التضخم في الخليج والارتباط بالدولار

عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 2356 - 2008 / 7 / 28 - 10:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تُعاني بلدان الخليج، الغنية بالنفط، من مرضٍ مؤلم ومُغْرٍ، وإذا لم يتم السيطرة عليه، فإنه سيبتلع رفاهها واستقرارها. هذا المرض يُسمى: التضخم.
تكشف البيانات الرقمية التالية عن هذه المعضلة المتفاقمة: التضخم في السعودية- الاقتصاد الأكبر في هذه المنطقة- يسير مسرعاً من 10.4% سنوياً.. الإمارات 11%.. الكويت 10%.. سلطنة عمان 13.2%.. وفي قطر 14%..
من الصعب السيطرة على هذا التضخم العشري السنوي. وقعتْ الحكومات المعنية تحت ضغط تعويض/ مواجهة هذا التضخم من خلال زيادة الإعانات المالية للسلع الأساسية، في محاولة للسيطرة على أسعارها المتصاعدة. وفوق كل ذلك، زيادة أجور العاملين في القطاع العام. ومن الاعتيادي، أن يسير أرباب العمل في القطاع الخاص بنفس الطريق بالعلاقة مع زيادة الأجور.. لكن التضخم يظل يستمر صعوداً نحو القمة.
في ظروف التضخم، فالفئة التي تُعاني مباشرة وبدرجة أكبر من غيرها، هم هؤلاء ممن لا يملكون الثروة أو فرصة للحصول على شيء من العائدات النفطية.. أي أصحاب الأجور.. وهم يشكلون بؤرة التحرك، وتهديد الاستقرار السياسي.
إن السبب المحوري للتضخم في الخليج هو، طبعاً، التراكم المذهل للعائدات النفطية (السيولة النقدية) التي تدفقت على المنطقة نتيجة التصاعد اللولبي المفاجئ والسريع لأسعار النفط. منذ فترة ليست بعيدة كان سعر برميل النفط 20 دولاراً، بينما حالياً يقترب من حافة ألـ 150 دولاراً. وبذلك ارتفع سعر برميل النفط بحدود سبعة أمثاله أو يزيد منذ العام 2002، بل وتضاعف سعره حالياً مقارنة بسنة واحدة فقط (العام الماضي).
إذا كان أحد أسباب التضخم هو الزيادة الحادة في السيولة النقدية- العملة الأجنبية (في غياب/ ضعف الإنتاج المحلي).. فإن السبب الآخر هو أن أغلبية العملات الخليجية محددة بمعدل 3.75 ريال للدولار منذ العام 1986. ومع الانخفاض الحاد للدولار، عليه فإن هذا الارتباط بالدولار يُساهم بدوره في التضخم مؤدياً إلى تصاعد أسعار واردات الخليج من أوربا واليابان. على سبيل المثال، زادت فاتورة واردات سلطنة عمان العام 2007 إلى 15.96 بليون دولار وبنسبة 47%.
يُناقش الاقتصاديون والمصرفيون في الخليج حالياً مدى حكمة/ ملائمة إنهاء الارتباط بالدولار وإعادة تقويم العملات الخليجية.
قدّمتْ لجنة لمجلس الشورى توصية إلى الملك السعودي بضرورة إعادة تقييم الريال بحدود 30%، لكن رئيس البنك المركزي السعودي يرى أن مثل هذا التغيير في معدل سعر صرف العملة السعودية سوف لن يحل مشكلة التضخم المرتفع. بينما ذكر رئيس البنك المركزي العماني أن التضخم سوف يستقر لحاله.. ملاحظة عبّرتْ عن أن إعادة التقييم ليست ضرورية.
يرى عدد من الخبراء ضرورة فصل العملات الخليجية عن الدولار لصالح سلّة من العملات الرئيسة. بينما يُناقش آخرون أن مجرد تعويم أسعار العملات هذه إجراء يمنح بلدان الخليج القدرة على تطبيق سياسة نقدية نقدية مستقلة ضرورية ومطلوبة في ظروف الهيجان المالي العالمي القائم.
ناقش رئيس الاقتصاديين في البيت المالي الخليجي- لندن- من خلال رسالته إلى الفايننشيال تايمز (16 يوليو) بأن تغيير أسعار الصرف لوحدها لن تكون محاولة كافية وفعالة. ودعا إلى بناء "خطة شاملة على المدى المتوسط لتطوير إطار يعترف بالحاجة إلى احتواء التضخم في سياق الإسراع بالنمو والتنمية،" باعتبار أن مثل هذا البرنامج أسهل قابلية على التنفيذ من قبل بلدان الخليج، وفي ظروف تطبيق عملة خليجية مشتركة على غرار نموذج الاتحاد الأوربي (اليورو).
من جهة أخرى دعت الفايننشيال تايمز إلى ربط العملات الخليجية بسلّة أسعار نفطية، بعتبار أن هذا الإجراء سيؤدي إلى تصاعد قوة عملاتها مع تصاعد أسعار النفط، مقابل هبوطها مع انخفاض أسعار النفط.
ولكن، تبقى الحقيقة المتمثلة بأن الاقتصاد العالمي يُعاني من وضع قلق مُزعج، في حين أن أسعار النفط والسلع الأخرى تتصاعد، ويتعثر سوق الأوراق المالية (الأسهم والسندات)، وتُكافح العديد من البنوك التجارية الرئيسة (القائدة) لتبقى عائمة، بينما انخفضت ثقة المستهلك في الولايات المتحدة إلى أقل مستوى مقارنة بفترة ألـ 28 سنة الماضية.
تتجسّد الخطورة الأكبر التي تهدد الاقتصاد العالمي في المستقبل غير المؤكد uncertain لكل من Finnie Mare و Freddie Mac- أعمدة السوق العقاري في الولايات المتحدة- ملكيتهما مع بعضهما تساوي نصف ألـ 12000 مليار دولار (12 ترليون دولار) رهانات العقارات في السوق. لكن هبوط أسعار المنازل وتصاعد إجراءات عدم إطلاق الرهانات foreclosures (حرمان الراهن حق استرجاع العقار المرهون) في الولايات المتحدة، عندئذ تعرضتا لخسائر جسيمة. فإذا ما انهارت هاتان الشركتان الضخمتان، فالعواقب التي ستنجم عن هذا الانهيار يمكن أن تُشكل كارثة على النظام المالي العالمي.. وكذلك على الدولار.
أحد الحلول المقدمة لمعالجة هذه الأزمة ليس في تأميمهما وطنياً- حيث أن التأميم يتناقض وايديولوجية السوق الحرة الأمريكية_ ولكن بوضعهما تحت الوصاية/ الحراسة conservators- نوع من التأميم غير المنظور/ المُقنع disguised- حيث تسمح هذه الوسيلة لحكومة الولايات المتحدة أن تتظاهر بأن المطلوبات/ المسئوليات على الشركتين Fannie.. Freddie لا تخصهما..
وأخيراً، فمع عالم رخو يترنح على حافة الكساد، فهذه ليست أوقاتاً سهلة تواجه السلطات المالية، سواء في: الولايات المتحدة، بلدان الخليج، أو- في الواقع- في أي مكان آخر..
مممممممممممممممممممممممممـ
Gulf inflation and the dollar peg,aljazeera.com, By Patrick Seale, (Source: Middle East Online), aljazeera.com, 25/07/2008.
-- Patrick Seale is a leading British writer on the Middle East, and the author of The Struggle for Syria; also, Asad of Syria: The Struggle for the Middle East; and Abu Nidal: A Gun for Hire.

ترجمة: عبدالوهاب حميد رشيد

#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل