|
مجتمع القرود
صبيحة شبر
الحوار المتمدن-العدد: 2283 - 2008 / 5 / 16 - 07:43
المحور:
الادب والفن
ضرب على الطاولة المستديرة أمامه بغضب ، رافعا صوته : - الا تسمعين الكلام ؟ كم مرة ألقنك الدرس؟ القيود في معصمي ، والقدمان ملتهبتان من أثر الوقوف ، اعتدت على احترام النساء في مجتمعي ، وتقديم الكراسي للاستراحة ، حين يكون الجميع وقوفا. جميع الحضور جالسون في مقاعد وثيرة ، يستمعون الى رئيسهم ، بانتباه ، وانا قد أدمتني قدماي ، انظر الى محفلهم بتوسل ، عل احدهم يفهم ما ارمي اليه ، ويتخلى عن جلوسه اكراما لي. وجوه خالية من التعبير ، تحسن الاصغاء ، والاقتداء بما يقوم به الناس المتعلمون من حركات ، حركات مدروسة بعناية فائقة ، - لن ارفع صوتي ، ولن اتلف اعصابي . أظل مصغية الى حديثه الحيادي ، متمنية ان كلماته تنجح أخيرا في الافصاح عما يريد توصيله لي من أوامر ينهمك جميع الحضور في حركاتهم ، السلال في ايديهم يصنعون منها اشياء جميلة ، سوف يعرضونها للبيع - هذه المخلوقة لن تفهم تعييني الكلمات ، وتنهك طاقتي على الاحتمال ، تهمتي كبيرة كما يبدو لي ، ولكني لم اتوصل بعد الى ادراك كنهها - جماعتك ولوا الى غير رجعة. اود ان احرك يدي ، وان اكون قادرة على المسير ، ألاحظ ان اطرافي جميعها مربوطة. تحوك اياديهم السلال بمهارة فائقة ، وانا حيرى ، أحاول ان امرن نفسي على اكتساب الهدوء ، الذي وجدت انهم يتصفون به ، كلماتهم هادئة ، لاصراخ فيها ، ملابسهم أنيقة ، وحركاتهم واضحة ، وانا الغريبة بينهم ، لاافقه مما يراد مني ، ينطلف صوت الرئيس امرا : - لقد نفذ صبري معك ، انتم معشر أغبياء ، لاتملكون القدرة على استعمال عقولكم. اياديهم تتحرك باستمرار ، تنتج اشياء جميلة تفيدهم ، للحصول على الربح والاموال ، فهم يحبون ان يقوموا بشراء ما يحتاجون - معشركم قوم اشقياء. تتراكم امامهم كتب كثيرة ،قد تكدست عليها امواج من الغبار ، على مر سنين طويلة ، وانا قد أعياني الوقوف الطويل ، والنظر الى وجوههم علني اظفر بالجواب ينظر الي الحاضرون باستغراب ، يتبادلون الكلام بينهم بلغة لاأفهمها، تطلق منهم همهمات واشارات اتمكن بعد جهد من فك رموزها : - اضحكوا عليها ، كما ضحك عليكم قومها ، عاملوها بالمثل يطيلون الي النظرات المتهكمة ، وانا بينهم صماء عمياء ، لاتفقه من لغتهم شيئا ، وقد أتعبها ان تجد نفسها بعد مسيرة العمر هذه ، موضعا للهزء والسخرية ،من هؤلاء القوم الغرباء ، صحيح من الكثير من افراد قومي قد سخر من الاخرين ، وضحك عليهم ، وسلبهم بعض ما يملكون ، ولكني لم افعل شيئا يسيء الى احد من الناس ، او يسبب لها الأذى ، او نوعا من الخسارة المادية او المعنوية ، وحاولت ان اكون باشة باسمة مع الجميع ، حتى اؤلئك الذين يحبون دائما ان يضروا بالاخرين ، ليثيروا الضحك والاستهزاء. يبدو ان الرئيس قد فهم ما يجول في عقلي" - انك لم تسيئي الينا ، ولكن قومك فعلوا كم ناديت