أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - القاص إبراهيم أحمد- الكلمات ينبغي ألاّ تفيض أو تشح عن المعنى















المزيد.....



القاص إبراهيم أحمد- الكلمات ينبغي ألاّ تفيض أو تشح عن المعنى


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 710 - 2004 / 1 / 11 - 03:04
المحور: الادب والفن
    


بالتعاون مع المكتبة العامة في لاهاي أقامت رابطة بابل للكتاب والفنانين العراقيين في هولندا ندوة ثقافية للقاص والروائي إبراهيم أحمد. وقد ساهم في التقديم وإدارة الندوة كاتب هذه السطور الذي استهل حديث بالقول: قد لا نغالي إذا قلنا أن إبراهيم أحمد هو قاص من نسيج وحده، وقد آثر منذ زمن مبكر أن يغرد خارج السرب، فلهذا جاءت قصصه مشاكسة ومستفزة لأنها لم تنضوِ تحت يافطة السائد والمألوف، بل أن جلها كان مغايراً ومختلفاً عن القصص النمطية التي هيمنت على الصفحات الثقافية للصحف والمجلات العراقية آنذاك، اللهم إلا إذا استثنينا القصص التي كان يكتبها محمود عبد الوهاب بتقنية فنية لافتة للانتباه. نستطيع القول وباطمئنان كبير إن القصة القصيرة جداً هي ماركة مسجلة باسم إبراهيم أحمد رغم أنه لا يدعي ذلك، ولا يريد أن ينسب هذا الاكتشاف إليه لأنه يعرف تماماً أن جذور هذا النوع الأدبي موجودة في المدونتين السرديتين العربية والعالمية، ولا شك أنه قد وقع على أقاصيص ناتالي ساروت وتشيخوف وكافكا وأو هنري وزكريا تامر وإبراهيم أصلان ويوسف إدريس ومحمود شقير وفاروق أوهان وهاشم غرايبة ومحمد طملية ومحمود البياتي وهدية حسين وهاشم بن قنديلة وصلاح زنكنة وعلي السوداني وكثيرين غيرهم، لكن إبراهيم أحمد يبقى علامة فارقة في كتابة هذا الجنس الأدبي العويص، لأنه انقطع إليه، وكرسّ جزءاً كبيراً من وقته لتعميق هذا النمط من الكتابة الإبداعية التي تتطلب مهارة عالية في معالجة الثيمة المضغوطة، وانتقاء جمل مكثفة مركزة مقتصدة بعيدة كل البعد عن التزويق اللفظي والمحسنات البديعية والترهلات الإنشائية التي تثقل كاهن النص. فالقصة القصيرة جداً لا تحتفي بالزوائد والاستطرادات والشروحات الفائضة عن الحاجة، لأنها فن برقي يقترب كثيراً من اللوحة التجريدية التي لا تحفل بالتشخيصية وتصوير المعالم الخارجية للفيكرات والموضوعات والتكوينات التي تشكل متن العمل الفني. إن انشداد إبراهيم أحمد إلى القصة القصيرة جداً ربما يعود إلى اهتماماته الشعرية الأولى التي تفتحت في مقتبل شبابه، وبالتحديد كتابة قصيدة النثر المركزة التي تشترك مع الأقصوصة في بنيتها الداخلية ومناخها العام الذي يميل إلى الاختزال اللغوي. إن لغة القاص إبراهيم أحمد هي لغة شعرية مشذبة ومكتفية بنفسها، لكنها في الوقت نفسه هي لغة سرية، جوانية، وغرائبية إلى حد ما. لغة تعتمد على المواقف المتناقضة، وتعول كثيراً على الكوميديا السوداء، وتستعين بفعل البوح الداخلي لكي تتخلص من زخم الانفعالات المبهمة التي تنتاب شخوصه. إن أقاصيص إبراهيم أحمد لا تعتكز على معطيات اللمحة أو الخاطرة أو اللقطة العابرة، بل تتكئ على بنية متداخلة ومتضادة وغالباً ما تنتهي نهاية إدهاشية تثير في المتلقي العديد من الأسئلة، وتمنحه قدرا كبيراً من المتعة الذهنية، وهذا ما تحقق في مجموعته القصصية الأولى ( عشرون قصة قصيرة جداً ) وفي مجموعاته اللاحقة زهور في يد المومياء، صفارات الإنذار وبعد مجيء الطير. لم يرتكن القاص إبراهيم أحمد إلى كتابة الأقصوصة والقصة القصيرة حسب، بل تعداهما إلى كتابة الرواية التي وجد فيها متسعاً لخيوله الجامحة التي تجوب فضاءات الفكر والسياسة والاجتماع وعلم النفس وما إلى ذلك حقول معرفية لا يستطيع إلاّ الحيز الروائي احتوائها وتمثلها وتذويبها في نسيجه المتفرد. إن عظمة إبراهيم أحمد روائياً تكمن في مخيلته المجنحة التي استطاعت أن تصنع من خبر بسيط نصاً روائياً مدهشاً حمل عنوان ( طفل ال CNN  ) وهو الجزء الأول من ثلاثية مهمة تتصدى لموضوعات غاية في الدقة والحساسية وأبرزها التماس بين الشرق والغرب من خلال شخصيتين في الرواية وهما العراقي جميل صابر والأمريكية جوديث التي تمثل رمزاً مقززاً من رموز التزمت والعجرفة الغربية، ناهيك عن الثيمة الصاعقة التي شكلت المتن الحقيقي للرواية وهي طفل ال CNN الذي يولد مشوهاً من مني ضابط أمريكي قتيل ورحم أم مهجورة ومعذبة. لقد أثبت إبراهيم أحمد أنه روائي متمكن من فنه، ولا يحلو له أن يخوض إلا في الموضوعات الإشكالوية التي تؤرق ضمير البشرية، وقد كان بحق موضوعياً في كل ما كتب، وشاهداً أميناً على هوية عصره. بقي أن نقول إن إبراهيم أحمد هو كاتب مقالي من طراز خاص عرفته الصحافة العراقية في أوائل السبعينات حينما كان ينشر تحقيقاته وأعمدته الصحفية الشيقة في صحف طريق الشعب والأسبوع والمواطن والنور والتآخي ومجلة ألف باء. ولأن قلمه كان مشاكساً وجريئاً فقد تصدى للكثير من الموضوعات الحساسة التي أثارت ردود أفعال كبيرة، ولعل أبرزها موضوع ( الدراويش يبحثون في دمهم عن الحقيقة )، وقد أوشك هذا التحقيق الصحفي الجريء أن يودي بحياته، إذ هدده المتطرفون بالتصفية الجسدية، فعاش إبراهيم أحمد أكثر من رعب في آن واحد، رعب المطاردة السياسية، ورعب الظلاميين الذين يحلمون بإهدار دمه طمعاً بمفاتيح الجنة!

