطرحوا أي بديل برنامجي، أو حتى بداية بديل، على هذا الصدد، بحيث تظل هذه المسألة عالقة بالكامل. ما سبب ذلك، واكتفائكم بالقول إن الإجابة في هذا المجال صعبة، ولكن غير مستحيلة؟

12 – في تطلعكم إلى ما تسمونه "التقدم الشامل للمجتمع اللبناني"، ترون ضرورة السعي لبناء اقتصاد مزدهر، "متمحور على قدراتنا"، وتضيفون أنكم تطمحون "للدفاع عن مصالح قوى الإنتاج كلها (...) بحيث لا يضحَّى بحقوق العمال والأجراء، ولا تنتهك ضرورات النمو الاقتصادي". فهل هذا ممكن؟ وهل يعني دعوة إلى نوع من التعاون الطبقي بين المنتجين ومالكي وسائل الإنتاج، ولا سيما في مرحلة تعرفون أنها ستؤدي، في مدى منظور، إلى سيطرة قوى العولمة، وبالتالي الشركات متعددة الجنسية، وبوجه أخص في بلد كلبنان؟
 
إذا كان الجواب إيجابياً، فما الذي سيبقى عملياً من اهتمامكم المعلن بحقوق العمال والأجراء؟ ألا يعني ذلك الدعوة لقيام حزب على طريقة أحزاب الاشتراكية الدولية، كالحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، وحزب العمال البريطاني، والحزب الاشتراكي الفرنسي، وهلمَّ جراً؟

13 – أخيراً، على ضوء الرؤية الإصلاحية التي تطرحونها في نصكم، ما تصوركم لمفهوم اليسار إجمالاً، ومن ثم كيف تنظرون إلى أزمة اليسار المحلي ككل (ومن ضمنه الحزب الشيوعي اللبناني) وأشكال تجاوز هذه الأزمة وحلها؟
 وبصورة أعم، هل ينطرح لديكم كمهمة عاجلة العمل لأجل وضع أرضية متينة لوحدة اليسار؟


إجابات الرفيق  سنـاء أبو شقـرا

أ - الوثيقة تدعو بوضوح الى حرية تكوين اتجاهات وتيارات على قاعدة تطورات سياسية معلنة. يعتقد البعض أن المعارضة أو المعارضات في الأحزاب لا يمكن أن تكون ثابتة ومستقرة. بل هي متحركة بحسب الموقف. أنا أعتقد بخطأ هذه النظرة. يمكن أن يقوم خلاف ليس حول موقف بل حول وجهة. مثلاً وجهة التعامل مع المنظمات الجماهيرية القريبة من الحزب، أو الأبعد، أو مسألة التحالفات، أو غير ذلك. هذا يقتضي بلورة اعتراض ثابت، وبالتالي كتلة واضحة داخل جسم الحزب، تتمتع بحق الترويج لآرائها مثلها مثل القيادة الرسمية. 
ب – النسبية تولد طبيعياً من حق التيارات في الوجود. كل تيار، أو كل برنامج (بلاتفورم) يجب أن يتمثل في الهيئات الحزبية بحسب قوته ومؤيديه. ولكن قد يكون من الأفضل للعمل أن تتشكل الهيئات التنفيذية من الأكثرية وحدها (أو تحالف أكثري)، في حين تكون الهيئات الواسعة انعكاساً فعلياً للوحة التنوع في الحزب على قاعدة التمثيل النسبي.
ج – كلما قلَّت المراحل والوسائط بين القاعدة والقيادة في الانتخابات، كلما كان التمثيل أفضل. ولكن هذه مسألة عملية تدخل فيها عوامل عدة يجب حلها بأسلوب عملي أيضاً. أما انتخاب الأمين العام (وربما الأمانة العامة) ونائبه أو نوابه مباشرة من القاعدة فهذه صيغة جيدة، بنظري.