ان يلقى كل امريء ما جنت يداه ، دون ان يحاسب على جريرته ابنه او صديقة او الابعدون من أقربائه ، ولكن محاولاتي تلك ، لم يكتب لها النجاح ، بقي في الناس قوم يضحكون على الذقون ، وينقذون انفسهم من العقاب ، ويكونون من الذكاء وشدة الدهاء ان يكسبوا الاعجاب من الاصدقاء والمعارف بدلا من العقاب ، والتصفيق والتهليل ، وهم يستحقون التوبيخ والتقريع ، لم يكن بيدي تحسين اخلاق الناس وتصرفاتهم وانا منهمكة في التفكير المتواصل الطويل ، يأتيني صوت الرئيس قائلا:- - لن نعاقبك كما عاقبنا جماعتك ، نحن نتوخى العدالة ، ولكننا سنجعلك اضحوكة بعض الوقت. يصفق بيديه امرا : - هاتوا القفص لايجدون صعوبة في ادخالي داخله ، فانا مربوطة اليدين والقدمين
يشير رئيسهم الى الكتب المتراكمة جبالا ويقول : - معشركم البلداء قد بذروا تعب البشرية في امور لاتنفع ، ولا تسمن من جوع يقلب الرئيس الكتاب الاول ، تتناثر صفحاته ، ينفخ فيها ، تتساقط الاوراق على البساط المزركش ، المنسوج بعناية - جمعنا كل سمومكم ، وسوف نتخلص منها كتب هائلة تتراكم ، طبقات فوق بعضها ، تتساقط اوراقها بفعل الرطوبة والنسيان أحاول ان اتذكر كم مضى لي ، في هذا المكان ، اين اصدقائي ، واخوتي والأشخاص الذين أحبهم؟ - جنسكم أثبت فشله ، واستحق ان يباد. انظر الى جبال الكتب المتراكمة ، والتي اصفرّت اوراقها بفعل هبوب الرياح الخريفية ، التي ما فتئت تحمل الدمار الى اراضينا القاحلة ، التي جعلوها جرداء اتذكر عدد الكتب التي تعبت طوال عمري في كتابتها ، محاولة ان اعثر على عنوانها في ركام عقلي الافل ، فلا اعثر على المراد ، تذهب محاولاتي ادراج الرياح - حكمتم العالم ، فسببتم الاضرار به ، وهذه جريمتكم النكراء ، سوف تبصرين انت نهايتها ، وانقاذنا من شرورها. ينفخ الرئيس في اكوام الكتب التي عفا عليها الزمان ، والاوراق التي لاتطير بفعل الرياح ، يجعلها في وسط القاعة - هاتوا نشعل الاوراق ، ونتدفأ بالحرارة المنبعثة يلتفت الرئيس الي ناصحا قومه : - ذروها الى النار ، ليستمر الدفء ، ويسود الاستقرار صبيحة شبر
12 – 5 - 2008
#صبيحة_شبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المدونات والاضافة التي يتطلع اليها القاريء
-
أطفالنا العراقيون وطفولتهم الضائعة
-
شاعر التفاؤل والشباب وقهر الصعاب
-
أبناء أبرار
-
عيد الطبقة العاملة العراقية
-
التاسع من نيسان : ماذا حمل للعراقيين ؟
-
أما أن لهذا العنف أن يزول ؟؟
-
التشخيص : قصة قصيرة
-
شاعر شغل الناس
-
أبو العلاء المعري والمقابر الجماعية
-
وجهة نظر
-
احتفالات عيد المرأة العالمي في السفارت العراقية
-
الى امرأة في بلادي
-
الجثمان : قصة قصيرة
-
بالاحضان يا عامنا الجديد
-
الناس والكتابة
-
لقاء : حوار عن مجموعة قصصية
-
اشهار ..قصة قصيرة جدا
-
حقوق المواطنة وواجاتها
-
حوار
المزيد.....
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|