• اقتحام العاصفة السوداء بشمعة مشتعلة

 قدّم القاص والروائي العراقي إبراهيم احمد شهادة عن تجربته الحياتية والإبداعية في آنٍ معاً. فعلى الصعيد الحياتي لم يعش إبراهيم أحمد طفولة ناعمة موسرة، وإنما عانى من شظف العيش والحرمان والأذى الذي كانت تلحقه به سلطة العائلة والعشيرة أولاً، وسلطة الدولة حينما شبّ عن الطوق، وقررّ أن يختار انتماءه الفكري بإرادته، وينتصر إلى إرادة العمال والفلاحين واسعة النطاق. يقول إبراهيم أحمد في هذا الصدد: ( ولدت في هيت/ الأنبار عام 1946 ونشأت في بيت فقير معدم، أجلس فيه على الحصير، وأقرأ على الفانوس النفطي، وأنهيت الدراسة الإعدادية وليس في بيتنا مصباح كهربائي، بينما تمر أسلاك الكهرباء من أمام بيتنا متعالية إلى بيوت الأغنياء. ) أن هذه الجمل الصريحة والمتواضعة تدلل على الصدق الكبير الذي يتحلى به هذا القاص الرائع، كما تكشف من جانب آخر وعيه المبكر بالصراع الطبقي السائد بين الأغنياء والفقراء. ومع إدراكه لمرارة هذا الصراع غير المتكافئ إلاّ أنه كان يروض روحه النبيلة  لأن تنسجم مع ضياء القمر الجميل، أكثر من انسجامها مع الأضواء المصنعة التي كانت أشبه بالحلم البعيد المنال. لقد شعر إبراهيم أحمد بانشداد كبير إلى الطبيعة الحانية منذ زمن مبكر، إذ كانت أشبه برحم الأم الذي يوفر له الدفء والأمان ويمّده بأسباب الحياة. ومع ذلك فقد تأقلم مع الفقر، أسوة بكل الفقراء، الذين تغلبوا على معاناتهم بالفرح والمرح ووشائج الأخوة والمحبة. أليس الفقراء هم صناع الفرح؟ ثم توقف إبراهيم أحمد عند البعد الأسطوري الذي يشكل ذاكرة المدينة فالبيوت المهجورة ملأى بالجن والشياطين، والأنقاض القديمة التي تقع على مقربة من مدينة هيت هي قرية قلبها الله لأن أهلها تبطروا على نعمته، وأن العين الكبريتية الدافئة التي تشفي الأمراض كلها، إنما تنبع من مكان بين الجنة والنار، وأن منارة الفاروق المائلة لا تسقط لأنها مسنودة بيد الإمام علي ( رض ).إن هذا الخليط غير المتجانس من الحكايا والأساطير والخرافات واستدعاءات المخيلة الشعبية هي مرجعية ثرة لكتابة نصوص غرائبية فيها سحرية واقعية، وليس واقعية سحرية حسب. فضلاً عن الكتب التراثية التي تعتقد بأن هيت أو ( أيس ) هي جنة عدن التي نُفي منها الإنسان. إن هذه المعطيات بمجملها هي التي مهدت الطريق لإبراهيم أحمد لأن يفرد مجموعة قصصية بعنوان ( التيه في أيس ) مستثمراً فيها هذه الفضاءات النابعة من قلب الميثيولوجيا، والواقع الذي تؤسطره ذاكرة الناس. إن حياة إبراهيم أحمد مليئة بالوقائع والأحداث، ومع ذلك فقد استطاع أن يتوقف عند أبرز المحطات الأدبية والسياسية منذ منتصف الستينات وحتى يومنا هذا. فبعد أن تخرج من كلية الحقوق عام 1966  كان يكتب الشعر، لكن ذائقته النقدية كانت تحد من رغبته في نشر القصائد التي لم تنضج على نار هادئة، ولهذا السبب فقد اتجه لكتابة التحقيقات الصحفية التي وجدت طريقها إلى صحيفة ( الأسبوع ) ثم توالت تحقيقاته في عدد من الصحف العراقية. إن كتابة المقال بالنسبة للقاص إبراهيم أحمد هي عملية إبداعية لا تقل شأواً عن أي جنس أدبي، وهو قادر على اقتحام مناطق خطيرة وحساسة ربما لا تستطيع القصة أو القصيدة ولوجها، أو التصدي لها. إن الهاجس الشعري الذي يسكن أعماق إبراهيم أحمد كان يتململ كالزلزال بين آونة وأخرى منذراً بالتفجر والاندلاع، لكنه في الوقت ذاته لم يكن مطمئناً للأشكال والمضامين الشعرية السائدة آنذاك، وكان يجد ضرورة ملحة في الخروج على تلك  الأشكال والمضامين المكرورة التي تستنسخ نفسها، وتعيد إنتاج ما سبق إنتاجه. وعندما نشر قصيدة سريالية بعنوان ( المصورون يتجولون في الليل ) قامت الدنيا ولم تقعد، إذ وصل الأمر بشفيق الكمالي أن اقتطع هذه القصيدة وعلقها في لوحة الإعلانات في كلية الآداب، وكتب عليها بالقلم الأمر ( هذا ما وصل إليه شعرنا العربي ). أظن أن هذه الواقعة قد أثرّت سلباً على إبراهيم أحمد، وجعلته يدير ظهره لقصيدة النثر، وكان من الطبيعي أن يسرّب طاقتة الشعرية في القصة القصيرة والمقالة والتحقيق الصحفي.إن انكباب القاص إبراهيم أحمد على قراءة الأدب العالمي والتعمق بنتاجات أساطينه قد فتح أمامه آفاقاً جديدة في كتابة القصة القصيرة، فعندها أيقن أن الكتابة النثرية هي هدفه الأول والأخير. إن كتابة التحقيقات الصحفية لم تكن تزجية للوقت، لأنها أصلاً ليست مادة صحفية صرف، وإنما هي نصوص تجمع بين الشعر والنثر كما نوّه الناقد عبد الجبار عباس، أو بين الأدب والصحافة كما أشار إبراهيم أحمد. وقد سببت له هذه التحقيقات مشاكل خطيرة أوشكت أن تودي بحياته بعد أن اتهمه المتطرفون بالكفر، وهددوه بالقتل جهاراً نهاراً إثر المقال الذي عرى فيه أكاذيب الدراويش المشعوذين. وهكذا أصبح مطارداً من قبل الأصوليين من جهة، وملاحقاً من أجهزة الأمن والسلطة القمعية من جهة أخرى. فليس غريباً أن يترك بغداد ليلوذ بمدينة هيت حتى تمر الأزمة بسلام. وقبل أن يغادر العراق نهائياً جمع هذه التحقيقات في كتاب أسماه ( مسودة حياة ) كتب مقدمته الشاعر يوسف الصائغ، وأودعه لدى الفنان المخرج قاسم حول في لبنان، لكن عبث الأقدار وضع هذه المخطوطة أمام صاروخ إسرائيلي أعمى استهدف منزل الصديق قاسم حول فأصبحت أثراً بعد عين.
ثم تطرق إبراهيم أحمد إلى مرحلة السبعينات التي أسس فيها لريادته في القصة القصيرة جداً، وتوقف عند قصة ( صفارات الإنذار في مدينة قابيش ) والتي أثارت له بعض المتاعب لأنها كانت تنتقد أداء الأنظمة العربية في الحرب، وفي الوقت ذاته كان القاص عبد الستار ناصر يدفع الثمن غالياً جراء قصته ذائعة الصيت ( سيدنا الخليفة )، إذ زجّوه لمدة تسعة أشهر في سجن انفرادي من سجون الأمن العامة في بغداد.
• تقنيات السرد غير التقليدي

ابتدأ إبراهيم أحمد حياته الأدبية شاعراً كما أسلفنا، إلا أن نزوعه السردي كان أكبر بكثير من الفضاءات التي يتيحها النص الشعري، فلذلك عمد إلى إشاعة مناخات شعرية في قصصه ورواياته كي لا يقمع التحرشات المستحبة للشاعر الكامن في داخله. من هنا نستطيع القول أن جملة إبراهيم أحمد هي جملة قصصية خالصة مرصعة بالمفردات الشعرية التي لا تعرقل حركة القص، ولا تهيمن على الحدث أو تطمسه، كما أنها لا تمسخ انسيابه الزمني، لأن لغته القصصية إجمالاً لا تميل إلى التأثيث الإنشائي، ولا تحفل بالتزويق اللفظي الذي يدور في فراغ بليد. يعتمد القاص إبراهيم أحمد على منهجية صارمة في تقنياته السردية، فلا إطناب أو تطويل مفتعل، لأن الكلمات حسب تعبير القاص إبراهيم أحمد ( ينبغي ألا تفيض أو تشح عن المعنى )، وهذا الأمر يتطلب وضوحاً في المقترب، وحدة في الرؤية، وسيطرة كبيرة على حركة النص الواقعي الذي يتبناه. يقول أحمد في هذا الصدد: ( كان منهجي في كتابة القصة آنذاك يعتمد الواقع وفي أقصى مستويات صراعه وغلوائه محاولاً اقتحام جوانبه السرية والمحرمة معتقداً أن إعادة تركيب أجزائه وعناصره وشخوصه وجزئياته وحده يخلق جواً غرائبياً مدهشاً يفوق الخيال. ولماذا نتكلف الفنتازيا والأجواء العجائبية وحياتنا قد صارت فانتازيا وأساطير وخرافات وألعاب كروباتيك دموية وفرجة للعالم أجمع! ). وسط هذه الأجواء ( الواقعية العراقية ) الملتبسة إنبجست أقاصيص إبراهيم أحمد ونالت استحسان النقاد والقراء على حد سواء. إن القصة القصيرة جداً كما يذهب إبراهيم أحمد هي ( فن صعب، وعلى عكس ما يتصور البعض ، أنه ليس اختصاراً لقصة قصيرة، ولا محاولة لنفخ الروح بخاطرة لتغدو قصة. ربما هي تولد من حالة قصصية لا تستطيع أن تمطها أو تمدها قسراً لتجعل منها قصة قصيرة، كما لا تستطيع إهمالها واعتبارها شيئاً عابراً أو تافهاً، لذا فهي تتكون وتأخذ كثافتها وجوها الشعري والواقعي بأقل قدر من الكلمات، لا تغري بإنسراحات إنشائية استعراضية، ولا تنكفئ أمام غموض محيّر، لذا فهي ابنة الحياة الاجتماعية الصاخبة المزدحمة الطليقة. )
• فضاءات الكتابة
للكتابة الإبداعية طقوس خاصة ومناخات محددة فهي كما الدهشة لا تأتي دائماً، وكما الانبهار الذي ينتابنا في لحظات نادرة. بعض الكتاب يرون في الكتابة متعة خالصة رغم العذابات المريرة التي تسببها لهم، والبعض الآخر يجدون فيها مصدراً للقلق الدائم، وإبراهيم أحمد يندرج تحت يافطة الشق الثاني، إذ يصف الكتابة بالمخاض الأليم والولادة الموجعة. يقول أحمد: ( لا أريد أن أقول لكم أنني أحب الكتابة وأجد فيها متعة ومستراحاً. أبداً أنا أكره الكتابة، وأجدها ثقيلة ومرهقة، بل هي تؤلمني وتوجعني وتبكيني، وكم من المرات أكتشف وأنا أكتب أن دموعي تسيل. الكتابة عذاب حقيقي لي. إنها توازي الولادة والوضع. هل سمعتم مرة امرأة قالت أنها تحس بالمتعة والبهجة وهي تلد وتوغل في مخاضها الأليم؟ إنها تحس بالبهجة والفرح بعد الوضع حين تمسك طفلها الجميل بين ذراعيها أو تحنو عليه لترضعه. بعد إنجاز النص أحس بنفس الفرحة. وكم من مرة حاولت أن ألوح لنفسي بهذه الفرحة وأغريها بالجلوس إلى منضدة الكتابة، ولكن عبثاً ما يحملني على الكتابة احتقان وتوتر روحي لا أعرف كنهه. ) إن فعل الكتابة بالنسبة للقاص إبراهيم أحمد هو سقوط في الغيبوبة، وانقطاع عن العالم الخارجي، وذهول عميق مقرون بأعلى درجات التأمل الذي تعززه التجليات السمفونية لموزارت ورحمانينوف وشوبان حيناً، والأغاني العراقية والعربية حيناً آخر. الكتابة بالنسبة لإبراهيم أحمد هي رحلة محفوفة بالمخاطر، وبحث في آفاق مجهولة، واستكشافات مليئة بالمفاجآت. إن المتعة الكبرى للقاص إبراهيم أحمد تتجسد في القراءة العضوية الفاعلة التي يجد نفسها طرفاً مشاركاً فيها.فالقراءة هي سياحة في مخيلة المبدعين، وقد تمنى غير مرة ( لو يعفى من مهمات القول والأداء ويكتفي بمهمة التلقي ) لكي يريح ويستريح على حد قوله. وإبراهيم أحمد لا يحب السفر أيضاً، وهو يسافر مضطراً، وإذا ما سافر فأنه يشعر بالغربة والاغتراب حتى لو كان هذا السفر مقتصراً ضمن حدود الوطن. فعندما انتقل إلى بغداد وعاش فيها بضعة سنوات لم يكن يتخيل أنه ابتعد عنها ( 200 كم )، بل آلاف الكيلومترات. فحبه إلى هيت كان يؤرقه، ولا يترك له فرصة الانسجام مع المدن الأخرى، حتى وإن كانت عراقية أو عربية، فكيف إذا كانت مدناً أوربية؟ إن روحه متماهية مع هيت، وذائبة في حب العراق. ومن المفارقات الطريفة أنني أخبرته بضرورة الاتصال هاتفياً بالشاعر مخلص خليل، فجاء ردّه سريعاً: سأتصل به عندما أعود إلى العراق! وهو يقصد طبعاً عندما يرجع إلى السويد محل إقامته الدائمة. وهذا يعني إن العراق راكس في وجدانه، ومتأهب للانفلات من لا وعيه الفردي. ومع ذلك فقد وجد إبراهيم أحمد نفسه خارج حدود الوطن عندما انهارت ( الجبهة الوطنية ) وأصبح رأسه مطلوباً من قبل سلطات القمع الفكري والسياسي في العراق، ولم تنفعه كل محاولات الاختباء في بلده الذي أحبه إلى حد الجنون. فلم يجد أمامه منفذاً سوى الهرب إلى سوريا، ومنها انتقل إلى الجزائر وهنغاريا ليستقر به المطاف في السويد. وعلى الرغم من نفوره من فكرة الغربة المكانية، ولوعة الاغتراب الروحي، فقد وجد نفسه منفياً من دون إرادته، كما وجد نفسه قاص المنفى بامتياز كبير. لقد أيقن إبراهيم أحمد أننا منفيون جميعاً بشكل أو بآخر، بدءاً بنفي آدم من الجنة، ومروراً بخروج سيدنا إبراهيم من مدينة أور، وإنتهاءاً بالشتات العراقي الذي غمر العالم كالطوفان.
