|
هل بدأت الألفية الثالثة عام 1968 ؟
عصام عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 2310 - 2008 / 6 / 12 - 10:43
المحور:
الطب , والعلوم
لا تتزامن نقاط التحول الحاسمة في التاريخ البشري مع السنوات التي تبدأ أرقامها بأصفار ، وهو ما يعلمنا اياه " علم تاريخ الأفكار " ، فقد بدأ القرن التاسع عشر مبكرا عن عام 1800 وبالتحديد مع الثورة الفرنسية عام 1789 . وبدأ القرن العشرون متأخرا عن عام 1900 ، إذ انه بدأ فعليا مع الحرب العالمية الأولي عام 1914 . أما القرن الحادي والعشرون فقد تعددت بداياته ، بتعدد زوايا الرؤية والخلفية الإيديولوجية ، وهناك من يقرنه بسقوط المعسكر الشيوعي عام 1989 ، وآخر بالحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، وثالث بالاحتجاجات الطلابية عام 1968 ، أي قبل أربعين عاما من الآن . وحسب افتتاحية مجلة " فكر وفن " في عددها الأخير (88) ، التي خصصت ملفا كاملا عن جيل 68 ، وتصدر عن معهد جوته : " فإن الحركة الطلابية لم ترتبط بحدث تاريخي معين بقدر ارتباطها بيقظة ما أو بنهضة ، أي بتغير نوعي ومفاجئ حصل في وعي العديد من البشر ، وكان عام 1968 بالطبع ، غنيا بالأحداث السياسية : بلوغ الحرب في فيتنام أكثر مراحلها دموية ، ربيع براغ ، آثار حرب الأيام الستة عام 1967 ، اغتيال مارتن لوثر كينج في الولايات المتحدة وأخيرا الاحتجاجات الطلابية في ألمانيا وفرنسا . ويبدو أن ما جري في هذه السنة قد ترك آثارا جلية لدي البشر بغض النظر عن جنسيتهم ، لونهم ودينهم . " . أول من قدم قراءة مستقبلية لأحداث عام 1968 المفكر والمؤرخ الإنجليزي ( الماركسي ) " إريك هوبسباوم " ، في كتابه الهام عن تاريخ القرن العشرين - Age of Extremes : فإن الخط الفاصل الذي كان يميز بين الصراعات الداخلية والصراعات الدولية قد أختفى ، وهو الخط الذي بقى واضحًا طوال القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب الباردة، إلى حد كبير. كما أن الجيوش الأجنبية لم تكن تعبر الحدود بدعوى حل صراع داخلي ينشب في نطاق دولة مستقلة ذات سيادة، وكان هذا يمثل القاعدة الذهبية للنظام الدولي، وهي قاعدة حققت استقرارًا نسبيًا للعالم، إلا أن موازينها قد اضطربت، وتآكلت فاعليتها منذ عام 1989، على نحو ما حدث في يوغوسلافيا سابقًا. وهو يحذر من أننا سنواجه عملية ارتداد ونكوص إلى قرون غائرة خلت، بسبب انحسار الموجة التاريخية الطويلة التي تدفقت نحو بناء «الدولة - الأمة»، وتدعيم قوتها، وهي الموجة التي بدأت منذ القرن السادس عشر واستمرت حتى عقد الستينات من القرن العشرين . تمثل دلائل هذا الانحسار في ظهور تغير مهم ، وهو أن المواطنين أصبحوا أقل استعدادًا لإبداء فروض الطاعة والولاء لقوانين الدولة، ظهر ذلك في ثورة الطلاب في الكثير من العواصم الأوروبية ربيع عام 1968، وهي ثورات ناصبت العداء للمؤسسات الحاكمة القائمة آنذاك. إن قوة الدولة الحديثة بلغت ذروتها عندما كان الاحتجاج الاجتماعي يتم في الإطار المؤسسي، وباعتباره جزءًا من العملية السياسية، لكن هذا الأمر انتهى في أوربا في عقد السبعينيات، والدليل هو العجز في القضاء على الميليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية داخل حدود الدولة، على الرغم من وجود حكومات قوية. ويخلص «هوبسباوم» إلى أن الحرب الباردة أدت، في شكل أو آخر، إلى الاستقرار النسبي للعالم، وعندما وضعت أوزارها سادت