أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني















المزيد.....



الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2271 - 2008 / 5 / 4 - 10:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الحلقة الاولى

أشار مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني إلى جذور الستالينية في الفكر والممارسة، وانعكاسها السلبي علي تجربة الحزب الشيوعي دون اعتبار لخصوصية الواقع في أى بلد، كما أشارت بعض بنود لائحة الحركة السودانية للتحرر الوطني في النصف الثاني من اربعينيات القرن الماضي(1948) إلى: أن الأسس النظرية للحزب هي الماركسية اللينينية، والاهداف العامة هي توحيد الطبقة العاملة السودانية والشعب السوداني ضد الاستعمار واقامة ديمقراطية شعبية تتدرج إلى الاشتراكية فالشيوعية، وأن قيادة الحزب، وهي المركز الذي يقود الحزب ارتبط تاريخها وامتزج دمها بحب الحزب والاخلاص لقضيته وتخلصت إلى ابعد الحدود من الرواسب الطبقية واصبحت ذات ايديولوجية بروليتارية، وان الايديولوجية في الحزب تتمثل في هذه القيادة)(الفصل الرابع، بناء الحزب، ص5، صحيفة الميدان).

أود في هذه الدراسة تسليط الضوء علي موقع الستالينية في تجربة الشيوعي السوداني، وتحديد اين تأثر الحزب بالستالينية، واستقلال تجربة الحزب عنها.بذهن مفتوح واستخلاص نتائج من الواقع، لا من تصورات ذهنية مسبقة تجافي الواقع.

الستالينية : المفهوم والمصطلح:

ارتبطت الستالينية كمفهوم ومصطلح بالجمود في الماركسية وتخطي القوانين الموضوعية في التطور، كما حدث في النموذج الاشتراكي الستاليني كنظام تسلطي بيروقراطي، كما تشكلت النماذج الستالينية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا في ظروف تاريخية معينة وبسمات معينة، ويرى الاقتصادي المجرى سنتش : أن هناك ثلاثة عوامل وشروط أساسية ذات اهمية متساوية حددت النموذج الستاليني وهي:-

1- الخصوصية التاريخية المحلية، أى التخلف النسبي لهذه البلدان، مع تقاليد تاريخية معينة، واضطلاعها بالمهمة التاريخية للتحديث.

2- الاوضاع الدولية : اى عزلها في الحرب الباردة والمواجهة مع القوى الغربية وتحالفها العسكري مع الاتحاد السوفيتي واعتمادها عليه والخطر الحقيقي لاندلاع حرب عالمية ثالثة، وبيئة معادية سياسيا وايديولوجيا مع ما يقترن بها من مساع ومؤثرات تعمل علي تقويض الاستقرار، وكلها تمخضت عن سياسة التكتل والتشديد على الجوانب العسكرية، والاعتبارات الأمنية.

3- خصائص النظام، اى المهمات والقوانين الحقيقية المفترضة فرضا للتحول الاشتراكي المرتبط في الغالب بمفهوم الاشتراكية في بلدان منفردة).

أما السمات الأساسية للنموذج الستاليني فقد حددها سنتش في الآتي:-

1- سياسة العزلة أو المواجهة ازاء العالم الخارجي منحته عسكرة الاقتصاد والتنظيم شبه العسكري للحركات الاجتماعية.

2- الارادية والتعجيل المفروض فرضا في عملية التحول الاجتماعي لبناء الاشتراكية من الفوق عن طريق سلطة الدولة، وعملية التحديث الاقتصادي بمحاولات ترمى إلى اللحاق بالركب (بالدول الصناعية الرأسمالية)، أساليب قسرية لتحقيق التراكم وانجاز التصنيع واستخدام الموارد استخداما افقيا.

3- سلطة ذات بناء هرمي احتكاري مع اندماج الدولة بالحزب الحاكم، واخضاع المنظمات الاجتماعية إلى هذا الأخير، قاصرا نشاطها على القيام بدور الحزام الناقل بين السلطة المركزية ورعاياها، ومن ثم قهر المجتمع المدني بسلطة دولة متزايدة الاغتراب والتركيز).

هذه هى العوامل أو الشروط والسمات التي حددت النموذج الستاليني كنظام تسلطي بيروقراطي، حيث يمكن القول ان ما انهار هو النموذج الستاليني للاشتراكية.

ومن سمات الستالينية الجمود النظري والتبسيط المخل للماركسية كما جاء في مؤلف ستالين : المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية (1938)، والذي اختزل فيه تاريخ البشرية الغنى والخصب في خمس تشكيلات اجتماعية هي: الشيوعية البدائية، الرق، الاقطاع، الرأسمالية، الاشتراكية.ونتيجة لهذا لاختزال فقدت الماركسية طابعها العلمي لتصبح فلسفة للتاريخ أو مخططا مسبقا يمكن علي أساسه مطابقة العصور التاريخية، في حين أن ماركس كان يعارض ذلك طيلة حياته ويصارع ضد ان يصبح تحليله لتطور الرأسمالية في اوربا تعميما على بلدان العالم، وشدد علي الدراسة المستقلة لكل مجتمع، كما أشار إلى نمط إنتاج سادس اطلق عليه نمط الانتاج الآسيوي، أشار ماركس في مقدمة مؤلفه: (نقد الاقتصاد السياسي) إلى أن(نمط الإنتاج الآسيوي والقديم والاقطاعي والبورجوازي الحديث يمكن وصفها في خطوطها بأنها عصور متقدمة في التكوين الاقتصادي والاجتماعي). وأشار ماركس إلى خطأ تعميم اللوحة الخماسية للبلدان الاوربية علي البلدان غير الاوربية. وصيغة نمط الانتاج الآسيوي حسب ما أشار اليها ماركس في مؤلفه (مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي )، تعني: ظهور مجتمع طبقي في اطار اشكال ملكية الارض الجماعية، علي أساس من مستوى للقوى المنتجة ما يزال بالغ التدنى ولكنه يسمح باقتطاع فائض انتاج، أما السمات الأخرى (الأشغال الكبرى، الرى، الاستبداد، فهى ليست أساسية في هذا التعريف فتخص لانمط الانتاج نفسه، وانما بعض المجتمعات الآسيوية ( مصر القديمة، الهند،..). اذن نمط الانتاج الآسيوي شأنه شأن سائر انماط الانتاج لايشكل مرحلة الزامية في تطور المجتمعات كافة، وان التعميمات النظرية ليس لها من معنى أو قيمة، الا اذا انبثقت عن دراسة الوقائع التي لايجوز لها بحال من الاحوال أن تلوى عنقها، فجوهر الماركسية هو البحث الحر وبذهن مفتوح والدراسة الموضوعية لمعرفة خصائص وسمات كل بلد، دونما مخطط مسبق للمجتمعات الاوربية أو غير الاوربية، انطلاقا من روح الديالكتيك: التحليل الملموس للواقع الملموس.

أما المؤرخ الفرنسي: جان اللينشتين في مؤلفه تاريخ الظاهرة الستالينية( دار ابن رشد 1975)، فقد أشار إلى تعريف الظاهرة الستالينية بأنها: لاترتبط بشخص ستالين ولم تختف معه وهى لاتقتصر على الاتحاد السوفيتي وان كان يمثل مركزها. كما نعنى كل الدول الاشتراكية التي كانت قائمة. وتمس المجال النظري والممارسة، وكذلك المجالات السياسية والاقتصادية والايديولوجية. ولدت الظاهرة الستالينية في العشرينيات من القرن الماضي بعد موت لينين، وبدأت تذوى بموت ستالين (1953)والمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي (1956). أشار اللينشتين إلى أن هناك عوامل ساعدت في تكوين الظاهرة الستالينية منها: تخلف الوضع الاقتصادي، كانت نسبة الأمية عند قيام الثورة الروسية في العام 1917، 70%، اضافة إلى الحروب والمجاعات والاوبئة.. الخ، اضافة لنفوذ الكهنة وعبادة الايقونات( الصور المقدسة للعذراء والقديسين)، وعبادة القيصر وكأنه اله، انعدام الحريات الشخصية. يقول اللينشتين: ( ذلك كان ميراث الماضي، ويمكن الغاؤه بواسطة مجموعة من القوانين، ولكن من الصعب انتزاعه من الروح الانسانية والممارسة اليومية) (ص16، المرجع السابق). كما تحول الالحاد إلى سياسة رسمية للدولة وتحولت الماركسية إلى فلسفة رسمية، كانت تدرس بطريقة دوغمائية للسوفيت منذ نعومة اظافرهم، هذا اضافة لعبادة الفرد وتحول الماركسية من جوهرها النقدي إلى نظرية جامدة.

علي أن تفسير أسباب نفوذ الستالينية في الأحزاب الشيوعية فكان يرجع إلى: الدفاع عن الدولة الاشتراكية الوحيدة، المجابهة مع الراسمالية، دور الاممية الثالثة( الكومنترن)، محاولة تعميم النمط السوفيتي علي البلدان الأخري دون مراعاة خصائصها المحلية.

تلك هي خصائص وسمات الستالينية.

اين موقع الستالينية في تجربة الحزب الشيوعي السوداني؟

ونود هنا أن نفحص تجربة الحزب الشيوعي السوداني، حتي نقف علي الأرض، وبطريقة ملموسة علي مدى تأثر هذه التجربة بالستالينية، وذلك انطلاقا من ضرورة الدراسة النقدية العميقة والتحليلية لتجربة الحزب الشيوعي السوداني واستنادا علي منهج الماركسية الديالكتيكي الذي ينظر للظواهر في نشؤؤها وتطورها وتجاوزها، وانطلاقا مما هو ايجابي ومستقل في تجربتنا السودانية لتجاوز الجمود الستاليني.

أولا: الفترة: (1946- 1956م).

1- معروف أنه عندما تأسست الحركة الوطنية للتحرر الوطني ( الحزب الشيوعي فيما بعد) في اغسطس 1946م، كان الشعاران المطروحين: وحدة وادي النيل تحت التاج المصري، والسودان للسودانيين تحت التاج البريطاني. باستخدام المنهج الماركسي تمت دراسة الواقع، وتوصلت الحركة السودانية إلى الشعار البديل المناسب وهو: الجلاء وحق تقرير المصير، والكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاستعمار، وكان هذا هو الشعار الذي التفت حوله الحركة الوطنية فيما بعد وكان استقلال السودان بعيدا عن الاحلاف العسكرية، كما لاينسي شعب السودان تضامن الاتحاد السوفيتي معه عام 1947 م عندما وقف في الجمعية العامة للامم المتحدة مطالبا باستقلال السودان.كما ناخذ في الاعتبار أن المنهج الذي ارساه الشهيد عبد الخالق محجوب كان ناقدا، وعلي سبيل المثال : انتقد الحزب الشيوعي صيغة النقل الاعمي لتجربة الكفاح المسلح علي نمط التجربة الصينية، والتي طرحت عام 1952م، وقدر ايجابيا خصوصية نضال شعب السودان الديمقراطي الجماهيري الذي افضي إلى الاستقلال عام 1956م بدون الكفاح المسلح.

كما انتقد الحزب الشيوعي موقفه الخاطئ من اتفاقية 1953م، وقدر دورها الايجابي من زاوية أنها كانت نتاج لنضال الشعب السوداني.

ولكن من اين جاء مدخل الستالينية للحزب الشيوعي السوداني؟.يقول الشهيد عبد الخالق محجوب في دفاعه أمام احدى محاكم نظام عبود(كم كنت سعيدا حينما عثرت على كتاب عند صديق، كتاب بسيط في طباعته متواضعه اسمه( المشكلة الوطنية ومشكلة المستعمرات)، بقلم جوزيف ستالين، هنا لمحت الحل ووصلت إلى رد حاسم لتساؤلي، فعرفت كنه الاستعمار، وانه لايعني فقط احتلال الجنود لبلادنا، بل يعني سيطرة رأس المال الاجنبي على مقدرات وطننا، وان هذا الاخطبوط من شأنه أن يحيط نفسه بطبقات من داخل البلاد بوساطة بنوكه وشركاته، طبقات تشمل الاقطاعيين وكبار الرأسماليين، وأن هذه المصالح هى التي تحرك تلك الطبقات وتقتلع جذورها من أرض الوطن(ثورة شعب، دار الفكر الاشتراكي، 1965م، ص 322).

يواصل عبد الخالق ويقول: ( كانت تلك الافكار النيرة فاتحة لنافذة كبرى نطل بها علي العالم ونتبصر بها طريق حركتنا الوطنية، وقد تداول هذا الكتاب وقتها عشرات من الطلبة، كان يتطلع لايجاد حل لمشاكل الحركة الوطنية السودانية ويتلمس انجع الطرق لحرب المستعمرين وتحقيق الحرية والاستقلال).

يواصل الأستاذ عبد الخالق ويقول): ومنذ ذلك التاريخ وأنا اتطلع كل صباح لمعرفة المزيد من النظرية الماركسية اللينينية التي اتخذتها منهجا لحياتي محاولا تطبيقها على ظروف بلادنا وفق تقاليدنا السودانية، وما تتطبه مصالح شعبنا الحقيقية)( ص، 322).

اذن المدخل كان كتاب ستالين لايجاد حل لمشاكل الحركة الوطنية، ولكن مؤلفات ستالين لم تكن نهاية المطاف، وكما أشار عبد الخالق أنه كان يتطلع كل صباح لمعرفة المزيد من النظرية الماركسية ومحاولة تطبيقها على ظروف بلادنا وفق تقاليدنا السودانية، وكانت تلك خطوة هامة في تجاوز الجمود الستاليني. وفي تلك السنوات الباكرة من تأسيس الحركة الوطنية كان حسن الطاهر زروق يقول: ان شعب السودان سوف يشق طريقه الخاص للاشتراكية وان التجربة السوفيتية ليست ملزمة له، وأن نظام الحزب الواحد ليس هو الطريق الامثل اضافة إلى حرية العقيدة والضمير.

ومن مدخل الاهتمام بالمسألة الوطنية والتنوع اللغوي في السودان نلاحظ ترجمة الاستاذ عبد الخالق محجوب لمقالة ستالين : الماركسية وعلم اللغات(1954)، ويواصل الشهيد عبد الخالق محجوب اهتمامه بهذا الموضوع حيث ورد في وثيقة (حول البرنامج) اخر كتابات عبد الخالق (1971)ما يلي بشأن المسألة القومية/ القبلية واللغات( بالنسبة للتجمعات القومية والقبلية الاكثر تخلفا وفيما يختص بالثورة الثقافية الديمقراطية. لابد من التشجيع الفعلي للنمو الحر لثقافات هذه المجموعات. أ- بعث لغات ولهجات هذه المجموعات وعمدت الدولة الوطية الديمقراطية بجدية إلى تشذيب تلك الأدوات، والتوسل بها في التعليم ( ووفقا للتجارب التربوية في هذا المضمار) وفي النهضة الثقافية الشاملة.ب - ان تصبح هذه الثقافات جزءا من المكونات العضوية للثقافة السودانية).

كما نلاحظ ترجمة عبد الخالق لمؤلف الماركسي الممتاز بليخانوف ( تطور النظرة الواحدية للتاريخ)، من مدخل الدراسة العميقة لتطور المجتمع في المفهوم المادي للتاريخ، بعيدا عن الفهم الستاليني الجامد، مما يشير إلى اتساع الأفق لتجاوز الستاليني.

في اوائل الخمسينيات، كون الحزب الشيوعي لجنة لدراسة مشكلة الجنوب، ونتيجة لدراسة واقع المشكلة، وبعيدا عن المنقول من الكتب الماركسية، توصل الحزب إلى شعار الحكم الذاتي الاقليمي، والاعتراف بالفوارق الثقافية بين الشمال والجنوب، وحق الجنوبيين في استخدام لغاتهم المحلية في التعليم، وقد طور الحزب ذلك لاحقا في عام 1994م، بطرح حق تقرير المصير كحق ديمقراطي انساني، وان نبذل اقصى الجهد لكيما يكون ذلك في اطار الوحدة الطوعية للسودان.

أما علي مستوي تنظيم الحزب فقد بدأ الصراع ضد أسلوب عمل أول لجنة مركزية للحركة السودانية للتحرر الوطني كما جاء في كتاب عبد الخالق محجوب (لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني)، تلك القيادة التي لم تبرز وجه الحزب المستقل، واختزلت التعليم الماركسي في بعض النصوص الجامدة – ولم تدرس أوضاع البلاد أو تحاول دراسة واقع البلاد من زاوية الماركسية، ولم تتجه لبناء الحزب وسط الطبقة العاملة، بل الأخطر من ذلك كله أن الحزب لم تتوطد فيه لائحة، بل ظلت العلاقات بين أعضائه وهيئاته تسودها الاتجاهات الشخصية أكثر من الروابط التنظيمية، وهذا الصراع كان خطوة هامة في مواجهة الجمود الستاليني. أشار عبد الخالق إلى أن الصراع والنقد بدأ يبرز ضد هذا الاتجاه، وتوصل الصراع والنقد عام 1947م إلى حل المسائل التالية: بناء فروع وسط الطبقة العاملة وترقية كادر عمالي وسط القيادة، وضع لائحة للحزب، إصدار مجلة الكادر (الشيوعي فيما بعد)، إصدار منشورات مستقلة باسم الحزب، تصعيد النشاط السياسي الجماهيري المستقل ضد الاستعمار عام 1948م، حل مشكلة التحالف مع الرأسمالية الوطنية علي أساس التحالف والصراع، الدخول في جبهة الكفاح ضد الجمعية التشريعية وتصعيد النضال ضدها.

وبعد معارك الجمعية التشريعية (1948)، تواصل الصراع ضد أسلوب ومنهج عمل اللجنة المركزية بقيادة عوض عبد الرازق، واستمر الصراع ضد هذه القيادة التي (امتزج دمها بحب الوطن)، والتي قيدت نشاط الحزب المستقل، هذا إضافة لضيق العمل القيادي وغياب الديمقراطية في الحزب ككل، وكانت العلاقات بين اللجنة المركزية والمستويات التنظيمية الأولي تنحصر في إصدار القرارات وتنفيذها، ولم يكن في الحسبان مناقشة قرارات ل.م ناهيك عن انتقادها(التجاني الطيب، مجلة الشيوعي، العدد 150). وكان من نتائج هذا الصراع أن انبثقت فكرة المؤتمر التداولي الذي انعقد عام 1949م، وجاء كشكل أرقي لتوسيع الديمقراطية ومشاركة الحزب ومحاسبة اللجنة المركزية عن أدائها. انجز المؤتمر التداولي تعديلات في لائحة الحزب لتتلائم مع تطور الحزب وجرى كفاح ضد الانحلال التنظيمي والعلاقات الفردية ليحل محلها الضبط التنظيمي والعلاقات المبدئية. كما عملت اللجنة المركزية لدعم الديمقراطية في الحزب فاجرت انتخابات القادة (بعد المؤتمر التداولي)، وعقد أول مؤتمر للحزب عام 1950م، كما تم نشر قرارات المؤتمر التداولي لأعضاء الحزب في مجلة الكادرلابداء الرأى حولها.


--------------------------------------------------------------------------------

الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني

الحلقة الثانية

المؤتمر الأول أكتوبر 1950: طرحت اللجنة المركزية في ذلك المؤتمر قضايا سياسية وفكرية وتنظيمية أمام المؤتمر لاتخاذ قرارات بشأنها، كانت تلك أول مرة يحدث فيها ذلك في تاريخ الحزب، كما أجاز المؤتمر لائحة ساهمت في الاستقرار التنظيمي، وكان من نتائج المؤتمر أيضا انتخاب اللجنة المركزية والتي قبل ذلك كانت عضويتها تكتسب بالتصعيد ( أي بقرار منها بضم أعضاء لها)، وتلك كانت أيضا خطوة حاسمة في الصراع ضد الستالينية والتي جوهرها مصادرة الديمقراطية في الحزب. كما أشار المؤتمر إلى ضرورة ربط العمل الفكري بالعمل الجماهيري واستقلال الحزب في نشاطه بين الجماهير وإعلان موقفه المستقل في كل المسائل من منابره المختلفة، أي رفض المؤتمر اتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يقول بدراسة النظرية أولا، ثم العمل الجماهيري، علي أن يتواصل نشاط الحزب الشيوعي من داخل الأحزاب الاتحادية.

بعد المؤتمر الأول وقع الصراع الداخلي، وكان الرد بفتح المناقشة العامة علي صفحات مجلة الكادر(الشيوعي فيما بعد).طارحا على الأعضاء القضايا مدار الصراع. وكان اتجاه عوض عبد الرازق يرى أن وجود الطبقة العاملة الصناعية ضعيف في السودان، وبالتالي لداعي للتسرع بتكوين حزب شيوعي مستقل، وأن يتواصل نشاط الحزب من داخل الأحزاب الاتحادية، كما كان يرى ضرورة دراسة النظرية أولا قبل التوجه لبناء الحزب وسط العمال والمزارعين، ولداعي لإغراق قيادة الحزب بكوادر عمالية مستواها النظري ضعيف.

وانعقد المؤتمر الثاني في أكتوبر 1951م، وحسم المؤتمر الصراع الداخلي لمصلحة وجود الحزب المستقل، وان النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور النظرية، واقر المؤتمر أول لائحة لتنظيم الحزب الداخلية وتحديد هويته كحزب لينيني، وبعد المؤتمر وقع انقسام مجموعة عوض عبد الرازق، وقررت اللجنة المركزية طرد المنشقين.

واضح أن اتجاه مجموعة عوض عبد الرازق كان اتجاه عزلة وجمود( دراسة النظرية بمعزل عن الواقع، إخفاء هوية الحزب، العمل فقط من داخل الأحزاب الاتحادية..).

هكذا من خلال صراع الأفكار، بدأت تكون هناك حيوية داخل الحزب، ومن خلال الصراع ضد الجمود بدأت تتسع الديمقراطية داخل الحزب ( المجلة الداخلية، المؤتمرات، الاجتماعات الموسعة، انتخاب اللجنة المركزية، فتح المناقشة العامة..حسم الصراع ديمقراطيا بالتصويت، ولكن مجموعة عوض عبد الرازق لم تقبل رأى الأغلبية بروح ديمقراطية، ومواصلة الأقلية إبداء وجهة نظرها من داخل الحزب، ولجأت إلى التآمر والانقسام).

وفي عملية بناء الحزب، كانت ابرز الخطوات هي التي جاءت في اجتماع اللجنة المركزية في مارس 1953م، الذي أشار إلى ضرورة بناء الحزب كعملية ثابتة وفي كل الظروف مدها وجزرها، كما طرح ضرورة بناء الحزب علي النطاق الوطني ليصبح حزبا شعبيا وتحويل الحزب إلى قوى اجتماعية. وكذلك طرحت وثيقة خطتنا في الظروف، الصادرة في يناير 1954م، السؤال: كيف يتم تحويل الحزب إلى قوة اجتماعية كبري؟.كما أشارت إلى ضرورة تقوية الحزب سياسيا وفكريا وتنظيميا، كما أشارت إلى أن عملية بناء الحزب تتم في كل الظروف جزرها ومدها.وتعميق جذور الحزب وسط الطبقة العاملة.

كما أشارت وثائق تلك الفترة إلى الاهتمام بالمرشحين وفترة الترشيح، والارتباط بالجماهير وفهم مشاكلها وقيادتها قيادة يومية، إضافة إلى تأمين الحزب ومحاربة روح الغفلة، وضرورة الاهتمام بالعمل الإصلاحي: الجمعيات التعاونية، محو الأمية، الأندية الرياضية والثقافية .. الخ. ولكن البدائية في عملية بناء الحزب حالت دون تنفيذ تلك الموجهات، وكان من أهم أسباب ذلك الضعف النظري للقيادة، وعدم وجود مفهوم نظري متكامل حول عملية بناء الحزب، وكان تنظيم الحزب هشا رغم نجاح الحزب في استنهاض حركة جماهيرية واسعة (بناء الحركة النقابية وحركة المزارعين، والحركة الطلابية، حركة الشباب والنساء،..الخ)، رغم الإمكانيات الواسعة التي أتاحتها تجربة الجبهة المعادية للاستعمار، التي لخص عبد الخالق تجربتها في كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي.

ثانيا: الفترة:1956- 1969م

شهدت بداية هذه الفترة انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي،والذي تم فيه نقد الجمود الستاليني وعبادة الفرد، كما أشار المؤتمر إلى ضرورة تجاوز الستالينية. وبعد المؤتمر اصدر الشهيد عبد الخالق محجوب كتابه: آفاق جديدة، 1957م، انتقد عبد الخالق محجوب في هذا الكتاب أفكار ستالين القائلة بأن الثورة لن تنتصر في حركة التحرر الوطني ( إلا إذا تم تسليط النيران على البورجوازية الوطنية المهادنة بكشف خيانتها للجماهير الكادحة من نفوذها). أشار عبد الخالق إلى خطأ ستالين في تقسيم البورجوازية الوطنية إلى كبيرة وصغيرة، كما لم يشر إلى البورجوازية المتوسطة التي تلعب دورا مهما في تاريخ الحركة الوطنية، كما أشار عبد الخالق إلى أن الشعب السوداني سيصل إلى المجتمع الاشتراكي حتما بطريقه الخاص ووفق تقاليده لأن هذا هو منطق التاريخ)(ص، 86). كما أشار عبد الخالق إلى أن(الإحساس الجديد هو مناقشة القيم السياسية في أسلوب خاص، وإعادة النظر فيها والاحتفاظ بكل ما هو حي وتقدمي، ونبذ كلما ما هو ميت ومتأخر).

كما أشار عبد الخالق إلى أهمية القيادة الجماعية.

يواصل عبد الخالق في اتجاه التحرر من الستالينية ويقول: (ان التطورات الاشتراكية في بلادنا يمكن أن تحدث باتساع نطاق القوى الديمقراطية في حركة واسعة ومستمرة وطويلة الأمد، تحتل مركزها الجماهير العاملة السائرة نحو اليسار، وبوجود هذه الحركة الواسعة يمكن أن تحرز أغلبية برلمانية من الكتلة اليسارية المؤلفة من الشيوعيين وذوى الميول اليسارية من الاشتراكيين والديمقراطيين). يواصل عبد الخالق ويقول: ( ولكن السير في هذا الطريق لا يعتمد عليهم وحدهم، ولكنه يعتمد علي مدى احترام الدستور المناسب لتطور بلادنا نحو الاشتراكية وتفتح السبيل أمام الجماهير التقدمية والعمالية والاشتراكية ليحرزوا نتيجة لنشاط متنوع ومتسع وطويل الأمد أغلبية برلمانية، وبهذا يضع اليساريون والشيوعيون أهمية كبرى للنظام البرلماني في بلادنا( ص، 84-85).

ولاشك أن المقالات التي نشرها عبد الخالق في كتابه آفاق جديدة وضعت المنهج للتحرر من الجمود الستاليني والأحكام التبسيطية للماركسية، والاتجاه لدراسة الواقع واستنباط الحلول منه، لا من المنقول من الكتب.

صحيح أن الحلقات الأولي التي أسست الحزب الشيوعي السوداني، كانت مؤلفات ستالين والتي تعبر عن الجمود النظري متداولة فيما بينها، وحتى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي في عام 1956م، كانت وثائق الحزب الشيوعي السوداني مثل دورات اللجنة المركزية مليئة بالنصوص من ستالين، ماوتسي تونغ، .. الخ، وكانت ترد في تلك الوثائق : النظرية الماركسية – اللينينية – الستالينية، إضافة إلى كثرة النصوص من مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفيتي وكثرة الحديث عن علم الثورة الماركسي – اللينيني – الستاليني.. وتعاليم الرفيق يوسف ستالين.

وفي مجلة الشيوعي العدد(8) الصادر عام 1956م، أشار عبد الخالق إلى ما يلي( ان الجمود تسرب إلى حزبنا في الظروف التي اكتنفت دخول الماركسية إلى بلادنا، فعقب الحرب العالمية الثانية تزايدت القوة الجاذبة في المعسكر الاشتراكي، وأصبحت شعوب المستعمرات والبلدان التابعة تؤيد تأييدا تاما وفعالا الاتحاد السوفيتي وتعطف عليه، وبدخول الماركسية في بلادنا، وفي وقت ليست فيه تيارات فكرية أصيلة مناوئة، كان هناك إقبال على هذه الأفكار وتقبل لها..).

ويواصل عبد الخالق ويقول: (ان الانتصارات الأولية جعلتنا نستند دائما إلى النتائج العامة للنظرية الماركسية، ونهمل جانب دراسة خصائص شعبنا وظروفه وأن نضع في الاعتبار التجربة السودانية الخاصة، وبهذا ظهر وسطنا اتجاه لإهمال الدراسة الواقعية، والاعتماد على النتائج الماركسية العامة ومحاولة تطبيقها بشكل أعمى ودون دراسة موضوعية علمية لما يجرى حولنا)( ص، 46).

اذن عبد الخالق وضع اللبنات الأولى لتجاوز الجمود الستاليني بالانطلاق من احتياجات الواقع لحل قضايا عملية ونظرية، وبعيدا عن النقل الأعمى لتجارب الآخرين، ونجد هذا المنهج واضحا في وثائق مثل (الماركسية وقضايا الثورة السودانية )، وإصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير)، ... الخ.

ويذكر التيجاني الطيب في قضايا سودانية العدد الرابع، ابريل 1994م (وفي النشاط العملي أذكر أنه بيننا في السنوات الأولى ( من تأسيس الحزب) من يصر علي ضرورة صياغة تحليل طبقي للمجتمع السوداني، فكان عبد الخالق يصر على أن هذا التحليل لن يتوفر إلا بالمعرفة العميقة المباشرة للمجتمع، وإلا تحولنا إلى ناقلين للآخرين. وفي هذا الصدد كانت هناك محاولات لتصنيف المزارعين إلى فقراء ومتوسطين وأغنياء وفق معطيات روسية أو مصرية، ولكنه عارض وظل يطالب لأن نعرف (علي الأرض ) من هو المزارع الفقير حقيقة في مجال مشروع الجزيرة، وبنفس الطريقة رفض تنزيل المراحل الخمس لتطور البشرية على المجتمع السوداني)(ص، 35).

أي أن منهج عبد الخالق كان ينطلق من دراسة الواقع بذهن مفتوح، لا من المنقول من الكتب، مما يعني عمليا تجاوز الجمود الستاليني.

خلال ديكتاتورية الفريق عبود(1958-1964م)، تمسك الحزب الشيوعي السوداني بموقفه المستقل والمستند علي دراسة الواقع حول طبيعة النظام، ورفض الحزب الشيوعي السوداني تقدير السوفيت لنظام عبود، باعتباره نظام وطني، كما رفض الحزب الشيوعي السوداني اتجاه الحزب الشيوعي الصيني لفرض نموذجه في السودان، أي رفض النقل الأعمى لتجربة الصين باعتماد الكفاح المسلح الذي كانت تنادي به العناصر اليسارية التي انشقت من الحزب(مجموعة احمد شامى ويوسف عبد المجيد...). ونتيجة لدراسة الواقع توصل الحزب الشيوعي السوداني إلى شعار الإضراب السياسي العام في أغسطس 1961م، وثابر الحزب علي هذا الشعار بتنشيط العمل الجماهيري، حتى تمت الإطاحة بديكتاتورية عبود في ثورة أكتوبر 1964م.

وفي الصراع ضد الجمود اليساري، أسهم عبد الخالق محجوب في ترسيخ الديمقراطية وتنقية الحياة الداخلية للحزب، جاء في وثيقة إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير ( الحياة الداخلية في بعض منظمات الحزب لا تسير على أسس سليمة وخاصة في موضوع المركزية الديمقراطية، إذ أن بعض الرفاق يدوسون علي هذا المبدأ الذي لن يستقيم الحزب الشيوعي بدون تطبيقه، انهم يضعون السلطة التنظيمية محل الصراع الفكري والإقناع انهم لا يحترمون رأي الأقلية، أنهم لا يناقشون سياسة الحزب بقدر ما يصدرون الأوامر العسكرية، ساعد على نمو هذا الاتجاه الضغط والاضطهاد التي يعيش فيها الحزب الشيوعي، كان هذا الاتجاه خطير جدا وهو صادر عن عقلية فوضوية، عقلية مغامرة لا علاقة لها بالعقل الماركسي، بالفعل في مديرية الخرطوم نتيجة لمسلك سكرتيرها التنظيمي الزميل جبارة، ولقد انعزل الحزب في دوائر هامة بهذه المديرية، تساقطت عضويته وانفض الروح الثوري عند بعض من بقوا في صفوفه، ان أساليب الزميل جبارة في القيادة وإزاء الأعضاء خير مثال للأساليب الضارة، فالرقابة على القرارات تعنى التحقيقات المستمرة، وتعبئة الأعضاء حول خط بعينه تعنى التطبيقات العسكرية، والاختلاف في الرأي يعنى العداوة والأحقاد والطرد من العضوية، فإذا كان هذا هو المسلك من الأعضاء، فما أملنا في خلق صلات بالجماهير؟(ص، 38، طبعة دار عزة 2001).

كما لخصت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية تجربة الحياة الداخلية في فترة ديكتاتورية عبود على النحو التالي:- ( وبينما حياة حزبنا تتأثر بالاتجاهات اليسارية وتخلف الأداء والتنفيذ، تعقم الحياة الداخلية وتعصف بالمركزية الديمقراطية، خاصة وأن الديمقراطية بأسرها مصادرة من الحياة السياسية، وقد أدى ضعف المركزية الديمقراطية في الحزب الشيوعي وعدم إشراك عضوية الحزب إشراكا نشطا في حياته الداخلية وفي حياة فروعه إلى انكماش كبير في عضوية الحزب لدرجة عاقت قدرات الحزب الذاتية وهو يواجه مهام ثورة أكتوبر(طبعة دار الوسيلة، 1987).

كما رفض الحزب الشيوعي السوداني الانحراف اليميني عام 1966م، بحل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية سودانية أخرى، اى رفض النقل الأعمى لتجربة الحزب الشيوعي المصري، والذي حل نفسه عام 1966م، وذاب في تنظيم السلطة(الاتحاد الاشتراكي).

وعلي خلاف رأى السوفيت والأحزاب الشيوعية العربية رفض الحزب الشيوعي السوداني قرار تقسيم فلسطين عام 1947 الذي باركه السوفيت، وتمسك بصيغة( قيام الدولة العربية الديمقراطية فوق أرض فلسطين يصحح الوضع الشاذ الذي نشأ منذ عام 1948م. داخل هذه الدولة الفلسطينية العربية سيجد المواطنون الأصليون عربا وأقلية يهودية حقوقهم الكاملة، وبكامل حقوقها المشروعة في السيادة تصفى آثار الاضطهاد الصهيوني الاستعماري وفي مقدمتها مشكلة اللاجئين العرب والهجرة اليهودية (الماركسية وقضايا الثورة السودانية، دار عزة، 2008، ص، 44).

كانت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية، الصادرة عن المؤتمر الرابع، أكتوبر 1967م نقطة تحول هامة في تجاوز الجمود الستاليني، أشارت الوثيقة إلى أن الحزب الشيوعي يتحول إلى قوة اجتماعية كبرى من خلال الآتي:-

- التطبيق الخلاق والمستقل للماركسية واكتشاف الأشكال الملائمة للتنظيم، وأن الحزب الشيوعي لكي يصبح حزبا فعلا حزبا جماهيريا، لابد له أن يحتك بكل الآفاق وان يحس الشعب بوجوده في كافة المستويات.

- لا ينمو الحزب بشكل تنظيمي واحد، فأشكال المدن تختلف عن أشكال القطاع التقليدي.

- الدراسة التفصيلية والملموسة لكل الأقاليم السودانية، تركيبها الاجتماعي والطبقي واقتصادياتها .. الخ، حتى يعمل الحزب وفق مرشد يحميه من تبديد الجهود، واستغلال الكفاءات والكادر بأقصى مستوى من الكفاءة والانجاز.

- بناء التنظيمات الحديثة المختلفة للجماهير، التي تلبي المستويات والاهتمامات المتباينة للجماهير.

- كما أشارت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية إلى ضرورة حل التناقض الذي لازم حياة حزبنا: تطور عمله السياسي ونفوذه الأدبي بين الجماهير، وجمود وتأخر حركة بنائه أداة متصلة بكل آفاق الحياة في بلادنا.

- كما حدد المؤتمر الرابع معالم الخط التنظيمي في المدن والمراكز الرئيسية في قطاع الزراعة الحديثة والقطاع التقليدي في الجنوب وفي الغرب، وبناءا علي ذلك أنجزت كل منطقة دراسة واقعها ووضعت دليلها وصاغت خطها التنظيمي مما جعلها بعد أن كشفت الحقائق الأساسية لواقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أن تتوصل للأساليب الملائمة لعملها – أي تقدم الإجابة السليمة للأسئلة التي وضعها المؤتمر الرابع – وبعد الوضوح حول الخط السياسي بمن ننفذ هذا الخط؟ووسط من؟ وكيف ننفذه بأسلم الطرق وأكبرها عائدا وفائدة؟

- كان المؤتمر الرابع خطوة هامة في تجاوز الجمود والستالينية، فقد رسمت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية منهجا علميا سليما في عملية بناء الحزب، كما وضعت منهاجا للعمل النظري استرشادا بالماركسية كمنهج وليست عقيدة جامدة، وخلافا للمؤتمر الثالث الذي عالج قضايا التكتيك، عالج المؤتمر الرابع قضايا الإستراتيجية والتكتيك، وتوصل إلى أنه من المستحيل أن نرسم إستراتيجيتنا اعتمادا على المنقول من الكتب أو النقل الأعمى لتجارب البلدان الأخرى، كما وضعت الوثيقة منهاجا لدراسة الطبقات من الباطن، ودراسة إستراتيجية الثورة بناءا علي دراسة الطبقات في البلاد، كما عالجت قضايا الخط التنظيمي وقضايا بناء الحزب على أساس العلم والتخطيط.

كانت أزمة القيادة احد المشاكل الأساسية التي واجهت الحزب بعد المؤتمر الرابع والتي جاءت ضعيفة ومخيبة للآمال، ولم تكن في مستوى المهام السياسية والفكرية والتنظيمية التي طرحها المؤتمر الرابع. وصدرت دورة اللجنة المركزية في يونيو 1968، بعنوان( قضايا ما بعد المؤتمر)، والتي عالجت القضايا النظرية والتنظيمية والسياسية والقيادية. أشارت الوثيقة إلى فرع الحزب ( وأن يعتبر عمليا لا نظريا وحده وليس سواه هو القائد لكل نشاط يجرى حوله والمسئول عنه، لقد عانينا من هذا كثيرا، عانينا من الوصاية التي تفرض على فرع الحزب فتطبع الحزب بطابع واحد عقيم وتسلب عضوية الحزب من إرادتهم وتجعلهم متفرجين في كل ما يختص به من أفكار جيدة، وتجعلهم يحجمون عن إثراء الحزب بأفكارهم وتجاربهم، وهذا الاتجاه الذي يصادر الديمقراطية المركزية يخلق السلبية ويحد من طاقات الفرع).

ومشكلة القيادة هي التي دفعت عبد الخالق إلى تقديم وثيقة ( في سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر الرابع، مارس 1969). والتي جاء فيها (أن أعضاء الحزب لم يعودوا يقنعون بالحلول السطحية والشعارات الانتهازية لحل مشاكل العمل الثوري وعلى رأسها تغيير مستوى قيادة الحزب)، كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة تطوير العمل النظري في الحزب تقول الوثيقة( ولهذا فان الحزب الشيوعي يفتح ميدانا جديدا لتطور النشاط القيادي في صفوفه وهو يتطلب نوعا جديدا من الكادر المثقف الذي يهيئ ذاته وقدراته لخدمة الحزب الشيوعي في ميدان المعرفة، انه ليس كادر العمل السياسي بالمفهوم الذي دخل به المثقفون في الماضي صفوف الحركة الشيوعية السودانية).

كما أشارت الوثيقة إلى خطورة التكتيك الانقلابي ( والعقلية الانقلابية)، التي كانت سائدة وسط بعض الكادر القيادي، بقولها( التكتيك الانقلابي بديلا عن العمل الجماهيري يمثل في نهاية المطاف وسط قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية مصالح البورجوازية والبورجوازية الصغيرة..).




#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تاريخ الفكر الاشتراكي في الذكري ال 160 لصدور البيان الشيو ...


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني