أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن حمدونه - مدرسة الحوار المتجدد - حوار التناظر مع الأديب فضل الريمادوي















المزيد.....

مدرسة الحوار المتجدد - حوار التناظر مع الأديب فضل الريمادوي


مازن حمدونه

الحوار المتمدن-العدد: 2287 - 2008 / 5 / 20 - 06:55
المحور: الادب والفن
    


بياع السوس
مشهد جميل جسدته الكلمات المرصعة بالواقعية والانطباعية .. أرى ما رأيته أنت بعينيّ من خلال الكلمات . لو قرأ قصة بائع السوس فنان تشكيلي ، أو فنان رسم اللوحات الملونة ، لجسدتها أصابعهم بألوان دون عناء منهم ، ولو زينت لوحاتهم صدر البيوت فقرائها وأثريائها .
كلما توغلت الكلمات المصفوفة كصفوف الفضة البراقة على صفحات كعين الماء الصافي .. جمال ما بعده جمال .. سلامة في الأسلوب والأدوات .. إيقاع يطرب القلب .. مشاهد متتالية تصف الزمان والمكان .. تسلسل في الأحداث بسلاسة ..
وصفت بائع السوس بنظافته كعفته ..بجمال هندامه .. أدواته الجميلة التي يستخدمها لتقديم مشروب السوس للناس .. تقول : جذبك ان تتذوق طعم السوس حين قدم لشراء قميص جديد يتناسب وإمكاناته المالية .. في حينها خاطبته ليصب لك كأسا من السوس من أبريق فضي .. دفعك طعم السوس لان تتعلق بجمال المحتوى كمظهرة .. تبلورت أمامك من بعدها انم أمام رجل يجيد صناعته كما يجيد لغة الحوار والاتصال مع الناس .. فكان طيب المعشر ..لبق اللسان ..جمعتكما في مسافة الحوار قيم الإنسانية وآداب الحوار.
قدم لك كأساً وانسحب من المكان بلباقة شديدة لم يثقل على احد في زيارته .. جاد بكرمه دون ارباك وتكلف..
هذا ما يملكه من عطاء ، كان يجوب المكان في سوق يجوبه الناس .. يردد على مسامع الناس كلماته البسيطة المعبرة "اشرب السوس.. برد" ، التف من حوله الناس يتذوقون مشروبه وهو على عهد به وبصنعه ..
راودك الشك من كثر بيعه انه في حال ثراء من صنعته لكثرة المشترين ..
في اليوم التالي حين سمعت نداءه في ممر الطريق هممت واستقبلت مجيئه لتشرب كأس سوس ، وحين هممت ان تدفع ثمن ما قدمه لك في يوم سابق .. رفض بإصرار فلقد كان كأسا جاد به .. وتراجعت أمام كرمه .
شاهدته في مرات تتوالى وحال صحته اخذت في التدهور .. حين داهمه الإعياء والتعب مع تقدم السن .. كان بائع السوس يحمل في نواته .. في ثناياه جمال القيم والأخلاق .. قص عليك بعض ما من خبراته وتجاربه .. قص عليك تسلط الاحتلال عليه حين كان موظفا بسيطا في دائرة مدمية ..
بائع السوس تحت مطرقة الاحتلال وسندان أعباء الحياة :
بعد الاحتلال بثلاث سنوات من عهد النكسة أي عام (1970) ، ألقى جيش الاحتلال القبض عليه ، وجهوا له لائحة اتهامات طويلة كعادتهم .. أودعوه السجن وطردوه من وظيفته التي كان منها يقتات هو وأسرته .. وهو كان موظف بسيط "آذن" ، طردوه من وظيفته لأنه رفض الخنوع للذل والاحتلال .. كم خضنا مثل تجاربه .. وكم تعرض أبناء الوطن للابتزاز من الاحتلال .. منهم من صمد وهم كثر .. ومن خنع ووقع وسقط في بحر الرذيلة والإذلال والعار .. ابتزوا المرضى لقاء علاجهم .. والطالب لقاء إكمال تعليمه .. والتاجر لقاء قضاء تجارته .. والعامل لقاء تصريح عمل ...ابتزاز للبشر على قضاء حوائجهم .. مساومة في مفارقة عجيبة بين جوع الروح والأحشاء !!!
بائع السوس كان يجمع القرش على القرش.. واثر العمل كبائع للسوس بعد طرده من وظيفته .. حلم ان يشيد كشك يرتاح من عناء التجوال في طرقات السوق .
في مشهد من مشاهد بائع السوس "أبو علي" ، حين مضى بين الناس يضرب أطباقه النحاسية بين أصابعه يعزف ألحانه بعرف عهدته الناس عن بائعي السوس والخروب وكل المشروبات الشعبية .. عم صوت انفجار هز أركان المنطقة .. اختلطت الاوراق والمشهد .. اضطربت الناس الجائلة في السوق .. تزاحموا تدافعوا ,, هربوا من المكان .. نسوة وأطفال تتعثر خطاهم .. سيدة تصرخ .. طفل يبكي .. شاب يقفز .. مسن يترنح على عكازه ..أغلقت محلك التجاري الذي عملت فيه أجيرا .. كان الشباب في المكان يسعفون من سقط اثر انفجار قنبلة .. راود خيالك الشك .. بقيت قلقا على صديق بنت عشرتك الجديدة معه .. تسأل في بنان العقل عنه .. فجأة سمعت الشباب وهم في أوج انسحابهم من المكان مفزوعين ..تطرق إلى مسامعك في حوار بينهما ان بائع السوس قد تمزقت أحشاؤه.. واختلط السوس بدمائه على الأرض بعد تمزق إبريق السوس ..وتمطر المكان بالجرحى .. مشهد تكرر كثيرا وعهدناه على ايدي عصابات اللعنة من بني صهيون .. فهم قدموا للتاريخ تاريخا اسود بصنائعهم وطباعهم .. فمذبحة دير ياسين ..وكفر قاسم .. وعين كارم .. والحرم في الخليل .. وخانيونس ورفح .. وصفد وطبريا .. وتل الزعتر .. وحمام الشط ..كلها مرصعة بالعار على جبين تاريخهم .