2 – نحن لا نرفض مبدأ المركزية الديمقراطية. ونعرف أن كل قيادة، مهما كانت ديمقراطية، هي مركز، وعليها أن تتخذ قرارات. ما نرفضه هو الصيغة السائدة، التي أصبحت بديلاً من الصيغة الأصلية. المسألة تتلخص في جانبين: الأول، كيف تتكون القيادة ومن تمثل؟ والثاني، كيف يؤخذ القرار في هذه القيادة، وكيف تنعكس في آلية اتخاذه الآراء الأخرى الموجودة في الحزب. شخصياً، لا أعرف بالضبط كيف عالج لينين هذه المسألة عملياً، لكن روح اللينينية كانت دائماً تغلب الجانب الديمقراطي. طبعاً الإرث الستاليني طغى على ممارسات الأحزاب الشيوعية فيما بعد، وكذلك انتقلت الصيغة إلى أحزاب أخرى، لأسباب خارجة عن موضوعنا هنا.
3 – المشكلة الراهنة في صيغة الأحزاب اللينينية تتجاوز التناقض الذي يثيره السؤال. علماً أن هذا التناقض حقيقي تاريخياً.
المشكلة، كما أراها، تطال البنية نفسها. لأن الحزب، في المفهوم اللينيني، هو طليعة قوات الثورة. الهدف هي الثورة، والحزب أداتها السياسية، والعسكرية، اذا اقتضى الأمر. المطلوب، اذا أردنا أن نستفيد من دروس التجارب، أن نعكس المسار. بدل أن تكون الثورة بداية التحويل الثوري للمجتمع يجب أن تصبح تتويجه الأخير. أي أن تصبح السلطة السياسية نتاجاً طبيعياً للتغيير في المجتمع، وفي العلاقات الاجتماعية، وفي توازن القوى بين الطبقات الاجتماعية وتعبيراتها. وعندما أقول "نتاجاً طبيعياً" لا أعني التغيير بالوسائل التي تفرضها الطبقات المسيطرة حصراً، مثل الانتخابات المسرحية،أو الاستفتاءات المعروفة النتائج سلفاً.
هنا، على حركة التغيير الآتية أن تجد الأسلوب الملائم لكي تفرض الإقرار بواقع التوازن الاجتماعي الجديد، والسلطة المعبرة عن هذا الواقع. وهذا بعض ما نستلهمه من "الستراتيجية" اللينينية"، لأن لينين كان يرى دائماً ضرورة تكييف الوسائل مع الأهداف. والأساس هو النجاح في تحقيق الهدف.
4 – الانغلاق يمكن أن يؤدي الى كل أنواع الرفض. وحتى الآن لم تظهر القيادة قدرة على الحوار والسجال البنّاء والصريح، تارة بدعوى "عدم نشر الغسيل"، وطوراً لعدم القناعة بالجدوى. كأن النقاش التنظيمي جزء من المقدّس السرّي، لا يجري الا في غرف مغلقة وبين "أولي الأمر" وحدهم. علماً أن حقيقة الأمر هي أن القيادة عالقة في التجاذب بين ضرورة التجديد، وهو مطلب واسع في الحزب، وعدم القدرة على تحمل نتائجه. وهناك أحزاب كثيرة "انتحرت" سياسياً بسبب تمسكها الجامد بمفاهيم وصيغ عاجزة عن التقدم والتطور. نحن الآن في مرحلة مواجهة طويلة وخطيرة مع امبريالية جديدة، عدوانية ومعسكرة. الجميع بحاجة الى الجميع. في الحزب، كما في كل القوى الرافضة لواقع الاستسلام العربي. وأتمنّى أن تمتلك القيادة شجاعة الإقدام على الخطوات التي تنتج مؤتمراً يجدد الحزب ويوحده.
