أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام عبدالله - في ذكري ابن رشد














المزيد.....

في ذكري ابن رشد


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2133 - 2007 / 12 / 18 - 12:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هذا المقال ليس استجابة لحدث ، أو أحداث ، طارئة ، وإنما هو استجابة لهم مزمن ومقيم ، يتعلق بعلاقتنا بالغرب ، أو بالأحري ب" الآخر" الذي يقطننا ، إذ لا توجد " هوية " عمياء تقوم في غياب الآخر .
وهناك العديد من الاسئلة التي أسقطت عمدا ، ربما بفعل فاعل ، من جدلية العلاقة التاريخية بالغرب ، وأهمها : كيف استطاع الخطاب الفلسفي الرشدي ، بمضامينه الإنسانية والعالمية ، التسرب والتغلغل في التحصينات الأوروبية للقرون الوسطي ، التي سممتها أجواء الحروب الصليبية ، والعداء الشديد لكل ماهو عربي وإسلامي ؟ ...
كيف نجح الفيلسوف العربي أن ينال احترام العقول في أوروبا من خلال " الرشدية اللاتينية " في جامعات ايطاليا تحديدا ؟ ... كيف استطاعت فلسفته أن تقلب موازين القوي الفكرية ، وأن تصبح نقطة التحول الفاصلة في الفكر الحديث ؟
ان عالم اليوم هو من كثير من الأوجه بالغ العنف والتعصب في تناقضه وروح ابن رشد ، بحيث أننا بما نحس به من حاجة ماسة إلي كلمة منقذة أو فكرة مخلصة منجية ، قد اضطررنا إلي أن نلتفت بأبصارنا إلي ابن رشد مرة أخري : إن لمحياه في عالم اليوم مظهرا أشد عصرية مما كان له منذ ثمانية قرون أو يزيد ، وكأنما لديه شئ آخر يريد قوله ... فهل لايزال لديه حقا أشياء جديدة يريد الإدلاء بها في مطلع الألفية الثالثة ؟ ... أشياء لم نفهما من قبل !
إن كلماته بالتأكيد هي نفس الكلمات القديمة ، ولكنها أكتسبت صوتا جديدا .... " والحق لايضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له " هكذا قال أبو الوليد في (فصل المقال) ... فالحقيقة واحدة وإن اختلفت دروبها والطرق التي تفضي إليها ، وهذا التعدد هو أساس حرية الفكر عنده . فالأديان والفلسفات والعلوم دروب مختلفة إلي الحقيقة الواحدة ، وهي من أروع الأفكار علي مر العصور التي تحترم الآخر وتقبله كما هو دون تحفظ .
وانطلاقا من وحدة الحقيقة طالب ابن رشد بالاستفادة من انجازات الفكر ، بصرف النظر عن كون المفكر وثنيا ، أو تابعا لدين آخر.
وهذه الفكرة تتكامل وتتداخل مع فكرتين أساسيتين عنده ، تجيبان اليوم عن مسائل شائكة ومشكلات حقيقية ، أولاهما هي " وحدة العقل أو العقول " ومؤداها أن المعرفة تعني المشاركة في المعرفة العالمية ، وحسب " آرنست رينان " فهي تعني : الفكر البشري ككل بوصفه ناتجا عن قوي عليا ، وكظاهرة عامة من ظواهر الكون . فالإنسانية واحدة ، حية دائما ، ضرورية لذاتها .
" وأنت يا من توجد وتعرف لست ، من حيث أنت ذاتك ،إلا صورة رائعة مما هو كوني " .
أما الفكرة الثانية فهي تبلور جوهر فلسفة ابن رشد وهي ان العقل لايمكن ان يقوض الايمان ، فكلاهما يعبران عن حقيقة واحدة ، مما يؤكد أنه لايمكن لأي عبارة أن تستوعب الحقيقة أوتمتلكها ، بل ان الحقيقة هي التي تملكنا جميعا .
هذا من جهة ، من جهة أخري فقد كان ابن رشد يؤمن بالتعدد والتنوع ، وفي الوقت نفسه يدرك أن وراء كل حقيقتين متعارضتين في الظاهر ، تكمن " وحدة " بين طرفيها جهل متبادل ، وحدة في انتظار من يكتشفها ، ثمة إذن دعوة إلي البحث وإلي التأمل وإلي صياغة الوحدة التي تتجاوز تنوع طرق التعبير دون أن تلغيها ....

