أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم علاء الدين - سيدة الزهور : شابة يمنية في نيويورك















المزيد.....


سيدة الزهور : شابة يمنية في نيويورك


ابراهيم علاء الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2301 - 2008 / 6 / 3 - 08:19
المحور: الادب والفن
    


كان من الصعب في ذاك الصباح الندي ان تتماسك افكاري وان تتمكن من الاستقرار وسط تلك العاصفة المالية التي ما زالت اثارها تعصف بي منذ ما يزيد على الشهر.
فما تلا الليلة من احداث صاخبة في الشارع السادس والثمانون في بروكلين كان من السهل ان تطيح براس الكثيرين وليس فقط بالتأثير على تماسك افكارهم.
ففي تلك الليلة خسر السيد حسن سماحة نحو 800 الف دولار هي كل ما يملك في صفقة تجارية واحدة ، ووجد نفسه في اليوم التالي مفلسا فيما عليه التزامات مالية تزيد عن 40 الف دولار شهريا.
ومنذ اكثر من شهر والسيد حسن سماحه يسال القاصي والداني بتقديم المساعدة له مقابل عقود ومواثيق او مقابل التنازل عن حصة كبيرة من السوبر ماركت الذي يملكه والواقع على شارع وستمنستر في شرق ضاحية بروكلين ولكن دون جدوى.
السيد حسن سماحه مواطن فلسطيني يقيم في نيويورك منذ عشر سنوات وهو تاجر يشتغل في عدة مجالات تجارية،
ويمتلك سوبر ماركت تزيد قيمته عن مليون دولار ولكنه مطالب بديون تصل قيمتها حوالي نصف مليون دولار، عليه تسديدها بالتقسيط المريح خلال اربع سنوات، لكن التزاماته الشهرية باهظة وهي عبارة عن اجور ورواتب موظفين واقساط ديون.
واحتار حسن فيما يفعله لتغطية احتياجاته واصبح مهددا بخسارة اعماله لعدم وجود اموال نقدية بحوزته وللضغوط التي تنتظره اخر الشهر لتسديد تلك الالتزامات؟
فلجأ الى اخوته وابناء عمومته واقاربه وابناء بلدته ثم ابناء جنسيته ثم ابناء قوميته دون جدوى ولم يجد ادنى مساعدة من اي شخص.

ظهور السيدة اليمنية
في ذاك الصباح وبينما تعصف برأس حسن افكارا اقل ما يقال بشانها انها سوداوية، وفيما كان متوجها الى السوبر ماركت عبر الجادة الخامسة ببروكلين توقف امام محل للزهور ليشتري باقة ورد، لارسالها الى احد اصدقائه بمناسبة مجيء مولود ذكر له بعد ثلاثة بنات، وفوجيء حسن بان السيدة التي تبيع الزهور في المحل عربية فهم من لهجتها انها يمنية ، ولما سالها قالت أنها من اصل يمني من مدينة صعدة، ومولودة في نيويورك ومتزوجة من يمني هو صاحب المحل.
لم يدري حسن لماذا شعر بحالة من السعادة وهو يرى شابة يمينة تنسق الزهور وتتحدث معه بالعربية بطلاقة رغم انها من مواليد بروكلين ورغم ما يعرفه عن تحفظ الاسرة اليمنية، وعدم اتاحة الفرصة لبناتها بان يعملن الا في نطاقات محددة.
اخذ حسن الزهور من يد سميرة وشكرها على لطفها وفيما هو يهم بالخروج نادت عليه لتذكره بانه نسي مفتاح سيارته شكرها ثانية وقال (والله الواحد ماهو صاحي). فسالته لماذا .. خير ان شاء الله انت تشتري زهور وهذا يعني انك على موعد مع الفرح فلماذا تقول ذلك؟
قال حسن : الموضوع طويل وغادر المحل باسما ليكمل سيره نحو محله.
لكن اسئلة محيرة بدات تلقي بظلالها على رأسه حول الشابة اليمنية الي تعمل في محل الزهور وحيويتها ونشاطها وقدرتها على خلق جو من المودة مع زبائنها .
لكن الافكار المقلقة حول الديون وكيف خسر امواله، ظلت تسيطر عليه طيلة الطريق الى ان وصل الى محله، حيث اخذته هموم الشغل وتفاصيله ونسي معاناتة العميقة الى ان غادر المحل نحو التاسعة مساء.
وتوجه حسن مباشرة من محله الى مركز النادي العربي بنيويورك حيث يتجمع في المساء العشرات من ابناء الجالية العربية ليجد بعض السلوى قبل ان يذهب الى المنزل.
جلس بجانب احمد صديقه اليمني وقص عليه ما حدث معه صباح اليوم وانه لاول مرة يصادف سيدة يمنية تعمل في محل عام وانها كانت بائعة ممتازة ونصحه بانه اذا اراد ان يشري زهورا ان يذهب ليشري منها.
فقال احمد: هل تعرفت من هو زوج هذه السيدة؟
قال حسن : لا لا اعرف.
قال احمد : انها زوجة محمد ابو العزم وهو رجل يمني معروف بثرائه وكرمه وهو ابن عائلة محترمة وعنده العديد من المحلات والاعمال التجارية، وهو فتح هذا المحل لزوجته حتى تتسلى لانه يحبها اكثر من زوجتيه السابقتين.
وطبعا لان البلد كلها تعرف بما حدث للسيد حسن فقد ساله احمد عما حدث معه.
حسن : لم يحدث اي جديد فلم اجد احدا يساعدني حتى الان.
احمد : لماذا لا تسال السيد ابو العزم فربما يمد لك يد المساعده ؟
حسن : لكني لا اعرفه ولا يعرفني
احمد : اطرح الموضوع على زوجته فاذا وافقت فانه لا يرد لها طلبا
حسن : لكني اخجل ان اطرح عليها موضوعا شخصيا الى هذا الحد فهي ايضا لا تعرفني
احمد : جرب يا اخي ربما تلاقي ردا حسنا
ظل حسن طيلة الليل يفكر بما قاله له احمد لكن التردد كان سيد الموقف ولم يتمكن من النوم الا بشكل متقطع.
خمسة ايام وحسن يمر من امام محل سميرة للزهور دون ان يتوقف رغم ما تراوده به نفسه من سؤالها المساعدة لكن عزة نفسه وكبريائه ظلا يمنعانه طيلة اسبوع باكمله .
اليوم دعاه صديقه مصطفى لحضور حفل افتاح سوبر ماركت جديد اشتراه منذ شهرين تقريبا، وعلى الفور قال حسن ان افضل هدية بهذه المناسبة هي باقة من الزهور وافضل محل لبيع الزهور هو محل سميرة وبدون تردد وجد نفسه امام محل الزهور ودخل ليجد سميرة منهمكة في تنسيق باقة ورد لاحدى السيدات العربيات ايضا من الجنسية الفلسطينية.
اتنظر في احدى زوايا المحل بعد ان القى التحية وردت عليه سميرة بابتسامة لطيفة فيها نوع من المعذرة عن انشغالها، وما ان انتهت حتى مدت اليه يدها تصافحه قائلة : والله المناسبات الحلوة عندك كثيرة اكيد انك اليوم افضل حالا من الاسبوع الماضي.
حسن : والله احسن بالتاكيد حيث انه هناك (نافذة فرج) قد تتيح لي الامكانية على مواجهة ما اعاني منه.
قالت : الحمد لله انه لا يترك عباده الصالحين منفردين يواجهون الازمات
قال : الحمد لله .
وكاد ان يمضى الوقت بهذا الحوار الغامض لولا ان بادرت سميرة لتساله : وما هي الازمة التي تمر بها؟
حسن : باختصار شديد انها ازمة مالية
قالت : ايوه كده يعني ... واضافت ان الحا ل بنيويورك صعبة هناك الكثيرين يتعرضون للازمات المالية .
قال : لكني انا تعرضت للازمة بسبب غبائي وليس لاي سبب اخر يعني انا لا الوم الا نفسي.
قالت : وما سبب ازمتك؟
قص عليها حسن باختصار شديد ما تعرض له ، والاثار الناجمة عن تلك الكارثة؟
قالت : انت غلطان كيف تتعامل مع الطليان الا تعرف انهم نصابين.
واضافت ان الجالية العربية الوحيدة التي لا يجروء الطليان على الاقتراب منها في نيويورك هي الجالية اليمنية ، ففي احدى المرات حاولوا ان ياخذوا (خاوة) من مقهى يمني فاطلق اليمنيون عليهم الرصاص واردوا ثلاثة منهم ، هل سمعت بالقصة ؟؟
حسن : نعم نعم ان كل العرب في نيويورك يعرفون القصة .
تكاد سميرة تنهي تنسيق (بوكيه) الزهور حيث مزجت الاحمر بالابيض وبينهما بعض الورقات الخضراء مما اضفى عليه منظرا بديعا.
واعطاها حسن ثمن بوكيه الزهور وخرج مودعا السيدة الجليلة النشيطة، دون ان يجروء على سؤالها المساعدة.
ايام قليلة لاحقة وامام الضغوط الهائلة التي تتزايد على وقع المطالبات وخصوصا من العمال الذين تاخرت رواتبهم للاسبوع الثالث، وفجأة وبدون تفكير وجد حسن نفسه داخل محل الزهور يمد يده ليسلم على سميرة التي بادرته بالقول الله يديم الافراح انت من افضل الزبائن عندي.
لكن حسن الواجم المتلعثم والمضطرب قال : انا اليوم لست زبونا وانما طالب مساعدة
قالت : يا اهلا يا اهلا فيك وبماذا استطيع مساعدتك ؟
قال حسن : بان تشتري نصف السوبر ماركت الذي امتلكه
ضحكت وقالت : ومن قال لك انني اشتري محلات؟؟
قال : انه مشروع ناجح تماما سيحقق لك ارباحا ممتازة
قالت : انا لا افهم بعمل السوبر ماركت انا افهم بالزهور فقط
قال : انا سمعت وعرفت انك زوجة رجل فاضل وتاجر ماهر واريد ان اساله من خلالك اذا كان بالامكان ان يشتري نصف محلي بسعر مناسب جدا , ولم اكن لاتقدم بهذا العرض لولا اني مضطر لتسديد التزاماتي المالية
قالت : يمكنني الاتصال به الان واساله وتذهب لرؤيته وهو قادر على اتخاذ القرار المناسب.
قال : يا ريت
حملت سماعة الهاتف واخذت تضغط على الازرار وقالت وهي تبتسم لكن انتبه اذا وافق زوجي على العرض فعليك ان تعطيني عمولة .
قا ل : اطلبي واتمنى يا ست بس خلصيني مما انا فيه من ضغوط اجتماعية اكثر مما هي مالية.
حادثت سميرة زوجها بصوت هامس لم يسمع حسن منها ولا كلمة وما ان انهت المكالمة حتى قالت اذهب عند محمد عنوانه كذا وكذا على اتلانتيك افنيو.
استغرق قطع المسافة حوالي نصف ساعة بسبب الازدحام الكثيف على مدخل شارع اتلانتيك مع تقاطع الجادة الرابعة، اخيرا ها هو يصافح محمد الذي دعاه بادب جم للجلوس .
عرف حسن عن نفسه وعن محله وقدم للسيد محمد معلومات عن اوضاع بالسوبر المالية.
سأله محمد وما المطلوب مني ؟.
حسن : ان تدخل معي شريكا مقابل التزامك بتسديد الالتزامات المالية الملحة.
محمد : لا مانع لدي ولكن علي ان اشاهد الاوضاع مباشرة وعلى الطبيعة واذا كانت بياناتك المالية صحيحية فانه مشروع جيد ولا مانع لدي من مشاركتك.
امضى محمد اسبوعا باكمله يتردد على السوبر ماركت وفي ساعات مختلفة منفردا تارة وتارة مع اشخاص اخرين، وفي احدى المرات جاء ومعه زوجته سميرة، التي ابدت اهتماما كبيرا بالمحل وكانت مرحة وتحدثت مع حسن بحرية وطلاقة وكانهما اصدقاء من فترة طويلة.
وقالت ان هذا الركن رائع لاستغلاله في بيع الزهور، استحسن محمد وحسن العرض وقالا سويا انها فكرة ممتازة.
صباح يوم الاثنين في الحادية عشرة صباحا وقع حسن ومحمد عقد الشراكة ، وتنفس حسن الصعداء وشكر الله الذي ارسل له من ينقذه .
مضت الاسابيع والاشهر والسوبر ماركت يحقق نجاحا ممتازا وزادت مبيعاته وقرر الشريكين ان يزيدا من ساعات العمل الى الساعة 12 ليلا والامور سارت بشكل ممتاز.

ركن الزهور
البرد قارص والثلج يغطي ارصفة الشوارع ، السوبر ماركت مليء بالزبائن، ومندوبي المبيعات يحدثوا بعض الفوضى في الداخل، وعيون رجال الامن الاثنين مفتوحة على الاخر لضبط عمليات السرقة الكثيرة الي تحدث يوميا و تزداد مع الازدحام في ساعات المساء.
حسن يقف قريبا من المدخل الرئيسي للسوبر ماركت وحوله عدد من مندوبي المبيعات وفجأة دخلت سميرة ومعها سيدة اخرى ، القت التحية وواصلت سيرها جهة الزاوية الاخرى من الباب الرئيسي ، يرمقها حسن عن بعد تتحدث مع مرافقتها وتشير الى الزاوية ، فتذكر فكرتها عن ركن الزهور.
انتظر حسن على احر من الجمر ان تنهي سميرة شرح فكرتها لزميلتها كما توقع، لكن الامر طال اكثر مما يحتمل فذهب اليها يسالها عن ماذا يقدم لضيافتها شكرته واضافت صديقتي فريدة من المغرب تعمل معي في المحل واصبحت خبرتها ممتازة ففكرت ان نبدأ تنفيذ فكرة اقامة ركن للزهور في هذه الزاوية.
حسن : انها فكرة ممتازة سوف تضفي لمسة جمالية على المحل. وايضا سنصبح شركاء.
قالت سميرة وهي تضحك نعم سيجلب زبائن جدد للمحل صحيح، ولكن لن نكون شركاء لانني سوف استاجر هذا الركن منكم مقابل اجرة شهرية.
حسن : ايضا فكرة جيدة فانا لن انسى لك المعروف وانه عن طريقك تمكنت من الخروج من ورطتي وتمكنت من الوقوف على ارجلي من جديد.
قالت : العفو العفو لكني اود سؤالك كم تريد اجرة شهرية لهذه الزاوية؟
قال : ساتحدث مع محمد وابلغك
قالت : حسنا اتركك الان بخير، وابلغني باسرع وقت
قال : وكيف احوال الشغل في محل الزهور
قالت : مبتسمة انه تراجع لانك توقفت عن شراء الزهور من عندي
ضحك حسن وقال : عندما تفتحي ركن الزهور هنا ساذهب الى محلك واشتري لك باقة ورد للتهنئة بمناسبة افتتاح ركنك الجديد.
كان الحوار لطيفا ومهذبا تخللته البسمات وبعض الضحكات وصافحته بحرارة وغادرت المحل .
خلال اسبوع جعلت سميرة من تلك الزاوية المهملة ، ركنا للجمال الارستقراطي كل من يدخل المحل من الزبائن لا بد وان يتوقف ليشاهد المنظر البديع، وبعض السيدات التقطن صورا لاطفالهن في تلك الزاوية، وفاح عطر الورد ليملأ المحل برائحة زكية، مما اضفى عليه مزيدا من الاحترام عبر عنه الكثير من الزبائن بالاعجاب.
اصبحت سميرة تتردد على المحل بكثرة واصارت العلاقة بينها وبين حسن عميقة لكنها على الاطلاق لم تتجاوز العلاقات الاخوية والاحترام المتبادل.
ولشدة اعجاب حسن باهتمام سميرة بالزهور بدأ يتعرف تدريجيا على طبيعة هذه التجارة وارباحها وتفاصيل اخرى مرتبطة بها.