5 – الفكرة هنا أن الأحزاب الشيوعية، بكل تلاوينها وأسمائها، ورغم الاختلافات الكبيرة بينها، لم تولِ التحليل الملموس لأوضاع بلدانها الأهمية اللازمة. فكانت "حصة" الإسقاط كبيرة في هذا التحليل، ثم في المواقف. الأحزاب "السوفياتية" كانت النموذج الأوضح. لكننا جميعاً كنا مشدودين نسبياً الى خارج ما، جعلنا مرتبكين في صياغة العلاقة السليمة بين الوطني أو القطري من جهة، والقومي ثم الأممي من جهة أخرى. ماهو المسار الثوري السليم؟ من أين ننطلق؟ لمن ألأولوية وفي أية ظروف؟ هذه أسئلة بحاجة الى أجوبة عملية ونظرية علينا أن نجتهد لتقديمها.
6 – الفكرة دقيقة. مفادها أن الأهداف الاشتراكية لا تزال قائمة، وبإلحاح. لكن الذي زال هو "النموذج العملي". أطرح سؤالاً: اذا كانت الملكية الخاصة بؤرة إنتاج الاستغلال، وهذا صحيح، فإن الهدف الاشتراكي هو زوالها. ما هي صيغ الإلغاء؟ قامت تجربة التأميم فأصبحت الدولة هي المالك الأكبر، أو الوحيد، لكن مشكلة الاستلاب (وهو الشكل الضمني للاستغلال) تفاقمت. الدولة لم تحوّل الملكية الخاصة الى اجتماعية، ولأسباب أعمق بكثير من البيروقراطية، وسيطرة الأجهزة وسوى ذلك.أسباب تتعلق بالسوق العالمية، والعلاقات الرأسمالية المسيطرة عالمياً.
 بالتالي، عادت الاشتراكية إلى أساسها النظري، مجردة عن النماذج. وعلى القوى الساعية الى الأهداف الاشتراكية أن تقترح ما يمكن أن يصبح حلاً عملياً وفعالاً لمشكلة الاستغلال، والاستلاب، وهدر الموارد، وتدمير البيئة، الملازمة للرأسمالية. إلى أن يتم ذلك ستظل الاشتراكية في نطاق الهدف "النظري" والقيم الإنسانية الاخلاقية.
7 – الوثيقة تقترح أن يكون الاسم أقرب الى المهمات المطلوبة في المدى المنظور، أو الى الكتلة الاجتماعية – السياسية التي يتوجه إليها ويرغب في تمثيلها والدفاع عنها. الأسماء الممكنة كثيرة إذا تم الاتفاق على مضمون وهدف تغيير الاسم.
8 – أعتقد أن الروح الأممية واضحة جداً في الوثيقة، بخاصة في تحليل العولمة الرأسمالية وسبل مواجهتها. الآن أكثر من أي وقت مضى مطلوب إعادة الاعتبار لحقيقة النضال الأممي، والربط السليم بين مهمات التغيير في الداخل، ومواجهة الامبريالية الجديدة قومياً وعالمياً.
9 – نعم تصح المقارنة، رغم الاختلاف العميق في الأهداف. لأن الاستقواء بالخارج تعبير عن عجز في تكوين أكثرية داخلية. وليس في هذا أي قطرية لأن ما يجري الحديث عنه ليس الاستفادة من مناخ قومي يغير في الاتجاهات السياسية المحلية، بل الاستناد المباشر، الجسدي، الى قوى من خارج الصراع المحلي وتوازناته.
 
