مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2335 - 2008 / 7 / 7 - 10:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لو أن هذا اللقاء جرى قبل بضع سنين لحظي بأكثر بكثير من التغطية السلبية و الإيجابية على حد سواء , هذا فيما يخص زيارة وزير إعلام النظام السوري إلى فنزويلا , كان هذا اللقاء ليعتبر , كما اللقاءات التي كانت تعقد بين قادة "الدول الاشتراكية" و تلك السائرة على طريق التطور "اللا رأسمالي" , جزءا من "نضال شعوب تلك الدول" كما كان الإعلام السلطوي يصفها في مواجهة الخصوم أو الأعداء , كان الخصوم عبارة أيضا عن قوى سلطوية أخرى, ربما كانت أكثر عدوانية و قدرة على تنفيذ أية جرائم مضادة للشعوب في سبيل مصالحها , كان للصراع بين هؤلاء الخصوم قواعده الصارمة التي اختبرتها العديد من الشعوب , المجريين في 1958 , الإيرانيين في 1953 , الاندونيسيين و الفيتناميين في الستينيات , التشيليين في عام 1973 , التشيكوسلوفاكيين في عام 1968 , دفع الملايين حياتهم تحت جنازير الدبابات أو بقصف القنابل أو برصاص فرق الموت..كانت الشعوب مستلبة و عاجزة تماما في مقابل تلك القوى التي كانت تتلاعب بمصيرها الذي كان مادة الصراع , كان زعماء العالم الثالث الموالين لطرفي الصراع مرحب بهم في عواصم دول المركز و عادة ما جرى تقريضهم بأجمل عبارات المديح , كان الترحيب الذي قوبلوا به استثنائيا و يعكس "متانة العلاقات" في الصراع ضد "العدو المشترك" , هذا مثلا كان ما لقيه الشاه الإيراني في واشنطن , زعماء إسرائيل و جنوب إفريقيا , و الجنرال التشيلي بينوشيت و الطاغية سوهارتو و زميله موبوتو في عواصم "العالم الحر" , كانوا جميعا مشاركين أساسيين في الحرب ضد المؤامرة الشيوعية , أما في عواصم أوروبا الشرقية حل نوع آخر من الطغاة , كانوا عادة "وطنيين" , ارتدوا الزي العسكري على الدوام , و رغم أنهم أحيانا كانوا يصطحبون معهم بعض القادة الشيوعيين أو القوميين اليساريين لكنهم لم يكونوا أقل رفضا من "أعدائهم" لأي نشاط أو حراك جماهيري مستقل , كانوا يشددون أولا و قبل كل شيء على الطاعة الحديدية من قبل الجماهير و يفرضونها "بوسائلهم" الخاصة..سقط الاتحاد السوفيتي و أصبحت واشنطن و إلى حد أقل لندن و باريس و برلين محجة للطغاة الباحثين عن استقرار كراسيهم عن طريق كسب رضا الاحتكارات العالمية , كان هذا هو جوهر "التغيير" نحو "دمقرطة" العالم الذي جرى مع غياب الجيل الأخير من قادة تلك الدول المسماة "اشتراكية"..فيما وجد البعض نفسه في خندق "معاداة الامبريالية" إياه مكرها , كان الرغبة الأمريكية الجامحة في تغيير شكل الشرق الأوسط و الأهمية الخاصة التي عولوا عليها في واشنطن على مركز العراق هي ما حددت في نهاية الأمر مصير صدام حسين , أما ديكتاتور كوريا الشمالية الابن فقد تمكن من حماية نفسه بسلسلة من الأسلحة الصاروخية و النووية المحتملة التي تشكل تهديدا على جيرانه اليابانيين و الكوريين الجنوبيين بل و حتى الأمريكيين و كنتيجة لتسوية تتقدم مع أمريكا و حلفائها الإقليميين يبدو أنه قد أصبح في منجى من مصير صدام حسين , أغرى نجاح النموذج الكوري آخرين , منهم حكام إيران , باستنساخ التجربة و الحصول على هذا الدرع الصاروخي النووي الموجه هذه المرة نحو إسرائيل , تصر هذه الأنظمة على تجاهل حاجات الناس و حتى مصائرها , كان ثمن هذه الإنجازات هي جوع الجماهير الكورية حتى الموت في كثير من الأحيان ..في زيمبابوي , كما هو النفط في العراق , اجتذب وجود المزارعين البيض و حملة موغابي لاسترداد أراضيهم الاهتمام الأمريكي و البريطاني لقضية "تغيير" النظام هناك , هذا خلافا لما تبقى من القارة السمراء التي ترزح تحت الفقر و المرض و العنف و القهر السياسي , قام النظام هناك ردا على هذه الحملة و فور صدور نتائج المرحلة من الانتخابات التي حملت بوادر هزيمته بشراء أطنان الأسلحة من الصين و صعد قمعه للمعارضة السياسية في تحضيراته للجولة الثانية , الأمر الذي اتضح أنه كان فعالا مرة أخرى..النظام السوري بعد تجاوزه ضغوط أمريكية هائلة يتنفس الصعداء عبر محادثات مع رئيس حكومة إسرائيلية يبحث عن طوق نجاته , إن الانتقال إلى الطرف الآخر و الفوز برضا الاحتكارات و ممثليها السياسيين ليس سهلا , هذه هي قواعد اللعبة الجديدة , لا يكفي تبني الوصايا العشرة للبنك الدولي , حتى أكثر الزعماء إخلاصا و ولاء لأمريكا لم يكونوا بعيدين هم أيضا عن التوبيخ و الضغط الأمريكي , فهم الجميع القاعدة اليوم : من ليس معنا فهو ضدنا , و يعمل الجميع على أن يبرهنوا أنهم دون تردد "مع" السادة المطلقين للعالم , هذا لا يشمل طبعا ضحايا القوى المسيطرة سواء أكانت كونية أو إقليمية , يجب على هؤلاء أن يبقوا راضين , صامتين , و أن يعملوا بإخلاص و دون تململ..هنا قد يكون تشافيز هو الأكثر تشويشا , فخلافا لصدام و موغابي و الأسد و القذافي لم يكن تشافيز في السلطة قبل سقوط الاتحاد السوفيتي , بل إن وصوله إلى السلطة مثل مرحلة من تراخي القبضة الأمريكية الحديدية على أمريكا الجنوبية في محاولة لاستيعاب اليسار الأمريكي الجنوبي القوي و تدجينه الذي يشكل فشله الخطوة الفعلية في تدجينه و إزالة خطره , الأمر الذي مثل جزءا من القواعد الجديدة لسيطرة النظام الرأسمالي العالمي في عصر الهيمنة المنفردة و التي يبدو أنها قد بدأت تخضع لمراجعة جذرية تمهيدا لمرحلة بعد بوش , كما أن خطاب تشافيز يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع سياسات الاحتكارات التي تدمر الأرض و الشعوب , لكن تشافيز كالأسد و موغابي يمثل البيروقراطية الحاكمة التي تفرض سلطتها "كبديل" في مواجهة الاحتكارات الأمريكية عبر مزيج من الخطابات الشعبوية و القمع السياسي و التدجين الاجتماعي..هكذا نعود من جديد إلى ذات الثقب الأسود الذي مسخ الحركة الثورية إلى مجرد دعاية رخيصة فارغة للبيروقراطية الدولتية و الحزبية و خضوع كامل دون أي مقاومة لسيطرتها محولا إياها إلى وحش يسحق الجماهير أولا و قبل أي شيء..لكن معاداة الامبريالية اليوم لا تقتصر على تشافيز و أحمدي نجاد و بن لادن , في الحقيقة هناك حركة تستعد هذه الأيام لإفساد قمة الثمانية الكبار القادمة في اليابان , قمة المتحكمين بالعالم , هذه الحركة التي تنبه العالم بشقيه , من يملك و لا يعمل و من يعمل و لا يملك شيئا من أمره , إلى وجودها منذ سياتل 1991 , هذه الحركة ترفض تحكم هذه الأقلية المحدودة و تدميرها لحياة الناس و للأرض في سبيل المزيد من الأرباح لكن في سبيل تحقيق حرية سياسية و اجتماعية أكبر للناس في كل مكان , هذه الحركة القاعدية لا تعبر عن مصالح بيروقراطيات تجد نفسها في موضع المواجهة مع مشروع الاحتكارات السياسي الاقتصادي الكوني , إنها تعبر عن الناس , عن ضحايا هذا النظام الجديد و تلك الأنظمة القمعية البيروقراطية التي تتنافس أو تتشارك قهرها و نهبها..سيتوجه بشار الأسد قريبا إلى فرنسا لاحقا بوزير خارجيته , وسط أقاويل كثيرة عن مفاوضات ما أو مصافحات ما يعدها المضيف الفرنسي بين الرئيس السوري و بين أولمرت , هكذا يمكن للبيروقراطيات المتهافتة أن تحافظ على وجودها في زمن أولبرايت و رايس , يصعب اتهام ساركوزي بأي شيء في هذا الصدد , أو توقع أي شيء منه في هذا الصدد , فالنظام السوري يحقق "ما هو مطلوب منه" , و بعدها سينتقل ساركوزي إلى هويكادو ليناقش مع بوش و ستة زعماء آخرين كيف يمكن زيادة أرباح كبريات الشركات و في نفس الوقت تحصين سيطرتها على العالم........
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