ودهش لبساطة وسهولة هذه التجارة وارباحها الكبيرة فعرض على سميرة ان يشاركها وقال انه بامكانه ان يفتح ركنا للزهور في العديد من اسواق السوبر ماركت التي يمتلكها عربا على وجه الخصوص ، واعجبت سميرة بالفكرة، وخلال شهرين تقريبا كان هناك خمسة عشر ركنا للزهور في خمسة عشر سوبر ماركت في بروكلين وكوينز .

العبيد قتلوا محمد
وتعززت العلاقات مع السيد محمد ابو العزم وخلال سنيتن تقريبا تم تسديد جميع الديون ، وتوسعت اعمالها المشتركة في ميادين تجارية اخرى.
كما توسعت اعمال سميرة وحسن وافتتحا محلين للزهور في مانهاتن واخر في شارع كنغز هاي وي في بروكلين.
وفي ليلة صيفية نيويوركية وفيما كان حسن في مكتبه الصغيرنحو الساعة العاشرة مساء رن جرس الهاتف فاذا سمية على الخط تبكي بحرقة وتقول : حسن حسن العبيد قتلوا محمد .. مات محمد يا حسن وانهارت ثم انقطع الخط.
انتفض حسن وهو في حالة شبه غيبوبة ، ولم ينتبه على مديرة الصندوق في طريقه فصدمها مما دفعها لاطلاق صرخة، سمعها كل من في المحل وانطلق بسيارته لا يلوي على شيء متجاوزا الاشارات الضوئية الحمنراء والخضراء والصفراء الى ان وصل الى بيت محمد فلم يجد احدا، فذهب الى اتلانتيك افنيو حيث مكتب محمد فقال احد الموظفين ان محمد قتله العبيد وجثته في مستشفى بروكلين ، فانطلق الى هناك ، وعاش تفاصيل الفاجعة، وانهمرت دموعه تحاكي دموع سميرة واهاتها ، وتجمع حشد كبير من اقار محمد واصدقائه وبسرعة البرق اصح الخبر على كل شفة ولسان في بروكلين بل بنيويورك كلها.
واصبح كل من في نيويورك يروي كيف دخل اثنين من العبيد على مكتب محمد واردوه بست رصاصات، دون شفقة او رحمة وسرقوا الاموال الموجودة بالخزنة الحديدية.
والامر المثير للاسى ان القضية سجلت ضد مجهول كباقي قضايا السلب بالقوة التي تشهد نيويورك العشرات منها كل يوم.
ومضت الايام والاسابيع والاشهر وسميرة في حداد تام ، واكتست بشرتها بالصفرة وهزل جسدها ، وتضاءلت طموحاتها ، واتخذت سلوكا صوفيا زاهدا، وانزوت في عالم من الوحدة والكآبة.
ووجدت نفسها في صراع من ضرتها واناء زوجها واقاربه حول الارث ، واصبحت تتردد على المحاكم وصار المحامي ملازما لها تسشيره في كل صغيرة وكبيرة.
لكن حسن ظل على تواصل معها يخفف من وجعها وفجيعتها وكان يقدم لها الكشوف المالية ويعطيها حصتها من الارباح بشكل منتظم رغم ان بعض اقارب محمد حاولوا ان يدخلوا طرفا في المعادلة.
ومرت اكثر من سنة على الحادثة والامور تسير على ما يرام ، وفي احد الايام اتصلت سميرة بحسن وقالت هناك امر هام اريد اسشارتك بشانه، فاذا امكنك التفضل الى المنزل عندما يكون لديك وقت.
بعد ساعتين كان حسن في منزل سميرة، كل ما فيه ما زال يذكر بالفاجعة ، وما زالت لبس الاسود ولا تضع ماكياجا او زينة، جلست والحزن يخيم على نفسها ووجهها وعينيها الشاحبتين، وبعد الترحيب بحسن مدت ملفا من الاوراق وقالت هذا العرض احضره لي المحامي بالامس يا ريت تعطيني رايك انا لم اعد اعرف كيف اتصرف ، او اتخذ القرار المناسب.