موضوعة الاستناد الى الخارج خطيرة ومفتوحة. كل طرف يستطيع أن يبرر ذلك من خلال مشروعية أهدافه عنده. ناهيك عن أن من يفرض شروطه في النهاية هو الطرف الأقوى في معادلة الاستناد هذه. لننظر الى تجربة الوحدة بين مصر وسوريا وندرسها بعمق. ثم التدخل السوفياتي في المجر وتشيكوسلوفاكيا، ما كانت مبرراته وكيف انتهت التجربة كلها. واليوم هل يمكن قبول التدخل الاميركي من أجل ازاحة ديكتاتورية النظام العراقي؟
10 – "الاستقلال الكامل" مصطلح نسبي في عالم اليوم، خاصة في المجال الاقتصادي والثقافي-الاعلامي. ولكن من دون "استقلال" لا يمكن بناء أي صيغة قومية أو اقليمية قابلة للحياة. وعلينا أن نبني ائتلافنا القومي على قاعدة المصلحة المشتركة والاقتناع وإلا سنظل معرضين، ويظل بناؤنا هشاً، مفتوحاً على الأعداء.
 
أما إبدال شعار "الوحدة الفورية" بشعار التكامل التدريجي نحوها فهذا ما أثبت التاريخ جدواه وصحته. وفي الحالتين نحن مقتنعون بأن الأنظمة القائمة هي عقبة رئيسية. بعضها بسبب عجزه وتورطه في الستراتيجية الأميركية، وبعض آخر بسبب الخوف على نفسه ومصالحه الضيقة. إما أن يكون البناء العربي الموحد تقدمياً، رافضاً للتبعية، ديمقراطياً بكل معاني الكلمة، أو لا يكون.
 لكني أريد أن أعلق على مصطلح "الأداة التنظيمية" الوارد في السؤال. باعتقادي، تسمية الأداة تعود بنا الى الحزب الواحد، في حين أن المطلوب حركة توحيد أو تكامل قومي متعددة الأجنحة والمنابع تحترم الخصوصيات القطرية، ومطالب الأقليات، والتنوع السياسي والفكري، وتستمد مشروعية وجودها من قناعة الناس بها دون إكراه. وهذه القناعة تزداد من يوم ليوم، بخاصة بعد ما شهدناه ونشهده من عدوانية أميركية واسرائيلية ضد حقوقنا ومستقبلنا كله.
 برأيي، اذاً، أننا بحاجة الى حركة تضم التيارات القومية الكلاسيكية، واليسار الماركسي، والتيار الديني المنفتح والاجتماعي والمعادي للامبريالية، والاتجاه التحديثي الديمقراطي المتأثر ببعض النماذج الغربية والمرتبط بالواقع العربي وحركة مصالح قواه المختلفة، أكثر من حاجتنا الى حزبٍ يشكل الأداة التنظيمية لهذا الصراع الكبير.
11 – نستطيع أن نقدم عناوين بديلة، وبسهولة مثل: تعزيز دور قطاعات الإنتاج، لجم عملية الخصخصة، "شد الحزام" على الاغنياء أولاً من خلال نظام ضريبي آخر، وسوى ذلك من عناوين. لكن طرح برنامج تفصيلي يقتضي نقاشاً أعمق؛ وهذا ما نتوخاه من المساهمات في الحوار مع الوثيقة ومع وثائق أخرى، ربما.
12 – نعم، لا بد من تعاون طبقي وتسوية اجتماعية محلية، وتالياً عربية أو عالمثالثية، حتى. لأن كل شرائح وطبقات المجتمع، خارج الدائرة الكومبرادورية، هي في تناقض نسبي مع علاقات الاستغلال القائمة عالمياً. العولمة الرأسمالية تستحق كل عناصر التنمية في بلداننا، وتحوِّل جزءاً يسيراً من النخب، هي النخب الحاكمة تحديداً، الى مجرد وسائط في عملية الإلحاق والتكييف للمجتمع. نحن اذاً بحاجة قصوى الى حد من التماسك الداخلي والقدرة التي تسمح ببناء اقتصادات مواجهة، ومجتمعات مواجهة. نحن نعتقد أن التحليل الواقعي لشروط الاستغلال في الرأسمالية الموجودة (التاريخية) يختلف جزئياً عن التحليل النظري لأسلوب الانتاج الرأسمالي "الصافي"، كما صاغه ماركس علمياً. وحدة التحليل الاقتصادي اليوم هي النظام العالمي، في وجوده السافر، والرأسمال المتسلط عالمياً ليس هو برجوازية البلدان النامية، ولا هي جزء منه. إنها دون ذلك بكثير.
 والفرق بين التسوية الاجتماعية في هذه البلدان، والتسوية الاشتراكية الديمقراطية في مراكز الرأسمالية كبير، لأن محور المسألة أن الثانية هدفها رشوة كتلة "العمل" الداخلية على حساب الشعوب المستغلة؛ أما الأولى فهدفها مواجهة الرأسمال المسيطر  عالمياً والحد من إمكانيات توسعه واستغلاله للشعوب. هذا الفرق لا يقرُّه الذين يتمسكون بالنص الحرفي لما يسمونه "بالتعاليم الماركسية"، لذلك يسهل على بعضهم إقامة مقارنات لأهداف انتقادية.

 المشكلة هي في كيفية بناء هذه التسوية، لا في ضرورة بنائها نظرياً. والسبب أن هشاشة الاقتصاد، والبؤس الاجتماعي في بلداننا يجعلان التناقض بين الأجر والربح تناقضاً متفاقماً، وبالتالي تصبح التسوية بين عالم العمل ومالكي وسائل الانتاج أكثر صعوبة وهنا يأتي دور العامل السياسي، بالمعنى الواسع.

 13 – مفهوم اليسار كان دائماً ضبابياً. هناك يسار طفولي، عند لينين، وهناك يسار اصلاحي، أو مغامر، أو منفتح، أو حقيقي وهناك يسار الوسط ويسار اليمين ... وكلها تستمد مضمونها من ظرفيتها. ما يمكن أن نصطلح على أنه مفهوم لليسار، هو التقليد الذي يضع القوى الاشتراكية في لوحة واحدة.
 السؤال الحقيقي، وهو ما تطرحونه، هو سؤال الأزمة. الأزمة التي تشمل قوى التغيير جميعها دون استثناء: الماركسية، القومية، الدينية، الليبرالية أو التحديثية ... الخ.

