ابراهيم علاء الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2338 - 2008 / 7 / 10 - 02:06
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
جائني ابني يوما متذمرا وقال ..لا اريد الذهاب الى المدرسة, ولما سالته لماذا بنبرة فظة كالرجل الشرقي الذي لا يسمح لابنه التعبير عن رايه فما بالك بابنته، قال .." المعلمة اليوم شتمتنا .. شتمت العرب وحقرتهم وقالت انهم يعيشون بالصحراء في خيم وامام الخيمة سيارة مرسيدس حديثة، ولما قلت لها غير صحيح ما تقولينه يا معلمتي , قالت طيب استمع للحصة وبعدها سوف استمع لوجهة نظرك".
وسالته وماذا حصل بعد ذلك؟ .. قال لا شيء لم اذهب اليها فقد غادرت المدرسة على طول , واضاف بابا انا لا اريد الذهاب الى المدرسة فقد شعرت باهانة كبيرة وكان البنات والاولاد ينظرون لي بازدراء لانني عربي , وتابع قائلا انا بحب المدرسة لكن هذه المدرسة لا احبها ارجوك انقلني منها.
ابني كان في الصف السادس في مدرسة تقع على الشارع الثامن في بروكلين /نيويورك وكان ذكيا ومجتهدا ويحب المدرسة ولم يتغيب يوما واحدا حتى عندما يتعرض لوعكة صحية ، فادركت ان الولد تعرض لما يشبه ردة الفعل النفسية نظرا لطغيان الشعور بالازدراء والاضطهاد ، ولا بد من تدخلي لمعرفة حقيقة الامر وايجاد وسيلة لعلاج الحالة النفسية التي تعرض لها.
في اليوم التالي اصطحبت ابني الى المدرسة وقابلت وكيلتها ، وشرحت لها ما اخبرني به ابني، واستمعت الوكيله الى ابني باهتمام كبير وكم اثار اعجابي وهو يدافع عن عروبته وكانه محام بارع في قاعة محكمة، وابدت الوكيلة تفهما وطلبت مني الانتظار حتى تنهي المعلمة حصتها.
وانتقلنا الى غرفة اجتماعات صغيرة بجانب غرفة مديرة المدرسة ، وحضرت المعلمة الشابة الجميلة وابتسامتها العريضة تضفي على وجهها براءة طفولية جميلة ولمسة مشجعة على التحدث معها بصراحة شديدة.
مدت يدها تصافحني كما صافحت ابني بحنان وجلست بيني وبينه والى جانبها جلست الوكيلة.
قصصت عليها ما قاله ابني بالامس ووصفت لها شعوره واستيائه وانه كان غاضبا يملؤه الشعور بالاضطهاد والتمييز العنصري.
وقدمت لها تصورا مدعوما بصور وشريط فيديو عن المدينة العربية من القاهرة ودمشق والكويت والرياض ودبي وكازا بلانكا، واوضحت لها ان هذه المدن ليست اقل من المدن الامريكية، وانها وان كانت ليست مثل نيويورك ولكنها لا تقل تطورا وعمرانا عن عواصم الولايات الامريكية. وفيها مدارس اكثر رقيا من هذه المدرسة وفي مدننا مستشفيات وملاعب كرة قدم لا تقل فخامة عن ملاعب البيسبول في نيويورك.
واوضحت لها ان الوصف الذي ذكرتيه في الدرس ينطبق على بعض المناطق الصحراوية التي يقطنها البدو، وهي مناطق قليلة ونادرة في كل الاحوال ولا يجوز ان تعتبر نموذجا عن بلاد العرب وسكان بلاد العرب.
شعرت المدرسة بحرج شديد واعربت عن اسفها وقدمت شكرها لهذا التوضيح، واوضحت انها لا تستطيع تغيير المنهج فهي ملتزمة بتدريس المعلومات الموجودة بكتاب المدرسة، لكنها وعدتني ومعها الوكيلة بالبحث عن حل.
بعد ثلاثة ايام اتصلت بي وكيلة المدرسة وطلبت بادب جم زيارتها ، وفي مكتبها قدمت لي ورقتين قائلة ان هذه رسالة الى ادارة التعليم بالمنطقة نطلب فيها حذف الجزء الخاص بالعرب من المنهج لفترة مؤقتة الى حين وضع معلومات حديثة تتطابق مع الصورة التي عرضتها لنا .
قرات الرسالة فاذا بها محكمة وراقية وكافية وافية ، ومن باب المداعبة قلت لها انك بارعة في الكتابة ، فقالت المعلمة سارا هي التي كتبتها، قلت انها كاتبة بارعة ارجو ان تشكريها نيابة عني فقالت انها تريد مقابلتك واشكرها انت وارجوك الانتظار حتى تنهي حصتها.
توقعت من اسم المعلمة ان تكون يهودية وفعلا كان توقعي في محله ، ولم نتوقف كثيرا عند ديانتها وديانتي حيث اكدت المعلمة انه في امريكا لا يوجد تمييز بين الاديان وانها لا تعرف عن اسرائيل اكثر مما تعرف عن كولورادو وتابعت قولها بان حدود معرفتها عن كولورادو لا يتجاوز ما درسته عن جغرافية الولايات المتحدة في الصفوف الوسطى وانها تسمع باسمها في بعض الافلام السينمائية، فيما تعرف عن اسرائيل ما ذكر في التوراه.
وقالت انها اقتنعت بان المادة التي تدرسها عن العرب تحتوي على معلومات سطحية وقديمة وانها كتبت الرسالة على امل تطوير المنهج ليتلائم مع الواقع ، لكنها اكدت ان المسالة ليست سهلة ، وانه مطلوب التعاون لاقناع ادارة المنطقة التعليمية ، وطلبت امهالها اسبوع لتلقي رد الادارة.