هذه الأفكار وغيرها رافقت الرشدية اللاتينية في عصر النهضة الأوروبية وشكلت أهم روافده الأساسية ، منذ القرن الخامس عشر حيث بدأت النهضة في ايطاليا أولا ، ومنها شملت كل أوروبا تقريبا في القرن السادس عشر ، وكانت " بادوا " Padua هي معقل الرشدية اللاتينية في هذين القرنين . ونقطة التقاء التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب ، بين العرب واليهود والأوروبيين ، وهي ظاهرة حضارية فريدة يتم تجاهلها عمدا ، من قبل دعاة الصراع الحضاري والمروجين لفكرة صدام الثقافات والهويات .

فمنذ العام 1405 باتت جامعة " بادوا " التابعة لجمهورية البندقية المستقلة صاحبة الشوكة ، إذ كانت تعين الأساتذة وتصرفهم دون تدخل من السلطات الدينية ، ومن ثم ظلت مركزا من أهم مراكز الحرية الفكرية في أوروبا .
ويبدو أن إلغاء مجلس شيوخ البندقية (فينسيا) لسلطة ديوان التفتيش، وكذا سلطة اليسوعيين ، قد جعل من البندقية ، التي تضم ، وقتئذ : بادوا وبولونيا وبافاريا وفيرارا وبيزا وسيينا ، أشبه بجمهورية علمانية تحمي الفلاسفة والمفكرين الأحرار .
هكذا احتلت ايطاليا موقع الريادة والتسامح الفكري في العديد من مجالات الثقافة ، خاصة الفكر الفلسفي ، وكانت مركز الإشعاع والتنوير في أوروبا ، وقبلة المفكرين الأحرار علي أختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم .
وما أحوجنا اليوم، ونحن ننشد البديل والجديد ، أن نطلع على هذه التجربة الثرية التي شكلت واحدة من أهم روافد الحداثة في الغرب ، وإحدي أهم نقاط الألتقاء المضيئة والمشرفة في علاقتنا به .
الأمر الثاني، هو استحالة الحديث اليوم ، عن هوية عمياء تقوم في غياب الآخر، فليس "الآخر" هو الذي يقابل "الذات" ويعارضها، بل إنه قائم فيها، وإذا كانت "الذات" في بعد دائم عن نفسها (حتى تستطيع أن تفهم ذاتها) فليس "الآخر" إلا هذا الابتعاد.



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفارقة التاريخية
- الحكمة الجماعية
- الشرطة الدينية
- أرض الأحلام
- باقة ورد إلي الحوار المتمدن
- أصل الدستور الأمريكي
- في اليوم العالمي للفلسفة ..
- أحذر الديموقراطية القادمة !
- هل الحداثة إرادة سياسية ؟
- ضبط الكلمات .. العولمة نموذجا
- كيف أصبحت الإمارات رمزا للتسامح ؟
- الدولة القمعية
- شعار التنوير
- الأسس الفلسفية لليبرالية
- مسائل تخص العقل والإيمان
- أليست فكرة جديرة بالتمثل ؟
- ماذا بقي من الدولة ؟
- آخر .. ما بعد الحداثة
- دين حقوق الإنسان
- العنف والحق الطبيعي (3)


المزيد.....




- مراسل فرانس24 في طهران في قلب مراسم تشييع قتلى الحرب بين إسر ...
- ترامب: محاكمة نتنياهو تعيق قدرته على التفاوض مع إيران وحماس ...
- موجة حر شديدة تضرب جنوب أوروبا، فهل تغيّر طقس القارة العجوز؟ ...
- Day at the Races 789club – Cu?c ?ua t?c ?? m? màn chu?i th?n ...
- عاجل | وزير الخارجية الفرنسي: نعتزم مع شركائنا الأوروبيين ال ...
- العقوبات تتجدد.. هل تنجح أوروبا في كسر شوكة بوتين؟
- فيديو.. عامل معلق رأسا على عقب في الهواء بعد صدمة مفاجئة
- وسط جدل داخلي.. سلاح حزب الله يشعل الجبهة الجنوبية مجددا
- نطنز من جديد.. هل يعيد اليورانيوم خلط أوراق التهدئة؟
- 150 لسعة.. طفل يصارع للبقاء بسبب هجوم دبابير -شرسة-


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام عبدالله - في ذكري ابن رشد