قبل التوقف عند القرار لابد من التوقف قليلا أمام خلفياته، تلك مسألة مهمة لكي نعرف عقلية الإسلام السياسي السائد في العراق اليوم...إن محك ذلك هو الموقف من المرأة، لقد زرت العراق وعشت أيام مليئة بالدهشة واكتشاف المتناقضات، فالحياة السياسية في العراق بمعنى الانتماء السياسي ضعيفة جدا، هناك شئ عام هو اليأس من الحركة السياسية التقليدية، أننا أمام شعب متعب حقا، ولا يرى بالسياسية وسياسي اليوم أي نقلة نوعية في حياته، فدور الجميع غائب، والكل يركض لاهثا لتعزيز دور حزبه وجماعته على حساب الموقف من الوطن والناس.. تلك هي المفارقة السائدة في ذهن كل عراقي..لهذا يبقى هامش الأحزاب الدينية قويا في المناورة على هذا الضعف السائد باستخدام الدين لتسويق السياسة ولحشد أكبر من المؤازرين، ونتيجة القوة النسبية للتيار الديني في بلد لا توجد دولة ولا مؤسسات أصبح من واجب الأحزاب الأخرى أن تكون تابعة وذليلة للقوي، بمعنى أنها تحاول السكوت على ممارسات( وميلشوية) الأحزاب الدينية إن صح التعبير...فلقد شاهدت شعارات فارغة المحتوى للحزب الشيوعي عليها نصوص دينية ولا أعرف في بلد استوعب أكبر حزب شيوعي عربي في القرن الماضي أن يوجد مثل هذا النزوع للحزب لطرد تهمة الإلحاد والتي ورائها نفس هذه القوى التي يريد أن يرضيها الحزب، أنا أسوق مثلا على ضعف وخنوع الأحزاب والقوى العلمانية أمام مد رجعي سلفي حقيقي، مع التنبيه على دوغما الأحزاب الدينية الموجودة في المجلس، فقادة هذه القوى يحالون أداء دور ديمقراطي ولكن ممارسات أحزابهم على الأرض وتثقيفهم وممارساتهم العملية عكس ذلك تماما...هناك إرهاب للأقليات الدينية ولكل أثر متحظر ولكل حياة إنسانية فهم اليوم يريدوا أن يحددوا شكل حياتنا على الطريقة الإيرانية تماما من محاولة منع بيع الخمور حتى شكل الملابس التي لابد أن ترتديها المرأة...لهذا يغيظهم جدا البقايا الشحيحة للحياة الحضارية الموجودة في بغداد وبشكل خاص وجود امرأة بلا حجاب تسير في الشارع وتخرج للحياة والعمل...وأعتقد إن محاولة تمرير قرار137 هي أول محاولة جادة لهذه القوى لجس النبض لكي تواصل نفس الدور القذر للنظام السابق ولكن بأشكال أخرى لإرهاب الناس وإقصاء الآخر والإجهاض على المكتسبات التقدمية للشعب...إن ما يجري في العراق هو شبيه بالذي جرى بعد الثورة الإيرانية، حيث جاءت مع الثورة صحافة وحريات سرعان ما التفَّ عليها ذوي العمائم لكي تتحول إيران إلى سجن كبير، إلى بلد بلا صحافة حرة وبلا نظام ديمقراطي...
إن العراق بحاجة إلى قوى ليست خنوعة، إلى قوى تقولها لا قوية بوجه هؤلاء الظلاميين الجدد الذين يُحاولوا أن يخرجوا العراق من نور الحضارة والتقدم....