• ثنائية المثقف والسياسي
لابد من الاعتراف بأن العالم يتغير كل يوم، وأن ما كان جوهراً سوف يغدو قشورا بعد بضعة سنوات. فحتى النظريات السياسية والفكرية العتيدة لا تصمد أمام تيار الزمن الجارف. وليس هناك من يدعي أنه يمتلك الحقيقة كاملة. لقد انتمى إبراهيم أحمد إلى الحزب الشيوعي العراقي، وأصبح عضواً بارزاً فيه. وقد قدّم طوال ثلاثين عاماً عُصارة فكره التي انعكست في مقالاته السياسية تحديداً، وفي كتاباته الأدبية والنقدية. إن الصراحة التي يتميز بها إبراهيم أحمد يندر أن تجدها عند سياسي آخر، فهو لم يدُرْ ظهره للحزب ناقماً أو متذمراً أو لاعناً، بل غادر الحزب محباً ومتيماً بالفكر الاشتراكي الذي اعتنقه نصف سكان البشرية أو يزيد. فالحلم لا يزال قائماً رغم تكالب الأنداد والأدعياء. إن المبدع الأدبي في داخل إبراهيم أحمد هو أكبر من السياسي، ولهذا فقد حسم الأمر بعد عناء طويل، إذ سيّد الثقافي على السياسي، لأن الأديب  لا يستطيع أن يتلقى الأوامر والتوجيهات من السياسي، فهو الأعمق رؤية، والأوسع تأثيراً، والأكثر قبولاً بين الناس على الرغم من اختلال الموازين والمعايير في عالمنا العربي. قد يقول السياسي أن الأدب البروليتاري أو الواقعية النقدية هما الأصلح للواقع العراقي، لكن إبراهيم أحمد  ومجايليه كانوا يسفهون هذه الدعوات التي تقفز على الواقع، ويشككون في صلاحياتها، بل أنها ( لم تلقَ من المبدعين سوى السخرية والضحك ) على حد قول إبراهيم أحمد. لقد آن الأوان لأن نوقن بأن فضاءات المبدع أوسع من فضاءات السياسي، وأن آفاق المثقف أكثر رحابة من أفق السياسي، ولهذا يقول أحمد: ( استقرتْ قناعتي على أن أبقى حراً طليقاً لا أنتمي لأية جهة أو حزب غير الإنسان في محنته مع نفسه ووجوده وحقه في السعادة والكرامة، وللمبدع في حقه بحريته الكاملة من دون وصاية من حزب أو جماعة أو دولة أو عصبة من الأمم، متشبثاً بالحقيقة من دون أن يدعي امتلاكها أو احتكارها منتصراً للحق من دون أن يحاول إلغاء حق الآخرين جماعات أو أحزاباً أو دولاً في نضالهم من أجله بطرائقهم الخاصة).
• الرواية ومجسات النبوءة
لم تستوعب القصة القصيرة والمقالة النقدية والعمود الصحفي هواجس القاص إبراهيم أحمد واهتماماته الإبداعية الكثيرة، فطاقاته الخلاّقة التي تعتمل في داخله هي أكبر بكثير من مساحة القصة القصيرة على أهميتها. لهذا التجأ إبراهيم  أحمد إلى فضاء الرواية الشاسع، فكتب ( طفل ال CNN ) في ظرف استثنائي عصيب، لأنه كان في قمة التوتر والانفعال، إذ كان يكتب من دون هوادة حتى أوشك أن يسقط من الإعياء غير مرة. إن الكتابة الروائية ليست ترفاً بالنسبة للقاص والروائي إبراهيم أحمد، بل هي مسؤولية كبيرة ومعاناة لا حدود لها في هذا المنافي الطاحنة. فالقصة والرواية كما يقول أحمد: ( ليست جولة للتسلية، بل تقاطعاً للأفكار والحضارات والهموم ). أما بصدد المناهج والتقنيات فهو يرى أن الواقعية لا تزال حيوية وضرورية ومؤثرة، وهو لا يقصد الواقعية المستهلكة التي تستنسخ الواقع، وتعيد إنتاجه بشكل ساذج. فعندما كتب روايته الأولى انطلق من حدث واقعي، لكنه حلق بمخيلته إلى فضاءات غير مطروقه، وهذا ما منح الرواية بعداً سحرياً يكاد يقترب من حدود الفنتازيا. إن  الكتابة الإبداعية هي عملية كشف وتعرية واستبطان وإستغوار لهذا الوجود الإنساني المعقد، وعلى الكاتب أن يكون جريئاً وصادقاً وقادراً على استشراف المستقبل وقراءته عبر مجسات النبوءة التي لا يمتلكها إلاّ القليل النادر من المبدعين. وبعد الانتهاء من تقديم شهادته دار حوار معمق بين القاص والروائي إبراهيم أحمد والجمهور الذي غصت به القاعة، وفيما يلي نص الحوار:
• الزمان:
•  الكتابة هي فضيحة مستمرة نعلن عنها من دون ضغط أو إكراه كلما حانت مناسبتها، أو وجدنا أنفسنا مستعدين للبوح والكاشفة والاعتراف. وعندما نفكك عدداً غير قليل من قصصك إلى المكونات الأولى التي صنعت هذه النصوص نكشف خلفها صوت راوٍِ واحد هو إبراهيم أحمد. هل تتفق مع هذا الاستنتاج، أم تخالفه، أم أن لك رأياً آخر؟
- إذا سلمنا أن كل نص، سواء أكان قصة أو رواية أو قصيدة، خلفه الراوي نفسه فان هذا سوف يحيلنا إلى الحديث عن نقل التجربة الذاتية وإسقاطها على العمل، وهذا الأمر لا يحصل لكل مبدع دائماً. هناك تقمص للحالات الموضوعية التي تقع خارج ذات المبدع، وهناك استشراف لهذه الحالات، أو معايشة لها. وفي داخلها هناك حلول متبادلة. وأنا أيضاً محكوم بهذا القانون كما أعتقد، وهو قانون عام في قضايا العطاء الفني. أنا لا أريد أن أظلم نفسي وأقول نعم، ولا أريد أن أحابي نفسي وأقول لا. ربما أنا بين بين.
• الزمان :
•  في مجموعتك القصصية ( التيه في ايس ) تنقب كثيراً في الإرث الأسطوري، وتحاول التقاط الأحداث المثقلة بمحمولات خرافية وشاذة وغريبة، أحداث يصح أن نقول عنها بأمانة أنها من نسيج الذاكرة الشعبية. كيف تفلسف تعاملك مع الإرث الأسطوري؟
- كما قلت في المداخلة إنني نشأت في مدينة مكتظة بالخرافات والأساطير والحكايات، ولكل إنسان حكاية، مثلما لكل بيت حكاية. ومن دون مبالغة أحيانا تصادفك حجرة كبيرة في الطريق أو عند حافة النهر فيقولون إن لها حكاية! لقد تشبعت بهذه الحكايات، وهي من دون شك محوّرة من أساطير أو خرافات أو وقائع تاريخية حدثت فعلاً. وبالطبع نحن نعيش في بلد عريق، ولا نستغرب أن تكون مخيلة كل مواطن لها إمتدادات  أعمق من جذور النخل، فكيف في بلدة مثل هيت.أذكر مثلاً أن أهل هيت كانوا مولعين بالحكايات واختراع المقالب، وهذا الأمر فيه الكثير من الثراء لأنه ينبع من حس معرفي وحكمة شعبية عميقة. لم أكتفِ بما كنت أسمعه وأعيشه من حكايات،بل رحت أستزيد من قراءاتي المتنوعة وهذا ما حملّني بدلالات إضافية جديدة. إذاً، نحن لسنا بحاجة لأن نقلد أدب أمريكا اللاتينية لأن لديناً تراثاً هائلاً في القص والروي والمخيلة والأحلام والرؤى، لكنني كنت أختزل في أثناء الكتابة، وأقدّم ما هو مفيد ومؤثر ومعرفي، أي أنني لم أكتب نصوصاً سائبة أو منفلتة، وإنما كنت أكتب ضمن أطر جدية ووعي حاد تكوّن لدي عبر تجربتي الكلية سواء الفكرية أو السياسية أو الحقوقية أو الحياتية. لقد مررت بأجواء مدن كثيرة تتميز بطابعها الحضاري المتقدم على كل الأصعدة.ولا أخفيك أنني أفدت من هذا التصادم بين العلمي والروحي مما منح الأسطورة نكهة خاصة تختلف عن معناها السائد والمجرد الذي يحيلنا إلى التسلية أو الإثارة عندما نذكر الأسطورة. أنا أدعو إلى  توظيف الأساطير في نتاجاتنا بشكل جدي يمنح النص نكهة مميزة.
• الزمان :
•  في قصتك المميزة ( أنت تُشبه السيد المسيح ) يتداخل الواقعي بالفنطتازي؟ ترى هل تشبه السيد المسيح حقاً؟ وهل ما زال السيد المسيح يتجول مع مارتي كابور؟
- هذه القصة هي فعلاً مزيج بين الواقعي والفنطازي. أنا أرى في السيد المسيح رؤيا لا أقول فيها جرأة التحدي والتجريح، بل هي في الواقع رؤيا لتوظيف هذا الطود الديني الشامخ توظيفاً يمكننا أن نرى فيه النقاء، أو المعاناة التي عاناها في طريق الجلجلة، حمله للصليب بمعناه اليومي المعاصر. لكل منا صليبه، وربما كلنا يصعد طريق الجلجلة، أو كلنا تعذب حاملاً كما المسيح حلم أو أمل. هكذا أرى المسيح. ومن حسن الحظ أو سوئه أن المحمول الديني الذي تحقق في أوربا أكثر تقبلاً لقضايانا وهذه مفارقة أليمة. نحن لا نستطيع أن نقترب من موروثنا الديني بنفس الجوهر وهذا يعود لاعتبارات كثيرة نعرفها جميعاً. فنحن نتناول هذه الرموز التي استطاعت أوربا عبر معاناة ومخاضات طوال أن تصل فيها إلى الرؤية الصادقة والموضوعية والمحايدة من دون أن تُهدد بسكاكين أصحاب اللحى.
• صحيفة الحياة:
•  إلى أي قدر كرّسنا ثقافة التباكي في القصيدة والقصة والأغنية وغيرها من الفنون، وهل هي انعكاس للأوضاع الشاذة في بلدنا، أم ماذا حسب تقديرك؟
- إن المثل الذي طرحته قبل  قليل، وهو كل منا يحمل صليبه، حقيقة أنا لا أدعو لذلك، ولكن واقعنا كما يبدو لي يجعلنا مرتبطين بشكل أو بآخر بنوع من الألم له علاقة فعلاً بثقافة التباكي. ربما ثقافة البكاء على الأطلال أيضاً. أنا أعتقد أن هذه الثقافة مترسخة إلى حد كبير، ولها امتداد واسع وعميق في نصوصنا وتراثنا بدءاً من القصيدة، وربما إنتهاءاً بالكثير من الأدب الروائي والقصصي الرومانسي الذي ضُخّ إلينا كثيراً من مصر عبر روايات نجيب محفوظ وعبد الحليم عبد الله المعروفة برومانسيتها الحزينة. التباكي في اعتقادي هو غير البكاء. أنا بالطبع ضد التباكي، وضد أن نستدر دموعنا أو دموع الآخرين، أو نفتعلها افتعالاً، أي أن نخلق مناحات وندب أو لطم يومي أو حتى موسمي، هذه ثقافة معطِلة أو مُحبِطة رغم أنها قائمة بحياتنا وبشكل واضح ومُنهِك، لكن إن أتى البكاء أو الحزن ضمن موقف معرفي أو فني أو إبداعي أصيل فلا بأس لأن الجراحات والهزائم والكوارث عميقة ولا تزال موجودة، وربما ستبقى، ولا ندري بماذا سنُهدد مستقبلاً. وإذا استطاع المبدع أن يتجاوز الحزن إلى مستوى من الأمل والتحدي والوعي بتلك الظاهرة فهذا شيء رائع، ومع ذلك يبقى الشجن جميلاً. وأنا أعتقد ليس هناك أدب جميل سواء في القصة أو  في الرواية أو في الأغنية أو في اللوحة أو الفيلم السينمائي إلاّ وفيه مستوى من الشجن. أنا أفضّل أن نصل لهذا الشجن عبر الضحك. نعم، أنا أقول إن المزحة والفن الساخر هما قمة الحزن، وليس كما يدعي البعض أنه لهو أو تسفيه. لكي نضحك على شجوننا وآلامنا يجب أن نكون على درجة عالية من المعاناة والحكمة والنضج. أنا لا أدعو إلى ذلك التباكي أو الحزن المبتذل المُنهِك المُدمِر الذي يجعلنا فريسة لضعفنا أو للمتربصين بنا. هكذا أرى الأمر. نعم، كما قال زميلنا إسماعيل هناك ثقافة تباكي، لكن هل نصطف معها أو نكون جزءاً منها؟ بالطبع، كلاّ. غير أن تيارها مع الأسف يُغذى الآن من قبل الواقع نفسه، ومن قبل جهات تدعو لإبداع وثقافة قائمة على الحزن والتباكي و التداعي. هذا الأمر متروك فعلاً للمبدع. كيف يتمثل الحالة، ويخترقها، وينتصر عليها، يصل إلى حالة من الأدب الناضج الذي لا يتوفر على تفاؤل كاذب وساذج، وليس فيه إدارة ظهر للهموم والأشياء. أدب فيه مواجهة حقة، ولا أعني بالمواجهة المواجهة، ما يسمى بالمواجهة الثورية أو الملتزمة، بل أعني مواجهة الحقيقة.