العالم حالة من عدم اليقين، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي اقترن بتدمير نظام العلاقات الدولية الذي كان سائدًا، وبموجبه كان الجميع يعرفون قواعد اللعبة التي تم الاتفاق عليها بدءًا من معاهدة «ويست فاليا» عام 1648. فإذا كان نظام الدولة القومية الحديثة، اعتمد أساسًا على مبدأ «السيادة» وفقًا لـ «وست فاليا» التي ربطت كلاً من السيادة القومية والهوية الوطنية بالصفة الإقليمية، أو قل ربطت السلطة بالمكان، وأصبحت للدولة حدود معترف بها من جانب الدول الأخرى، فإن هذا الأمر ظل على هذا المنوال حتى ظهر الناشطون غير الحكوميين الذين انتشروا في الأنظمة الدولية بسرعة رهيبة، مما أدى إلى التقليل من شأن مبدأ «السيادة» نفسه عن محيط التأثير في النظام الدولي، لقد حل الاستقلال، استقلال هؤلاء الناشطين، محل «السيادة» وصار الأفراد والمؤسسات والحركات يناضلون من أجل نيل حريتهم واستقلالهم عن «سيادة» الدولة، بل التنافس مع الدولة في الهيمنة على المواضيع الساخنة، والتسابق في إبرازها أمام العالم عبر وسائل الإعلام والاتصالات. ولأن أهداف تلك الأطراف المستقلة عن الحكومات لا ترتبط بمكان معين أو إقليم محدد، فإن المسألة «السيادة» الإقليمية أصبحت غير ذي بال، إذ أن أهدافًا مثل حماية البيئة أو حقوق الإنسان أو الحرية الدينية لا تتطلب سيادة على منطقة معينة، بقدر ما تتطلب سيادة من نوع آخر: هو هيمنة هذه الأطراف على تلك الأهداف وترويجها إعلاميًا. هكذا تآكلت «السيادة» على جميع الجبهات، خصوصًا مع تطور حقوق الإنسان، ومعايير التدخل لأسباب إنسانية ، بل أن هناك من يرى أن نهاية نظام الدولة «الويست فالي» وبداية عصر ما بعد ويست فاليا «أو ما بعد الحداثة السياسية» مرتبط بانقضاء فكرة السيادة رغم أن العالم لم يتخل بعد كليًا عن إطار «ويست فاليا».
#عصام_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تديين الشرق الأوسط .. إلي أين ؟
-
الشخصية المصرية المعاصرة
-
آليات الشخصية المصرية
-
للصبر حدود .. وللتسامح أيضا
-
الفوضي أم الاستبداد ، قدر المنطقة ؟
-
الجغرافيا بين السياسة والثقافة
-
شهادة المرأة في حقوق الإنسان
-
2008 .. عام المنع والممانعة
-
في الثورة والفورة
-
أدب المنفي ، أو الحضور الغياب
-
الدبلوماسية الوقائية
-
أحفاد جاليليو والبابا بنيدكت
-
البحث اللاهوتي السياسي
-
البابا شنودة والكاردينال جيرسن
-
مستقبل الأقليات في الشرق الأوسط
-
في ذكري ابن رشد
-
المفارقة التاريخية
-
الحكمة الجماعية
-
الشرطة الدينية
-
أرض الأحلام
المزيد.....
-
6 أطعمة تعمل على توازن الهرمونات وتعزيز طاقتك أثناء العمل
-
لماذا تسبب قلة النوم فى سن الأربعين خطورة على صحتك؟
-
مرضى السرطان يعانون في غزة
-
بأحدث اصدار لها.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 batoot Kids على
...
-
“مين اللي سرق جزمة لولو”.. ثـبت الان تردد قناة وناسة Wanasah
...
-
“لولو ضاعت يا شرطة”.. تردد قناة وناسة بيبي كيدز الجديد 2024
...
-
الجزائر تقاطع جلسة تصويت في مجلس الأمن على قرار أمريكي بشأن
...
-
غوغل تطلق من دبي أكبر مبادراتها للذكاء الاصطناعي في المنطقة
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية توضح سبب تسرب المياه في أحد مف
...
-
التوقيت الشتوي.. 6 طرق لتعديل جدول نومك مع تأخير الساعة
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|