لقد شعرت ان هناك توزيع ادوار في مجلس الحكم جوهرها مكاسب لكل طرف، فالأحزاب الضعيفة الموجودة في مجلس الحكم والتي ترى بأي انتخابات سريعة كما يريد السيستاني، يعني خروجها من سدة حكم لم تكن يوما مصدقة به، مقابل ذلك تحاول أن تغض الطرف عن قرارات ورائها الإسلاميون لكي لا ينفرط عقد المجلس وبالتالي تصبح الانتخابات – الشر- أمرا لابد منه. فالأحزاب التي ترفض بقوة الانتخابات كجماعة الجادرجي، والتجمعات الإسلامية السنية، والجلبي والحزب الشيوعي والقوى الصغيرة الأخرى حيث ان سبب رفضها الأساسي ليس في الصعوبات الفنية وإنما الجوهر يكمن في معرفتها التامة يأتها ستفقد الكثير ان تم ذلك، لهذا فأن تأجيل الانتخابات لسنوات يعطي الفرصة لها لمحاولة السعي لترميم أوضاعها الداخلية ودخول انتخابات بعد سنوات ممكن ان تحفظ ماء الوجه، وهذا ما تراه أيضا سلطة التحالف...طبعا الشارع مع انتخابات حرة لكي يعرف من يمثله حقا بعيدا عن المناقشات المتعلقة بكيفية أجرائها... الأحزاب القوية يبدو رفضها للانتخابات عبارة عن مجاملة لأنها تعتقد بأنها ستحافظ على نفس الوضع وخصوصا الأحزاب الكوردية والمجلس الإسلامي الأعلى... ولكن كما يبدو من خلال تنازلات مشتركة يجري المحاولة الحفاظ على الوضع القائم، على توافق ظاهري، وعلى إنهم يشتركون بنفس المواقف، وبالتالي محاولة خروج الجميع منتصرين من مرحلة صعبة وغير واضحة المعالم تهدد الجميع...طبعا نفس الموقف يصح في سكوت الأحزاب الضعيفة عن المشروع الجلالي ) بتوسيع دائرة الحكم الذاتي لكي يصل إلى الكوت على إيقاع شعارات قومية شوفينية ….)
إن تمرير قانون رجعي ظلامي بعد أكثر من أربعين عاما على قانون متقدم نسبيا رغم ثغراته ينصف المرأة يعني الكثير في الحياة السياسية، يعني طيور الظلام قادمون بقوة ويعني أن القوى التي تقاوم هذا المشروع ضعيفة وضعيفة جدا، حيث لم يوجد سوى بريمر ورأي عام خارجي قوي مناهض يدعوه للفيتو...إن قرار 137 هو قانون لشريعة الغاب، عودة لشريعة الجاهلية في قتل النساء، عودة للقتل العنصري، ووضع المرأة كليا أما م رحمة معممين ومتخلفي العشائر وقتله الغسل للعار وأي شبه أخرى...بل انه تكريس لطائفية الأوغاد في التعامل مع المرأة كل حسب دينة ومذهبه وفهمه، انطلاقة رحبة لشريعة الغاب...إن القرار عار بوجه بلد انطلق منه أول حرف وأول إنسان غارس للحضارة الإنسانية...
لا يكفي اليوم لنا أن ننحني أمام رياح الظلاميين لكي لا نُتهم بالكفر والإلحاد، فنحن ننتمي لدين ولثقافة ولحضارة نريد لها مزيد من الألق والتطور والإشعاع...نريد أن ننصف أخواتنا وأمهاتنا وصديقاتنا وان نعطيهن الحق بالمواطنة أسوة بنا نحن الرجال، فليس هناك من دين وضع على رؤوسنا ريشة كي نكون ظلام مُخيم على نصف المجتمع الذي عليه مسؤوليات تربية أجيال والمساهمة في بناء الوطن...نحن نريد المرأة عاملة وموظفة وطبيبة وعالمة وسياسية ومربية تساهم مع أخيها الرجل في بناء وطن جميل معافى…
إن مجلس الحكم في تحد مع الثقة الشحيحة التي منحها له الناس على أمل قيادة البلد نحو وضع أفضل، إن وضع مصلحة البلد والناس فوق كل اعتبار كفيلة بتحرير هذا الحزب أو تلك المجموعة لكي تعبر عن نفسها بشكل أوضح وتقف مع الناس رغم الخسائر المفترضة الآنية، فالخسارة بشرف مليون مرة أفضل من مكاسب تجئ عل حساب دماء وتضحيات غالية يعرفها الجميع…إنها بذلك تقف مع المستقبل..
إن الموقف من قانون الأحوال الشخصية وتطويره لا النكوص عنه علامة فارقة في حياتنا السياسية الراهنة...
لا لطيور الظلام
لنقولها قوية وليتحد الجميع ضد خطر الظلاميين الجدد...
أنهم قادمون....!!!