• علي الربيعي:
•  تحدث الكاتب إبراهيم أحمد عن نفسه في مطولة ممتعة فيها من الأدب والتاريخ التسجيلي الشيء الكثير. هل يعني حديث الأديب عن نفسه هو رغبة ذاتية لأن يحمل مرآته معه كما يحمل صليبه، أو لأنه يشعر بغبن من قبل نقاد آخرين أو كتّاب آخرين فلهذا يسعى لتعريف القراء بنتاجاته ونفسه في الوقت ذاته؟
- أنا أتحدث عن نفسي ولا أستطيع أن أعمم، وحديثي ينصب على قواعد عامة في هذا المضمار. أما عن تصوري فإن المبدع أو الكاتب يستطيع أن يُشرك الآخرين، ولكن لا بأس أيضاً أن يُشركه الآخرون بشيء من ولوج الأعمال أو النظر إلى جذور الأشياء. العودة إلى الطفولة سؤال دائم في قلوب المتلقين الذين يريدون أن يعرفوا هذا الكاتب أو هذا الفنان. كيف عاش حياته؟ ماذا رأى؟ ما هي الأشياء والظواهر والظروف والعوامل التي أثرت في حياته وصنعت وعيه ومخيلته؟ هذا فضول مشترك، وحق مشترك أيضاً. وهو جزء من المكاشفة الإنسانية، ومن الحميمية الإنسانية. أما عن النقاد ووضعهم بصورة عامة، فنحن عشنا في العراق، ولم تكن إلى جانبنا حركة نقدية جيدة، وهذا الأمر يعود إلى عوامل عديدة، ومن ضمنها انعدام الديمقراطية في العراق. لأن النقد وتقبل النقد هو ممارسة ديمقراطية عميقة وممارسة حضارية أصيلة، ومع الأسف لم تتوفر هذه الممارسة عندنا. أنا أتكلم عن نفسي وأقول ربما كان وضعي أفضل الآن لو كان إلى جانبي نقاد يقدمون لي ملاحظاتهم وآراءهم  حتى وإن كانت سلبية. ربما لا أستطيع أن أتقبلها أول مرة، لكن بعد ذلك سوف أتقبلها. وفي تصوري أن المبدع الجيد يكون إلى جانبه نقد جيد. ومع ذلك فأنا لا ألقي اللوم على النقاد وحدهم، لأنهم عاشوا نفس الظروف، ووضع الثقافة العراقية ككل هو وضع مسحوق، ومقموع، ومضغوط، وفئوي، وضيق.
• عشتار شوقي:
•  كثير من الكتاب والمثقفين الذين تركوا العراق، لا أدري هل تبادر إلى ذهنهم شيء عن مستقبل الثقافة العراقية في حال مغادرة هذا النظام ومجيء نظام آخر. ماذا سوف يكون فعل الثقافة في العراق، وما هو المشروع الثقافي للأدباء والمثقفين العراقيين؟
- سؤال مهم جداً، لكن الأمر يتوقف على نوع الحكم الذي سوف يأتي بعد الحكم الحالي. إذا أتت الديمقراطية فأهلاً وسهلاً. نحن نحلم بالديمقراطية، ونتمنى أن تتغلغل في كل مناحي حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، وحتى في الحب ينبغي أن تكون هناك ديمقراطية. وإذا جاء نظام ديمقراطي فأنا أتوقع أن الثقافة سوف تنتعش كثيراً، وربما تستطيع أن تعوض ما فاتها وما لحق بها من خراب. وسوف ينهض مبدعون حقيقيون في الداخل عانوا كثيراً، وربما كتبوا وخبأوا كتاباتهم في الأدراج. هؤلاء هم شهود عيان، وعلى تماس حقيقي وساخن مع الأحداث ومجريات الأمور. اعتقد أن أول أمر ينبغي اتخاذه هو أن تكون هناك مكاشفة حقيقية وعميقة جداً لما جرى؟ ولماذا حصل ما حصل؟ ومن الذي أحدث ما أحدث؟ أما أن نلقي كل شيء على صدام حسين ونقول أنه هو الذي فعل هذه الأشياء فهذا تبسيط للأمور وإلقاء التبعات والذنوب عن كواهلنا. أنا أتحدث عن نفسي وأقول نحن كلنا مسؤولون عما جرى وما حدث. نحن سمحنا لموجة الشر والطغيان أن تصعد أمام أعيننا، لم نعترض، ولم نقل قف. بل على العكس وقعنا في إلتباسات، وسندنا ودفعنا إلى الأمام وفي جوانب كثيرة. هذا الكلام ينبغي ألا يقال بلغة السياسة وإنما بلغة الإبداع. أما إذا أردنا أن نعول على الشعارات والكلام السياسي العام الفضفاض فلن نكون قد فعلنا شيئاً. ينبغي أن ينزل الجميع إلى ميدان الصدق والصراحة والعمل الدؤوب بمعاناة قاسية وأليمة لا تقل عن معاناتنا للظواهر المادية التي عذبتنا وجرّحتنا وأودت بنا إلى المنافي.
• نعيمة النعيمي:
•  كل واحد منا له معاناته وجراحاته الخاصة، لكنك أنت فتقت هذه الجراحات بحديثك. أنا كنت بعثية قديمة، والمفروض الآن أن ننسى الماضي، ونعمل بقدر المستطاع على أن نلملم شتاتنا بعيداً عن المصالح الشخصية. أليس كذلك؟
- ينبغي ألاّ نيأس أولاً، وإذا أردنا أن نتصور جور ثلاثين عاماً من حكم قمعي واستبدادي لم يأتِ سوى بالحروب والإرهاب والجوع والخراب والحصارات، إذا تصورنا أننا سوف نواجهه إبداعياً بعشرة أعوام فنحن واهمون. هذا الأمر يقتضي مسار طويل، ولغة الإبداع بطبعها هي لغة بطيئة ومتأنية. ربما سينبري الكتاب في مجال البحوث السياسية والاجتماعية والاقتصادية قبل المبدعين لتقييم الأمور، وهذه المهمة بحد ذاتها هي مهمة جسيمة ونحترمها جميعاً، لكن مهمات الإبداع على مستوى القصة والرواية والشعر واللوحة والسينما والأغنية والمقطوعة الموسيقية هي مهمات صعبة جداً، لكنها ليست مستحيلة على الإطلاق. من الممكن أن تتم إذا رافقتها فعلاً ظروف مواتية. أي أن تبنى الدولة على أسس صحيحة تتيح لهؤلاء مادياً ومعنوياً ظروف العطاء. تعطيهم فعلاً مجالات للقول والحركة، وألا نعود كما كنا في السابق، هذا تابع لذلك الحزب وذاك تابع لتلك الجماعة، وهذا إلى هذا المذهب، وذاك إلى تلك القومية. الآن في تصوري وأقولها بتفاؤل كبير إن المبدعين في المنافي سوف يكونوا خميرة صنع المستقبل في العراق. هؤلاء الذين تشبعوا برؤية مدن وعواصم وحضارات، واستوعبوا تجارب عديدة، وامتلكوا ثقافة وتقنيات ممتازة ورؤى خطيرة وعانوا من الكثير من الآلام . هؤلاء هم الأقدر على أن يصنعوا المستقبل. وأتوقع لو أننا استطعنا أن نستعيد العراق، ونصنع منه عراقاً ديمقراطياً، فهو مُخرّب للأسف الآن، لاستطعنا خلال سنوات قليلة أن نكوّن ثقافة سوف تكون قبلة الأنظار في المنطقة، وسوف يكون لها شأن كبير بين ثقافات العالم، ولا أقصد هنا ثقافات الأموال التي تصنعها أموال الخليج. هذه ثقافات مختلفة، وهي ليست ثقافات جادة ولا أصيلة ولا معطاءة. المال والثراء لا يصنعان ثقافة حقيقية. الثقافة يصنعها الصدق والوعي والتجربة.
• هادي الخزاعي:
•  المطلوب من المبدع مواجهة الحقيقة، لكن السؤال بأية أداة نواجه الحقيقة. أنت كمبدع لا تمتلك الزر السحري، ولا تمتلك الإجابة الآنية، وحديثك يشير إلى أن التأثير سوف يظهر فيما بعد. هل المهمة الآن هي مهمة السياسي؟ المطلوب منك الآن أن تعكس لنا موقفاً لكي نواجه الحقيقة، لكن ما هي أدوات الحقيقة؟ هل هي أن تطبع كتاباً على سبيل المثال، أم ماذا؟
- هذا هم أساسي ومؤرق، ويشكل محورنا الروحي والداخلي. ماذا ينبغي أن نفعل؟ هل نترك أمرنا للساسة؟ أم نترك أمرنا للأحزاب والجماعات والكتل التي تتكون وتتلاشى كما تتلاشى الغيوم في السماء. الأمر بالطبع لا يمكن أن يترك لهؤلاء فقط. وعندما قلت أن المبدعين والمثقفين والفنانين مهمتهم بطيئة ومتأنية فهذا لا يعني أنهم سوف يتركون كل شيء للساسة، هم معنيون فعلاً لأن يغوصوا في تلافيف الأشياء، وأن يضعوا أيديهم على الحقيقة مهما كانت جارحة أو أليمة أو ثقيلة الثمن. ولا يمكن، طبعاً،أن يقول شخص ما أن الحقيقة التي وصل إليها هي نفس الحقيقة التي أصل إليها أنا. أحياناً الحقائق ذاتية ومرتبطة بزاوية النظر، أو مرتبطة بالمعاناة الخاصة بالتاريخ الشخصي، أو بالقدرات الذهنية، أو بالمخيلة أو بالتجربة أو بالامتداد، أو بمنظومة من القيم الروحية والأخلاقية. أنا مثلاً أقول إن هذا لنظام قائم بإرادة أمريكية، رغم أن أمريكا تنبح لإسقاطه. في حين أن النظام باقٍ بإرادتها الداخلية، وبموازنات سرية مترابطة. هم يقولون أنهم سوف يُسقطون النظام لكي يبدوا أمام العالم متحضرين، وأنهم ضد الدكتاتورية وضد القمع وضد الجلافة والبدائية والجهل والهمجية في حين هم في أعماقهم وفي إرادتهم يغذون هذا النظام، ويريدونه أن يبقى، ولهم أهداف كثيرة من ضمنها سحق الثقافة العراقية والمثقفين العراقيين، فهم لم ينسوا للعراقيين مظاهراتهم المليونية، عد إلى بلادك يا رونتري، وتسقط أمريكا، وتسقط إسرائيل. هم يريدون سحق الأنتلجنستيا العراقية، وسحق الأدب والفن والإبداع العراقي. وهم يدركون جيداً إذا بقي الناس في المنافي فإن اهتماماتهم سوف تتوجه إلى شؤون أخرى، وخاصة إذا لوحقوا بالمحرمات ومسدسات كاتمة الصوت. طيب، كيف أعبّر أنا عن هذه الحالة المعقدة سياسياً واجتماعياً وتاريخياً بنص أدبي قصصي. هذه حالة معقدة جداً، وربما أستطيع أن أحلّ مشكلتي، ولكن كيف بصاحب الهم السينمائي والتلفزيوني، وصاحب الهم التشكيلي والموسيقي؟ نحن حالات مترابطة، وكل واحد منا يستفيد من تجربة الآخر. إذاً لا يمكن وضع وصفة جاهزة لهذه القصية. أنها معاناة كل مبدع. فلكل مبدع طريقته، مثلما لكل شيخ طريقته نحن نبقى معنيين قبل السياسي في أن نكتشف زيف الساسة ورعوناتهم وضالتهم ولهاثهم بعضهم وراء مشاريع غبية، ولا أريد أن أقول كلهم، لأنني لا أريد أن أصفّر تاريخ الناس، ولكن ينبغي أن نمتلك الجرأة لكي يكون المثقف والمبدع ريادياً، وليس تابعاً للسياسي كما كان سابقاً. ينبغي على المبدع فعلاً أن يجد الثقة في نفسه لكي يكون قائداً للسياسي. إذا شاء السياسي أن يأتي وراء المثقف أهلاً وسهلاً، وإذا لم يشأ فنقول له ( أخي ذنبك على جنبك. اذهب فأنت مسؤول عن موقفك ). نعم، أنا أقول إن الزمن هو زمن المبدعين والفنانين الحقيقيين الأصيلين. نعم، هو زمنهم لأنهم وحدهم رغم الآلام والمتعب يستطيعون أن ينتجوا، بينما السياسي لا ينتج إلاّ الأموال والفنادق والأرصدة. إعطِ المبدع الحقيقي كوخاً بين الجليد فسوف تراه يكتب على نور شمعة. نحن كمبدعين عراقيين تكونت لدينا حصيلة رائعة لا يستهان بها، وينبغي ألا نبخس حق أنفسنا. الآن لدينا في المنافي إنتاج عراقي رائع. طبعاً، لا أقول هو الطموح الأعلى لكي لا نرضى عن أنفسنا ونقع في المفاخر. في هذا العالم شعوب مستقرة كثيرة ومستريحة وتُغدق عليها الأموال، لكن ليس عندهم كتاب وشعراء وقصاصين  وفنانين تشكيليين مثلنا. أقولها بثقة وأنتم أعرف مني بذلك. ومع ذلك فسوف يأتي اليوم الذي نعرف فيه ثقل الشيء، وأين هو القطب الحقيقي، ولمن سوف تكون ريادة المسار؟ نحن نبقى ضمن هذا الأمل. ونبقى ضمن شيئين هما طمأنينة معينة نعيشها، وفي الوقت نفسه قلق وعدم رضى متوازيين، لكي نبقى نعمل، لا أن نرضى عن أنفسنا ونقول أننا حققنا الكثير. إن المبدع العراقي في المنافي سوف يكون الأهم والأخطر في الثقافة العربية خلال فترات قصيرة. وبهذه الطريقة سوف نُشعر أصحاب القرارات الذين يبعثون الأساطيل لحماية أنظمة وإبقاء صدام لكي يمتص دماء الشعب العراقي، هؤلاء سوف نجبرهم على الركوع لمطاليبنا المشروعة. قلت ذات مرة لأحد الأصدقاء أن نجيب محفوظ أو زويل اللذين أخذا جائزة نوبل قد حققا حضوراً في العالم أكثر مما حققته حروب الخليج ومصائب صدام، بل بالعكس فقد أعطت صورة قبيحة للعراق والعرب وللإسلام، بينما أعطى نجيب محفوظ صورة جميلة للعالم. هؤلاء سوف يكسبون احترام الشعوب. ونحن كمبدعين حقيقيين سوف نجبر المتغطرسين لأن ينحنوا أمام إرادتنا، وسوف نعيش أحراراً على أرضنا، وسوف يكون لنا وطناً حالنا حال البشر الآخرين.
• جاسم المطير:
•  إن جوهر إبداع القاص إبراهيم أحمد يتركز في التعددية الفيزيائية للجملة القصصية المتحركة المشعة والمصنوعة بدقة وعناية، غير أن سؤالي ينصب في اتجاه آخر، وهو ما أثر الزمان والمكان على الجملة القصصية لإبراهيم أحمد؟
- لقد أفدت من أجواء بلدتي كثيراً لأنها كانت زاخرة بالجمال وبالناس المتفجرين بفنون القول. لا أريد ن أفخر بهم، وإنما أريد أن أشير إلى أنني ترعرعت في أحضان هؤلاء الناس، وتعلمت أن الإبداع ينبغي أن يكون ذا محتوى عميق، وأن يكون مكتوباً بأسلوب واضح وجذاب. أتذكر كلمة لبيكاسو يقول فيها ( لقد بقيت أرسم سبعين عاماً حتى تعلمت أن أرسم كطفل ) هذه الكلمة التي قالها بيكاسو لم تكن عبثاً، فالطفولة تعني العفوية والبراءة والصراحة. خذ أية جملة لطفل فستجد فيها الطفل عفوي وصريح وبسيط ولا يعرف المجاملة، أحينا تكون لدى الطفل إلتواءات، فالطفل ليس بريئاً بالمعنى المطلق للبراءة. على الصعيدين الزماني والمكاني أستطيع القول إن كل الصراعات السياسية الحادة التي مرّت على هيت استقبلتها بطريقة مختلفة جداً. خذ أحداث عام 1963  كم حصلت من قتول وقبور جماعية ومن أساليب تعذيب ومن تغييب، لكن في هيت  ورغم كل ما كان يقال عنها بوصفها مكاناً للتكتل اليساري الكبير إلاّ أنه لم يُقتل فيها واحد، وأستطيع أن أجزم بأنه لم يُعذب فيها واحداً تعذيباً شنيعاً من قبل أهل البلدة. حتى العرائض كان أهل هيت يقدمونها شعراً حينما يطالبون ببناء مدرسة أو إنشاء جسر في المدينة. أذكر مرة عندما جاء عبد الوهاب مرجان إلى هيت عام  1957 قدم له المواطنون قائمة طلب باحتياجاتهم، ومن بين هذه الطلبات سأقتطف هذه الأبيات:
   ( والثانوية يا مولاي ينقصها  صفان         لو  كمُلا   لم    يبقَ    نقصان
    والجسر يا مولاي لا تُحصى فوائده        تنمو على الجسر بلدان وتزدان )
 هذا السياق يدعك تفكر بهؤلاء الناس فهم على بساطتهم يحاولوا أن يقدموا أشياءً جميلة. أنا لا أستطيع أن أقول أنني استوعبت كل هذا الجو بما فيه من جماليات وارتدادات، لكن أعتقد أن المنفى يعيدنا إلى طفولتنا، ويدعنا نتأمل البيت  والبلدة الأولى.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلجيكا تمنع إرتداء الحجاب والرموز الدينية في المؤسسات الرسمي ...
- مسرحية ( ليلة زواج ) محاولة لاستنطاق الغياب
- حوار مع النحّات والتشكيلي حسام الدين العقيقي
- حوار مع القاص فهد الأسدي
- حوار مع الفنان التشكيلي فاضل نعمة
- حوار مع الفنان والمخرج راجي عبد الله
- ندوة ثقافية في لاهاي عن حق الاختلاف والكتابة الجديدة
- الفنان التشكيلي منصور البكري لـ- الحوار المتمدن
- الفنان والمخرج الكردي بكر رشيد لـ- الحوار المتمدن
- المخرج د.عوني كرومي ل - الحوار المتمدن
- حوار مع المخرج د. فاضل السوداني
- الروائية السورية حسيبة عبد الرحمن ل - الحوار المتمدن
- جاذبية المخيّلة الجمالية وبنية النص بوصفة ( وثيقة نفسية ) في ...
- الروائي نجم والي يتحدث لـ(الحوار المتمدن) الكاتب ليس كائناً ...
- إحتجاجاً على الموقف المتخرّص، والمدلّس لإتحاد الأدباء والكتا ...
- الشاعر السوري حسين حبش لـ - الحوار المتمدن
- الشاعر محمد أمين بنجويني لـ - الحوار المتمدن
- فحيح النزوات المنفلتة
- ذاكرة الأسلاف
- المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - القاص إبراهيم أحمد- الكلمات ينبغي ألاّ تفيض أو تشح عن المعنى