بعد اسبوع بالضبط اتصلت المعلمة سارا وقالت بغضب ان الادارة رفضت تعديل المنهج, وواصلت لكني لن اسكت لا يمكن لي ان اعلم التلاميذ معلومات خاطئة ولا يمكن ان اكون سببا في جرح مشاعر الاطفال.
حاولت اهديء ثورتها وقلت لها اننا اكيد سنجد وسيلة. وطلبت مني اللقاء بعد الانتهاء من المدرسة في احد المطاعم وقالت ان الوكيلة سترافقها فرحبت بها.
وكان لقاءا حيويا جدا وطلبت مني ان اعمل على تشكيل لوبي عربي ضاغط على الادارة وانها سوف تقوم بكل ما يملي عليها الواجب العلمي والاخلاقي.
وصادف ان كان في اليوم التالي حفلة فلسطينية بقاعة صبحي الودي في الشارع السادس ببروكلين بمناسبة يوم الارض، فوجهت لهما الدعوة لحضور الحفلة ووافقتا بحرارة.
في المساء كان عندنا اجتماع للهيئة الادارية للنادي العربي لمتابعة الاستعدادات لحفلة الغد ، ووجدت فرصة عرضت خلالها ما حدث في مدرسة ابني، وموقف المعلمة اليهودية ووكيلة المدرسة المسيحية واكدت على تعاطفهما وانهما طلبتا ان نشكل لوبي ضغط وابلغت الزملاء بانني دعوتهم لحضور الحفلة.
رحب الزملاء بحضورهن واعجبوا بفكرة اللوبي وابدوا استعدادهم لحشد مجموعة من الشخصيات العربية لدعم جهودنا وتبنى النادي رسميا المطالبة بتغيير المنهج.
اعربت المعلمة ساره التي ولدت في بروكلين وعاشت الثلاثين سنة وهي عمرها في بروكلين عن اعجابها الشديد بالحفلة وخصوصا بالدبكة والازياء الفلسطينية، وزادت سعاتها والوكيلة لتبني النادي العربي لفكرة تعديل المنهج.
وخلال الاسبوع التالي بذلنا (الهيئة الادارية للنادي) جهودا كبيرة في اجراء اللقاءات مع رجال الاعمال العرب في بروكلين وحشدنا تاييدا واسعا وحماسة كبيرة.
فيما كنت سارا والوكيلة مادلين تبذلان جهودهما مع ادارة التعليم وعقدتا اجتماعين مع مسؤولين بالادارة لكنهما لم يستطيعا تغيير الموقف.
وكنا نتابع وننسق جهودنا عبر الهاتف وكانت نجاح وام علي عضوتان بفريق العمل ويقوما بالتنسيق ايضا مع سارا ومادلين.
وتم ترتيب موعد لاجتماع يضم ممثلين عن النادي العربي ومسؤولين من ادارة العليم كان بشكل عام ايجابي ووعدونا بدراسة الامر والرد علينا ، وبعد يومين ابلغتني سارا بان الادارة استدعتها للاجتماع بالمسؤولين ، وان اللقاء كان متوترا واشبه بالتحقيق ، وانها تخشى اتخاذ الادارة قرار يؤذيها بسبب ضغوطاتها والتي وصلت حسب تعبير احد المسؤولين انها قامت بتحريض العرب على الاحتتجاج.
وقالت انني سافاجيء الجميع بما ساتخذه من قرار، ولما حاولت الاستفسار عما تنوي القيام به قالت سوف اقدم استقالتي من مهنة التدريس اذا فشلت جهودي ، حاولت اثنيها عن هذا الاتجاه فقالت انها اتخذت قرارها وانتهى الامر.
ابلغت ادارة النادي بما سمعته واتفقنا على ممارسة المزيد من الضغط ، وذهبنا في اليوم التالي للادارة وابلغنا احد مسؤوليها الذي اجتمع بنا اننا سننقل القضية الى الاعلام, وقد نصل الى المحاكم, لمواجهة التمييز العنصري في منهج التدريس.
وفي اليوم التالي قدمت المعلمة سارا استقالتها لوكيلة المدرسة الي ابلغت بدورها مديرة المدرسة وبدورها ابلغت ادارة المنطقة التعليمية ، فطلبت الاجتماع بالمعلمة لكن سارا رفضت واكدت رغبتها بالاستقالة.
اتصلت ادارة المنطقة التعليمية بالنادي وطلبت اجتماعا على وجه السرعة مع مسؤوليه او بعضهم ، فاتصلت بالمعلمة فورا وابلغتها بما حصل ، وعقدنا اجمتماع في الساعة الخامسة مساء ، وابلغونا ان الادارة سوف تتخذ قرارا هاما غدا.
الساعة الحادية عشرة والنصف تقريبا من اليوم التالي , وبينما انا في المكتب فتح الباب فجاة واذ بالمعلمة سارة وضحكتها التي رايتها اول مرة تملأ وجهها ، اندفعت نحوي بطفولية زائدة, وحضنتني وقبلتني، وقالت مبروك وافقوا على التعديل وسحبت استقالتي.
وقد قصصت هذه الرواية لبعض الاصدقاء العرب في القاهرة وعمان والكويت ودبي فكانت ردود فعلهم تتلخص بجملة واحدة تقريبا هي (ان الحضارة تعلم الناس عدم الاساءة للاخرين بغض النظر عن دينهم او لونهم او جنسهم).
#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