وتضمن العرض ان اهل زوجها عرضوا تسوية لموضوع الارث ، تضمن ان تأخذ سميرة الثلث وزوجته الاولى وابنائها الثلثين. وتبلغ قيمة الثلث ثمانية ملايين دولار نقدا، بالاضافة الى عدد من المحلات التجارية والبنايات السكنية والتجارية، التي تزيد قيمتها على ستة ملايين دولار.
لم يدر حسن ماذا يقول، فالموضع اكبر من خبرته او قدرته على ابداء راي مناسب، فاضطرب قليللا ولكنه سرعان ما استعاد توازنه وهو يقول ان الموضوع كبير ودقيق ولا بد لي من استشارة المحامي، وبعض الاصدقاء وسابلغك لاحقا برأي.
وفعلا استشار حسن نمحاميه وعدد من اصدقائه فوجدوا جميعا انها تسوية معقولة ولصالح سميرة لان الاستمرار بالمحاكم قد يستغرق خمسة او ستة سنوات، وقد لا تحصل على هذه النسبة.
وهذا ما كان تم توزيع الارث واصبحت سميرة شريكا فعليا لحسن، واستعادت حيويتها ونشاطها وتفاؤلها، واصبحت تقضي معظم وقتها مع حسن في ادارة الاعمال، وكانا يذهبان في نزهات احيانا، وتوطدت العلاقة بشكل كبير،ن حتى ظن بعض الناس السوء، ووصلت هذه الشكوك والظنون والاتهامات الى مسامعهما.

سميرة تطلب الزواج

وفي احد الامسيات وبينما يتناولا طعام العشاء في احد المطاعم قالت سميرة فجأة : حسن لماذا لا نضع حدا للشائعات والاتهامات؟
فهم حسن ما تقصده سميرة ولكنه تجاهل ذلك وسألها كيف ؟
قالت : نتزوج
قال : لكني متتزوج والقانون لا يسمح بالزواج من اثنتين
قالت : اعمل مثل محمد
قال : ومذا فعل محمد
قالت : طلق زوجتها على الورق فقط ثم عاد وكتب عليها في اليمن.
شعر حسن انه بورطة كبرى وتغير لونه واضطربت انفاسه ولم يعد يدري كيفية الخروج منها، ثم تدارك الامر وقال انها فكرة جيدة لكنها تحتاج الى ترتيبات خصوصا وان الامر مرتبط بزوجتي فالامر يحتاج لوقت لاقناعها.
تنفس حسن الصعداء وهو يودع سميرة على باب منزلها، لكن لم يلبث القلق ان عاوده، فسميرة وضعته في موقف بالغ الصعوبة، وظل القلق مسيطرا عليه طيلة الليل، مما ابعد النوم عن جفونه.
طبعا معظم اهل نيويورك يعرفون سميرة وانها سيدة جميلة ثرية مهذبة وسيدة اعمال انيقة، ذات عقل نيويوركي مع وجدان شرقي يمني، وحياء عربي، وانها تمثل هدفا يطمع البوصول اليه كل رجال نيويورك واليمن وكل من يعرفها او بقترب منها.
وبدأ حسن حملة من الاستشارات السرية شملت كل من يثق بهم من اصدقائه ومعارفه واهله واقاربه، وكلهم بلا استثناء ، شجعوه على الزواج ، واعتبروا ان ذلك بمثابة نزول ليلة القدر، ودعوه الا يتردد بالقبول وان ينتهز الفرصة لانها على حد قول كثير ممن استشارهم لا تتكرر مرتين.
وكان كلما عاد الى منزله في ساعات الليل المتاخرة يجد زوجته تنتظره، وانائه بعضهم نائما والاخرين يشاهدون التلفزيون، وغالبا ما كانت بنته الصغيرة تسقبله على الدرج فيحضنها وتبدأ تقص عليه وتشكو له بعض ما حدث معها، وينظر الى مكتبته الضخمة ثم الى غرفة نومه والسرير ذو فرشة الماء، وتداعب خيالاته الكثير من الذكريات بحلوها ومرها مع هذه الاسرة الصغيرة، ويقول لنفسه ان سميرة تريد ان تنتزعه من كل هذا العالم وتاخذه لعالمها، فما ذنب هذه الزوجة الفاضلة وما ذنب هؤلاء الاطفال، وهل يمكن ان يبيع ابتسامة طفلته الصغيرة بكل ملايين الدنيا.