 هذه القوى بحاجة الى درس تجاربها وتجارب الآخرين، وصياغة برامج للمرحلة الآتية على ضؤ الهجوم الشرس للامبريالية الاميركية الجديدة. يجب أن تكون البوصلة نحو برامج للتلاقي على الأولويات، والغاء رواسب الفئوية، وعدم الثقة، والأوهام، المترسخة فينا من مراحل النضال السابقة. يكفي أن ننجح الآن في منع الانهيار الى تبعية مطلقة، وأن نجمع كل القوى الراغبة في ذلك. بعدئذ ستنتج الحركة ذاتها وسائل الدفع الى الأمام.
 المهمة ليست مستحيلة. ولا حتى صعبة، اذا توفرت الرؤية الصحيحة للهدف وإرادة بلوغه. 

 

• ما العمل (1): في تصوركم للديمقراطية الحزبية، هل إن ما تنادون به إنما هو حرية الاتجاه، التي تحافظ كلياً على وحدة الحزب، أم حرية التكتل، التي تؤدي إلى قيام نوع من الحزب داخل الحزب، له انضباطه الخاص؟

- أعتقد أن الفرق ليس كبيراً بين الحالتين. ففكرة التكتل تصبح خطراً فقط إذا كان هذا الأخير لا يريد الالتزام بقرارات الحزب. فإذا كان هناك إقرار بأن الأقلية مستعدة للالتزام بقرار الأغلبية، لا تعود هناك مشكلة. فليقوموا بالدعاية التي يريدون، وليكتبوا ولينشروا، ويقوموا بما يرونه ضرورياً من لقاآت، طالما هم مستعدون في الأخير لتنفيذ ما يقره الحزب.

• م.ع. (2): لنفترض أن القيادة لم تستجب لتمنيكم إنتاج انتخابات على الطريقة التي تتصورونها بالكامل، أليس من تصور لتسوية، لقاء على حد معين من أفكاركم ومن أفكارهم في آن؟

- بلى. ونحن ننطلق من مسلَّمة أساسية أنه أياً تكن نتائج المؤتمر، وإذا لم تتوفر التسوية المطلوبة، سنبقى معارضة وداخل الحزب حتى يقولوا لنا ارحلوا. لقد طرحنا للمؤتمر التاسع مسألة في غاية البساطة: نريد أن تشكَّل هيئة تنظيمية مهمتها متابعة انعقاد المؤتمر في التفاصيل التنظيمية. يعني السياسة مفتوحة. هناك بلاتفورمات وليقدم كل طرف ما عنده. لكن يهمنا مؤتمر يعبر عن توازن القوى داخل الحزب بشكل ديمقراطي صحيح. وضمان ذلك يكون عبر اللجنة التنظيمية التي دعونا لتشكيلها. فتلك مهمتها. المؤتمر سينعقد بآلية بسيطة: جمعيات عمومية بالمنطقيات تنتخب مندوبين للمؤتمر. نحن نريد هذه الجمعيات، وأظن أن القيادة لن تقترح على هذه الأخيرة القيام بنقاشات سياسية. فهي لم تنجز للآن موضوعات للمؤتمر. نحن مطلبنا البسيط جداً أنه في كل جلسة يُنتخب فيها المندوبون يكون هناك إشراف محايد من هذه الهيئة.

• م.ع. (3): كيف ترون تشكيل هذه الهيئة؟

- بالاتفاق بين القيادة والمعارضة، وبحيث تكون متوازنة. تتأكد من مدى صحة لوائح الشطب، ومدى شرعية حاضري المؤتمر، وتشرف على سير العملية الانتخابية. فقط لا غير. وفي المؤتمر كل شيء مطروح للنقاش، من النسبية، إلى اسم الحزب، إلى البرنامج السياسي. فليكن المؤتمر سيد نفسه، شرط أن يعبر عن حقيقة الحزب.

• م.ع. (4): هم يرفضون هذه الهيئة؟

- نعم. لقد شكلوا هيئة يسمونها هيئة تنظيمية لكن بدون أي صلاحيات، وليس معروفاً ما مهمتها. هم يقترحون أن يشكل المجلس الوطني لجنة تنظيمية من أشخاص معينين، لكن حتى الآن لا أحد يعرف ماذا ستعمل.

• م.ع. (5): لماذا لم تطلبوا تعيين هذه الصلاحيات؟

- طلبنا. هناك من يقولون إن لديها ما تطلبون من صلاحيات، وآخرون يقولون كلا بل مهمتها استشارية. تقدم آراءها للمكتب السياسي. الصورة مرتبكة، وفي كل حال لم نعد نتابع هذا النقاش بسبب الحرب على العراق والظروف الراهنة.

• م.ع. (6): لقد كنتم في المكتب السياسي هل أعدتم تقويم خطوة مغادرته؟

- الخروج كان لا مفر منه، إذ يستحيل البقاء في هيئة تتحمل مسؤولية قرارات لا تمت للحياة بصلة. يعني من السهل على المكتب في أي اجتماع أن يأخذ قراراً بفصل اثنين أو ثلاثة. أي اللجوء دائماً إلى الحلول السهلة. الآن توقف ذلك بسبب تحول المعارضة إلى قوة ضاغطة لم يعودوا قادرين معها على اتخاذ هكذا قرارات.
كان بقاؤنا في المكتب نوعاً من التزوير على أنفسنا. فأنت جالس فيه وتعرف أنه ليس لك أي دور. ويا ليت كان هناك خلافات على قضايا إذا بذل المرء جهداً للإقناع فيها قد يصل إلى نتيجة: قضايا في السياسة أو في الفكر. لا شيء من ذلك، بل خلافات 90٪ منها كيف نتعامل مع التنظيم؟ حسناً، الحزب في أزمة سياسية تنعكس على تنظيمه. أنت يجب أن تعالج التنظيم لا أن تفككه أو تقلصه، ولا سيما أننا لسنا في حالة نمو، بل في حالة ركود.

• م.ع. (7): كيف تقدرون حجم ووزن المعارضة الفعلي؟

- لا أحب عرض العضلات. نريد من اللجنة التنظيمية أن تقرر واقع الحزب. ثمة من يقول إن المعارضة إذا نسقت في ما بينها تصبح لديها أكثرية ساحقة. وهناك آراء أخرى. وأنا لست متأكداً من الأرقام. لكن بالتأكيد لا تقل المعارضة عن نصف الحزب.

• م.ع. (8): إذا كان هناك إصرار على أن المكتب السياسي أو المجلس الوطني هو الذي سيشرف منفرداً على المؤتمر، ألن تشاركوا؟

- يمكن ألا نشارك. وعندئذ سنستمر في التشكيك بشرعية المؤتمر وشرعية القيادة حتى المؤتمر الذي سيليه.

• م. ع. (9): مهما تكن الخلافات عميقة، عادة من يشرف على مؤتمر معين هو الهيئة الخارجة. ويمكن بالتالي أن تصر هذه الهيئة على أن تشرف هي على مؤتمر الحزب. لذا فإن عدم المشاركة انطلاقاً من هذه النقطة يفاقم الخلاف، بينما المشاركة تفسح في المجال أمام الاتصال بقاعدة الحزب وبالقوى الحيادية فيه. وفي الظروف الخطيرة التي يمر فيها بلدنا ومنطقتنا، قد يستحسن اختصار أسباب الفرقة قدر الإمكان، مع الاستمرار في الدفاع عن رأيكم. ألا ترى ذلك؟

- لا شك. يجب إرساء تسوية حضارية، لكن نحن نصل لقواعد الحزب بشكل طبيعي، ونناقش وثيقتنا التي هي بداية لمشروع أفكار متناثرة، ضمن صيغة تناقش مهمتها الأساسية إعادة الاعتبار للاختلاف السياسي – الفكري – التنظيمي في الحزب، على حساب الاصطفافات العصبوية أو الشخصية، أو الانتماء الشكلي.

• م.ع. (10): هل سيسمحون بمناقشة وثائق ونصوص غير تلك التي ستقدمها القيادة؟

- هناك وجهات نظر في المكتب السياسي تقول بالسماح بوجود بلاتفورمات في المؤتمر. أصلاً، في المؤتمر السابع، كان في النظام الداخلي الذي أقر آنذاك بند يقر بتعدد البلاتفورمات في المؤتمر. وموضوعة النسبية ناقشناها آنذاك وكان وارداً اعتمادها، لكن تقرر تأجيلها لأن المنطقيات  لم تكن أجرت انتخاباتها على أسس النسبية. لكن في المؤتمر الثامن نسفت هذه الفكرة، من ضمن مسلسل انحداري في موضوع الديمقراطية.
 
• م.ع. (11): بخصوص المركزية الديمقراطية، يوحي نصكم بأن هناك نسفاً للموضوع من أساسه، وليس فقط للفهم الستاليني له. يخرج المرء من قراءته بانطباع ان هناك نوعاً من إرادة ممارسة الحرية التامة، من غياب القيادة. هل أعدتم نقاش هذا الموضوع، ووصلتم الى تصور لمركزية ديمقراطية توافقون عليها؟
- ليس وارداً لدينا إطلاقاً أن يكون هناك حزب بلا قيادة. وبرأيي أن الديمقراطية تتضمن وجود المركزية. إنها باختصار سلطة الأكثرية. مع استثناء الهرمية، أي أن الهيئة العليا تخضع الهيئة الدنيا.

• م.ع. (12): لكن بين مؤتمرين، يجب ان تكون هناك قيادة تلزم الآخرين، وهيئات عليا تلزم ما دونها.
- هذا متضمَّن في المبدأ الديمقراطي. يعني إضافة لينين إلى فكرة المركزية الديمقراطية الجوهر الديمقراطي للحزب، بحيث لا تطغى المركزية على الديمقراطية. أما في ممارسة الاحزاب الشيوعية فصارت المركزية الديمقراطية صنماً تجري عبادته، وذلك يعطي المركز صلاحيات لا تعرف أين تبدأ أو أين تنتهي.

لنأخذ مثلاً المنظمات التي حول الحزب أو القريبة منه. كبف يتعامل المركز معها، ومع قياداتها؟ نحن تعاملنا معها دائماً على أساس كن فيكون. اتحاد الشباب الديمقراطي، أو المنظمات النسائية أو العمالية، او غير ذلك. الحزب يسقط قرارات وأشخاصاً وقيادات في هذه المنظمات، بدل أن تنتج هي بآلية تطورها الطبيعي قيادتها وبرامجها.

كيف يتعامل الحزب، مثلاً، مع نقابة المهندسين؟ وغيرها من قطاعات المهن الحرة؟ من الذي سيقرر في الأخير؟ هناك مسائل كثيرة واضح فيها كم هو متمكن الاتجاه المركزي في الحزب على حساب الاتجاه الديمقراطي. لا نريد هذا النوع من المركزية الديمقراطية!

 

مـا الـعـمـل ؟
لسان حال التجمع الشيوعي الثوري

أيـّار 2003 بـيروت


 

 



#التجمع_الشيوعي_الثوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هو التجمع الشيوعي الثوري؟
- عـود على بـدء !
- نبذة عن التجمُّع الشيوعي الثوري
- معاً لدحر الهجمة الإمبريالية على الشعب العراقي


المزيد.....




- وزير الخارجية المصري يدعو إسرائيل وحماس إلى قبول -الاقتراح ا ...
- -حزب الله- استهدفنا مبان يتموضع بها ‏جنود الجيش الإسرائيلي ف ...
- تحليل: -جيل محروم- .. الشباب العربي بعيون باحثين ألمان
- -حزب الله- يشن -هجوما ناريا مركزا- ‏على قاعدة إسرائيلية ومرا ...
- أمير الكويت يزور مصر لأول مرة بعد توليه مقاليد السلطة
- أنقرة تدعم الهولندي مارك روته ليصبح الأمين العام المقبل للنا ...
- -بيلد-: الصعوبات البيروقراطية تحول دون تحديث ترسانة الجيش ال ...
- حكومة غزة: قنابل وقذائف ألقتها إسرائيل على القطاع تقدر بأكثر ...
- الشرطة الفرنسية تفض مخيما طلابيا بالقوة في باحة جامعة السورب ...
- بوريل يكشف الموعد المحتمل لاعتراف عدة دول في الاتحاد بالدولة ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - التجمع الشيوعي الثوري - ملف حول أزمة اليسار اللبناني