هرعت سيارات جيشهم إلى مكان الانفجار .. والناس تتكدس على أبواب المستشفى لعلاج الجرحى ..توجهت كبقية الشباب إلى هناك حيث تتسابق الحالة بين الموت والحياة ، وشباب المنطقة في همة وسباق لنجدة الجرحى ، في تبرع للدم .. يتابعون الجرحى من أبناء الوطن ..أخذت بهم الحمية والغضب من الاحتلال وسواد أعماله الخبيثة .. هتفوا بصوت واحد "بالروح بالدم نفديك يا شهيد .. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين .. بالروح بالدم نفديك يا جريح "فليسقط الاحتلال .. فليسقط القتلة ...
هناك حين اخترقت جحافل المتجمهرين من أهالي الثكلى والجرحى وصلت خطاك صالة الاستقبال .. نبشت بين الجرحى تعتصر ألما على أبناء الوطن .. تبحث عن صديقك بائع السوس "أبو علي" ..وجدته في غيبوبة !! جروحه كبيرة غائرة وخطيرة .. شدة لهفتك دعت الطبيب لان يعتقد انك تربطك به صلة الابن لأبيه.. كان المشهد يعبر عن قيم إنسانية .. أخلاقية تنم عن أصالة تجمع أبناء الوطن في وصالها .. يجمعهم وحدة الدم والمصير المشترك في وجه الطغاة .
كانت الزوجة لبائع السوس متوترة مرعوبة على مصير زوجها الجريح .. علامات القلق تلفها .. ما بين حال زوجها وحال أسرتها في غياب الزوج .. اقتربت منها قدمت لها بعض من النقود بحجة أنها وديعة معك من بائع السوس . أخذت الزوجة المال بتردد وقالت :"اجت في وقتها" _ ما بيعلم في الحال غير الله ".
كان هذا الموقف يعبر عن حالة الإيثار . خطى تعزز المعروف بين الناس بشهامة لا تغرق في وسط أهل القيم والكرم.
استمر بائع المتجر "عزمي" تخفف من وطأة الحال يخفف من آلامها وحزنها .. وفي أوج الحالة بدأ بائع السوس يفيق من غيبوبته .. وانعكست ملامح السعادة على وجوه الأطباء.. سمحوا لأهله وأحبابه الملهوفين ان يزوروه لبضع دقائق .. اخذ بائع السوس يصرخ ويسأل المحلقون من حوله .. أين أنا ؟أين الشباب ؟ أين أم علي؟ أين أنت يا عزمي؟
تساؤولت انطلقت من لا وعي الملهوف .. تعبر عن قيم الأصالة .. ففي حياتهم كرماء وفي مماتهم اصلاء عظماء .
بقى الجميع من حوله ينظرون اليه بإسهاب ، يترقبون أحواله .. تجمعوا على الخير في ترابط اجتماعي لا تقطعه مصالح المغرضين .. تجمع شملهم وحدتهم وتوحدهم في مصير مشترك وآمال وآلام واحدة ..
في فجر اليوم الثاني استيقظ بائع السوس من غيبته وانهال الجميع عليه متلهفين بسلامته . وفي سلوك منظم دخلوا يسلمون عليه الواحد تلو الأخر ..
قرر أهل الحي ان يعوضوا بائع السوس عن متاعبه وآلامه ، فقاموا بتشييد كشك له تعبيرا عن تضامنهم معه ، واشتروا إبريقا فضيا بدلا عن إبريقه الذي نالت منه قنبلة فتت أحشاء بائع السوس وإبريقه الفضي ، هنا هم يحملون عبارات تؤكد بأنهم باقون ثابتون متجذرون لا تهزهم ولن تجلجلهم قنابل صناع الموت ..وقفوا كعصبة واحدة في وجه الطغاة .. لن تثنى عزائم الرجال مخالب الطغاة مهما غرسوها في أجسادهم .
ناصروا المستضعفين من بني جلدتهم .. ولم يعطوا مكانا للرعب ولا للخريعة ان تداهمهم .
كان بائع السوس يشعر بالعز والفخر كلما نظر في عيون أبناء الحي .. كان يرى في عيونهم رجالاً ونساءً يشاطرونه .. يهنئونه على سلامته وعودته .. أدرك ان عطاء شراب السوس لأهله وأحبابه قد خلده في وجدانهم .. حمل أصالته في عقولهم .. كل هذا من شراب السوس فما بالك بالأرض التي منحت بلا حدود .. منحت الهوية والانتماء ..الحب .. قضت الحاجات .. كفى أنها ظللت أبنائها بظلها !
وفي يوم عودة بائع السوس إلى الحي .. استقبله أهل الحي كاستقبال الإبطال العائدون من نصر في معركة الثبات ، واحتفلوا بافتتاح الكشك لحظة وصوله حاملين الجريح العائد على الأكتاف .. وصلوا الكشك .. داهمتهم فرحتهم حضور جيبات الجيش العسكرية لتغتال فرحتهم .. أحاط الجنود بالجمهور المحتشد بعد ان حضرت مزيد من القوات العسكرية من جيش الاحتلال .. أشهروا بنادقهم صوب الجمهور المحتشد .. ترجل قائد الدورية تجاه بائع السوس .تمترس الناس بشجاعة .. قال بائع السوس : ماذا بكم .. يرعبكم مشهد الناس .. أتريدون مصادرة إبريق السوس .. سنعود نوزع الشراب على الناس ولن اخذل عزيمتهم مهما فعلتم .. قتل .. اعتقال سأبقى مزروعا وسأوزع شراب السوس لكل الأحبة مهما تجبرتم !!
وجهوا له تهمة في هذه المرة بإثارة الفوضى وتحريض الرأي العام .. وإثارة الاضطرابات الأمنية .. وحملوا بائع السوس في صندوق سياراتهم العسكرية .. وقف بائع السوس ينادى ويصرخ لم توقف عزيمته تجبر الجيش .. نادى بأعلى صوته على صديقه "عزمي" البائع في محل تجارة الملابس ان يكمل المشوار ان يبيع السوس على الناس .. ان لا يستسلم للبغاة .. ان يوزع شراب السوس على الناس مهما بلغت الظروف!!
قرر عزمي ان يعمل بالوصية التي حملها له صديق "أبو على" ، وفي صبيحة اليوم التالي .. قدم مفاتيح المحال لصاحبة .. وحمل "عزمي" إبريق السوس الفضي يجول في السوق .. يوزع الشراب .ز واخذ يردد سنفونية صديقه أبو علي من جديد ..
ترى في مشهد جميل كم تتواصل الأجيال .. لا يسقطون راياتهم .. تتسلمها الايدى ويمضون في طريق عبدوه بالدماء .. تتواصل الأجيال بنضالها .. بتراثها .. مسيرة لا تنتهي إلا برحيل الأعداء .



#مازن_حمدونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار التناظر مع القاص محمود سيف الدين الإيراني
- مدرسة الحوار المتجدد - حوار التناظر مع الأديب الشاعر عمر شبا ...
- مدرسة الحوار المتجدد - حوار التناظر مع الأديب الكبير عمر حمّ ...
- مدرسة الحوار المتجدد - حوار التناظر مع الأديب الكبير عمر حمّ ...
- مدرسة الحوار المتجدد-في ربوع الأدب السياسي- حوار التناظر مع ...
- في ربوع الأدب السياسي- حوار التناظر مع الأديب الكبير جبرا إب ...
- في ربوع الأدب السياسي - حوار التناظر مع الشاعر معين بسيسو
- في ربوع الأدب السياسي - مشهد عزف منفرد على قماش الخيمة !!
- في ربوع الأدب السياسي - حوار التناظر مع الأديب القاص زكي الع ...
- حوار التناظر مع الأديب الشاعر توفيق زياد
- في ربوع الأدب السياسي - حوار التناظر مع الأديب القاص صالح أب ...
- في ربوع الأدب السياسي - حوار التناظر مع الأديب الشاعر سميح ا ...
- في ربوع الادب السياسي -حوار التناظر مع الأديب الشاعر محمود د ...
- في ربوع الادب السياسي - حوار التناظر مع القاص عمر حمش
- المنطار كائن في المكان ... هل غادر المكان
- ظلام دامس في وجدان وفاء سلطان فاض إدراكها
- حوار التناظر
- هل يستيقظ الفلسطيني أخيراً؟
- حوار التناظر مع الأديب غريب عسقلاني... ما لم يقله غريب عسقلا ...
- حوار التناظر مع الأديب غريب عسقلاني... ما لم يقله غريب عسقلا ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مازن حمدونه - مدرسة الحوار المتجدد - حوار التناظر مع الأديب فضل الريمادوي