مر شهر بصعوبة بالغة فسميرة تساله يوميا تقريبا ... ها ماذا قررت الشائعات تتزايد ، وانا لا ساتطيع تحمل الوضع، لا بد وان نضع حدا، ما بك يا حسن هل انا ما بستاهلك ، هل انا رامية نفسي عليك، الى اخر العبارات الضاغطة.
يا الله يا الله كم هي الضغوط انها تكاد تشل تفكير حسن.
وفي احد الايام اتصل حسن بمحاميه وطلب منه ان يقوم باجراءات فسخ الشراكه مع سميرة بغض النظر عن المكاسب او المخاسر، وطلب منه الاتصال بسميرة وابلاغها بان حسن غادر نيويورك فجأة عائدا الى بلاده وانه اعطى وكالة لشقيقه ليديراعماله.
وارسل له بنفس اليوم رسالة ليسلمها الى سميرة جاء فيها.
السيدة الفاضلة سميرة.. والله انني احبك جدا واحترمك جدا واتمنى كما يتمنى كل رجال هذا العالم ان يقضوا عمرهم قربك، وكانت السنوات التي قضيتها قريبا منك منذ شراء اول باقة ورد من ركنك للزهور من اجمل سنوات عمري، وكم تمنيت لو تطول، ولكني كما تعرفين متزوج واحب زوجتي واطفالي، ولا يمكن ان اكون انانيا ابني سعادتي وسعادتك على شقائهم.
فاعذريني وساظل احبك واحترمك .
وبعد ان هدأت العاصفة التي استغرقت نحو ثمانية اشهر، تزوجت سميرة من رجل فاضل، وبعد ذلك بعدة اشهرعادت الصداقة الحميمة بينها وبين حسن وما زالت مستمرة، وما زالا شركاء رغم مرور احد عشر عاما، وان شاء الله تستمر.
...... انتهت.......
قصة واقعية حدثت فعلا بنيويورك مع بعض الاضافات والاسماء غير حقيقية
ابراهيم علاء الدين
[email protected]



#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتفالات زائفة في بيروت تؤجل الصراع ولا تلغيه
- الطفل خالد النيويوركي يريد العودة الى اللد
- الفلسطينيون مستاؤون .. نعم لضم الضفة للاردن وغزة لمصر
- احتفالات زائفة في بيروت احتفاء بتاجيل الصراع لا الغائه
- هل يستطيع التميمي من لندن اقصاء فتح
- سمعت الآف الآهات
- رد على كلالده – مطلوب حكومة وطنية لانقاذ الاحزاب الاردنية
- الرئيس الامريكي يضع برنامجا واقعيا شاملا لنهضة الامة العربية ...
- احبك كما تشائين
- لا تبحري في عيوني
- نتائج مؤتمر الدوحة - هدنة هشة قائمة على اتفاق غامض تمهيدا لج ...
- في ذكرى النكبة .. فليبادر الوطنيون لانتزاع راية النضال الفلس ...
- الانتخابات الكويتية – ديمقراطية تحت السيطرة
- سيدة عربية
- القيادة الفلسطينية - الجهل والتخلف – سبب نكبة فلسطين - وتتوا ...
- القيادة الفلسطينية - والجهل والتخلف – سبب نكبة فلسطين وتتواص ...
- دعوة للاعلاميين والمثقفين لاشاعة الفرح والتفاءل بدل البؤس وا ...
- العلمانيون وحلفاء امريكا يهاجمون حزب الله ... لماذا؟؟
- كيف ملكت حياتي
- مشروع امريكي جديد / تحويل امتنا الى مجموعة من الدراويش الصوف ...


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم علاء الدين - سيدة الزهور : شابة يمنية في نيويورك