حول تجربة المناقشة العامة في الحزب الشيوعي السوداني

تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2282 - 2008 / 5 / 15 - 11:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

الفترة: اغسطس 1991- 2004م
في اوائل التسعينيات من القرن الماضي حدثت متغيرات عالمية ومحلية ، كان لها تأثيرها علي منطلقات الحزب الشيوعي السوداني السياسية والفكرية والتنظيمية ، وكان من ابرز هذه المتغيرات: فشل النماذج الاشتراكية( الستالينية) في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، وتغير عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي كان قائما علي القطبية الثنائية، وحل محله نظام القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، كما حدثت تحولات في التشكيلة الرأسمالية نتيجة للثورة العلمية التقانية وجددت الرأسمالية نفسها ووجدت متنفسا لتنشيط استثماراتها ، وحدثت متغيرات في تركيب الطبقة العاملة والتي اتسعت قاعدتها والتي اصبحت تضم العاملين بايديهم وادمغتهم والذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي، كما ازداد العالم الثالث فقرا وانهكته الحروب الأهلية والمجاعات والاوبئة الفتاكة واصبح مثقلا بالديون.
وجدت هذه المتغيرات الهائلة في العصر حظها من المناقشة بين السياسيين والعلماء والمفكرين ومراكز البحوث والجامعات والاحزاب الشيوعية وغير الشيوعية، ومن ضمنها الحزب الشيوعي السوداني والذي فتحت لجنته المركزية مناقشة عامة حولها في اغسطس 1991م. وبدأت تنشر المناقشات في مجلة الشيوعي( المجلة الفكرية للجنة المركزية)، ومجلة قضايا سودانية التي كان يصدرها تنظيم الحزب الشيوعي في الخارج.
وبعد ثلاث سنوات من بداية المناقشة العامة، لاحظ مركز الحزب أن هناك خللا تنظيميا وعمليا لازم المناقشة العامة ، وهو أن اللجنة المركزية اغفلت وضع الاطار العام للمناقشة العامة ، وعليه، فان سكرتارية اللجنة المركزية قررت تكوين لجنة لوضع الاطار العام للمناقشة العامة، ولتجاوز هذا الخلل يتلخص مهامها في الآتي:
1- تقويم ناقد لمسار المناقشة العامة واستكمال اصولها وضوابطها وفق روح ومبادئ اللائحة ، ترصد كل الانتقادات والملاحظات والتحفظات التي ابداها بعض الكادر كتابة أو شفاهة علي اسلوب وابتداء المناقشة ومنهج ادارتها وتستطلع مقترحاتهم للارتقاء بقضاياها واثراء محتوياتها.
2- صياغة مشروع قضايا ومحاور دائرة البحث : الاطار العام للمناقشة العامة ورفعه الي اللجنة المركزية خلال فترة زمنية معقولة يتفق عليها ، مع الاعتبار الكافى لظروف السرية مع ملاحظة أن اللجنة لاتتعارض ولاتعطل مواصلة نشر كل الاسهامات التي وصلت في الداخل والخارج ومتابعة نشر ما يصل من اسهامات.
وبعد تكوين اللجنة في نوفمبر 1994م( من اربعة زملاء)، باشرت اللجنة مهامها في ضوء لائحة الحزب التي تنص علي الآتي:
(الصراع الفكري يعتبر ضرورة لازمة لحيوية الحزب . في بعض الاحيان يصل هذا الصراع الي مستوى النزاع والخلاف مما يستوجب مواجهته في مناقشة عامة أو علي نطاق الهيئات .
كما حددت اللائحة كيفية ادارة الصراع الفكري علي هدى المبادئ الآتية:
1- يجب أن يدار الصراع حول المسائل المبدئية والمسائل الفكرية ويجب الا ينحدر الي المسائل الشخصية.
2- يجب ادارة الصراع باعتبار تام لمصالح الحزب والشعب واحترام نظام الحزب الداخلي.
3- يجب أن تسود النقد للافكار والمواقف روح العقل والمنطق كما يجب البعد كليا عن الحدة والمرارة والانفعال.
4- المناقشة العامة في الحزب تجيزها وتقودها اللجنة المركزية عن طريق الصحافة الحزبية والاجتماعات والمؤتمرات العامة والجزئية.
