أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - المساء مساء














المزيد.....

المساء مساء


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 2349 - 2008 / 7 / 21 - 08:54
المحور: الادب والفن
    


إلى نصر أبو شاور

للبرتقالِ زيتٌ خفيٌّ يعطي الهواءَ نرجسَهُ الكلّي، يعدُّ الحقلُ غرسَهُ فلا يجدُ خشخاشةً كانت مصمَّمَةً لعيدٍ سيأتي مرةً واحدةْ، يقبِّلُ الأشواكَ ويجرّبُ الموانيء واحداً فواحداً، ينتبهُ بكلِّ رملةٍ في روحِهِ أنه لم يعد حقلاً، وأن المسافاتِ بين الشجرْ قد صارت مجازاً، ويفطنُ كذلكَ إلى أن الوقت قد نزفَ أكثرَ مما يجبُ على أرضٍ أقلَّ مما يجبْ.

الشمسُ تحمِّصُ اشتياقاً نسيَتْهُ امرأةٌ على بابِ مقبرةْ، يمرُّ الشتاءُ دون أن يكترثَ لعطش القبورِ المستوحى من أسطورةٍ تحدث ما زالت، ولم يكن أحدُ يفسّرُ البكاء من قبلُ أنه دموعٌ يردّها الراحلونَ كديونٍ لمن تبقّوا ليرتبوا الذكريات بأنواعها البربريّةِ وأشكالها الأكثر إثارةً للموتِ من ذات الموت، صبيٌّ بعيدٌ يمشطُ شعرَ أختِهِ كي لا تفتقدَ أمها التي لم تعُدْ من السوقِ منذ عامين.

الفم الذي من فاكهةٍ مخمّرةٍ ونحاسٍ شرّيرٍ تدفعُهُ الآلاتُ التي تنتجُ عبواتِ أفكارٍ بأحجامٍ كثيرةٍ وصلبةٍ ومزمنةْ، الفم الذي من عرائسَ وتفاهاتٍ وأغنياتٍ ودخانٍ وزفراتٍ وقُبَلٍ محرّمةٍ وأخرى خارجةٍ عن المنفى إلى المنفى، الفم الذي لا يعني أحداً فيما تعنيه القصائدُ مثلَ زوجةٍ حديثةٍ، لم أرَهُ في المهرجانِ الأخيرِ الذي فتَحَتْهُ الشمسُ، ولم يكن غائباً تماماً إلا كغفوةِ مسيحٍ على صليبٍ دونَ جمهورٍ للقيامةِ، ودون قيامةٍ لأحدْ.

خبَّأَتْهُ بنتٌ من زجاجٍ في حضنِها النديِّ كي تزرعهُ في حديقةِ بيتِها المستقبليّ، أعجبها منطقُ جسَدِه الأخيلي، تمنّتْ أن يموتَ كي تختبرَ مشاعرَها تجاه بندقيّته وشفتيه، ما زال يأتيها في نومِها ويقظتها كشعورٍ فائضٍ عن قدرتها على الشعورِ، تصلي لتعيده حياً، وكأن أمنياتِها قتلتْهُ دونَ أن تعرفْ أن الموتَ لم يكن غيرَ قُبلةٍ كان أعدّها بنفسه لنفسِهِ في حوارٍ لم يُجِدْهُ غيرَهُ، ضاغطاً على جرس الوقتِ.. المقابلةُ انتهت.

ترفُّ حمامتان من تعبٍ.. يسقطُ الريشُ كوسادةٍ على الرملِ المبلَّلِ بحقيقةٍ كان يطردُها من نعاسِهِ القصيرْ، دائماً خاطَ جيباً سرّيّاً ليحبسَ بكاءه المُذهلْ على ضحايا الضحية، رأيته مرةً ـ مثلاً ـ يصبغُ عصفوراً بلونٍ غريب، ومرة أخرى ـ مثلاً ثانياً ـ يطلق النارَ على قوسِ قزحْ، وحين دعَكَتْ الدهشةُ ملامحي قال: لو أن رصاصةً تخترقُ القوسَ: ألا تسيلُ الألوانْ؟

رجعَ المساءُ مساءً، إمرأةً تجلسُ تحتَ برتقالةٍ كأنها زمنٌ راكدٌ في حضنِ زمنْ، كان طيفُهُ يبني سوراً داخلَ السورِ، وأغنيةٌ قديمةٌ ترفُّ مثلَ دوريٍّ يتعلّمُ الطيرانَ دونَ أمٍّ أو زقزقةْ، المطرُ يفسّرُ الفصولَ فيما يفسّرُ جلدُهُ المطرَ ويغنّيهِ كواجبٍ أو كجنديٍّ بعقيدةٍ قديمةٍ لا تُقاسُ.

المشهدُ جامحٌ ومبتلٌّ بتحولاتِ عينيه وآفاقه الدائريةِ، وفيما الجميعُ يملأون الفراغَ الهائلَ بين أنفاسِهِ وقصائدِهِ، كان ـ وقد انتهى من عملِه في الحقل ـ يرصدُ قوساً تسيلُ ألوانُهُ، دون أن تبلغَ الأرضْ.




#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كبرت وحدها
- الليل
- الريح في جنازة
- نصف قصيدة
- مرآة على الحائط المقابل
- عن اللغة
- الحواجز
- عن موت الإله الصغير
- فيلم قبل المونتاج
- الأعمى
- الكابوس
- إلا قليلا
- كما تتغير الخيول
- عن سيجارة في منفضة
- فراغ في الخارطة.. فراغ على الخارطة
- الدول والشعوب والطوائف والديانات والمذاهب في التاريخ الفلسطي ...
- الدول والشعوب والمذاهب والديانات والطوائف في التاريخ الفلسطي ...
- يؤلِّفُ أُفُقاً ويُضِيْؤُهُ
- كأي شاهد قبر


المزيد.....




- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...
- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي
- رحيل الممثل الأميركي جيمس رانسون منتحرا عن 46 عاما


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - المساء مساء