أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تاج السر عثمان - ابعاد جديدة لنشأة الدولة السودانية في الاكتشاف الاثري الاخير بمنطقة الكدادة















المزيد.....

ابعاد جديدة لنشأة الدولة السودانية في الاكتشاف الاثري الاخير بمنطقة الكدادة


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2341 - 2008 / 7 / 13 - 12:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الاكتشاف الأثرى الجديد بمنطقة (الكدادة) شرق شندى، والذي يعود الى العصر الحجري الحديث(النيوليتي) ، حيث عثر العالم الاثري جاك رينولد على مقبرة تضم رفات شخص تعود لأكثر من (5500)عام وقد دفن معه ثلاثة اشخاص على شكل ضحايا بشرية ضمن طقس ديني معين ، اضاف ابعادا جديدة لنشأة وتطور الدولة في السودان القديم ، ولاشك أن معلوماتنا سوف تزداد غني وتوسع وتجدد حول نشأة الدولة السودانية بالمزيد من الاكتشافات الاثرية والبحث العلمي التاريخي ، فليس هناك احكام واستنتاجات نهائية في هذا المضمار.
ومعلوم، ان الانسان السوداني قبل ظهور الدولة ، وفي زمان موغل في القدم مارس في عصور ما قبل التاريخ ( العصر الحجري ) النشاط نفسه الذي قام به انسان العصور الحجرية في بقية انحاء العالم ، كما اوضحت الحفريات التى قام بها علماء الاثار ، في تلك الحفريات ، نجد أن انسان سودان وادى النيل عاش على الصيد وجمع الثمار ، ونتيجة لشح الفائض الاقتصادي نتصور أن ذلك المجتمع كان يقوم على التعاون والجماعية في العمل ، وبالتالى لم تظهر الفوارق الطبقية والدولة ( تاج السر عثمان : الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الشركة العالمية للنشر ، 2008، ص 13 ).
وفي نهاية العصر الحجري الحديث ( النيوليتي) ، نسمع عن بداية اكتشاف الزراعة وتربية الحيوان ، اى ما يعرف بالثورة النيولوتية ، وهى أول ثورة اقتصادية عرفها الانسان ، والتى تم فيها الانتقال من مجتمع يقوم اقتصاده على الصيد والتقاط الثمار الى مجتمع زراعي رعوي. ولاشك أن هناك مرحلة انتقالية طويلة ومعقدة مر بها المجتمع السوداني للتحول من مجتمع بدائي الى مجتمع زراعي رعوى ، وان التشكيلة الاجتماعية الانتقالية بدأت تشهد بذور الفوارق الاجتماعية الطبقية والصناعة الحرفية والتبادل التجاري واستخدام المعادن وغير ذلك من بذور التطور الحضاري.وقد أدت تلك التراكمات الحضارية السابقة الى تحولات نوعية ، فقد شهد سودان وادى النيل أقدم دولة سودانية هى مملكة كرمة( 3000 ق.م) ، وكان ذلك نتاج لتطور واتساع الفروق الاجتماعية وظهور الطبقات المالكة والتى كانت من وظائفها حماية امتيازاتها ( الملوك، الكهنه ، الاداريين ، الموظفين .. الخ) وحماية التجارة وبسط الأمن ، وبالتالى ظهر الجيش ليقوم بتلك الوظائف ، وتحت ظل هذه الدولة شهد سودان وادى النيل قيام أول مدن كبيرة ، وشهد اول انقسام بين المدينة والريف ، كما تطورت التجارة مع المملكة المصرية ، وتطورت الصناعة الحرفية مثل: الفخار ، السلاح ، العناقريب، أدوات الزينة .. الخ . وشهد سودان وادى النيل اول انقسام طبقي ، وعرف المجتمع طبقتين اساسيتين : الطبقة المالكة التي تشمل الملوك ، حكام الاقاليم والكهنة والاداريين والموظفين والتجار وطبقة الشعب التى تضم المزارعين والحرفيين ، الرقيق ، الرعاة ، كما عرفت دولة كرمة الفائض الاقتصادي الناتج من تطور الزراعة والرعى والتجارة والصناعة الحرفية ، ويتضح ذلك من الاكتشافات الأثرية التي امدتنا بمعلومات عن التطور في تلك الجوانب . وعلى أساس هذه القاعدة الاقتصادية ولعوامل متداخلة ومتشابكة : دينية وسياسية ، نشأت الدولة ، ويبدو أن تراكم الفائض الاقتصادي في يد الكهنة من العوامل التى أدت الى قيام الدولة ونشأة المدينة التي قامت حول معبد أو مبني ديني ، ويتضح ذلك من الأراضي الزراعية التي كان يملكها الكهنه والتى كانت تمد الدولة والمعابد بالاحتياجات. ويفيدنا عالم الآثار : شارلس بونية، في مؤلفه ( كرمه : مملكة النوبة ) ، بأن المدينة عرفت التنظيم الاداري وبوجود ملك على قمة المجتمع وكهنة وطبقات واداريين في المدينة والريف.
والسؤال هو ما موقع الاكتشاف الأثري بمنطقة (الكدادة) في صيرورة نشأة وتطور الدولة في سودان وادي النيل حتى وصلت مرحلتها المتطورة في مملكة كرمة(كوش)؟.
ربما تكمن دلالالة هذا الاكتشاف أنه غطى فراغا في المرحلة الانتقالية الطويلة والمعقدة التى مرت بها التشكيلة الاجتماعية للانتقال من مجتمع بدائي كان يقوم علي الصيد وجمع الثمار الى مجتمع زراعي رعوي حتى ظهور الطبقات والفروق الاجتماعية وظهور الدولة التى أخذت شكلها المتطور في مملكة كرمة. وكما أشار عالم الآثار جاك رينولد في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمنطقة (الكدادة) الى اهمية الشخص المدفون في الوسط وحوله ثلاثة اشخاص دفنوا كضحايا بشرية ومجموعة من القطع الآثارية ورؤوس ابقار دفنت معه مع معدات جنائزية (الايام: 16/فبراير/2008م) ، ومن الاكتشاف الأثري من السهل استنتاج دخول سودان وادى النيل مرحلة الزراعة وتربية الحيوان كما يتضح من رؤوس قرون الابقار (والمرحاكتين) للطحن ، وتطور الصناعة الحرفية كما يتضح من الفخار المدفون مع الضحايا البشرية ، وأدوات الزينة والفؤوس الحجرية ، اضافة لاستئناس الكلاب التى تلعب دورا كبيرا في حماية الماشية وغير ذلك ، اضافة الى بدايات ظهور العقائد الدينية والتى تدل عليها قرون الابقار التى كانت ترتبط في فترات سابقة بافريقيا بمراسم دينية كما أشار جاك رينولد ، كما توضح بداية ظهور الفوارق الاجتماعية كما يتضح من طريقة وموقع الدفن والتى من خلالها تحديد المستوى الاجتماعي للشخص المتوفي ، وكما أشار جاك رينولد : هذا الشخص المدفون من خلال موقعه في الجبانه نستطيع القول بأنه كان يحوز على مكانة اجتماعية مميزة ، مما يحيلنا الى بداية وجود / نشؤ الزعامات في افريقيا والمنطقة عموما في العصر الحجري الوسيط ، كما يوضح الاكتشاف بذور التطور الحضاري في سودان وادي النيل الضاربة في القدم ، واستقلال الحضارة السودانية عن الحضارة المصرية القديمة.
كما أشار جاك رينولد في مؤتمره الصحفي الى أنه من (الناحية النظرية بما ان هذه المنطقة غنية في زراعتها ، لذلك الشئ الاساسي هو وجود شخص مع ضحايا وأدوات هامة مما يكون بداية تكوين الدويلات في افريقيا والعالم ، وعلى مستوى العالم لايوجد مثال لانسان بهذه الاهمية يعود لنفس الفترة ، ولذا اقول أن هذا الشخص يكتسب الاهمية ذاتها للملوك المرويين الذين بنوا الاهرامات ، لأن بداية الحضارة كانت الزراعة واستئناس الحيوان والاستقرار في مجتمعات وظهور الدويلات التى تطورت حتى وصلت لمملكة كوش(كرمة) ومروى ، غير أن هذا القول لايزال نظرية بعد ، لااستطيع الجزم بها لحين اكمال عمل خبير علم الاجناس).
ومن المؤكد أن هناك فراغات كثيرة تحتاج لتغطية في صيرورة نشأة وتطور الدولة في سودان وادي النيل ، فقد اكتشف علماء الآثار من قبل حضارة المجموعة (أ) وحضارة المجموعة(ج) والتى وضح منهما أن انسان سودان وادى النيل مارس الزراعة والرعى بدرجات متفاوتة في تلك الحضارتين وعمليات التبادل التجاري كما اوضحت أثار حضارة المجموعة(أ) ،كما نلاحظ ان تلك الحضارة عرفت استخدام المعادن، تلك التقنية المتطورة التي ارتبطت بمرحلة ارقي من العصر الحجري فيما يختص باستخدام المعادن ( النحاس ، البرونز ،.. الخ) بدلا من استخدام الخشب والحجر والعظام ، اضافة لأدوات الزينة وأدوات الانتاج الزراعي كما يظهر لنا من وجود المواد المصنوعة من النحاس ضمن مخلفات آثار تلك الحضارة ، وطبيعي كما أشرنا سابقا ، أنه مع اكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات أن قبائل وشعوب تلك الحضارة بدأت تشهد بذور الفوارق الاجتماعية نتيجة التفاوت في امتلاك الفائض من الغذاء وفي ملكية الماشية والاراضي مما ادى في النهاية الى ظهور الدولة.
ولاشك أن اكتشاف منطقة (الكدادة) يسلط الضوء على المرحلة الانتقالية الطويلة التى مرت بها نشأة الدولة في سودان وادي النيل، حتى اخذت شكلها المتطور في مملكة كرمة، كما أن معلوماتنا سوف تتطور وتغتنى بالمزيد من الاكتشافات الاثرية في هذا المضمار.

هوامش:
1- شارلس بونيه: كرمه مملكة النوبة ، دار الخرطوم للطباعة والنشر 1997م ، ترجمة احمد محمد على حاكم واشراف : صلاح الدين محمد احمد .
2- تاج السر عثمان: الدولة السودانية : النشأة والخصائص ، الشركة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع ، 2008م.



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية وتحرير المرأة
- كيف تناول التقرير السياسي المنهج الماركسي
- الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني
- من تاريخ الفكر الاشتراكي في الذكري ال 160 لصدور البيان الشيو ...


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تاج السر عثمان - ابعاد جديدة لنشأة الدولة السودانية في الاكتشاف الاثري الاخير بمنطقة الكدادة