5- تنتهى المناقشات بعد نهاية الفترة المحددة للصراع وبعد استيفاء كافة وسائل ادارته بالتصويت داخل الهيئة التي حددت لحسم الصراع. ويعتبر رأى الأغلبية هو السائد ما لم تر هيئة حزبية اعلى غير ذلك).
وقامت لجنة الاطار العام باستطلاع آراء الهيئات مثل : سكرتارية مديرية الخرطوم، والمكتب المركزي للتنظيم، وبقية الهيئات ، كما رجعت لمقترحات الاعضاء والكادر والتي نشرت وما لم تنشر حول تنظيم المناقشة العامة ووضع اطار لها، كما استطلعت اللجنة آراء بعض الكادر واعضاء اللجنة المركزية، واعتمدت شكل المقترحات المكتوبة والمقابلات الشفهية، حتى توصلت اللجنة الي الحد المعقول من المقترحات للاطار العام في شكل اسئلة، مع الأخذ في الاعتبار المرونة التي تتيح للاعضاء وضع اسئلة وقضايا خارج الاطار العام ومناقشتها، فالهدف من الاطار العام تنظيم المناقشة لاتقييدها.
وبعد أن انجزت اللجنة الاطار العام رفعته الي سكرتارية اللجنة المركزية في مايو 1995م، والتي بدورها ناقشته ورفعته الي اللجنة المركزية.
وفي دورتها بتاريخ ديسمبر 1997م، ناقشت اللجنة المركزية الاطار العام للمناقشة العامة، واجازته بعد الاضافات والتدقيق وحددت الواجبات والمهام العملية للمناقشة العامة لتجديد الحزب الشيوعي السوداني.
كونت الدورة ثلاث لجان : لجنة لتسيير المناقشة العامة من مهامها اعداد تلخيص ختامي للمناقشة العامة، ولجنة لتجديد البرنامج، ولجنة لتجديد اللائحة ، على أن تباشر اللجان مهامها فورا وفق مهامها وصلاحياتها الواردة في ورقة المهام والواجبات. كما وجهت الدورة بالاسراع في نشر المساهمات المتراكمة في الداخل والخارج، واعتماد اسلوب السمنارات أو الحلقات الدراسية لمعالجة بعض القضايا النظرية والحزبية ونشر اوراق السمنارات وحصيلة المناقشات.
كما وجهت الدورة الهيئات القيادية في المركز والمناطق للاهتمام بمسار المناقشة العامة، واستقرارها كبند ثابت في جدول اعمال الفروع والهيئات ، كما وجهت الدورة الهيئات القيادية للاهتمام بتسجيل وتلخيص مناقشات الفروع والهيئات وارسالها للجنة تسيير المناقشة العامة والمجلة ، وتشجيع الأعضاء والكادر على الاسهامات المكتوبة ولو في قضية واحدة من قضايا المحاور ، وتخطى حاجز التردد والارجاء تجاه الكتابة.
ويتكون الاطار العام الذي اجازته دورة ديسمبر 1997م، من المحاور الآتية:
1- البحث في الاجابة الموضوعية حول اسباب ودروس فشل التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا.
2- الماركسية ومستقبل الاشتراكية.
3- تجديد الحزب الشيوعي السوداني( تجديد البرنامج، تجديد الدستور، تجديد اسمه، والتقويم الناقد لتجربته، والارتقاء بالعمل القيادي لمواجهة المهام السياسية والنظرية والتنظيمية المعقدة في ظل المتغيرات).
كما أشارت الدورة الي ضرورة دراسة المتغيرات التي حدثت في الواقع السوداني ، حتى نعيد الخط التنظيمي الي مكانه الطبيعي في اجندة الفروع والهيئات، كما أشارت الدورة ايضا الي ضرورة استطلاع آراء الديمقراطيين لتجديد الحزب الشيوعي.
وكانت دورة ديسمبر 1997م، هي البداية الجادة للتحضير للمؤتمر الخامس للحزب والذي قطع التحضير له انقلاب يونيو 1989م، كما وجهت اللجنة المركزية لجنتي تجديد البرنامج والدستور الي ضرورة الانطلاق من النقطة التي توقفت عندهما لجنتي البرنامج واللائحة في الفترة(1985-1989)، ومتابعة المتغيرات الجديدة، بدلا من البداية العدمية.
وبعد الدورة اخذت المناقشة العامة مسارها السليم، واستمرت رغم ظروف السرية والحصار الذي فرضته ديكتاتورية الجبهة الاسلامية علي الحزب، وسارت المناقشة العامة متزامنة مع نشاط الحزب السياسي الجماهيري من اجل استعادة الديمقراطية وتصفية نظام الانقاذ الشمولي.
كما استمرت المناقشة العامة رغم خروج مجموعة الخاتم عدلان من الحزب وتكوين حركة (حق)، علي أساس أن الماركسية فشلت بعد انهيار التجربة الاشتراكية وأفل نجمها، وانهم لايحبون الآفلين، وأن الضرورة تقتضي حل الحزب الشيوعي وتكوين حزب جديد، وبالفعل كونوا حزبهم الجديد والذي تعرض بدوره الي الانقسامات، ولم يتحول حسب ما زعموا الي حزب ديمقراطي جماهيري.
وفي هذا الصدد، تابعت لجنة تسيير المناقشة العامة نشر المساهمات التي وصلت في اعداد الشيوعي ابتداءا من العدد 156- وحتى العدد 169، كما صدرت مجلة في الخارج( قضايا سودانية)، قامت ايضا بنشر المساهمات، صدر منها 28 عددا.
كما انعقدت سمنارات بهدف تركيز المعرفة المتخصصة ومساعدة اعضاء الحزب والقوى الديمقراطية في المناقشة مثل: سمنار حول الاشتراكية والدين، العلمانية، الاشتراكية، الثورة العلمية التقنية وآثارها علي بلدان العالم الثالث والسودان بصفة خاصة، قضايا البناء والتنظيم.. الخ.
كما اصدر مركز الحزب وثيقتين لتركيز المناقشة حول البرنامج والائحة هما: وثيقة مبادئ موجهة لتجديد البرنامج وهى مساهمة من السكرتير العام، ووثيقة المدخل لتجديد الائحة التي اصدرتها اللجنة المكلفة باعداد مشروع اللائحة.
كما قامت لجنة تسيير المناقشة العامة بتحويل المساهمات حول اللائحة للجنة اللائحة، والمساهمات حول البرنامج للجنة البرنامج والتي استفادت منهما اللجنتان في اعداد مشروعي الدستور والبرنامج.
كما انجزت لجنة التسيير رسالة للديمقراطيين واصدقاء الحزب تحثهم علي المساهمة بارائهم لتجديد الحزب، كما اصدرت بيانات صحفية وضحت للرأى العام المحلي والعالمي سير المناقشة العامة لتجديد الحزب.
وفي النهاية انجزت لجنة تسيير المناقشة العامة التلخيص الختامي للمناقشة العامة والذي عمم للاعضاء في خمس كتيبات شملت الآتي:
الكتاب الاول: عن المحورين الأول والثاني(دروس فشل التجربة الاشتراكية، والماركسية ومستقبل الاشتراكية).
الكتاب الثاني(أ): ملخص المناقشات حول البرنامج واللائحة.
الكتاب الثاني(ب): ملخص المناقشات حول النشاط السياسي الجماهيري و19 يوليو.
الكتاب الرابع: ملخص لعينة لما نشر في الصحف حول المناقشة العامة لتجديد الحزب الشيوعي.
الكتاب الخامس: ملخص للسمنارات التي عقدت.
كما تم اجتماع مشترك بين لجنة التسيير وسكرتارية اللجنة المركزية توصل الاجتماع الي مقترحات لمواصلة المناقشة العامة، وتم نشر حصيلة الاجتماع في التقرير الختامي للمناقشة العامة المقدم للمؤتمر الخامس مع الخمس كتيبات السالف ذكرها.
كما تم تعميم مشروع الدستور للاعضاء بعد ادخال التعديلات عليه ضمن وثائق المؤتمر الخامس، كما صدر مشروع التقرير السياسي بعد أن ناقشته واجازته اللجنة المركزية ونشرته صحيفة الميدان علي جزءين، وتبقي مشروع البرنامج والذي انجزته اللجنة المكلفة باعداده، وناقشته سكرتارية اللجنة المركزية، ومن المتوقع أن تناقشه اللجنة المركزية في دورة قادمة وانزاله لللاعضاء، ويكون المؤتمر الخامس بعد ذلك على قاب قوسين أو ادني من الانعقاد.

#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات